«فورين بوليسي»: بمساعدة إسرائيل هكذا يتجسس الحكام العرب على معارضيهم

في يونيو من هذا العام تلقى المنشق السعودي عمر عبد العزيز، الذي يعيش في المنفى في كندا، رسالة نصية يزعم أنها من شركة DHL. وكانت الرسالة تقول إنه سيجري تسليم طرد كان قد طلبه في غضون أيام قليلة. وفي حال كان يرغب في تتبع عملية التسليم، يمكنه النقر على الرابط.

لم يفكر عبد العزيز بالكثير في الرسالة، لكن مجموعة بحثية حددت في وقت لاحق أن النقر على الرابط كان سيؤدي إلى تثبيت أداة مراقبة إسرائيلية قوية، كانت ستسمح لمشغلها بالاستماع إلى مكالمات عبد العزيز الهاتفية، وقراءة رسائله النصية، وتشغيل كاميرا الهاتف والميكروفون، وفق تقرير نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية.

في تقرير صدر في وقت سابق من هذا الشهر، خلصت مجموعة «Citizen Lab»، وهي مجموعة مراقبة مؤلفة من أكاديميين في جامعة تورنتو الكندية ومتخصصين في القرصنة، التي تكشف حملات التجسس الرقمية المدعومة من الدولة، خلصت إلى يقينها الكامل بأن هاتف عبد العزيز قد تم استهدافه ببرنامج مراقبة. وأشارت إلى أن السعودية هي الجهة المحتملة التي قامت باستهداف عبد العزيز.

يذكر أن عبد العزيز هو ناشط مؤيد للديمقراطية ويحظى حسابه على «تويتر» بمتابعة كبيرة. تعاون عبد العزيز مع الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مجموعة من المشاريع حتى وقت سابق من هذا الشهر، عندما اختفى خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

في أعقاب اختفاء خاشقجي – أكد المسؤولون السعوديون أمس الجمعة أنه قُتل في القنصلية، لكنهم قالوا إن موته نتج عن حادث شجار – اكتسبت عملية التنصت ضد عبد العزيز أهمية جديدة؛ فهي تسلط الضوء على الطريقة التي تستخدم بها السعودية أدوات التكنولوجيا العالية لإسكات المنشقين المتواجدين خارج أراضيها وخنق المعارضة.

ووفقًا للخبراء الذين يدرسون استخدام الرياض للمراقبة الرقمية والدعاية، فقد نشرت المملكة برامج التجسس ضد منتقدي النظام كجزء من جهودها للحفاظ على قبضتها على السلطة، ومراقبة الأصوات المعارضة، والتحكم في الرأي العام المحلي.

وقد وُصف واحد من السعوديين الذين هم على دراية باستخدام برنامج المراقبة، وهو ماهر عبد العزيز مطرب، بأنه مسؤول قريب من ولي العهد محمد بن سلمان. ويبدو أن مطرب قد لعب دورًا في وفاة خاشقجي، وفقًا للأدلة التي جمعتها السلطات التركية. وقد شوهد وهو يدخل القنصلية السعودية في إسطنبول قبل فترة قصيرة من دخول خاشقجي. ووفقًا لرسائل البريد الإلكتروني التي نشرتها «ويكيليكس» في عام 2015، كان من المقرر أن يتلقى مطرب وغيرهم من المسؤولين السعوديين تدريبًا على استخدام برامج تجسس مشابهة لما تقوم به شركة «NSO» الإسرائيلية من شركة «Hacking Team»  الإيطالية.

وقال تقرير المجلة الأمريكية: «إن السعودية بدأت في مراقبة نشاط عبد العزيز خلال انتفاضات الربيع العربي. فقد أنشأ قناة على (يوتيوب) تنتقد قيادة السعودية. وقال عبد العزيز: إنه من الواضح له أنه يجري التجسس عليه. وقال: إنه في وقت سابق من هذا العام سافر المسؤولون السعوديون إلى مونتريال وحاولوا إقناعه بالعودة إلى وطنه، وعرضوا عليه المال والحصول على وظيفة. عندما رفض عبد العزيز احتجزت السلطات في السعودية شقيقه بشكل متكرر».

وقال عبد العزيز في مقابلة، مشيرًا إلى حديثه مع أخيه: «كان يقول لي: من فضلك أوقف ما تفعله، يرجى وقف أنشطتك، إنهم يعرفون كل شيء عنك».

شركات إسرائيلية

تم الكشف لأول مرة عن مراقبة عبد العزيز في 1 أكتوبر 2018 من قبل مجموعة Citizen Lab.  برامج التجسس التي استهدفت على الأرجح هاتف عبد العزيز تملكها شركة (NSO) الإسرائيلية، ويطلق عليها اسم بيجاسوس (Pegasus). على الرغم من أنه من المستحيل تحديد بشكل قاطع أن السلطات السعودية كانت وراء الحملة، فإن الأدلة تشير إلى الرياض.

مع انتشار برامج التجسس المتطورة في جميع أنحاء العالم، برزت السعودية كواحدة من أكبر مستخدميها. ومن بين الحالات الأخرى المعروفة، يعتقد أن السعودية قد استخدمت برنامج شركة (NSO) لاستهداف معارض سعودي يعيش في لندن وموظف بمنظمة العفو الدولية.

وقال بيل ماركزاك، وهو باحث كبير في Citizen Lab: «إن السعودية قد نشرت برنامج بيجاسوس في عدد كبير من البلدان، بما في ذلك: البحرين، وكندا، ومصر، وفرنسا، والعراق، والأردن، ولبنان، والمغرب، وقطر، والسعودية، وتركيا، والمملكة المتحدة».

وقال ماكرزاك: «من المحتمل أن السعوديين كانوا يستخدمونها بشكل متهور». كما قامت الرياض بنشر جيش من البوتات للتحكم فيما ينشر على الإنترنت واستهداف المعارضين.

وقد أكّدت برامج البحث الخاصة بها أن الوسوم التي انتشرت باللغة العربية، مثل رسالة حب لمحمد بن سلمان وإلغاء متابعة أعداء الوطن، تهيمن على القوائم السعودية، بحسب مارك أوين جونز، المحاضر في جامعة إكستر الذي يدرس الدعاية الشرق أوسطية.

مؤخرًا حذف موقع «تويتر» مجموعة من الحسابات التي تعمل على ترويج الرسائل المؤيدة للسعودية. ووفقًا للبيانات التي جمعها جونز، فإن ما يقرب من 70 إلى 80% من التغريدات باللغة العربية التي تحتوي على كلمة «السعودية» في الأشهر الأربعة الماضية تم نشرها بواسطة البوتات.

وعادة ما يجد النشطاء السعوديون الذين يعملون عبر الإنترنت أنفسهم عرضة للهجوم من قبل الحسابات الموالية للنظام. هذا الفيض من الرسائل يجعل من الصعب على الأصوات المنشقة اختراقها. وقال جونز: «هناك الكثير من الناس الذين سئموا من تويتر في الشرق الأوسط والخليج؛ لأنه أصبح نوعًا من الأرض القاحلة. ليس فقط بسبب وجود خدمات أمنية عليه، ولكن بسبب كثرة الرسائل غير المرغوب فيها والكثير من برامج التتبع».

قبل موت خاشقجي، ناقش هو وعبد العزيز إنشاء شبكة من النشطاء المؤيدين للديمقراطية الذين سيقومون بنشر وتضخيم رسائل بعضهم البعض حول القضايا السياسية السعودية.

وقال عبد العزيز: «سوف نتحدث عن المنشقين، السجناء السياسيين، حرية التعبير، حقوق الإنسان. سنجعل الناس يدركون ما يحدث بالفعل».

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …