صراع السلفيين فى مصر خرج من السر إلى العلن

M-Jakoob

 

تصاعد فى الآونة الأخيرة، الصراع بين كل من سلفية القاهرة وسلفية الإسكندرية، ووصل إلى حد تبادل الاتهامات بين الطرفين، بعدما كانت الجبهتان تعبّران عن الحالة السلفية فى مصر.

وقد أطلق شرارة الصراع الأخير بين سلفيى القاهرة والإسكندرية، الداعية السلفى المشهور الشيخ محمد حسين يعقوب، القيادى بالدعوة السلفية بالقاهرة؛ عندما شبّه الدعوة السلفية بالإسكندرية، وعلى رأسهم الشيخ ياسر برهامى، نائب رئيس الدعوة السلفية، بـ”الديك” الذى سيتحول لـ”فرخة تبيض”؛ بسبب التنازلات التى يقدمونها وتخالف مبادئ الفكر السلفى، ما دفع أنصار الدعوة السلفية فى الإسكندرية؛ إلى الرد بقوة، وبهجوم كبير على “يعقوب”.

كما وصف أنصار برهامى، الشيخ “يعقوب”، بأنه متناقض فى مواقفه، وأعلن من قبل اعتزاله العمل السياسى، إلا أنه يتحدث فيه ليل نهار، وأن الدعوة السلفية لم تقدم أى تنازلات لأحد، الأمر الذى جعل أنصار “يعقوب” يطلبون مناظرة علنية لكشف كل الأمور أمام الجميع.

وعلى أثر هذا الخلاف وجّه الداعية السلفى عثمان القطعانى، أحد أنصار الشيخ محمد حسين يعقوب، دعوة إلى قيادات حزب النور، والدعوة السلفية بالإسكندرية  لمناظرة علنية حول كل الأمور الخلافية التى حدثت، وذلك فى وجود طرف محايد يثق فيه الطرفان ليحدد المصيب من المخطئ.

وفى ضوء ذلك ، الصراع الخفى بين كل من أنصار الدعوة السلفية بالإسكندرية ومثيلتها فى القاهرة.

برهامى والمقدم أبرز رموز الدعوة السلفية بالإسكندرية

تعتبر الدعوة السلفية هى إحدى الجمعيات الدعوية التى تقوم على تطبيق المنهج السلفى، وتحاول نشره عن طريق الدعوة إلى الإسلام.

وقد نشأت الدعوة السلفية بالإسكندرية فى سبعينيات القرن الماضى (بين عامى 72 ـ 1977) على أيدى مجموعة من الطلبة المتدينين، كان أبرزهم “محمد إسماعيل المقدم، وأحمد فريد، وسعيد عبد العظيم، ومحمد عبد الفتاح”، ثم ياسر برهامى وأحمد حطيبة فيما بعد، والتقوا جميعًا فى كلية الطب بجامعة الإسكندرية، إذ كانوا منضوين فى تيار “الجماعة الإسلامية” الذى كان معروفًا فى الجامعات المصرية فى السبعينيات أو ما عُرف بـ”الفترة الذهبية للعمل الطلابى” فى مصر.

وتكوّنت النواة الأولى للشباب السلفيين تحت اسم “المدرسة السلفية” عام 1977م بعد انسحاب هؤلاء الطلاب المتأثرين بالمنهج السلفى من الجماعة الإسلامية، التى هيمن عليها طلاب الإخوان و”فرضوا منهجهم”، حيث شرع الشيخ محمد إسماعيل المقدم فى تأسيس النواة الأولى للدعوة السلفية من خلال درس عام كان يلقيه كل يوم الخميس فى مسجد “عمر بن الخطاب” بالإبراهيمية بمحافظة الإسكندرية، وكان هذا الدرس بمثابة الملتقى الأسبوعى لهذه المجموعة الصغيرة إلى جانب حلقة أخرى بمسجد “عباد الرحمن” فى “بولكلى” بالإسكندرية صباح الجمعة، ولم يكن مع “المقدم” أحد فى هذه الفترة غير زميله أحمد فريد، الذى يحكى فى مذكراته عن هذه الفترة، قائلًا: “كان الحضور فى هذه الحلقة لا يتجاوز عشرة أفراد، ولم يكن معنا أحد من قادة الدعوة السلفية الآن، وكان الشيخ محمد يحفظنا متن “العقيدة الطحاوية”، وكذا “تحفة الأطفال”، وكلفنى بتدريس كتاب “مدارج السالكين”.

وتعرض كثير من أبناء الدعوة الإسلامية عمومًا والدعوة السلفية لكثير من أنواع الاضطهاد من الحكومة المصرية سواء بالسجن أو الاعتقال أو التعذيب وحتى القتل, وتعرض كثير من مشايخ وأبناء الدعوة السلفية للاضطهاد والحبس والاعتقال مثل الشيخ عبد المنعم الشحات، وياسر برهامى وغيرهما من مشايخ الدعوة الذين تم حبسهم واضطهادهم بتهم زائفة.

وقد ازداد ذلك الاضطهاد فى السنوات الأخيرة قبل قيام الشعب المصرى بثورة شعبية فى 25 يناير عام 2011، وكان أحد أشكال ذلك الاضطهاد الموجه للسلفيين مقتل الشاب السلفى سيد بلال، أحد أبناء الدعوة السلفية بالتعذيب من قبال رجال أمن الدولة حتى مات, الذى نسبوا إليه تهمة تفجير كنيسة القديسين، وقد أصدرت الدعوة السلفية، بيانًا تستنكر فيه تفجير كنيسة القديسين، وكان مقتل سيد بلال، والشاب المصرى الآخر خالد سعيد؛ من الأسباب التى أدت إلى قيام ثورة 25 يناير 2011.

وقد استطاعت الدعوة السلفية بالإسكندرية بعد ثورة 25 يناير تجديد نشاطها فى المجتمع بلا قيود ولا اضطهاد من سلطات الدولة, فقام مشايخها بالدعوة فى كل أنحاء الجمهورية، وقام الشيخ الدكتور عماد الدين عبد الغفور، بتأسيس حزب النور، وكان هذا الحزب أول حزب مصرى ذى توجه سلفى، ويهدف الحزب للدفاع عن تطبيق الشريعة الإسلامية.

خاض حزب النور أول انتخابات تشريعية بعد تأسيسه، انتخابات مجلس الشعب المصرى 2011-2012، ضمن تحالف الكتلة الإسلامية الذى تزعمه، وضم حزبى “البناء والتنمية” و”الأصالة” المعروفين بالتوجه السلفى.

وحلّ التحالف ثانيًا بعد فوزه بنسبة 24% من المقاعد (أى 123 مقعدًا).

وتضم الدعوة السلفية بالإسكندرية، عددًا كبيرًا من المشايخ الكبار منه محمد عبد الفتاح أبو إدريس، محمد إسماعيل المقدم، أحمد فريد، سعيد عبد العظيم، ياسر برهامى، أحمد حطيبة، عبد المنعم الشحات.

سلفية القاهرة تضم عبد المقصود وفوزى السعيد

نشأت الدعوة السلفية القاهرية، فى حى شبرا عن طريق مجموعة من الشباب أبرزهم فوزى السعيد، ومحمد عبد المقصود، والدكتور سيد العربى، والشيخ فوزى السعيد، ونشأت إبراهيم، والشيخ محمد حسين يعقوب، وهم من أطلق عليهم فيما بعد “السلفيون الحركيون”.

وتصف سلفية القاهرة، سلفية الإسكندرية بمرجئة العصر؛ لأنهم يحصرون مفهوم الكفر فى دائرة تكذيب الدين.

ناصرت سلفية القاهرة، تنظيم القاعدة، وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001، وقام رموز تيار السلفية الحركية بالقاهرة بالتبرير فى أكثر من محاضرة لهم بالهجوم الذى قامت به القاعدة على أمريكا، وامتدح بعضهم أسامة بن لادن، ووصفوا الولايات المتحدة الأمريكية بالطاغوت الأكبر، وأفتوا بأن جهادها كجهاد إسرائيل، وبعدها تعرض هذا التيار بعدها لحصار أمنى شديد، وتم اعتقال الشيخين نشأت إبراهيم، وفوزى السعيد، مع مجموعة من الشباب السلفيين؛ بتهمة تشكيلهم تنظيمًا أطلق عليه “الوعد”، لكن هناك من يرى أن دور الشيخين لم يتعدَ الإفتاء لعدد من هؤلاء الشباب بجواز جمع التبرعات وتهريبها للفلسطينيين، كما أفتوا بجواز الانتقال للأراضى المحتلة للمشاركة فى المقاومة المسلحة هناك، وعلى أثر ذلك قام هؤلاء الشباب بجمع عدة تبرعات وهربوها لغزة كما حاولوا التدرب على السلاح، بهدف الانتقال لغزة للمشاركة فى القتال.

بعد ثورة يناير حدثت عدة تحولات فى سلفية القاهرة حيث، اتجهت  للعمل الحركى بشكل موسع، كما ناصرت الرئيس الأسبق محمد مرسى وجماعة الإخوان المسلمين.

وعقب عزل الإخوان، ارتمت سلفية القاهرة فى حضن الإخوان، وفرّ أحد رموزها الشيخ محمد عبد المقصود لتركيا، وأصدر عدة فتاوى يدعو فيها أتباعه لمقاومة السلطة، وخاض حربًا كلامية شرسة ضد “إخوة الأمس” من السلفيين الإسكندريين انتهت بوصف محمد عبد المقصود للدكتور ياسر برهامى، بأنه عميل لجهاز الأمن الوطنى.

وانضم شباب سلفية القاهرة، إلى عدة مجموعات اتهمت فيما بعد بحمل السلاح واستخدام العنف، ومنها عمر رفاعى سرور، الذى ساهم فى تشكيل وقيادة جماعة أنصار بيت المقدس، كما قادت سلفية القاهرة، المظاهرات التى كان الإخوان يقومون بها فى القاهرة والجيزة.

«الديك».. بداية الأزمة

عبر مقطع فيديو على قناته عبر موقع “يوتيوب”، قال الشيخ محمد حسين يعقوب، أحد رموز سلفية القاهرة، إن “البعض قدموا تنازلات عن المبادئ والقيم”، وغمز من مقالات ياسر برهامى، نائب رئيس “الدعوة السلفية”، حول “درء الدعوة السلفية للمفاسد، مقدم على جلب المصالح”.

ويقول “يعقوب”، فى روايته، إن “ديكًا كان يوقظ الحى للصلاة، وطلب منه صاحبه أن يتوقف وإلا ذبحه، الأمر الذى جعل الديك يتنازل بحجة درء المفاسد، ثم توالت التنازلات حتى بكى الديك، وتمنى الموت وهو يؤذن”.

وأكد “يعقوب”، أن “الأخذ بفقه الواقع الذى يؤيد التنازل عن المبادئ لا يأتى بثمار”.

رد قوى من سلفية الإسكندرية ضد «يعقوب»

اعتبرت قواعد “الدعوة السلفية”، تصريحات الشيخ يعقوب، أحد قيادات الدعوة السلفية بالقاهرة، محاولة للطعن على قيادات الدعوة، لتشكيل دعوة خاصة به بديلة.

ورد سامح عبد الحميد حمودة، الداعية السلفى، واصفًا “يعقوب”، بأنه “عجيب ومُريب، فلا هو مع الدعوة السلفية، ولا هو مع الإخوان،  ولا دعم مؤسسات الدولة، ولا خرج ليثور ضد ما يظنه باطلًا، فلماذا هو فى الظل والمنطقة الرمادية؟”.

وقال حمودة في بيان: “الشيخ يعقوب أصدر بيانًا يسخر فيه ممن اتهمهم بتقديم سلسلة تنازلات عن المبادئ والقيم، والشيخ يعقوب دائم التلميح والتصريح بالطعن فى الدعوة السلفية، ويتهمهم بالتخاذل والتنازل عن المبادئ، وكل ذلك بسبب مواقف الدعوة الداعمة للدولة المصرية ومؤسساتها”.

وأضاف “والعجيب أن الشيخ يعقوب ما زال مُصرًا على مواقفه الكارثية رغم مرور السنوات واتضاح الرؤية، وظهور الحق الذى لا مرية فيه، وكان المنتظر من الشيخ يعقوب أن يُعلن أسفه وندمه على السنوات التى غرر فيها الشباب؛ وشحنهم بالأحقاد والأكاذيب والكراهية؛ ضد علماء الدعوة السلفية الذين هم شيوخ الشيخ يعقوب، ولكنه شرد وحده بدون فهم للتكييف الشرعى للأحداث”.

وتابع: “حتى خطابه بعيد عن النهج السلفى، فهو يقول (من يتنازل مرة يتنازل دائمًا)، وهذه كلمة لا يقولها طالب علم، وليست مستخلصة من القرآن ولا السنة ولا هدى السلف، ويقول (القرارات التى تصنعها الكرامة صائبة وإن أوجعت)، المفترض على الشيخ يعقوب السلفى أن يقول (القرارات التى تصنعها الرؤية الشرعية)، أما الشعارات العنترية للكرامة والخطاب الثورجى مثل الكام جملة بتوع حازم أبو إسماعيل، فلم تنفع أبو إسماعيل كما لم تنفع يعقوب”.

ومضى حمودة إلى القول: “والواقع يُثبت أن الدعوة السلفية حافظت على نفسها وعلى أبنائها، وحافظت على وجودها الدعوى، وحافظت على مصر، وشاركت فى بناء مصر، بينما خسر غيرها كل شيء، فماذا حقق الشيخ يعقوب فى كل هذه السنوات..؟”.

من جانبه قال الشيخ خالد رحيم، القيادى بالدعوة السلفية، إن الدعوة السلفية لم تتنازل عن ثوابتها العقائدية والمنهجية كما ادعى عليها أنصار محمد حسين يعقوب، وأنها لم تقدم أى تنازلات، ولم تشارك إلا تحت مظلة دستور يحكم بالشريعة ويلزم البرلمان دستوريًا بعدم تشريع ما يخالف الشريعة، قائلًا: “بعكس ما فعل “يعقوب” الذى قال إنه سيعتزل العمل السياسى وهو لم يعتزله أصلًا بل يتكلم فيه ليل نهار”.

وأضاف القيادى بالدعوة السلفية، عبر صفحة حزب النور: “أين التنازلات التى قُدمت من الدعوة؟ وهل تنازلنا عن عقيدتنا أو منهجنا أو ثوابتنا، أما المقارنة بين مشاركتنا فى السياسة ومشاركة الإخوان قبل الثورة فهذا فيه تجنٍ لتغير أحداث ما قبل الثورة وما بعدها، وكذلك للأحداث التى واكبت الثورة وما أدين لله تعالى به أن المشاركة بعد الثورة للتيار الإسلامى بمجمله كانت واجبة وإلى اليوم، والغريب أنكم تنتقدون كل شىء، وأنتم كنتم تعلمون”.

مناظرة بين سلفيى القاهرة والإسكندرية

من جانبه قال عثمان القطعانى، الداعية السلفى، وأحد أنصار الشيخ محمد حسين يعقوب، القيادى بالدعوة السلفية بالقاهرة، “إننا نوجه دعوة إلى قيادات حزب النور والدعوة السلفية بالإسكندرية لمناظرة علنية حول كل الأمور الخلافية التى حدثت، وذلك فى وجود طرف محايد يثق فيه الطرفان ليحدد المصيب من المخطئ وإلا فلن نجد ضابطًا يحسم الخلاف حتى فى الأمور البديهية الواضحة التى كنا متفقين عليها”.

وأضاف الداعية السلفى، فى بيان له، “أن الدعوة السلفية وحزبها خالفا جميع القواعد الشرعية من خلال مشاركتهم فى العمل السياسى، لافتًا إلى أنه من العلل الرئيسية التى كان يستند إليها شيوخنا فى منع المشاركة هو عدم وجود جدوى من المشاركة للتيار الإسلامى، فلم يقدموا شيئًا لا للإسلام أو غيره فى مشاركتهم فى العمل السياسى.

صراع السلفيين طبيعى

من جانبه قال الدكتور خالد متولى، عضو حزب الدستور، إن الصراع الدائر حاليًا بين سلفيى القاهرة والإسكندرية هو صراع طبيعى.

وأضاف “متولى”، فى تصريحات أن هذا الصراع أساسه موقف سياسى بحت، فسلفيو الإسكندرية مع النظام الحالى وضد الإخوان، بينما سلفيو القاهرة على خلاف ذلك.

وتابع: أن فكرة إجراء مناظرة بين قيادات كلا الفريقين فكرة جيدة، وستكون مفيدة لكافة التيارات السلفية المصرية.

 

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …