سوق المَلازم الدراسية.. من أين تأتيك المذكرات التي «لا يخرج عنها الامتحان»؟

القاهرة : نيرة الشريف —-
في مكتبة صغيرة هادئة بالقرب من «جامعة عين شمس»، كان الشاب العشريني محمود مرزوق يجلس منتظرًا دخول الطلبة الذين يحتاجون لمَلازم المراجعات النهائية قبل الامتحانات، يتبادل مع زملائه الواقفين معه في المكتبة بعض النكات المضحكة لتسرية الوقت، ليست المكتبة كبيرة الحجم ولا في مكان صاخب، كما يحيط بها عشرات المكتبات الأخرى التي تمارس العمل نفسه، وتنتظر دخول طلبة يحتاجون لمَلازم المراجعات النهائية للمواد المقررة عليهم، لا يوجد بالمكتبة التي يقف بها محمود وزملاؤه سوى منضدة صغيرة وجهاز كمبيوتر وتلال من الأوراق والملازم خلفهم.

في مرحلة الامتحانات الخاصة بالتعليم الجامعي، تتحول العملية التعليمية بكاملها إلى «كبسولة» يسعى كل طالب للحصول عليها، فقط ليتمكن من عبور الامتحان بسلام، مجرد ملزمة صغيرة، يضع بها «ذوو الخبرة» توقعاتهم حول أهم النقاط التي سيدور حولها الامتحان لهذا العام، وربما لكل عام، لن يخرج أبدًا عن هذه النقاط، منذ وضع المقرر وحتى تقوم الساعة!

هذا ما يدركه «ذوو الخبرة» وهم ليسوا مدرسين ولا معيدين دومًا، هم فقط أصحاب مكتبات صغيرة حول الجامعات المصرية، اتخذوا من مهمة الملخصات الدراسية مهنة أساسية يرتزقون منها وتقوم عليها حياتهم، وهو ما أصبح صناعة كاملة تؤسس خلال فترة الامتحانات فقط، وتكون عائدًا ماديًا ضخمًا بسبب الجامعات الحكومية والخاصة.

«ملزمة القانون بـ5 جنيه»

وقف أحدهم يكرر هذا النداء، ممسكًا بالكثير من الأوراق والملازم بالقرب من «جامعة عين شمس» أمام إحدى المكتبات التي يعمل لحسابها ليجتذب المارة لبضاعته التي كانت عبارة عن ملخصات للمواد الدراسية، التي ينادي لشرائها، ووقف بجانب المنضدة شابان يتوليان أمر البيع للطلبة الذين تجمعوا بأعداد مهولة مقبلين على شراء هذه المَلازم، ليجعلوا مجرد فكرة المرور من أمام هذه المكتبات أمرًا عسيرًا وشاقًا على المارة.

صناعة الملخصات الدراسية عالم كامل، له خباياه وأسراره التي لا يعلمها سوى العاملين فيه أو المتعاملين معه، فربما تجد طلبة يقومون بوضع هذه الملخصات ويبيعونها، وربما تجد خريجي جامعات لم يجدوا عملًا فعادوا إلى مدرجات الجامعة، يحضرون المحاضرات ويكتبونها ويبيعونها لهذه المكتبات أو يستغلون كتبهم القديمة، ويحاولون معرفة المقرر الجديد الذي قرره الدكتور ليقوموا بتلخيصه وبيعه.

أرحم من البطالة..

«تخرجت في كلية الآداب قسم لغة عربية، أنهيت الجامعة منذ حوالي ست سنوات، بعدها أنهيت أوراق الجامعة والجيش، ثم بدأت رحلتي في البحث عن عمل، لم تكن رحلة سارة أبدًا، كل خطوة أو محاولة كانت تسفر عن اللاشيء، كل عمل كان يتطلب الحصول على واسطة، ذهبت إلى أغلب المصالح والهيئات، وتعرضت للنصب في محاولة الحصول علي وظيفة، وعدني أحدهم بأن يأتي لي بها مقابل المال، دفعت المال لكني لم أجد بعدها لا الرجل الذي وعدني ولا الوظيفة» هكذا بدأ محمود مرزوق -27 عامًا- أحد العاملين بسوق الملخصات الدراسية قصته في الحصول على عمل.

كانت مشكلة محمود كما يرويها أنه لا يستطيع أن يعمل في أي مهنة، فهناك مهن لا يعتبرها المجتمع لائقة بخريج جامعة أنفق عليه أهله الكثير من المال لكي يحصل على شهادته، لا يعتبر محمود هذه النظرة محقة تمامًا لكنه على أي حال كان خاضعًا لها. اضطر أن يعمل في أحد المصانع لكنه كان يعتبر الأمر سرًا إلى أبعد مدى، ولم يُطلع عليه إلا القليلين؛ «كان وضعًا مؤقتًا إلى أن أجد عملًا».

جاء «الفرج» أخيرًا بعد نحو ثلاث سنوات وعمل محمود مدرسًا في أحد المدارس الحكومية بعقد محدد المدة، أجر محمود كان هزيلًا جدًا، لكن لم يكن الدخل يشغله لحد كبير، فالأهم الآن أنه أصبح لديه وظيفة يستطيع أن يخبر الناس عنها، وبدأ يبحث عن عمل آخر يستطيع أن يحصل منه على مال يعيش به.

«أحد أصدقائي كان بصدد تأسيس مكتبة بجوار الجامعة، عرض عليّ العمل معه في صياغة ملازم شرح خلال السنة، وملازم مراجعة نهائية خلال الامتحانات للطلبة، لم أر الأمر صعبًا، الجامعة تعليمها ثابت وتقليدي والدكاترة لا يخترعون جديدًا»، هكذا يعبر محمود عن عمله الإضافي.

ويضيف قائلًا: «المشكلة الآن أن المجال صار مكتظًا بالوافدين الجدد، كل شخص يمتلك محلاً قرب الجامعة يحوله إلى مكتبة، أو ويحضر طالبًا يكتب المحاضرات ويصنع المَلازم ويبيعها، تحولت إلى «سبوبة» يمكن للجميع أن يعملوا بها، الطلبة لا يهتمون مَن كتب الملازم وكيف، يريدون أي شيء يحشون به أدمغتهم ليصبّوه في ورقة الامتحان»

وظيفة يمتهنها الطلبة أيضًا!

يقول يوسف عبد الرحمن -طالب ومالك لإحدى المكتبات الصغيرة بجوار الجامعة- : «مازلت طالبًا في الفرقة الرابعة، كنت خلال سنوات دراستي أواظب علي شراء هذه المذكرات والملازم الدراسية التي تتولى أمر تلخيص الكتاب الجامعي الذي لا أفهم منه شيئًا، فقد كنت أدفع نحو 30 جنيهًا لكي أحصل علي مذكرات المادة الواحدة، احتياجي للملازم طوال فترة دراستي هو ما دفعني للتفكير في هذا المشروع الصغير الذي نقف داخله الآن».

اقترض يوسف من والده ثمن المكتبة وثمن ماكينة التصوير، و اعتمد بشكل رئيسي في مكتبته الصغيرة على بيع الملخصات الدراسية، التي يروج سوقها في نهاية كل فصل دراسي وتحقق دخلًا كبيرًا في أيام الامتحانات، ويلخص عمله قائلاً: «أنا بصفتي طالبًا أقوم بعمل هذه الملخصات لفرقتي، وأكلف أصدقاء آخرين لي ما زالوا طلبة بكتابة ملخصات للمواد الدراسية التي يدرسونها، وكتابة محاضراتهم بخط جيد، ونتفق علي مقابل مادي لكل مادة يأتون بملخصها أو بمحاضراتها مكتوبة، ثم أتولى أنا أمر كتابة هذه المذكرات علي الكمبيوتر».

وعن فترة الامتحانات يقول وليد فوزي –صاحب أحد مكتبات بيع الملخصات الدراسية- : «أيام الامتحانات هي «الموسم»، والمقابل المادي الذي نحصل عليه خلال هذه الأيام قد يكون مساويًا للمقابل المادي الذي نحصل عليه خلال عملنا طوال الفصل الدراسي بأكمله».

ويضيف قائلًا: «أنا شاب حديث التخرج في كلية التجارة، والملخصات الدراسية تلك وفرت لي فرصة عمل بدلًا من الجلوس على المقهى وضياع العمر، ففي خلال امتحاناتي النهائية ببكالوريوس التجارة وجدت إعلانًا مُعلقًا علي هذه المكتبات يطلب خريجي كلية التجارة للعمل، وبالفعل ذهبت إلى المكتبة، ولم أكن قد أنهيت امتحانات البكالوريوس، فوجدت صاحب المكتبة يسألني عن قبول العمل في الملخصات الدراسية الخاصة بكلية التجارة، وبالطبع قبلت لأني كنت أري أصدقائي الذين سبقوني في التخرج بلا عمل ولا مصدر رزق».

أدرك وليد لحظتها أن هذه السنة ليست آخر سنة له في الجامعة، وإنه في السنوات القادمة سيأتي إلى الجامعة ويحضر المحاضرات كما اعتاد أن يفعل، ولكن هدف التعلم والحصول على الشهادة قد تغير، واستبدل به هدفًا آخر وهو كونه فرصة للحصول على عمل ووسيلة رزق.

يقول وليد: «أنا الآن في عامي الثالث من العمل، وكنت خلال الأعوام الثلاث السابقة أدخل إلى المدرجات وأحضر المحاضرات، وأوزع إعلانات دعاية للمكتبة على الطلبة داخل المدرج، وأحاول إيجاد طلبة يقبلون بيع محاضراتهم أو تلخيص المواد التي يدرسونها وبيعها، فنحن نبدأ في تجهيز المحاضرات وملازم المراجعة النهائية التي نبيعها في نهاية كل فصل دراسي منذ بدايته».

من أين تأتي ملخصات ليلة الامتحان؟

وعن مصدر الملازم التي يبيعونها يوضح كرم محمد -عامل في إحدى المكتبات- أن هناك بعض المعيدين الذين يكتبون هذه الملخصات ويبيعونها تحسينًا لأوضاعهم المادية، وهناك بعض الخريجين الذين يقبلون العودة إلى المدرجات وكتب الجامعة مرة أخرى في سبيل الحصول على مصدر دخل يجعله يستطيع الإنفاق على نفسه والكف عن أخذ مصروفه من والده.

أما الشريحة الثالثة من صناع الملخصات الدراسية -بحسبه- فهم بعض الطلبة الذين يقبلون أن يبيعوا المحاضرات التي يكتبونها وتلخيصاتهم لموادهم الدراسية، فأغلبهم بحاجة للحصول على المال، وهؤلاء يقول عنهم: «هم على أي حال يكتبون المحاضرات ويلخصون الكتب لغرض المذاكرة، فما الذي يمنع أن يستفيدوا ماديًا ويبيعون هذه الملازم؟»

ويضيف كرم قائلًا: «كذلك فإن الطلبة يأتون لتصوير بعض الكتب خلال الفصل الدراسي، فنستأذنهم لتصوير نسخة إضافية من الكتاب، ونعرف منهم الأجزاء المقررة منه، ونقوم نحن بأنفسنا بتلخيصه حتى وإن كان الكتاب ليس في مجال تخصصنا، لأن الموضوع لا يحتاج تخصصًا أصلًا! وأكبر المصاعب التي تواجهنا في عملنا هو المنافسة الحادة والشرسة بين أصحاب المكتبات على جذب الطلبة، فنحن جميعًا مكان عملنا واحد يفصل بين كل مكتبة والأخرى مسافة لا تتجاوز المتر، وهو ما يدفع بعض العاملين بالمكتبات إلى أن ينادوا علي الملخصات الدراسية التي يبيعونها وكأنهم يبيعون خضارًا».

شاهد أيضاً

بالفيديو – “طن لحم وطن دجاج ونصف طن أرز” في إفطار حي المطرية الشعبي بالقاهرة

وسط أجواء عمتها البهجة والسعادة، نظم سكان حي المطرية بشرق القاهرة، حفل إفطارهم الجماعي للعام …