حميدتي يعترف – دقلو يقر بفض الأعتصام ويتهم الثوار بـ أرتكاب أفعال دنيئة

في أول اعتراف رسمي، أقر الفريق أول محمد حمدان دقلو، المعروف باسم «حميدتي»، بالمسؤولية عن فض الاعتصام الذي كان أمام مقر القيادة العامة للجيش في العاصمة السودانية الخرطوم وقال في حواره مع الصحفي الأمريكي Declan Walsh، والذي أجرى الحوار لصحيفة New York Times الأمريكية إنَّ ما دفع قواته، قوات الدعم السريع، إلى التحرك لفض الاعتصام، هي ما قال إنها «الأعمال الاستفزازية الدنيئة» من جانب المتظاهرين، كما وصفها.

حميدتي يتربع على قمة هرم السلطة في السودان

ونقل الصحافي Declan Walsh عن آلاء صلاح (22 عاماً)، المرأة التي ارتدت ثوباً أبيض وقادت الهتافات من فوق إحدى السيارات ولفتت انتباه العالم إلى الثورة السودانية قولها: «كنَّا نعتقد بأنَّ ذلك سيحدث. لسنواتٍ ظل حميدتي يقتل ويحرق في دارفور، والآن وصلت دارفور إلى الخرطوم».

وهو الذي كان ينفذ أوامر الديكتاتور عمر البشير

ولسنواتٍ كان الجنرال هو الطاغية الذي ينفذ أوامر الديكتاتور الوحشي الرئيس السابق عمر حسن البشير، الذي ترأس السودان لثلاثين عاماً. وعندما ملأ المتظاهرون الشارع في أبريل/نيسان منادين بعزل البشير، أطاحه الجيش.
وتخلى حميدتي حينها عن كفيله، زاعماً مناصرة الثورة.

لكن حين رفض المتظاهرون الرحيل، وطالبوا بانتقال السلطة فوراً إلى حكمٍ مدني، رفض جنرالات الجيش الانصياع لطلباتهم، ومع تعثر محادثات التفاوض على اقتسام السلطة في الثالث من يونيو/حزيران الجاري، بدأت قوات الدعم السريع حملتها القمعية لفض المتظاهرين. ويُقدِّر الأطباء السودانيون عدد القتلى بنحو 118 شخصاً.

وفي ظل تزايُد الضغوط الدولية، يرغب الجنرال حميدتي (45 سنة) في تقديم نفسه باعتباره منقذ السودان وليس مُدمِّره.

إذ أخبر صحيفة «نيويورك تايمز» في حوارٍ قلَّما يُجري مثله: «لو لم أتولَ هذا المنصب لكان البلد قد ضاع».

لكنَّه رفض الإجابة عن الأسئلة المباشرة بشأن الاتهامات التي تزعم ارتكاب قواته أعمالاً وحشية، متذرعاً بالتحقيقات الجارية، التي على حد قوله ستنشر علناً ما توصلت إليه في الأيام التالية ، وأضاف في حواره: «لا أتهرب من الأسئلة، بل أنتظر نتائج التحقيقات».

ويقول الصحفي Declan Walsh أنه أثناء حديث حميدتي يوم الخميس 13 يونيو/حزيران كان المبعوث الأمريكي الجديد المُعين قادماً إلى الخرطوم من أجل الضغط على الجيش ليوقف هجومه على المدنيين. وقبلها بيومٍ واحد، أدان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رسمياً العنف المُرتكب في الخرطوم.

ويتحدث حميدتي عن أسباب يراها منطقية، لفض الاعتصام بالقوة

ووفقاً لدونالد بوث المبعوث الأمريكي، والذي كان يتولى منصب السفير السابق في السودان، فقد دعا إلى إجراء تحقيقٍ مستقل في عمليات القتل التي وقعت يوم الثالث من يونيو/حزيران، وإلى انسحاب الجيش من الخرطوم وإنهاء حجب شبكة الإنترنت الذي قطع اتصال السودان بالعالم الخارجي.

ومن جهته قال حميدتي إنَّ ما دفع قواته إلى التحرك كان «الأعمال الاستفزازية الدنيئة» من جانب المتظاهرين، كما وصفها.

فقال: «لقد دُمرت واحدة من عرباتنا أمام أعيننا، وقاموا بتصوير بثٍ حيٍ لها. كانت هناك الكثير من تلك الأعمال الاستفزازية».

ويبدو أنَّ حميدتي، الرجل النحيل الطويل ذا التعليم الابتدائي والزوجات الأربع، والذي يفتقر إلى أي تدريبٍ عسكري رسمي، يستمتع بالمظاهر التي يمنحها له منصبه الجديد.

ويصف كيف تحتشد حوله حاشيته ومستشاروه والندلاء داخل مكتبه في المقر الرئيسي للجيش، وكيف تُزين مكتبه الخزانة الموضوعة أمام بابه، تملؤها السيوف الذهبية والنياشين العسكرية الممنوحة إلى القادة العسكريين السابقين.

أما مقاتلوه، فيجولون أمام البوابات في العربات الحربية ذات اللون الكاكي، مستعرضين الأسلحة التي تفرض سلطته. وقد قام البعض منهم بتنظيف أكوام حجارة الرصيف من الشوارع المهجورة في الخارج، ما محا آثار الاحتجاجات الضخمة التي أطربت البلاد منذ أسابيع قليلة مضت.

ورغم وجود عبدالفتاح البرهان ، لكن في الواقع فحميدتي بيده السلطة فعلياً

ورغم أنَّ السودان يحكمه رسمياً الجنرال عبدالفتاح البرهان، وهو ضابط أقدم في الجيش يرأس المجلس العسكري الانتقالي، الذي تولى السلطة من البشير في الحادي عشر من أبريل/نيسان الماضي، فإنَّ البعض يعتقد بأنَّ السلطة فعلياً تقع في يدي حميدتي، كونه يُحكم قبضته على الخرطوم.

وبدأ المواطنون الغاضبون منذ حالة الهياج التي اندلعت في الثالث من هذا الشهر يشيرون إلى رجال حميدتي بـ»الجنجويد»، تيمُناً بالمليشيا العربية سيئة السمعة التي روَّعت الطوائف العرقية الإفريقية في دارفور في الألفينيات.

ويرى حميدتي في هذا الاسم إهانةً، إذ اكتسب هو نفسه مكانته من خلال قيادة ميليشيا مشابهة. ويقول حميدتي: «كلمة جنجويد تعني قطاع طرقٍ يسرقونك في الشوارع. هذه ليست سوى دعاية مضادة من المعارضة».

ويؤكد على أنَّ قوات الدعم السريع تطورت تحت قيادته إلى ما هو أكثر من مجموعة من الغوغاء المحملين بالسلاح.

هذه القوات يبلغ عدد مقاتليها 50 ألفاً، وفقاً لبعض التقديرات، واستُقدمت لقمع التمرد في أنحاء السودان، وللقتال لقاء أجرٍ في اليمن كجزءٍ من الائتلاف الذي تقوده السعودية.

جعلت الحرب حميدتي ثرياً، ومنحته مصالح في تعدين الذهب وأعمال البناء، بل وفي شركة لتأجير سيارات الليموزين. ومن بين داعميه، وليّ العهد السعودي العنيف الأمير محمد بن سلمان.

وهناك مخاوف من سيطرة قوات الدعم السريع، التي يترأسها حميدتي على البلاد

الآن تتحقق تلك المخاوف التي راودت السودانيين منذ زمنٍ بعيد، من أنَّ قواته ستهيمن على البلاد، القوات التي كان البشير قد روَّضها لسنوات كحرسٍ إمبراطوري يحمي كرسيه.

ويقول الباحث والصحفي جيروم توبيانا، الذي عمل في تغطية الصراعات في التشاد والسودان لأكثر من 20 عاماً: «كرر جنرالات الجيش وقادة دارفور من العرب تحذيراتهم من أنَّ تلك المليشيات أشبه بقنبلة موقوتة. والآن ها نحن ذا، وربما يكون الآوان قد فات للرجوع».

إذ تراقب قوات الدعم السريع العاصمة كالصقور، وتقف الشاحنات الصغيرة المُسلحة في تقاطعات الشوارع وعلى الكباري، أو تثير الفوضى في الشوارع الرملية بالمواكب الطويلة المزودة بمقاتلين يلوحون ببنادق القنص والقنابل ذات الدفع الصاروخي.

والبعض الآخر يعملون في المكاتب. ففي قصرٍ مكوَّن من خمسة طوابق في حي المنشية الراقي على ضفاف النيل الأزرق، يجلس الضباط مرتدين الملابس العسكرية في المكاتب المكيفة المزودة بالحواسب الآلية والطابعات.

وفي كل طابق، يفتح المصعد على ملصقاتٍ ضخمة تُظهر الجنرال حميدتي مبتسماً، إما معانقاً أحد الفقراء أو يفتتح المدارس، أو في مقابلاتٍ مع قادة القبائل، بينما كاميرات المراقبة مُثبتة في الأسقف.

هؤلاء الضباط يقضون وقتهم في محاولة صياغة تفسيرٍ للعنف الذي وقع يوم الثالث من يونيو/حزيران، بعد أن واجهوا وابلاً من الإدانات الدولية، مصوِّرين فض الاعتصام بأنَّه حربٌ أخلاقية ضد المتظاهرين الفاسدين المسلحين المناصرين للديمقراطية.

وفي أحد المكاتب، يرأس الدبلوماسي السوداني السابق الجنرال نور الدين أحمد الوحدة المعنية بحقوق الإنسان لدى القوات. وعلى مكتبه يوجد جدول بالمحاضرات الموجهة إلى الجنود عن حقوق الإنسان. وعلى باب المكتب المجاور له هناك لافتة مُعلقة عليها عبارة «وحدة حماية الطفل».

خاصة أن هذه القوات متهمة بجرائم كثيرة ولها تاريخ في الانتهاكات

جديرٌ بالذكر أنَّ قوات الدعم السريع واجهت من قبل اتهاماتٍ بتجنيد الأطفال للقتال في اليمن، لكنَّ الجنرال أحمد أنكر تلك المزاعم، وأنكر أيضاً الشهادات بارتكاب الجنود أعمالاً وحشيةً في حملة الثالث من يونيو/حزيران، واصفاً كلاً منها «بالأخبار الكاذبة».

وبخصوص دليله المزعوم على الأفعال التي ارتكبها الثوار، كان في الطابق السفلي، حيث جمع ضابط المخابرات أشياء قال إنَّها صُودرت من المعتصمين: وهي سيف ومسدس قديم، وهراوات، وزجاجات أُفرغ نصفها من نوعٍ من الخمر السوداني «موون شاين»، وحشيش وأوقية ذكرية.  

وأثناء عرض الأدلة، استدعى الجنرال إلى الغرفة خمسة رجال حفاة الأقدام يرتدون ملابس قذرة ويطرقون برؤوسهم إلى الأرض، كعينةٍ من الرجال الثلاثمائة الذين قال إنَّهم قبضوا عليهم. ولم يسمح بطرح أي أسئلة.

وهذه هي الدعاية نفسها التي تبثها القنوات السودانية الإخبارية، الواقعة حالياً تحت رقابةٍ عسكرية صارمة. بينما يقول المتظاهرون الذين اعتمدوا على شبكة الإنترنت لحشد الآراء ضد البشير إنَّ في حوزتهم صوراً ومقاطع فيديو توثق أعمال العنف والقتل التي ارتكبها الجيش. لكنَّهم غير قادرين على نشرها في ظل انقطاع الشبكة.

وأفادت الدكتورة سُليمة شريف، رئيسة مركز «الأحفاد» للإرشاد وعلاج الصدمات النفسية في الخرطوم، بأنَّ طاقمها عالج عشرات النساء المصابات بالصدمة بعد تعرضهن للضرب والاعتداء من قوات الدعم السريع هذا الشهر. وأضافت أنَّ 15 امرأة على الأقل تعرضن للاغتصاب، وضُرب عددٌ أكبر من ذلك في أعضائهن التناسلية من الجنود الحاملين للهراوات، بعد دخولهن السجن العسكري.

فضلاً عن اتهامات بالاغتصاب ضد قوات الدعم السريع أثناء فض الاعتصام

وحسبما قالت الدكتورة سُليمة شريف، رئيسة مركز «الأحفاد» للإرشاد وعلاج الصدمات النفسية في الخرطوم فإنَّ الرقم الحقيقي لضحايا الاغتصاب على الأرجح يفوق ذلك بكثير، نظراً للحساسيات الثقافية والوصم الذي قد يتعرضن له.

يقول الجنرال حميدتي، على غرار كثيرٍ من المستبدين، إنَّ سمعته السيئة مُبالغٌ فيها. إذ صرَّح قائلاً: «يقول الناس إنَّ نفوذ حميدتي كبير وإنَّه شرير. لكن هذه ليست سوى تهويلات لإثارة الذعر. مصدر قوتي هو الشعب السوداني».

ومع ذلك، هناك علامات على أنَّ هيمنته على الخرطوم أثارت امتعاضاً وغضباً داخل الجيش النظامي، حيث يراه بعض الضباط مغروراً ووقحاً.

وهذه التوترات انفجرت إلى العلن الخميس الماضي، عندما قال المتحدث باسم المجلس العسكري الانتقالي إنَّه أحبط ما يبدو محاولةً انقلابية قادها ضباطٌ من الجيش في الأسبوع الماضي. لكنَّ إطاحة حميدتي لن تكون سهلة، وستتطلب من الجيش أن يبدأ حرباً أهلية في شوارع الخرطوم، حسبما قال مسؤول غربي في الخرطوم طلب عدم الإفصاح عن هويته نظراً لحساسية الموقف العسكري. وأضاف المسؤول أنَّ هذا الأمر غير مُحتمل في الوقت الراهن.

وهؤلاء الجنرالات في المستويات العليا بالسودان تجمعهم المصالح الاقتصادية المشتركة على اختلاف رتبهم. فبحسب سليمان بالدو من مشروع «كفاية»، الذي يهدف إلى إنهاء الأعمال الوحشية في مناطق النزاع الإفريقية، فإنَّ الجنرال حميدتي وجنرالات الجيش الآخرين صاروا تحت حكم البشير من كبار رجال الأعمال، واحتكروا قطاعات اقتصادية كاملة.

إذ يقول بالدو: «الأمر ليس مجرد سلطة فقط، بل يتعلق بالمال أيضاً. قادة الجيش ومعهم حميدتي متورطون في الفساد حتى أعناقهم، ولهذا لا يتسامحون البتة مع قيام حكمٍ مدني في السودان».

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …