تعرف على حكايات الإفطار والسحور.. بدءًا بالمدفع وانتهاءً بطائرة حربية.. حكايات وأسرار

مصر صاحبة الفكرة.. الإرهاب يوقف المدفع فى تونس.. ووجبات السحور على أصوات طائرات مقاتلة فى إندونيسيا!

يعتبر مدفع الإفطار، من أكبر التقاليد الموروثة فى رمضان، بل يعتبر من أهم التقاليد الرمضانية منذ ظهور المدفع، والذى بدأت قصته فى العصر المملوكى، وجاءت بالصدفة أثناء تجريب مدفع فى عصر السلطان المملوكى”خشقدم”، حيث ظن الأهالى أنه يعلمهم بالإفطار، وذهبوا ليهنئونه، فقرر أن يكون طقسًا رمضانيًا للأهالى فى أيام رمضان.

وبعد ظهوره فى مصر انتقل إلى الدول العربية والإسلامية، وكانت السعودية من أوائل الدول فى ذلك، وخاصة فى مكة، والذى عرف مدفعها بـ” الراوية”.

واختلفت نقوس ومراسم المدفع من بلد لآخر، بحسب عدد الطلقات فى الإفطار والسحور، بالإضافة إلى ثبوت الشهر، وطلقات الإعلام بعيدى الفطر والأضحى.

وتسببت الوسائل الحديثة، فى هجران هذه الظاهرة الرمضانية فى كثير من الدول، لكن جاءت المفاجأة هذا العام فى”إندونيسيا”، والتى أيقظت مواطنيها لتناول”وجبة السحور” على أصوات طائرات حربية!.

الإماراتيون يفطرون على طلقات “الراوية”.. و12 طلقة مدفعية لإعلان العيد فى البحرين

عرف الإماراتيون تقليد مدفع الإفطار، فى بداية الثلاثينيات من القرن الماضى، وكانوا يسمونه بـ”الراوية”، لارتباطه بشرب الماء، واستمر هذا التقليد حتى هذه الأيام.

وكان أول مدفع فى إمارة الشارقة، حيث كانت تصاحبه الآن فعاليات مرتبطة به، فى بث مباشر عبر شاشة الشارقة، ويجتمع عدد كبير من المشاركين فى تظاهرة مجتمعية، تنقل صورهم مباشرة إلى أهاليهم وذويهم، فيتحول التقليد إلى احتفالية.

وتحرص إمارة دبى، على إحياء تقليدها السنوى برغم التطور العمرانى الذى تشهده الإمارة، والذى يحول دون سماع صوت دوى مدفع رمضان بشكل واضح.

وظل تقليد المدفع  أكثر من 50 عامًا، فى تنبيه الصائمين بموعد الإفطار، وذلك من خلال أربعة مدافع تتوزع فى مناطق مختلفة منها، معلنة تمييز شهر الصيام الذى يختلف عن بقية شهور العام.

أما فى أبو ظبى، يعود تقليد مدفع رمضان كل عام مع بداية الشهر الفضيل، للحفاظ على العادات والتقاليد المتوارثة والتمسك بالموروث الاجتماعى.

وفى البحرين، لا يزال المدفع يحتفظ بكونه أيقونة شهر الصيام لدى البحرينيين، ويجذب الكثيرين حوله مع قدوم الشهر الفضيل فى كل عام، برغم ما عرفته الحياة من تغييرات على كل المستويات، أدت إلى اندثار الكثير من العادات والتقاليد.

وبدأ مدفع الإفطار فى مملكة البحرين، منذ ثلاثينيات القرن الماضى، وقبل أن يعلن عن اكتشاف النفط أو عن تأسيس المملكة، وعادة ما يقوم أفراد من الأمن بإطلاق القذيفة لحظة مغيب الشمس، لإعلان حلول موعد الإفطار.

ولم يقتصر دور المدفع على الإعلان عن موعد الإفطار، ولكنه يطلق قذيفته أيضًا ليعلن عن موعد دخول شهر رمضان عند ثبوت الرؤية، وكذلك عند ثبوت رؤية هلال شوال، للإعلان عن حلول عيد الفطر، وكذلك عند حلول عيد الأضحى، ويكون عدد قذائف العيدين 12 قذيفة.

ويتجمع العشرات، من المواطنين والمقيمين برفقة ذويهم لمشاهدة مدفع الإفطار، وهو يطلق قذيفته، فى وقت الغروب وقرب موعد أذان المغرب.

وبحسب المصادر البحرينية، فإنه لا يذكر عام محدد يمكن القول إن مدفع الإفطار ظهر فيه بالبلاد ، إلا أن بعض المصادر تقول إنه يعود إلى ما قبل عصر النفط، فى ثلاثينيات القرن الماضى، وتستمر هذه العادة القديمة إلى يومنا هذا.

وتسند مهمة الإشراف على مدفع الإفطار والإمساك وضبط التوقيت، لأحد شيوخ الدين الذين يحددون موعد غروب الشمس، وفق توقيت الساعة، مقارنة بغروب الشمس الفعلى.

 وتتعدد أماكن إطلاق مدفع الإفطار فى البحرين؛ حيث يتواجد حاليًا فى مختلف المحافظات.

وتفيد بعض المصادر، أن شمال المنامة، كان الموقع المخصص لمدفع الإفطار فى العاصمة قديمًا، ثم انتقل إلى الأرض المقابلة لسوق المنامة المركزى بعد ردم جزء من البحر لإنشاء السوق، وبقى مكان المدفع فى هذا الموضع من المنامة لعدة عقود.

7 قذائف لإعلام أهالى مكة بقدوم رمضان.. وتوقف المدفع العام الماضى بعد 50 عامًا

انتشرت فكرة مدفع رمضان من مصر إلى الدول العربية والإسلامية، والتى انتشرت فى أقطار دول الشام بداية بالقدس ودمشق ومدن الشام الأخرى، ثم إلى بغداد فى أواخر القرن التاسع عشر الميلادى، وبعدها انتقل إلى مدينة الكويت.

وجاء أول مدفع للكويت، فى عهد الشيخ مبارك الصباح، وذلك عام 1907م، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط، وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب إفريقيا، مثل تشاد والنيجر ومالى ودول وسط وشرق آسيا، حيث بدأ مدفع الإفطار عمله فى عام 1944 فى إندونسيا.

وفى مكة المكرمة، استخدم مدفع الإفطار كغيرها من المدن السعودية، حيث اعتاد السعوديون عامة، وأهالى العاصمة المقدسة خاصة، وجود مدفع رمضان الذى يكون إلى جانب الأذان، للإعلام بالإفطار، وبالإمساك وقت السحور.

والمدفع الرمضانى، الذى ينقل التليفزيون السعودى يوميًا وعلى الهواء مباشرة لحظة إطلاقه، عرف عنه ظهوره فى غرة رمضان، بالإضافة إلى إطلاقه فى الأعياد إيذانًا بدخول العيدين.

وظل المدفع يعمل فى مكة طيلة 50 عامًا ماضية، قبل أن يتوقف العام الماضي، وجرت العادة فى العاصمة المقدسة مكة المكرمة أن تطلق المدافع الصوتية، وذلك مع دخول وقت صلاة المغرب إيذانا بالإفطار.

ويقوم مدفع رمضان بمكة المكرمة، بإطلاق سبع قذائف صوتية، إعلانًا لدخول شهر رمضان المبارك، ثم يبدأ مزاولة مهامه الرمضانية بغرفته المخصصة له فى مقر إدارة المهمات والواجبات.

ويكون تجهيز المدفع بالذخيرة اللازمة “قذائفه الصوتية” سنويًا، حيث يتم استخدامها طوال شهر رمضان المبارك، وحتى أول أيام عيد الفطر،  حيث يطلق طلقة عند دخول وقت الإفطار، وأخرى عند دخول وقت السحور، وطلقتان للإعلان عن الإمساك كل يوم.

وعند دخول عيد الفطر، تدوى طلقاته الصوتية ابتهاجًا بالعيد، ويتم نقله إلى غرفته بمقر المهمات بعد أن يكمل إنجاز مهمته السنوية.

ويبلغ مجموع الطلقات التى يطلقها منذ دخول شهر رمضان المبارك حتى الإعلان عن دخول عيد الفطر المبارك، 150 طلقة.

ويتم تخصيص عدد من رجال الأمن للعناية به وتجهيزه وتهيئته وصيانته وتنظيفه، منذ وقت مبكر وطيلة الشهر الكريم، وإطلاق الذخيرة الصوتية عند الإفطار وقبل السحور وعند الإمساك قبل الفجر.

ويعتبر مدفع رمضان فى مكة المكرمة، آلة يتم نقلها بواسطة مركبة من مقر إدارة المهمات والواجبات إلى مكانه الذى خُصص له بجبل من جبال مكة المكرمة المتميز بارتفاعه وخلوّه من السكان وقُربه من المسجد الحرام، وأطلق على الجبل “جبل أبو المدافع”.

يذكر أنه كان فى مكة المكرمة، عدة مدافع فى مواقع مختلفة فى عدد من أحياء مكة المكرمة، ثم توقفت كلها منذ سنوات، إلا مدفعًا واحدًا هو الذى يتم استخدامه فقط (قبل أن يتوقف العام الماضى)، وذلك بسبب توافر وسائل الإعلان المختلفة ووسائل الاتصال المتعددة والمتنوعة للإعلان عن دخول الشهر الكريم والإفطار والإمساك، ما جعل الحاجة إلى استخدام المدفع للإعلان عن ذلك غير ضرورية؛ وإنما يتم استخدامه كرمز من الرموز والطقوس الرمضانية الموروثة.

أما فى الكويت، فلا يزال مدفع رمضان منذ أن أُطلقت أولى ذخائره فى البلاد عام 1907، يحتفظ بوظيفته ورونقه خلال شهر رمضان المبارك، ليحيى فى كل عام تقليدًا تراثيًا قديمًا اندثر فى معظم بلدان العالم الإسلامى.

وتحوّلت لحظة إطلاق المدفع الرمضانى الشهير، الموجود فى قصر نايف، فى العاصمة الكويتية، إلى أشبه باحتفال تراثى يبث عبر برنامج تليفزيونى على الهواء مباشرة، ويحرص جمهور من الكويتيين على المشاركة.

وكان الكويتيون قد بدأوا فى استخدام المدفع؛ لمعرفة وقتى الإفطار والإمساك، منذ عام 1907، فى عهد الشيخ مبارك الصباح.

وبحسب الروايات الكويتية فإن على بن عقاب بن على الخزرجي، هو أول من أطلق مدفع رمضان فى الكويت، وقد تعلم استخدامه من العثمانيين.

وفى عهد الشيخ مبارك الصباح، عهد إلى “ابن عقاب” بإطلاق المدفع وقتى الفطور والسحور، حيث كان يطلق طلقتين فى كل وقت، ثم أصبحت طلقة واحدة خلال فترة حكم الشيخ أحمد الجابر الصباح (حكم من 1921 حتى 1950)، وفى المناسبات كالأعياد تطلق سبع طلقات، وعند زيارة الحكام والضيوف الكبار تطلق 21 طلقة ترحيبا واحتفاءً بالضيوف.

وقد كان المدفع الرمضانى، موجودًا فى موقع يسمى “سيف الطوب”، بجوار قصر “السيف”، فى الكويت العاصمة، قبل أن ينتقل عام 1953 إلى قصر “نايف”.

أحدث مسحراتى.. طائرة حربية لإيقاظ الصائمين للسحور فى إندونيسيا

فى حيلة وصفها البعض بأنها ذكية، قامت الحكومة الإندونيسية بمشاركة طائرات حربية فى إحياء تقاليد رمضان، وذلك  بالتحليق على ارتفاع منخفض فى فترة السحور لإيقاظ من يستعدون للصيام.

وكان الحساب الرسمى للقوات الجوية الإندونيسية، على تويتر قد أعلن  أن التدريبات الجوية ستتم فى فترة السحور، فوق عدد من مدن جزيرة جاوة.

وأضاف أيضًا حساب سلاح الجو الإندونيسى على موقع تويتر، أن التقليد يهدف إلى “إقامة رباط قوى بين سلاح الجو والشعب”.

لكن تعرض السكان النائمين لأصوات الطائرات لم يلق ترحيب الجميع، حيث علق أحد مستخدمى تويتر قائلاً: لا أعتقد أن الأمر ضرورى، نظرًا لأن السكان ليسوا جميعًا مسلمين حتى يستيقظوا للسحور فى هذه الأوقات، حيث يكون الكثيرون من أتباع الديانات الأخرى فى فترة راحة.. من فضلكم ضعوا ذلك فى الحسبان.

وصرح  المتحدث باسم القوات الجوية، كولونيل سوس يوريس، إن الهدف لا يقتصر على المشاركة فى تقليد السحور، وإنما محاولة للاستمرار فى التدريبات خلال شهر رمضان، “فهى مهمة مزدوجة”.

وتحلق الطائرات على ارتفاعات أقل من المعتاد، وتستخدم الحراق الخلفى لإصدار ضجيج يوقظ النائمين.

يذكر، أنه لا يسمح للطيارين بالمشاركة فى التدريبات وهم صائمون، نتيجة انخفاض مستويات السكر فى الدم، ما دفع القوات الجوية إلى تغيير موعد التدريبات خلال شهر رمضان.

وبحسب خبراء طبيون، فإن مرحلة الفجر تعتبر الوقت الأفضل لتحليق الطيارين، ونصح هؤلاء بألا يكون هناك تحليق بعد الساعة العاشرة صباحًا، نظرًا لأن منسوب السكر فى الدم يبدأ بالانخفاض.

ويمتاز رمضان فى إندونيسيا بأجواء خاصة، حيث تحتضن أكبر عدد من المسلمين فى العالم، ويبلغ عددهم قرابة 209 ملايين نسمة.

وشهدت المساجد فى عموم إندونيسيا، ازدحامًا كبيرًا من المصلين فى أول صلاة جمعة بشهر رمضان، حيث أدى آلاف الأشخاص الصلاة فى مسجد الاستقلال بالعاصمة الإندونيسية جاكرتا، الذى يعد أكبر مسجد فى جنوب شرق آسيا.

تونس تلغى المدفع بسبب الإرهاب.. والوسائل الحديثة تنهى التقليد بـ”الضربة القاضية”

غابت عادة مدفع الإفطار فى  كثير من البلدان العربية والإسلامية، لأسباب متعددة، منها تسارع الحياة العصرية، وتطور وسائل التقنية والإعلام، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعى، ما أدى إلى القضاء على الموروثات الشعبية ومعظم طقوس رمضان القديمة، إضافة إلى عدة عوامل أخرى،  أبرزها انتشار الإرهاب فى عدة دول مثل تونس وليبيا وسوريا والعراق واليمن، التى أوقفت أغلب مدنها إن لم تكن كلها- عادة إطلاق مدفع الإفطار.

ففى مكة المكرمة، افتقد الأهالى المدفع بعد أن اعتادوا على سماع صوته طوال خمسين عامًا، وبعد أن تعلق الكبار والصغار منهم بذلك الصوت الذى ظهر قبل المكبرات الصوتية؛ لدرجة أن الكثير من الصائمين يمتنعون عن الإفطار حتى سماع صوت المدفع.

كما اندثرت هذه العادة من بقية مدن السعودية ما عدا المدينة المنورة، إذ صدرت موافقة المقام السامى بإعادة استخدام المدفع الصوتى فى المدينة المنورة، بدءًا من شهر رمضان المبارك من العام الماضى 1436هـ، وذلك لما يملكه المدفع الصوتى من إرث تاريخى تناقلته الأجيال فى المدينة المنورة.

وفى سلطنة عمان، اندثرت عادة إطلاق مدفع رمضان، وبقيت آثاره ومجسماته وأعداد منه تشاهد فى المتاحف والمناطق السياحية والعامة.

وفى تونس، بدأت ظاهرة مدفع رمضان تختفى منذ حادثة صفاقس؛ إثر انفجار مدفع رمضان، وتسببه فى وفاة مهندس وجرح جنديين خلال رمضان 2010م، وانقطعت هذه العادة التى كان يتجمع حولها البعض صحبة أبنائهم لحضور عملية الإطلاق.

وانتشر غياب المدفع فى المدن التونسية، بسبب ازدياد ظاهرة الإرهاب التى رفعت من مخاوف السلطات من استغلالها لإحداث تفجيرات، وحضر المدفع فى القيروان وغاب عن بقية المحافظات ومدينة تونس العاصمة.

وقررت وزارة الداخلية التونسية، منع استعمال المدفع أثناء الإفطار خلال شهر رمضان منذ سنة 2014، ليشمل جميع محافظات التونسية، وقد اتخذته السلطات المعنية نتيجة الظروف الأمنية الخاصة التى تعيشها تونس، ثم تراجعت معلنة أنه بإمكان أى مدينة بها مدفع، استعماله خلال الشهر الفضيل.

وفى العراق وسوريا واليمن، يختلط صوت مدفع رمضان بأصوات الانفجارات ومدافع الهاون، حتى أصبح الصائم لا يفرق بينها، برغم تعلق المواطنين بهذه العادة التى ارتبطت بموعد الإفطار.

واستعاضت بغداد عن مدفع رمضان ببث تسجيل لإطلاق قذيفة من مدفع على شاشة التلفاز.

وفى اليمن، كما فى سوريا، يتمنى الصائمون أن يسمعوا صوت مدفع رمضان، بعد أن أنهكتهم الحرب التى تحرمهم حياة هادئة فى الأجواء الرمضانية.

مكونات المدفع

مدفع الإفطار، أول ما استُخدم فى الإعلان عن الإفطار والإمساك فى رمضان، كان مدفعًا حربيًا.

والمدفع هو اسم يطلق على أى قطعة مدفعية يستخدم فيها البارود، أو أى مادة متفجرة أخرى لدفع القذائف، وتختلف المدافع فى عيارها ومداها وسهولة حركتها ومعدل الإطلاق النيرانى وزاوية الإطلاق وقوة النيران.

وقد استخدم العسكريون المدافع فى ميادين الحرب سواء فى البحر أو البر أو الجو، وهو عبارة عن أنبوب معدنى يقذف كتلة متفجرة تدعى قذيفة.

ويتكون المدفع من سلك المشعل، وحجر بطارية، وسلك حديدى لاستخدامه فى إطلاق القذيفة.

وظل المدفع الرمضانى، يعمل بالذخيرة الحية فى القاهرة حتى 1859 ميلادية، إلى أن ظهر جيل جديد من المدافع التى تعمل بالذخيرة “الفشنك” (غير الحقيقة)، وتم الاستغناء عن الذخيرة الحية.

أما مدفع مكة، فكان يطلق ذخائر صوتية ناجمة عن عملية انفجار البارود واحتراقه داخل فوهة المدفع، حيث ينطلق الصوت ليسمع فى كافة أرجاء مكة المكرمة، والذى يصدر دخانا متصاعدا نتيجة لاحتراق البارود بعد إطلاق الذخيرة.

وقد استبدل فى السنوات الأخيرة بمدفع جديد “شبه آلى”، كما أن القذيفة التى يتم إطلاقها جاهزة وليس على الشخص الذى يقوم بإطلاقها إلا وضعها فى المكان المخصص لها، ومن ثم يضغط الزر المخصص لإطلاق الصوت، بعكس المدفع السابق الذى كان يعمل يدويًا؛ حيث يتم ملء فوهة المدفع بالبارود، ومن ثم يتم كبسه يدويّا، بعد ذلك يتم إطلاق القذيفة عبر سحب حبل للخلف بشدة، ومن ثم ينطلق الصوت، وذلك قبل أن يتوقف عن العمل أخيرًا.

المدفع بدأ بـ”الصدفة” فى عصر المماليك.. وسعه “محمد على”.. وأعاده وزير الداخلية الأسبق بعد توقفه

ارتبط إفطار الصائمين طيلة شهر رمضان فى أذانى المغرب والفجر بمدفع الإفطار، والذى كانت بدايته وفكرته فى القاهرة، ثم انتقلت إلى عواصم عربية وإسلامية عديدة.

وكانت القاهرة، أول مدينة إسلامية تستخدم هذه الوسيلة عند الغروب، للإعلام بالإفطار فى الشهر الفضيل.

وبحسب أصل قصة المدفع التى يتم تداولها وكيفية ظهوره، فإنها بدأت بمحض الصدفة فى أول يوم رمضان عام 859هـجرية 1455ميلادية، حيث كان والى مصر فى هذه الفترة الوالى المملوكى “خُشقدم”، والذى كان قد تلقى مدفعًا هدية من صاحب مصنع ألمانى فأمر بتجربته وتصادف ذلك الوقت مع غروب الشمس فظن سكان القاهرة أن ذلك إيذان لهم بالإفطار.

 وفى اليوم التالى، توجه شيوخ الحارات والطوائف إلى بيت الوالى لشكره على هديته لسكان القاهرة، فلما عرف الوالى الحكاية أعجب بذلك، وأمر بإطلاق المدفع عند غروب الشمس طيلة الشهر المبارك.

كما ارتبط مدفع الإفطار باسم”الحاجة فاطمة” ففى سنة 859 هجرية عندما توقف المدفع الذى أطلقه خُشقدم على سبيل التجربة عن الإطلاق، ذهب العلماء والأعيان لمقابلة السلطان لطلب استمرار عمل المدفع لكنهم لم يجدوه والتقوا زوجة السلطان التى كانت تدعى الحاجة فاطمة ونقلت طلبهم للسلطان فوافق عليه، فأطلق الأهالى اسم الحاجة فاطمة على المدفع.

كما تناقل المصريون، أن ظهور مدفع الإفطار يعود إلى أن والى مصر “محمد على باشا” كان قد اشترى عددًا من المدافع الحربية الحديثة فى إطار خطته لبناء الجيش الحديث، وفى يوم من الأيام الرمضانية كانت تجرى الاستعدادات لإطلاق أحد هذه المدافع كنوع من التجربة فانطلق صوت المدفع مدويًا فى نفس لحظة غروب الشمس وأذان المغرب من فوق القلعة فتصور الصائمون أن هذا تقليدًا جديدًا، واعتادوا عليه وطلبوا من الحاكم أن يستمر هذا التقليد فى وقت الإفطار والسحور فوافق وتحول إطلاق المدفع بالذخيرة الحية مرتين يوميا إلى ظاهرة رمضانية.

وقد كان فى القاهرة حتى وقت قريب 6 مدافع موزعة على أربعة مواقع، اثنان فى القلعة، واثنان فى العباسية، وواحد فى مصر الجديدة، وآخر فى حلوان، تطلق كلها مرة واحدة من أماكن مختلفة بالقاهرة، حتى يسمعها كل سكانها وكانت هذه المدافع تخرج فى صباح أول يوم من رمضان فى سيارات المطافئ لتأخذ أماكنها المعروفة، ولم تكن هذه المدافع تخرج من مكانها إلا فى خمس مناسبات وهى رمضان والمولد النبوى وعيد الأضحى ورأس السنة الهجرية وعيد الثورة، وكان خروجها فى هذه المناسبات يتم فى احتفال كبير حيث تحمل على سيارات تشدها الخيول.

يذكر أن العمل بالمدفع لإعلام الصائمين كان قد توقف فى بعض الأعوام عن الإطلاق بسبب الحروب، ما أدى إلى إهمال عمل المدفع حتى عام 1983 عندما صدر قرار من وزير الداخلية “أحمد رشدى” بإعادة إطلاق المدفع مرة أخرى ومن فوق قلعة صلاح الدين الأثرية جنوب القاهرة، ولكن استمرار شكوى الأثريين من تدهور حال القلعة وتأثر أحجارها بسبب صوت المدفع أدى لنقله.

واستقر المدفع فوق هضبة المقطم وهى منطقة قريبة من القلعة ونصبت مدافع أخرى فى أماكن مختلفة من المحافظات، حيث يقوم على خدمة المدفع أربعة من رجال الأمن لإطلاقه لحظتى الإفطار والسحور.

شاهد أيضاً

كشفت وسائل إعلام إسرائيلية، مساء الجمعة 19 أبريل/نيسان 2024، عن محادثة وصفتها بـ”الصعبة”، علا فيها …