أخطاء الكتابة ومصير اللغة العربية

إسطنبول – مصلح كناعنة

إن من يتابع ما يجري للغة العربية في هذا الزمن يصاب بالقنوط، ومن يرصد الأخطاء الفاحشة التي تشوّه النصوص العربية يشعر أن الأجيال العربية الشابة أضحت تفتقر إلى أبسط قواعد لغتها الأم، بل إلى أبسط قواعد المبنى اللغوي النصي بالمُطلق، ومن ينتبه إلى الزلات اللغوية المخجلة للأدباء والشعراء والعلماء والمفكرين العرب الشباب يكتشف أن ظاهرة التشويه اللغوي قد استفحلت وضربت أطنابها إلى حد أن الخطأ أصبح صوابا والزلة أصبحت قاعدة، ونشأ جمهور عربي يرى الخطأ ولا يعرف أنه خطأ، ويقرأ التشويهات اللغوية فيظنها صِيَـغ سليمة فيعيد إنتاجها في ما ينتجه من نصوص أو شذرات نصوص، خصوصاً وأن الفرق الذي كان بين الكـُتـّاب والقرّاء قد زال الآن، بفعل التواصل الإلكتروني والمواقع الاجتماعية والمنتديات على الإنترنت، فأصبح الكل كـُتـّابا كما أصبح الكل شعراء وحكماء ومفكرين، وأصبح قول ما تريد أن تقوله أهم من السلامة اللغوية لما تقوله طالما أن الطرف الآخر يفهم ما تقوله، فتحولت صياغة الكلمات والجـُمل إلى ساحة للتلاعب والتلفيق والارتجال الحر الذي لا يعير أي اهتمام لأصول اللغة العربية وللأصول اللغوية بشكل عام، وأصبح “الجاهل المرتجـِل” أكثر تأثيرا من “العارف الملتزم”، فعمّ الجهل وشاع اللحن وانتشر الخطأ، ونشأ نتيجة لذلك أسلوب كتابة جديد هو عبارة عن هجين غريب من العامية المشوهة والفصحى المكسّرة، وما لبث هذا الأسلوب الهجين أن انتقل من الفضاء الإلكتروني إلى الصحف والمجلات، وإلى الكتب والسجلات، وحتى إلى المعاهد والجامعات، فأصبح الأسلوب المعتمد في كل المجالات وعلى كل المستويات. 

ولم تكن الأجيال السالفة من العرب كلها ضليعة بقواعد النحو والصرف والإعراب والإنشاء، إلا أن الأجواء الثقافية والتربوية والتعليمية في تلك الأزمنة كانت تـُنتج بالضرورة عرباً يتحلون بحس لغوي مُرهـَف وذوق لغوي رفيع، فإن لحـَنَ أحدهم بالنطق عرفوا ذلك بالسليقة، وإن زلّ أحدهم بصيغة الفعل أو شكل الجمع أو اشتقاقات الأسماء أحسوا بالخطأ دون أن يتمكنوا من تبيان السبب، وإن كسرَ أحدهم المنصوب أو رفعَ المجرور تألمت آذانهم وتململت أرواحهم فأعابوا عليه ذلك وعاتبوه فيه. ولذا فإنني أرى أن أسوأ عرَض من أعراض انحطاط اللغة العربية في هذه الأيام هو غياب الحـس اللغوي وانعدام “السليقة اللغوية” وتدنـّي الذوق بسلامة وجمالية اللغة لدى الغالبية العظمى من الجمهور العربي، فالمُلاحـَظ الآن هو أن كسر المنصوب ورفع المجرور واللحن في النطق والخطأ في الكتابة أو التهجئة أو صيَغ الأعلام والأفعال، كلها تمر مر الكرام، فلا تؤلم أذناَ ولا تخدش حساَ ولا تثير حفيظة أحد، ولذا يتم تبنـّيها واعتمادها، ويُعاد إنتاجها بتكرار استعمالها، فتستفحل وتترسّخ، وكلما استفحلت الأخطاء وترسخت زاد الجهل بالقواعد والأصول وزال الفرق بين الخطأ والصواب.

منذ أعوام وأنا أشعر بالاستياء الشديد مما يحدث للغة العربية، وأشعر أن كل خطأ شنيع يرتكبه أحد طلابي أو زملائي أو أصدقائي أو معارفي من الشباب هو إهانة شخصية لي واستخفاف بي وبأبناء جيلي. ومنذ أعوام وأنا أنوي كتابة مقالة كهذه أرصد فيها الأخطاء وأوضح خطأها وأبين وجه الصواب فيها، و لكني كلما هممت بالكتابة شعرت أن الداء قد استفحل وأتى على كل شيء، وأن السيف قد سبق العذل فلم يعد هناك مجال للإصلاح أو الإنقاذ. وكان شعوري السلبي هذا يتغذى باستمرار من تجربتي مع طلابي الجامعيين، فاللغة العربية للطلاب تضعف وتنحط عاما بعد عام، وكل فوج من الطلاب يأتينا في بداية كل عام تكون لغته العربية أضعف وأسوأ من الفوج الذي قبله، أما جهودي للإصلاح والإنقاذ من خلال عملية التدريس فكنت وما زلت أشعر أنها تذهب هباءً ولا تعود عليّ إلا بتذمر الطلاب من تشددي في أمور لغوية “تافهة”. إلى أن جاء يوم اضطررت فيه إلى توضيح الأخطاء التي يرتكبها كاتبو النصوص العربية باللهجة العامية، وذلك من خلال إشرافي على طاقم من مساعدي البحث الذين كانوا يجرون مقابلات ميدانية في الضفة الغربية وقطاع غزة ومناطق الـ48 لجمع التراث الفلسطيني غير المادي في مجالي الزراعة والصيد البحري، ضمن مشروع توثيقي تديره وتشرف عليه وزارة الثقافة الفلسطينية، وكان مساعدو البحث يفرّغون المقابلات بشكل حرفي ويسلمونها لنا على شكل نصوص كتابية باللهجة العامية، فاضطرني ذلك إلى القيام مع زميل لي بكتابة نص يوضح الأخطاء التي رأينا أنها تتكرر في التفريغ، أي في تحويل محتوى المقابلات من اللغة العامية المنطوقة إلى نصوص مكتوبة، فللكتابة باللهجة العامية أصول كذلك، وأصولها تنبع من مراعاتها لقواعد العربية الفصحى حين يكون الفرق بين العامية والفصحى مدعاة للـّبس أو سوء الفهم أو التأويل. وكانت نتيجة هذه التوضيحات إيجابية وواعدة إلى حد كبير، فقد تمكن مساعدو البحث من التغلب على عدد كبير من الأخطاء النمطية التي كانوا يرتكبونها، وانعكس ذلك على شكل تحسن مذهل في نصوص المقابلات. وهكذا أصبحت لديّ قاعدة جاهزة أنطلق منها وحافز قوي يشجعني على الاستمرار، فما رصدناه من أخطاء كان مقتصرا على الكتابة العامية في حين أن ما تعاني منه اللغة العربية في هذا الزمن لا يقتصر على العامية بل يتعداه إلى الكتابة بالفصحى، والأخطاء الشائعة في الفصحى هي في نظري مكمن الخطر وآفة الآفات. وعليه فقد قمت بغربلة الأخطاء العامية التي رصدناها في نصوص المقابلات، فحذفت ما كان منها منحصرا في العامية وليس له تأثير على الفصحى، وأبقيت ما هو مشترك بين العامية والفصحى، وما بدأ في العامية وانتقل إلى الفصحى، ثم أضفت ما كنت قد رصدته عبر الأعوام من أخطاء متعلقة بقواعد النحو والصرف والإعراب والإنشاء فيما ينتجه العرب من نصوص بالفصحى في هذه الأيام. وفيما يلي قائمة مؤلفة من 41 نوع من أنواع الأخطاء التي تعاني منها كتابات العرب في وقتنا الحاضر:

1) أسوأ ما جرى للغة العربية المكتوبة في العقدين الأخيرين هو التخريب الحاصل لنظام ما يدعى بـ”التنقيط” (punctuation)، أي استعمال الفواصل النصـّيّة وهي النقطة (.) والفاصلة (،) والمزدوجتان (:) والفاصلة المنقوطة (؛)، وكذلك العلامات (؟) للسؤال و(!) للتعجب والاستفهام. هناك أولا فوضى عارمة في استعمال الفواصل والنقاط من حيث أنها توضع حيث يجب ألا توضع، ولا توضع حيث يجب أن توضع. وبما أن قواعد وضع الفاصلة والنقطة ترتبط بالمعنى وليس بالمبنى فحسب، فإنه ليس من الممكن تفسير هذا الخطأ ولا وضع قاعدة ثابتة لتفاديه في هذا المقام. وهناك من يكتب فقرة بطول صفحة كاملة، مع كل ما فيها من جمل معترضة وجمل تفسيرية وجمل شرطية، خالية تماما من الفواصل والنقاط، ولكـُم أن تتخيلوا كيف سيكون حال هذه الفقرة التي تقرؤونها الآن دون فواصل ونقاط. 

2) جزء لا يتجزأ من المشكلة الأولى أعلاه، هو عدم وضع نقطة في نهاية الجملة وعدم وضع علامة سؤال (؟) في نهاية السؤال، وهذه آفة من آفات النصوص العربية في هذه الأيام. فمثلا تـُكتـَب الجملة الأخيرة هكذا: “وهذه آفة من آفات النصوص العربية في هذه الأيام” (لاحظوا أنه ليست هناك نقطة في آخر العبارة)، أو “كيف حالك” (لاحظوا عدم وجود علامة السؤال في آخر العبارة). هذا الشأن ليس شأن اللغة العربية وحدها، بل هو شأن كل اللغات المكتوبة التي تستعمل الأبجدية، وهو نابع من المبنى اللغوي كنظام رمزي يجسد المعاني الذهنية ويحاكيها. فقاعدة المبنى اللغوي (syntax) (والتي تنطبق على العربية والعبرية والإنجليزية والفرنسية، إلخ…) تقول أن الجملة يجب أن تنتهي بنقطة، وأن الجملة التي لا تنتهي بنقطة ليست جملة. وكذلك الأمر بالنسبة للسؤال، فالسؤال يجب أن ينتهي بعلامة سؤال، والسؤال الذي لا ينتهي بعلامة سؤال – مهما احتوى من كلمات السؤال – ليس سؤالا. بمعنى آخر؛ لا يمكن أن تـُنهي فقرة وتنتقل إلى فقرة جديدة دون أن تـُنهي الفقرة الأولى بالنقطة أو ما يحل محلها، كعلامة التعجب (!) أو علامة السؤال (؟).

3) خطأ آخر متعلق بالتنقيط، وهو خطأ استفحل في الكتابة العربية كالوباء حتى أنك تكاد لا ترى في هذه الأيام نصا عربيا لم يشوهه، ألا وهو إبعاد أدوات التنقيط عن الكلمات التي تسبقها، بمعنى وضع فراغ بين أداة التنقيط كالنقطة أو الفاصلة وبين الكلمة التي تسبقها، مثلا، “قلت له ، وكان منصتاً .” أو “وانتهى الأمر .” وهناك من يفعل أسوء من ذلك فيلصق أداة التنقيط بالكلمة التي تليها، مثلا، “قلت له ،وكان منصتاً .” أو “وانتهى الأمر .ثم إن…”. والقاعدة التي تنطبق على كل اللغات الأبجدية في العالم ولا يمكن الخروج عليها لا في العربية ولا في غيرها، هي أن أداة التنقيط تلتصق بالكلمة التي قبلها وتبتعد عن الكلمة التي تليها، بمعنى أنه لا يكون هناك فراغ بين أداة التنقيط والكلمة التي تسبقها، وإنما يكون الفراغ بين أداة التنقيط والكلمة التي تليها، مثلا، “قلت له، وكان منصتاً.” أو “وانتهى الأمر. ثم إن…”. هذا ينطبق بالطبع على المزدوجتين (:) والفاصلة المنقوطة (؛)، وكذلك على علامة السؤال (؟) وعلامة الاستفهام (!)، فنكتب: “كيف حالك؟ هل أنت مبسوط؟” ولا نكتب: “كيف حالك ؟هل أنت مبسوط ؟”. 

4) خطأ آخر من نفس هذا النمط ولكن بشكل مختلف، يقع عند استعمال الأقواس بكل أنواعها، الأقواس الهلالية () وأقواس الاقتباس “” وأقواس التدخل في النص [] وأقواس التضمين ، حيث يتم إدخال فراغ بين القوس والكلمة التي بداخله من جهته، مثلا، ( هكذا قال ) أو ” وَيْحكم يا آل يعرُب! “. وهناك من يزيد الطين بلة فيلصق القوس بما قبله ويبعده عما بعده، مثلا، “موعدنا بعد الغروب( هكذا قال )”، أو “سألني:” هل أنت مريض ؟”. والقاعدة اللغوية العالمية التي لا بد من الالتزام بها هي أن الأقواس تلتصق بما في داخلها وتبتعد عما في خارجها من الجهتين، مثلا، (هكذا قال) أو “ويحكم يا آل يعرب!”

5) خطأ آخر من هذا النوع ولكن خاص باللغة العربية، هو الفصل بين واو العطف (و) والكلمة التي تليها، مثلا “الطلاب و الأساتذة” أو “خاطبته و لم يرد”. وعلى الرغم من أن هذا الخطأ هو انتهاك لأبسط مسلمات اللغة العربية، فإنه قد شاع واستفحل إلى حد أنه أصبح مألوفاً للقراء والكتاب على حد سواء، فتجده حتى في كتابات أفضل كتاب هذا الجيل، وأعتقد أن السبب هو تعوّد أبناء هذا الجيل على استعمال الإنجليزية، وأداة العطف في الإنجليزية هي مفردة مستقلة (and) أو الرمز الذي ينوب عنها (&). والقاعدة التي لم يشذ عنها عربي عبر أكثر من ألفي عام إلى أن جاء جيل الدردشة الإليكترونية، هي أن واو العطف تلتصق بالمعطوف (الذي يليها) وتبتعد عن المعطوف عليه (الذي يسبقها)، مثلا، “الطلاب والأساتذة” أو “خاطبته ولم يرد”.

6) وعلى ذكر واو العطف، فقد أصبح من الشائع في الكتابة العربية استعمال أسلوب اللغات الأوروبية في حالة التعداد، فلا تدخل واو العطف إلا على الأخير، مثلا، “الظروف الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية والثقافية” أو “أحمد، مصطفى، خليل ويوسف”. هذا الأسلوب دخيل على اللغة العربية ويبدو غريباً وغير طبيعي في النص العربي، فمما لا شك فيه أن أحد المميزات الفارقة للغة العربية هو زخم استعمالها لواو العطف وأخواتها، حتى أنه ليس من الغريب أبداً أن تبدأ فقرة جديدة بواو العطف، فتبدأ الفقرة مثلا بـ: “ولعله من الضروري أن نذكر…” في حين أنه من الخطأ في اللغة الإنجليزية مثلا أن تبدأ جملة (بعد النقطة) بأدوات مثل (and) و(or) و(but). فالأصح في الكتابة العربية أن تدخل واو العطف على كل واحد من التفاصيل التي يتم تعدادها، فالأمثلة المذكورة أعلاه يجب أن تكتب: “الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية”، أو “أحمد ومصطفى وخليل ويوسف”.

7) هنالك خلط في استعمال الأقواس، وكثيرون جداً هم الذين يستعملون الأقواس الهلالية لاقتباس المخاطبة بدلا من الأقواس المزدوجة، فيكتبون مثلا: قال لي: (عليكَ أن تذهب إلى الاجتماع في الغد.) وبالطبع فإن أقواس الاقتباس والمخاطبة هي الأقواس المزدوجة “” ومن غير الجائز استبدالها بأقواس أخرى، والمثال السابق يجب أن يُكتب: قال لي: “عليكَ أن تذهب إلى الاجتماع في الغد.” وهذه الأقواس المزدوجة هي كذلك أقواس الاقتباس التي نستعملها في الكتابات العلمية، وهي أيضا الأقواس التي نستعملها للمفاهيم والاصطلاحات، مثلا، “هناك فرق بين مفهوم “العولمة” ومفهوم “العالمية”.” أما الأقواس الهلالية () فنستعملها في حالات الجمل المعترضة والتفسيرية والاستدراكية، مثلا: “ولعل آينشتاين (وهو واضع النظرية النسبية في الفيزياء) لم يكن نسبيا في معتقداته…”

8) خطأ آخر في استعمال الأقواس هو وضع كل أسماء العلم التي ترد في النص بين هلالين، مثلا، “ولما جاء (عبد القادر) سأل (مصطفى) عن أحوال (أحمد).” هذا استعمال خاطئ بلا شك، وقد رأيته مراراً في الروايات والقصص القصيرة التي يكتبها أشهر المبدعين والمبدعات من كتاب هذا الجيل. فالهلالين لا يستعملان لأسماء العلم إلا في ثلاث حالات؛ أولا، الأسماء الأجنبية، مثلا، “ويستطرد (ألفريد هول) في مداخلته…” وثانيا، الأسماء العربية التي يمكن أن تؤخذ على أنها مفردات عادية، مثلا، “وهكذا كان (نضال الثائر) في سنوات السبعين”، وثالثا حين نريد أن نبقي الاسم في صيغته المعروفة ولا نخضعه لقواعد النحو والصرف، مثلا، “قيل أن (أبو مازن)…” (والمفروض أن نقول “قيل أن أبا مازن”).

9) يخلط الكثيرون بين صيغة المخاطبة وصيغة السرد، فيستعملون أقواس المخاطبة في حالة السرد، وهذا يُفقد النص منطقيته ويجعلك تظن أن الكاتب يعاني من خلل ذهني. فمثلا، “قال لي صديقي أنه “سيرافقني إلى الجامعة إذا تغيّب عن العمل”.” وهذه الجملة إما تُكتب بصيغة السرد: “قال لي صديقي أنه سيرافقني إلى الجامعة إذا تغيّب عن العمل”، أو بصيغة الخطاب المباشر: “قال لي صديقي: “سأرافقك إلى الجامعة إذا تغيّبتُ عن العمل”. ولا أعرف لماذا يزداد هذا الخطأ شيوعا بين “المتحذلقين” من الشباب، وخصوصا بين طلاب الجامعات.

10) هناك اعتقاد سائد لدى أبناء هذا الجيل بأن التكرار وسيلة للتشديد في المعنى، وهذا بلا شك نابع من لغة الدردشة الإلكترونية حيث يكتبون “يا سلاااااااااام” و “كثيييييييييير حلووووو”. وإن كان هذا مسموحا في الدردشة الإليكترونية فإنه غير مسموح على الإطلاق في الكتابة العادية، واستعماله يقضي على جدية النص وكاتبه (بعض طلابي يستعملونه في إجاباتهم في الامتحانات الجامعية، وهذا مثير للغضب والقنوط والشفقة على هذا الجيل في نفس الوقت). إلا أن شكلا من أشكال هذا التكرار خرج عن هذا السياق ودخل إلى الكتابة العربية بزخم عظيم إلى حد أنه كاد يصبح القاعدة وليس الاستثناء في الغالبية العظمى مما يكتبه العرب في هذه الأيام (والكتابة الصحفية هي الأسوأ)، ألا وهو تكرار علامة السؤال (؟) وعلامة التعجب (!) في نهاية الجمل، فمثلا: “مَن قال لك هذا؟؟؟” و”لا حول ولا قوة إلا بالله!!!!” أما العدد في العلامة المكررة فيتوقف على رغبة الكاتب ومزاجه في لحظة الكتابة. ولقد شكا خبراء اللغة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من شيوع هذه الظاهرة المقيتة في لغاتهم، وعلينا أن نشكو منها في اللغة العربية كذلك، فهذا ينافي القواعد اللغوية لكل اللغات وليس فقط للغة دون غيرها. والقاعدة هي أن السؤال ينتهي بعلامة سؤال واحدة، وعبارة التعجب تنتهي بعلامة تعجب واحدة، والتكرار لا معنى له ولا حاجة لنا به. هناك حالة واحدة يُسمح فيها باستعمال علامة السؤال وعلامة التعجب معا (؟!)، وهي حين تكون العبارة بصيغة السؤال ولكن المقصود هو الاستغراب والاستنكار وليس طلب الجواب بحد ذاته، مثلا، “ألم تعلم؟!” و”كيف من الممكن أن تتفوه بكلام كهذا؟!”

11) كذلك الأمر بالنسبة للنقطة وتكرارها، فهناك من يضع نقطتين، وهناك من يضع ثلاث نقاط، وهناك من يضع ما جادت به قريحته من النقاط، ولا أحد يعلم معنى هذه النقاط سوى كاتبها. في بعض النصوص السردية كالرواية والقصة القصيرة والسيرة الذاتية، تستعمل النقاط الثلاث (…) للاستطراد، ويمكن قبول ذلك إذا التزم الكاتب بهذا النظام، أما استعمال النقطتين (..) فممجوج ومرفوض، وكذلك الأمر بالنسبة للنقاط المكررة بشكل عشوائي. هناك قاعدة ثابتة ومتفق عليها لاستعمال النقاط المتكررة في الكتابات العلمية والأكاديمية، وهي في داخل النص المقتبس بشكل مباشر، فتوضع ثلاث نقاط (…) إذا أسقط المقـتبـِس ما لا يزيد عن ثلاث جمل من أصل النص، كما في هذا المثال من الفقرة السابقة أعلاه: “ولقد شكا خبراء اللغة في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وغيرها من شيوع هذه الظاهرة المقيتة في لغاتهم، وعلينا أن نشكو منها في اللغة العربية كذلك… والقاعدة هي أن السؤال ينتهي بعلامة سؤال واحدة، وعبارة التعجب تنتهي بعلامة تعجب واحدة، والتكرار لا معنى له ولا حاجة لنا به.” أما إذا حذف نص يزيد عن ثلاث جمل فيستبدل النص المحذوف بأربع نقاط (….)، وحتى إذا كان النص المحذوف صفحات بأكملها يُرمَز إلى النص المحذوف بأربع نقاط فقط، ولا تزيد النقاط بزيادة الحذف كما يعتقد البعض. وحيث أننا ندّعي عادةً أن ما نكتبه في الصحف والمجلات والمدوّنات الإلكترونية العربية دقيق وموضوعي وعلمي، فلعله من المفيد أن نلتزم بهذه القاعدة فلا نشوّه نصوصنا بالنقاط الاعتباطية.

12) من التشوهات الشائعة في النصوص العربية التي يكتبها جيل الشباب، استعمال الفاصلة الإنجليزية (,) في النص العربي بدل الفاصلة العربية (،)، وقد أرجع البعض ذلك إلى عدم معرفتهم بموقع الفاصلة العربية على لوحة المفاتيح، وموقع الفاصلة العربية بسيط ويمكن التعود عليه بسهولة، ويتم الحصول عليها بضغط مفتاح التحويل (shift) وحرف النون (ن) معا. 

13) معظم كتاب العربية في هذه الأيام يخطئون في استعمال “إحدى”، وهي مؤنث “أحد”، فيكتبون مثلا، “إحدى الانتماءات” و”إحدى الجنرالات” لأن “انتماءات” و”جنرالات” هي بصيغة جمع المؤنث. لا أحد يختلف على أن “أحد” و”إحدى” تعني “واحد من” أو “واحدة من”، ولذا فالمنطق يحتم القاعدة التي تقول أن “أحد” و”إحدى” تتبع مُفرد الشيء وليس جمعه. فإذا أردت أن تعرف ما إذا كان عليك أن تستعمل “أحد” أو “إحدى” قبل جمع المؤنث، فما عليك سوى أن تأخذ المفرد منه وترى إن كان مذكراً أم مؤنثاً؛ فمثلا، “العلاقات” مفردها “علاقة” وهي مؤنثة، ولذلك نقول “إحدى العلاقات”، أما “انتماءات” فمفردها “انتماء” وهو مذكر، ولذلك نقول “أحد الانتماءات”، وكذلك الحال بالنسبة لـ” الجنرالات” و”اللقاءات” و”الاجتماعات” و”الإعلانات”، والقائمة تطول. 

14) من الشائع جدا كذلك أن يَستعمل الكتاب “إذن” بدل “إذاً” وهي حرف جواب وجزاء، ومن يستعمل “إذن” يستعملها كبديل لـ”إذاً” في كل الحالات والأحوال، والصحيح أن “إذن” (بالنون وليس بالتنوين) لا تستعمل إلا في حالات خاصة يحكمها المعنى والمبنى، ولا يجوز استعمالها كبديل لـ”إذاً” في كل الحالات. فالشرط في جواز استعمال “إذن” هو أن تنصب الفعل المضارع الذي يليها – “إذن أكرمَكَ” أو “إذن أمنحَـكَ ما تريد” – وأن تدخل على الجمل الفعلية (وليس الاسمية) بشرط أن يكون الفعل في صدر الكلام وألا ينفصل عن الاسم إلا بالقسَم أو بـ”لا” النافية – “إذن والله أكرمَـك” أو “إذن وحق الكعبة أمنحَـك ما تريد” أو “إذن لا أعذرَك” – وفي غير هذه الحالة لا يجوز إلا استعمال “إذاً” (بالتنوين وليس بالنون). فمثلا، من الخطأ أن تكتب “إذن فأنت قادر على ذلك”، فهذه جملة اسمية ليس فيها فعل، وعليك أن تكتبها “إذاَ فأنت قادر على ذلك”. وكذلك الأمر في العبارة “إذن ماذا تقول؟” فقد دخلت هنا كلمة بين حرف الجواب وبين الفعل الذي يليه، ولذا فاستعمال “إذن” في هذه العبارة خاطئ وأنت مرغم على استعمال “إذاً” (بالتنوين). 

15) خطأ آخر أصبح شائعا جدا في الكتابات العربية هو جمع مفردتين في واحدة: “لابد” و”مازال” و”مابعد” و”لاشك” و”لاغير”. وبما أن “ما” و”لا” هما حرفا نفي ينفيان ما بعدهما، وما بعدهما كلمات مفردة ومستقلة يمكن أن تكون سالبة أو موجبة، منفية أو غير منفية، فمن الضروري الفصل بين حرف النفي والكلمة التي تليه، فتكتب: “لا بد” و”ما زال” و”ما بعد” و”لا شك” و”لا غير” (ولتوضيح المنطق الكامن في هذا، نذكر أن “لا بد” بمكن التعبير عنها بصيغة أخرى: “ليس هناك بدٌّ من”، وهذا يوضح أن “بد” هي كلمة مستقلة وقائمة في ذاتها، ويجب أن تبقى كذلك). 

16) نوع آخر من جمع مفردتين في واحدة خطأً، هو في الأسماء المركبة مثل “عبدالله” و”عبداللطيف” و”عبدالرحمن”، والصحيح أن تكتب “عبد الله” و”عبد اللطيف” و”عبد الرحمن”. 

17) وكذلك في كتابة اللهجة العامية يشيع جدا جمع مفردتين في واحدة، مثلا، “قلتله” و”قالولي” و”شرحنالكم” و”منوين”، وهذه العبارات يجب أن تكتب “قلت له” و”قالوا لي” و”شرخنا لكم” و”من وين”.

18) وعلى ذكر “ما زال”، فإن غالبية كتاب العربية في هذه الأيام يخطئون فيكتبون “لا زال” و”ما يزال”، والصحيح هو أن “زالَ” تأخذ “ما” في صيغة الماضي و”لا” في صيغة المضارع، فتكتب “ما زال” و”لا يزال” ولا يصح غير ذلك، فنحن نقول “ما أكلَ” ولا نقول “لا أكلَ”، ونحن نقول “لا يأكل” ولا نقول “ما يأكل” (حيث تكون “ما” هنا أداة نفي وليس الاسم الموصول بمعني “الذي”). فـ”زال” هي من “الأفعال ناقصة التصرف” والتي تكون في الماضي والمضارع ولا يأتي منها فعل أمر، وهذه الأفعال هي “زال” و”بَرِح” و”فتـِئ” و”انفكّ”، وفي الماضي تصبح “ما زال” و”ما برح” و”ما فتئ” و”ما انفك”، ولا يجوز استعمال “لا” في أي منها.

19) بناء على ما أقرؤه من مختلف أنواع النصوص العربية على مختلف المستويات، فإنني أكاد أجزم أن أكثر من نصف من يكتبون العربية في هذه الأيام يرتكبون خطأ إدخال “أل التعريف” على “غير”، فحين يعرّفون “منظمات غير حكومية” يكتبون “المنظمات الغير حكومية”، وحين يعرّفون “غير قابل للتنفيذ” يكتبون ” الغير قابل للتنفيذ” وهكذا. والحقيقة التي يجب أن نذكرها ونؤكد عليها هنا هي أن “أل التعريف” لا تدخل على “غير” وإنما على ما يتبعها، فالصحيح هو أن نكتب “المنظمات غير الحكومية” و”غير القابل للتنفيذ”، وكذلك “من غير المعقول” وليس “من الغير معقول”، و”الشاب غير المهذب” وليس “الشاب الغير مهذب”. ونفس هذه القاعدة تنطبق على كثير من حالات المضاف والمضاف إليه، فنحن نقول “ربع الساعة القادمة” ولا نقول “الربع ساعة القادمة”، ونقول “نصف الكعكة” ولا نقول “النصف كعكة”، ونقول “عديم الشأن” ولا نقول “العديم شأن” (حيث تدخل أل التعريف على المضاف إليه وليس على المضاف). وفي حالات أخرى تغنينا أل التعريف في المضاف إليه عن إدخال أل التعريف على المضاف، فحين نعرّف “رجلا رفيع الشأن”، على سبيل المثال، نقول “الرجل رفيع الشأن” ولا نقول “الرجل الرفيع الشأن”، وحين نعرف “زعيما خالد الذكر” نقول “الزعيم خالد الذكر” ولا نقول “الزعيم الخالد الذكر”. 

20) ومن الأمور التي أجدها غريبة جداً وعصيّة على الفهم في أسلوب كتابة أبناء الجيل الصاعد من أقصى العالم العربي إلى أقصاه، هو أنهم ينصبون المضاف إليه (والمضاف إليه مجرور، وهذا من أبسط قواعد اللغة العربية)، فيكتبون مثلا، “قررنا عـَقـدَ اجتماعاً”، و”تربية جيلاً مثقفاً وواعياً”، و”كتابة مقالاً”. وقد ساعدتني مؤخراً إحدى الكاتبات الشابات المبدعات على فهم هذا اللغز المحيّر حين حاولت الدفاع عن هذا الخطأ الذي ترتكبه باستمرار، فقالت أنها تنصب “اجتماع” في العبارة “عـَقـد اجتماعاً” لأنه مفعول به لـ”عقد”، فالتحليل المنطقي لذلك هو أن “اجتماع” في العبارة هو نتاج فعل العقد الذي نقوم به “نحن” كفاعل، ولذلك فهو مفعول به، والمفعول به منصوب، وهذا ينطبق على “تربية جيلاً” من حيث أن “جيل” هو مفعول به للتربية، وهكذا. والخطأ الذي يرتكبه هؤلاء الشباب والشابات هو أنهم يفهمون “الفعل” بالمعنى الفيزيائي وليس بالمعنى اللغوي، فيخضعون اللغة لمنطق يبدو سليماً ولكنه في الواقع يضرب عرض الحائط بمسلمات المبنى اللغوي، فهم لا يعيرون انتباههم إلى حقيقة أن الاسم (مصدراً أو علماً) لا يكون مفعولا به إن لم يكن هناك فعل (فعلٌ من حيث اللغة وليس من حيث الاستنتاج الفكري)، وأن “تربية” ليست فعلا بل اسم مصدر (والفعل منه هو “ربّى – يربّي”)، وأن “تربية جيل” هي جملة إسمية وليست جملة فعلية، لأنها مكونة من اسمين وليس فيها فعل، وحيث أنه ليس فيها فعل فليس فيها فاعل ولا مفعول به، وإنما كل ما فيها هو اسم نكِرة (تربية) يعرّفه الاسم الذي يأتي بعده (جيل) (فنسأل: تربية ماذا؟ فتجيب العبارة: تربية جيل مثقف وواع ٍ)، ومن هنا جاء تعريف “جيل” كمضاف إليه يعرّف ما قبله كمضاف، والمضاف إليه مجرور لا محالة. فلو قلنا “قررنا أن نعقد اجتماعاً” لكانت الجملة فعلية ولكان “اجتماعاً” مفعولا به منصوبا حقاً، وكذا بالنسبة لـ”تربية جيل” إن استبدلناها بالجملة الفعلية “أن نربي جيلا مثقفاً وواعياً”، حيث تكون “جيلاً” مفعولا به للفعل “نربي” والفاعل المقدّر “نحن”. وعليه فإن الجمل المذكورة أعلاه كأمثلة يجب أن تكون كالتالي: “قررنا عقد اجتماع ٍ” و”تربية جيل ٍ مثقف ٍ وواع ٍ” و”صيد السمك ِ” و”كتابة مقال ٍ”. لاحظوا هنا أن “عـَقدَ” في الجملة “قررنا عقد اجتماع” هو بنفسه مفعولٌ به للفعل “قرر” والفاعل “نحن”، وهو مضاف و”اجتماع” مضاف إليه مجرور. 

21) ولنفس هذا المنطق الخاطئ يرتكب أبناء هذا الجيل خطأ مشابهاًً ولكنه أكثر شيوعاً (خصوصاً في الكتابة الصحفية)، وهو نصب الاسم الذي يأتي بعد فعل مبني للمجهول، فيكتبون مثلا، “أقيم حفلاً كبيراً” (باعتبار أن “حفل” هو مفعول به لفعل الإقامة)، و”أتيحت الفرصة “َ (باعتبار أن “الفرصة” هي مفعول به لفعل الإتاحة)، و”أجريَ البحثَ” (باعتبار أن “البحث” هو مفعول به لفعل الإجراء). ومن الواضح أن هؤلاء الكتاب الشباب لا يعرفون أن الفعل المبني للمجهول يحوّل الاسم الذي يأتي بعده من مفعول به في الأصل منصوب إلى نائب فاعل مرفوع، حيث أن الفعل يكون مبنياً للمجهول إذا حـُذف فاعله (“أقام المسئول حفلا” – “إقيمَ حفلٌ”) وبذلك يتحول الاسم الذي هو مفعول به في حالة الفعل المعلوم إلى نائب عن الفاعل المحذوف في حالة الفعل المبني للمجهول. ولذا فإن الصيغة الصحيحة نحوياً للجمل المذكورة هي: “إقيم حفلٌ كبيرٌ” و”أتيحت الفرصة ُ” و”أجريَ البحثُ”. 

22) وعلى ذكر الفعل المبني للمجهول، أريد أن أشير هنا إلى أنه لدى أبناء هذا الجيل من كتـّاب العربية ميل منقطع النظير إلى استعمال الفعل المساعد “تـَمَّ” ومشتقاته لتفادي استعمال الأفعال المعلومة والأفعال المبنية للمجهول، فيكتبون “تمت معالجة المعلومات” بدلا من “عالجتُ المعلومات” أو “عولجَت المعلومات”، ويكتبون “تم احتواء المشكلة” و”تم التركيز على الناحية الاقتصادية” و”تم عقد اجتماع” و”يتم التشاور في الموضوع” وهكذا. وأكثر من يعاني من هذه المشكلة هم طلاب الجامعات، حيث تزخر النصوص التي يكتبونها بالفعل “تم” ومشتقاته، بتكرار ملفت للنظر ومثير للعجب، وكمثال على ذلك أسوق هنا هذه الجملة المقتبسة من رسالة ماجستير لإحدى طالباتي: “سيتم في هذا الفصل استعراض النتائج التي تم التوصل إليها من خلال التحليل الذي تم إجراؤه على المعلومات التي تم جمعها في الميدان…” وأكاد أجزم (من خلال هذا الاقتباس والآلاف من أمثاله) أن السبب في هذا الاستعمال المفرط للفعل المساعد “تم” ومشتقاته من قبل طلابنا الجامعيين هو أننا كمدرّسين جامعيين نشدد دائما على الأهمية القصوى للموضوعية في البحوث العلمية، ونعرّف لطلابنا “الموضوعية” بمفهومها “الكلاسيكي” الذي أ ُدخِل إلى علومنا الإنسانية والاجتماعية من العلوم الطبيعية، على أنها الحيادية النابعة من عدم تدخل الباحث في الواقع المبحوث، فننمي لدى طلابنا الاعتقاد بحتمية تغييب الباحث ودوره وتصوير الواقع المبحوث على أنه واقع مستقل، وعلى أنه منظومة من “الحقائق” الموجودة “هناك” ونحن نكتشفها كما هي من خلال إعمال أدواتنا البحثية في الواقع المبحوث دون أن يكون لنا ولعواطفنا ونوايانا وشخصياتنا دخل فيه أو تأثير عليه، وبهذا فإننا نزرع في أذهان طلابنا ضرورة إخفاء الباحث ودوره من تقرير البحث، وضرورة حذف الباحث (الفاعل) من النص، وكأن حذف “أنا” الباحث من النص يؤدي بالفعل إلى حذف الباحث ودوره من الواقع. وبهذا فإننا ننمي لدى طلابنا الجامعيين الرغبة الملحّة في تفادي الأفعال المعلومة واستبدالها بالأفعال المبنية للمجهول، أي الأفعال مجهولة الفاعل، إلا أن استعمال الأفعال المبنية للمجهول (أجريَت، حُـللت، نوقشت) يوقع الطلاب في مأزق بسبب جهلهم بقواعد لغتهم، فيحتارون في ما إذا كان الاسم الذي يتبع كل فعل من هذه الأفعال منصوباَ بالفتحة أم مرفوعاَ بالضمة، ولذلك فإنهم يجدون مهربا آمناً من هذه الحيرة ومخرجا سهلاً من هذا المأزق باستعمال الفعل المساعد “تم” الذي يخفي هو الآخر الفاعل الحقيقي ويحيله إلى فاعل مجهول الهوية ولكنه في نفس الوقت يبقي على الفاعل اللغوي (“إجراء” في الجملة “تم إجراء البحث”) والذي يَعرف الجميع أنه مرفوع بالضمة. وعلينا أن نشير هنا إلى أن هذا الاستعمال المبالغ فيه للفعل المساعد “تم” ومشتقاته ليس خاطئا قواعدياَ ولغوياَ، فالصيغة سليمة من حيث النحو والصرف، ولكنه خاطئ إنشائيا بحكم كونه يضعف النص ويملؤه بالتكرار الممجوج ويجعله يبدو مصطنعاً ومجهول الهوية. 

23) لقد أصبح نمطا سائدا في الكتابة العربية إدخال حرف الجر “ب” على “أنّ” (المشددة) و”أنْ” (الساكنة)، فالكل تقريبا يكتب “قال لي فلان بأنك خبير” و”سمعتُ من فلان بأن الإضراب قائم” و”أنصحك بأن تدرس جيدا”. والحقيقة أن إدخال حرف الجر “ب” هنا يجعل معنى الجملة مختلفا عما يقصده الكاتب، فـ”يقول أنّ” إخبارية تقريرية، في حين أن “يقول بأنّ” تعني “يؤمن ” أو “يدعي ” أو “يعتقد”. وهكذا فإن الجملة “قال لي فلان أنك خبير” هي جملة إخبارية تقريرية، وهذا ما يقصده الكاتب عادة، بينما الجملة “قال لي فلان بأنك خبير” تـُدخل الشك إلى ذهن القارئ لأنها تعني أن فلان يعتقد أو يدعي أنك خبير وربما كان هذا غير صحيح. والجملة “سمعتُ من فلان بأن الإضراب قائم” تعني أن المعلومة يمكن أن تكون غير دقيقة أو غير مؤكدة، بينما الجملة “سمعتُ من فلان أن الإضراب قائم” هي جملة إخبارية تخبر المخاطـَب أن المخاطـِب سمع ذالك من فلان. أما الجملة “أنصحك بأن تدرس جيدا” فمن شأنها أن توحي للسامع أنك غير مقتنع بنصيحتك أو غير جاد فيها، على العكس من “أنصحك أن تدرس جيدا” التي تعني الحزم والجدية. وفي كل الحالات التي أراها، يكون قصد الكاتب “يقول فلان أن” حين يكتب خطأ “يقول فلان بأن”. ومن المثير للضحك أن تسمع أحد المتحاورين في برامج الحوار التلفزيونية يقول لندّه بغضب شديد ونبرة صارخة “أعتقد بأنك مخطئ في هذا الأمر”، فهو في الواقع يقول ما لا يقصد قوله ويعطي لنده شعورا (لاواعياً) بأنه (أي المتحدث) غير واثق مما يقول. وللمساعدة في علاج هذه المشكلة المتفاقمة أنبه الكتاب إلى مراعاة الدقة في أكثر الحالات شيوعا: “يقول أنّ” و “يعتقد أنّ” و “أخبرني أنّ” و”علمتُ أنّ” و”أفهمني أنّ” و”نصحني أنْ” و”أمرتك أنْ” و”سألتك أنْ” و”ناشدتك أنْ”.

24) كذلك أصبح من الشائع جدا استبدال حرف الجر “في” بحرف الجر”بِ”، اعتقاداً من معظم أبناء هذا الجيل بأن “في” وباء الجر مترادفتان بحيث يمكنك استبدال واحدة بالأخرى في كل الحالات، وهم في كل الحالات يفضلون استعمال الباء بدلاً من “في”، لأنهم – على ما يبدو – يفضلون كتابة كلمة واحدة (بالبيت) على كتابة كلمتين (في البيت) من باب “توفير الجهد”! والصحيح أنه في كل الحالات تقريبا يحل حرف الجر “في” محل ظرف المكان “داخل” وظرف الزمان (ضمن) (“في البيت”، و”في الشهر”) بينما باء الجر تعني في كل الحالات تقريبا “بواسطة” أو “عن طريق” أو “من خلال”، فأنا “أقرأ في الكتاب” ولكني “أضربك بالكتاب”، وأنا “أشك فيك” ولكني “أحتمي بك”، و”أنا أشتغل في البيت” بمعنى أنني أقوم بعملي في البيت بدلا من أن أقوم به في المكتب أو الورشة أو السوق، في حين “أنا أشتغل بالبيت” تعني أنني أقوم بعمل على البيت كموضوع، أي أنني ربما أدهن البيت أو أغير تصميمه أو أعيد ترتيبه وهكذا. ولذلك فمن الخطأ أن أقول أن “ابني بالمدرسة” بل “ابني في المدرسة”، وأن أقول “الناس بالسوق” بل “الناس في السوق”، وأن أقول “مرة باليوم” بل “مرة في اليوم”، وأن أقول “أركضُ بالشارع” بل “أركضُ بقدمين عاريتين في الشارع”. وفي بعض الحالات النادرة نستعمل الباء بمعني “في” أو “داخل”، كقولنا “أنت بالقلب جاثم” أو “زرَع الإيمان بنفوسهم”، ولكن كما ترون في هذه الأمثلة فإن الباء لا تستعمل بهذا المعنى إلا حين تستعمل مجازاً ومن باب الاستعارة وليس بالمعنى الحرفي المباشر. كذلك لاحظوا الفرق بين “صببتُ الماء في الكأس” (ظرف مكان) وبين “ملأت الكأس بالماء” (بواسطة)، وكذلك بين “أعمل عشرين يوما في الشهر” و”أعدّ أيام الشهر باليوم”، وكذلك الفرق في حدة المعني بين “أنا راغب بك” و”أنا راغب فيك”، وبين “أنا متيّم بك” و”أنا متيّم فيك”. 

25) تعاني الكتابة العربية الراهنة من كثرة الأخطاء النابعة من إساءة استعمال أحرف الجر التي تتبع بعض الأفعال التي يكثر استعمالها في وسائل الإعلام وفي الدراسات وتقارير البحث الأكاديمية، ومن ضمن ذلك على سبيل المثال الفعل “يشير”، فأنت تجد عبارات مثل “وتشير الإحصائيات لانتشار هذه الظاهرة” أو “تشير النتائج بأنه ليس للحالة الاقتصادية تأثير” أو “وأشار الباحثون السابقون أن للتدخين آثار سلبية خطيرة”. والصحيح هو أن الفعل “يشير” يجب أن يُتبع بحرف الجر “إلى” وليس باللام أو الباء ولا بإسقاط حرف الجر كما في الأمثلة السابقة، فأنت “تشير إلى المكان” ولا “تشير للمكان” أو “تشير بالمكان” أو “تشير المكان”. وتجدر الإشارة هنا إلى أن كل هذه الاستعمالات للفعل “يشير” في الأبحاث والتقارير هي استعمالات مجازية أساسها الإشارة الفعلية إلى شيء أو جهة أو مكان بالسبابة أو باليد، وإلى ذلك يجب أن نعيدها لنحكم على صحتها أو خطئها. كذلك الأمر بالنسبة للفعل “يدل”، فيكثر استعمال عبارات مثل “يدل بأن” و”يدل أن”، والصحيح هو أن حرف الجر “على” هو الوحيد الذي يتلو الفعل “يدل”، فأنت “تدل على الشيء” ولا “تدل بالشيء” أو “تدل الشيء”. وأكثر الأخطاء شيوعا هي تلك المتعلقة بمشتقات الفعل “ينظر”، فنقرأ عبارات مثل “ينظر للأمر من منظور إيجابي” و”بالنظر لهذه المعطيات” و”نظرا للظروف الحالية”. والصحيح أن كل هذه المشتقات ومثيلاتها يجب أن تـُتبع دائما بحرف الجر “إلى”، فأنا لا “أنظر لوجهك” ولا “أنظر وجهك” وإنما “أنظر إلى وجهك”، فأنت إما “تنظر في الأمر” بمعنى أنك تتفحصه وتتعمق فيه، وإما أنك “تنظر إلى الأمر” بمعنى أنك تهتم به وتأخذه بعين الاعتبار. والفعل الأخير الذي يخطئ فيه أكثر الكتاب وأريد أن أذكره هنا، هو الفعل “يعود”، فقاعدة هذا الفعل هي أنه يأخذ حرف الجر “إلى” إذا كان متبوعا باسم يدل على مكان أو زمان أو باسمٍِ موصول، كقولنا “يعود إلى البيت” و”يعود إلى أيام الشباب” و”يعود إلى ما بدأ به” و”يعود إلى حيث كان”، ويأخذ اللام إذا كان متبوعا باسم يدل على الفعل أو العمل، كقولنا “يعود للعمل” و”يعود للدراسة” و”يعود للتنقيب عن بواطن الأمور”، وكل ما هو غير ذلك لا يجوز. 

26) ومن الآفات التي أصبحت مثيرة للاشمئزاز في النصوص العربية، استبدال تاء التأنيث (ة) بالهاء (ه) في نهاية الكلمات المؤنثة، مثلا “مدرسه” بدل “مدرسة” و”مـرآه” بدل “مـِرآة” و”جميله” بدل “جميلة” و”أربعه” بدل “أربعة” و”قفزه” بدل “قفزة”. ويجب الإشارة هنا إلى أن التاء المربوطة والهاء حرفان مختلفان كليا في الأبجدية العربية، واستبدال واحد منهما بالآخر خاطئ كاستبدال أي حرف بأي حرف آخر. والقاعدة للتمييز بين الهاء والتاء المربوطة هو تنوين الكلمة، فإذا تحول آخرها إلى تاء بالتنوين كانت تاء مربوطة (مدرسة ٌ ومرآة ٌ وجميلة ٌ)، وإذا بقيت هاء بعد التنوين كانت هاء في الأصل (تافه ُ وسفيه ُ ورفاه ٌ).

27) معظم الذين يكتبون بالعامية يحوّلون التاء المربوطة (ة) إلى تاء مفتوحة (ت) في حالة الإضافة: مثلا، “تنكت الزيت” بدل “تنكة الزيت” و”حبت التفاح” بدل “حبة التفاح” و”سمعت الأب” بدل “سمعة الأب”. ولقد تسرب تأثير هذا الخطأ في العامية إلى الفصحى في كتابات بعض الشباب (بسبب ضعف لغتهم الفصحى أصلا)، فلاحظت طلابا وطالبات في الجامعة يكتبون مثلا “حكمت الشعوب” بدل “حكمة الشعوب” و”لا حيات لمن تنادي” بدل “لا حياة لمن تنادي”. 

28) يالمقابل، هناك من يحول التاء المفتوحة (ت) إلى تاء مربوطة (ة)، وهو خطأ شنيع، وهذا يحدث في العامية والفصحى على حد سواء. مثلا، “طارة الطيارة” بدل “طارت الطيارة”، أو “وقعة البنت” بدل “وقعت البنت”، أو “رفاة الميت” بدل “رفات الميت”. 

29) من أشنع الأخطاء التي تـُرتكب في الكتابة العربية في هذه الأيام، في العامية والفصحى على حد سواء، هو إلحاق الياء بضمير المخاطب للمؤنث “أنتِ”، فيكتبون “أنتي قلتي” بدلاً من “أنتِ قلتِ”، و”أحن إليكي” بدلاً من “أحن إليكِ”. ومن المؤكد أن الخطأ بدأ في الكتابة العامية في الدردشة الإلكترونية وعلى أشرطة الرسائل الهاتفية النصية في أسفل شاشات معظم القنوات الفضائية العربية، ومن ثم انتقل إلى الفصحى في لغة جيل من الشباب العربي ينهي دراسته الابتدائية والثانوية وحتى الجامعية دون أن يتعلم حتى الضمائر في لغته الأم، ولقد رأيت هذا الخطأ مرارا وتكرارا في “قصائد الشعراء” وقصص “الروائيين” والكتابات الصحفية والأكاديمية المنشورة في أفضل المواقع العربية على الإنترنت وأكثرها رزانة وجدية. ولذا فلعله من الضروري أن نبدأ هنا من نقطة الصفر ونقول أن ضمائر المخاطـَب في اللغة العربية هي “أنتَ” للمفرد المذكر، و”أنت ِ” للمفرد المؤنث، و”أنتم” للجمع المذكر، و”أنتنَّ” للجمع المؤنث. والفرق بين ضمير المخاطـَب للمفرد المذكر والمفرد المؤنث هو الفتحة على آخر الأول والكسرة على آخر الثاني، وعليه فاستبدال الكسرة على آخر المفرد المؤنث بياء خاطئ بقدر خطأ استبدال الفتحة على آخر المفرد المذكر بألف ممدودة، فكما أنك لا تكتب “أنتا قلتا” بدلا من “أنتَ قلتَ” فإنك يجب ألا تكتب “أنتي قلتي” بدلا من “أنت ِ قلت ِ” (في اللحظة التي أكتب فيها هذه السطور، أقرأ على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك” ما تكتبه طالبة جامعية تخاطب صديقتها: “سمعتي شو صار؟ شو فيكي تقولي؟). 

30) إسقاط الهمزة عن الألف، وآفة هذا الجيل عداؤه غير المفهوم للهمزة: مثلا، “تاثير” بدل “تأثير”، و”احباط” بدل “إحباط”، و”الابرة” بدل “الإبرة”، و”الاربعاء” بدل “الأربعاء”، و”رايي” بدل “رأيي”، وكذلك “اذا” بدل “إذا”، و”لان” بدل “لأن”، و”الى” بدل “إلى”، و”او” بدل “أو”، و”الا” بدل “إلا” و”ألا”، و”ان” بدل “إن” و”أن” و”آن”. والقاعدة هي أنه يجب وضع الهمزة حيث تلفظ همزة، وتكون فوق الألف في حالة الفتح والضم وتحتها في حالة الكسر.

31) بالمقابل، هناك من يضع الهمزة حيث يجب ألا توضع: مثلا، “الإقتصاد” بدل “الاقتصاد”، و”الإجتماعي” بدل “الاجتماعي”، و”الإنتصار” بدل “الانتصار”، و”الإقتباس” بدل “الاقتباس”. ومن الأخطاء التي تؤذي العين بقدر ما تؤذي الأذن وضع الهمزة على الألف في “أل التعريف” في المواضع التي يجب أن تـُدغـَم فيها هذه الألف فلا تـُلفظ، فيكتبون مثلا: “ألحرب ألعالمية ألثانية ألتي اندلعت في ألعقد ألخامس من ألقرن ألماضي” بدلا من “الحرب العالمية الثانية التي اندلعت في العقد الخامس من القرن الماضي”. ومن يستمع إلى المراسلين الصحفيين ومذيعي نشرات الأخبار في القنوات العربية يعثر بسهولة على سبب هذا الخطأ، فهكذا يتحدثون، وكأنّ تسكين نهايات الكلمات و”تهميز” أل التعريف التي تليها هو شرط لوضوح الخطاب وعلو مستوى المتحدث، ولا أعلم من الذي زرع هذه الفكرة الغريبة في عقول إعلاميينا العرب!

32) هناك عجز يكاد يكون كلياً لدى كتـّاب العربية في هذا الزمن فيما يخص الشكل الذي تأخذه الهمزة في وسط الكلمة وآخرها في حالة الفتح والكسر والضم، أو بعد الفتحة والكسرة والضمة، فيكتبون مثلا، “حددنا لقائنا” (حالة النصب، مع فتحة) و”جرى لقاءنا” (حالة الرفع، مع ضمة) و”دعوناك إلى لقاؤنا” (حالة الجر، مع كسرة) أو ما شابَهَ ذالك، وكل هذا خطأ بالطبع. ففي حالة النصب تكتب الهمزة هنا لوحدها، “حددنا لقاءنا”، وفي حالة الرفع تكتب على واو، “جرى لقاؤنا”، وفي حالة الجر تكتب على كرسي، “دعوناك للقائنا”. وقواعد كتابة الهمزة في وسط الكلمة وآخرها كثيرة ويصعب تغطيتها هنا، وأنصح كل من يريد أن يجيد كتابة العربية على أصولها ودون أخطاء (وحري بالجميع أن يفعلوا ذلك) أن يعود إلى كتب قواعد اللغة العربية ويعيد قراءة “باب الهمزة”. 

33) ولقد رأيت الكثيرين ممن يخطئون في كيفية وضع تنوين الفتح على الهمزة في آخر الكلمات في حالة النصب، فيكتبون “جزءً” و”جزاءاً”، والعكس هو الصحيح: “جزءاً” و”جزاءً”. والقاعدة هي أن تنوين الفتح يوضع على ألف ممدودة إذا كان ما قبل الهمزة ساكنا، “جزْءاً” و”وبدْءاً” و”شيْئاً”، ويوضع على الهمزة مباشرة إذا كان ما قبلها متحركاً بالألف الممدودة أو الواو، “بناءً على” و”لجوءً إلى” و”جزاءً لك”، أما إذا كان ما قبل الهمزة ممدودا بالياء (“مريء” و”بريء”) فتتحول الهمزة في حالة النصب إلى “حالة الكرسي” فتأخذ بعدها ألفا ممدودة للتنوين، “مريئاً” و”بريئاً”، مراعاة لأصول جماليات الكتابة في اللغة العربية. 

34) في الكتابة العامية، تحويل “الهاء” كضمير متصل تقديره “هو” إلى “واو”: مثلا، “منـّو” بدل “منـّه”، “رأيو” بدل “رأيه”، و”سمعتو” بدل “سمعته”، و”حكالو” بدل “حكا له”. وكما ترون من هذه الأمثلة فإن هذا الخطأ شائع في الكتابة العامية، إلا أنه وللأسف الشديد أخذ يتسرب إلى الفصحى، خصوصا في كتابات طلاب الجامعات الذين لا يفرقون بين العامية المعتادين عليها والفصحى التي لا يلمـّون بها. 

35) إن استبدال “الهاء” بـ “واو” في البند السابق يؤدي بالكثيرين إلى الخلط بين هذه الواو المفتعلة وواو الجماعة (وا)، فيكتبون “شفتوا” بدل “شفته”، و”عندوا” بدل “عنده”، وفي حالات كثيرة لا يستطيع القارئ أن يعرف ما المقصود بـ”شفتوا”؛ هل تعني “رأيته” أم “رأيتم”؟ ومن ناحية أخرى فإن هذا الخلط بين الواوين يجعل البعض يكتب واو الجماعة (وا) بدون الألف الملاصقة لها، مثلا، “راحو” بدل “راحوا”، و”لعبو” بدل “لعبوا”، و”سمعو” بدل “سمعوا”، وهذا طبعا يترك القارئ عاجزا عن تمييز ما إذا كانت “سمعو” تعني “سَمِعوا” أم “سَمِعـَه ُ”. وقد لاحظت في الفترة الأخيرة أن خطأ إسقاط الألف الملاصقة لواو الجماعة أخذ يتسرب إلى الفصحى، خصوصا في كتابات المثقفين العرب الذين درسوا وعاشوا في العالم الغربي ويحاولون الكتابة باللغة العربية التي نسوا قواعدها وخصوصياتها.

36) يشيع في الكتابة العامية خطأ إضافة ألف إلى أول الفعل الماضي، مثلا، “اعملنا” بدل “عملنا”، و”احكيتوا” بدل “حكيتوا”، و”احملنا” بدل “حملنا”. وبالمقابل، هناك من يسقط الألف من بداية الأفعال التي تبدأ بألف: مثلا، “سترجل” بدل “استرجل”، و”ستحت” بدل “استحت”. وفي كلتا الحالتين فالطريقة لمعرفة إن كان الفعل يبدأ بألف أم لا هي ردّه إلى الصيغة الفصحى. 

37) كذلك تضاف الألف خطأ في حالات الاسم: مثلا، “فتشت اجيابه” بدل “فتشت جيابه” و”حكى عن اعيوبه” بدل “حكى عن عيوبه”. وأكثر ما أراه من هذا النوع من الأخطاء في الكتابة العامية هو إضافة ألف إلى واو العطف، مثلا، “أوكانوا” بدل “وكانوا”، “أوهيك صار” بدل “وهيك صار”، ومنبع هذا الخطأ هو تحكيم شكل النطق بشكل الكتابة، وهذا نابع من الجهل بحقيقة أن شكل الكتابة (أي التهجئة) لا يراعي شكل النطق حتماً، لا في اللغة العربية ولا في أي من اللغات المتداولة في عالم اليوم. 

38) يعاني الكثيرون من أبناء هذا الجيل من العجز عن التفريق بين الألف الممدودة (ا) والألف المقصورة (ى)، فيستعملون الألف المقصورة حيث يجب أن تكون ممدودة؛ مثلا، “حدى” بدلاً من “حدا”، و”نمَى” بدلاً من “نما”، و”شكى” بدلاً من “شكا”، أو يستعملون الألف الممدودة حيث يجب أن تكون مقصورة؛ مثلا، “حكا” بدلاً من “حكى”، و”بكا” بدلاً من “بكى” ، و”اشترا” بدلاً من “اشترى”. والسبيل إلى التمييز هو أن تعيد الماضي إلى المضارع لتعرف إن كان أصل الألف واوا (شكا – يشكو) أو ياءً (حكى – يحكي)، فإن كان أصلها واواً تحولت إلى ألف ممدودة في الماضي، وإن كان أصلها ياءً تحولت إلى ألف مقصورة في الماضي. 

39) كذلك تزخر النصوص العربية بكل أشكالها ومستوياتها بحالات من استبدال الصاد (ص) بسين (س): مثلا، “سيرورة” بدلاً من “صيرورة” (فهي من “صار- يصير” وليست من “سار- يسير”)، و”سيغتها” بدلاً من “صيغتها” (فهي من “المصاغ” وليست من “المساغ”)، و”اسطلاح” بدلاً من “اصطلاح”. كما وتزخر النصوص، بنفس القدر تقريبا، بحالات من استبدال السين (س) بصاد (ص): مثلا، “التقاعص” بدلاً من “التقاعس”، و”القصرية” بدلاً من “القسرية” (فهي من “القسر” أي الإرغام وليس من “القصر”)، و”الجبص” بدلاً من “الجبس”. 

40) هناك خطأ شائع في الكتابة العامية يجب أن نذكره هنا لأنه يؤدي إلى كثير من اللبس، ألا وهو الخلط بين “إلي” بمعني “لي” و” إللي” بمعني “الذي”، فيكتبون مثلا “البيت إلي انهدم” ويقصدون “البيت إللي انهدم” أي البيت الذي هـُدِم. وعليه فيجب أن نكتب “إللي” (مع تكرار اللام) في كل مرة نقصد “الذي”، لمنع الخطأ. 

41) أخيرا، تعاني النصوص العربية الراهنة من الإهمال الشديد للتشكيل، أي وضع الفتحة والكسرة والضمة والسكون والشدة في أماكنها، خصوصا في الحالات التي يمكن فيها قراءة نفس الكلمة بأكثر من طريقة؛ مثلا، “المُحـْكـَم” و”المُـحـَكـّـم”، أو “يَعْرفـُه” و”يُـعـَرّفـُه”، أو “المُجتـَمِعات” والمُجتـَمَعات”. وتزداد أهمية التشكيل بازدياد غموض الكلمة، وفي حالة الأسماء الغريبة والاصطلاحات غير المألوفة يصبح التشكيل ضروريا، فمن لا يعرف ما هي “الفلكة” مثلا، لا يعرف إن كانت “فـُلْكـَة” أم “فـِلْكـَة”” أم “فـُلـّكة” أم “فـَلـَكـَة”، وهكذا (“الفـَلـَكة” هي قطعة من الأرض مستديرة ومرتفعة عما حولها). وبما أن الغالبية العظمى مما ينتجه العرب من نصوص في الوقت الراهن يـُنتـَج كمواد مطبوعة يتم إدخالها إلى الحاسوب عن طريق لوحة الأحرف (الكيبورد) كماقالات أو أشعار أو قصص، أو رسائل إلكترونية، أو تعليقات على (الفيسبوك)، أو عبارات في محادثات “الدردشة” وأشرطة الرسائل القصيرة على شاشات الفضائيات، أو ترجمات خطية للأفلام والبرامج التلفزيونية، فإنني أستطيع الحكم من خلال ما أعرفه عن ومن طلابي الجامعيين بأن معظم أبناء هذا الجيل من العرب لا يعرفون أين تقع الفتحة والكسرة والضمة والسكون والهمزة والشدة على لوحة الأحرف العربية للحاسوب (ومنهم من يعتقد أنها غير موجودة)، ويستغلون جهلهم هذا كذريعة لعدم التشكيل. ولذا فإنني أنصح كل من يكتب العربية في هذا الزمن أن يعيد التمعن في لوحة الحروف العربية لحاسوبه أو هاتفه النقال، ويكتشف كل ما فيها من مخبوءات، فهذه التفاصيل الصغيرة التي خبأها مهندسونا الإلكترونيون العرب خلف مفاتيح لوحة الأحرف هي التي نحتاجها لإنتاج نصوص عربية سليمة وواضحة ومقبولة.

شاهد أيضاً

وسط تقارير تتحدث عن قرب تنفيذ جيش الاحتلال اجتياحا بريا لمدينة رفح، حذرت الفصائل الفلسطينية …