أمريكا تهدد والناتو يندد.. ما هي «إس-400» التي تصر تركيا على شرائها من روسيا؟

«شراء تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي«إس 400» يخلق مخاطر غير مقبولة للولايات المتحدة. سيوفر هذا النظام لروسيا معلومات عسكرية حساسة عن طائرة «إف 35»، وهي أفضل طائراتنا من الجيل الخامس. من وجهة نظرنا لا توجد تدابير يمكن أن تخفف من مخاوفنا بهذا الشأن»؛ بهذا الوضوح صرَّح القائم بأعمال مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشؤون أوروبا والناتو، أندرو وينترنيتز، يوم 6 يونيو (حزيران) 2019، عن قلق بلاده من الصفقة العسكرية التركية – الروسية المثيرة للجدل.

أوضح وينترنيتز أن الصفقة تتعارض مع إعلان قمة الناتو لعام 2016 الذي وقعته تركيا، لكن لم يفته التأكيد في الوقت ذاته على أن واشنطن «تتطلع إلى علاقة ثنائية مستمرة مع تركيا». مستدركًا: «علاقتنا متعددة الطبقات، وستظل هذه الشراكة الاستراتيجية قائمة، ونأمل فقط أن نتمكن من مناقشة هذه القضية معهم». يعزف تحذيره على ذات الوتر الذي لعبت عليه مساعدة وزير الدفاع الامريكي لشؤون الأمن الدولي، كاثرين ويلبارجر، قبلها بأسبوع، حين وصفت استكمال تركيا الصفقة مع روسيا بـ«المدمر»، قائلة: إنه سيوجه ضربات شديدة لبرنامج «إف 35» والعمل المشترك داخل حلف الناتو.

وأوضحت ويلبارجر أن «نظام«إس 400» مصمم لإسقاط طائرات الشبح المقاتلة من طراز «إف 35». ولا يمكن تخيُّل ألا تستفيد روسيا من هذه الفرصة لجمع المعلومات الاستخباراتية».

هذه المحاذير مجتمعة تعني في نظر الأمريكيين إضعاف الناتو بأسره، بما في ذلك الولايات المتحدة. فإذا توصلت أنقرة إلى اتفاق مع روسيا بشأن الإنتاج المشترك للطائرات المقاتلة، مثل طائرة «Su-57» الروسية، كما ألمح وزراء الخارجية والدفاع؛ قد تزداد الأمور سوءًا.

الرئيسين التركي والأمريكي خلال لقاء سابق

تداعيات الصفقة استخباريًا وعسكريًا

كمحاولة يائسة للضغط على أنقرة، بدأت الولايات المتحدة تتخذ خطوات جدية للتوقف عن استقبال أي طيارين أتراك إضافيين للتدريب على مقاتلات الشبح من طراز «إف 35»، كما يقول المسؤولون الأمريكيون. تخطط تركيا لشراء 100 من مقاتلات «إف 35»، يبلغ إجمالي قيمتها بالأسعار الحالية تسعة مليارات دولار. ويقول الخبراء إن إبعاد تركيا عن برنامج «إف 35» سيتسبب في أكبر صدع بين واشنطن وأنقرة في التاريخ الحديث.

وقالت وكيلة وزارة الدفاع الأمريكية،ألين لورد: «إذا لم تلغ تركيا بحلول 31 يوليو (تموز) شراء نظام إس-400؛ سيتوقف تدريب الطيارين الأتراك في الولايات المتحدة على طائرات «الشبح إف-35»، وستلغى الاتفاقات مع الشركات التركية المتعاقد معها لتصنيع أجزاء الطائرة الحربية «إف-35»». ولوح وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبو والعديد من أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكيين بالعقوبات في وجه تركيا إذا مضت قدما في الصفقة، بموجب تشريع عام 2017 الذي يدعو إلى فرض عقوبات على الدول التي تشتري معدات عسكرية من روسيا.

ومن المتوقع تسليم أنظمة«إس 400» إلى تركيا في يوليو، على الرغم من أن العديد من المصادر ذكرت أن تركيا تدرس طلبًا من الولايات المتحدة بتأجيل عملية الشراء إلى أجل غير مسمى. وإذا مضت الصفقة قدما فإن هذا سيؤدي على الأرجح إلى «استبعاد تركيا من بعض وحدات الناتو المهمة – خاصة من اجتماعات الاستخبارات العسكرية والجوية والدفاع الصاروخي – بذريعة «أمن المعلومات، إلى جانب إلغاء التصاريح الأمنية للأفراد العسكريين الأتراك الذين يعملون على أنظمة «إس 400».

وصرح مصدر دبلوماسي أمريكي لـ«ديفينس نيوز» بأن التكلفة المباشرة للعقوبات الأمريكية المتوقعة على الصناعة التركية قد تصل إلى 10 مليارات دولار، دون احتساب التكاليف غير المباشرة. بالإضافة إلى ذلك، قد تعرقل الولايات المتحدة جهود تصدير الأنظمة الحالية والمستقبلية لتركيا، بما في ذلك طائرات الهليكوبتر الهجومية «T129»، التي صممها «TAI» بموجب ترخيص من شركة «AgustaWestland» الإيطالية-البريطانية.

صحيحٌ أن العقوبات الأمريكية يمكن أن تضر الصناعة التركية، لكن مسؤولًا تنفيذيًا في صناعة الطيران التركية أكد أن الضرر لن يكون «كبيرًا»، قائلًا: إن «الحديث عن خسائر محتملة تفوق 10 مليارات دولار هو مبالغة كبيرة لزيادة الضغط على الحكومة التركية». ونظرًا لأن الرئيس دونالد ترامب يتدخل في كثير من الأحيان لتعليق العقوبات، فقد يلجأ إلى هذه التسوية مع تركيا؛ انطلاقًا من رغبة الولايات المتحدة في العمل مع أنقرة في سوريا وأماكن أخرى.

إعادة تعريف الدور التركي.. كارثة لحلف الناتو

نصح المسؤولون الأمريكيون تركيا بشراء نظام صواريخ «باتريوت» الأمريكي بدلًا عن نظام«إس 400» الروسي، بحجة أنه سيكون غير متوافق مع أنظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) ويكشف طائرة «إف 35» أمام الروس.

وبينما تقول مواقع الدفاع الأمريكية: إن إمكانات منظومة «إس-400» الروسية مماثلة تقريبًا لمنظومة «باتريوت» الأمريكية، فإن المقارنة التي عقدتها وكالة «سبوتنيك» تشير إلى تفوق «إس-400» عن «إم آي إم- 104 باتريوت» بواقع الضعف تقريبًا فيما يتعلق بالسرعة القصوى للأهداف، والوقت اللازم لنشر المنظومة، ومدى تدمير الهدف الأيردوينامي، ومدى كشف الرادار، وزاوية إطلاق الصاروخ، وأيضًا عدد الأهداف التي يمكن إطلاق النار عليها في وقت واحد (36 في المنظومة الروسية، وثمانية في المنظومة الأمريكية)، وعدد الصواريخ الموجهة في آن واحد (72< في الأولى و24< في الثانية).

خلال الأعوام السبعة عشر الماضية، كان أحد أهم الأولويات التركية هو بناء صناعة دفاعية متقدمة وتحقيق الاكتفاء الذاتي. لتحقيق هذا الهدف تحتاج تركيا إلى قطع شوط كبير في نقل التكنولوجيا (ToT)، وهو ما لا توفره صفقة«إس 400»، بحسب وحيد الله تاش، وهو مهندس طيران وزميل دكتوراة في جامعة الشرق الأوسط التقنية.

لذلك يقترح تاش أن تقدم الولايات المتحدة نظامها الدفاعي الجوي من طراز «باتريوت» مع تعهد بنقل كمية كبيرة من التكنولوجيا في مقابل قيام تركيا بإلغاء صفقة«إس 400» مع روسيا. لكن الجنرال المتقاعد في سلاح الجو التركي، كاراكوش أردوغان، يؤكد أن واشنطن رفضت شرط إنتاج بعض قطع الغيار في تركيا، وبالتالي فإن توريد منظومة «باتريوت» لا يلبي احتياجات أنقرة الدفاعية.

هذا ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 4 يونيو (حزيران) قائلًا: «للأسف لم نتلق اقتراحًا إيجابيًا من الجانب الأمريكي حول «باتريوت» يماثل العرض الروسي على منظومة «إس-400»».

تعهدت أنقرة بعدم دمج نظام «إس 400» في عمليات الناتو، حتى يبطل ذريعة حلفائها بأن النظام الروسي سيشكل تهديدًا للحلف. كما أصدر وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، تصريحات أكثر تصالحية مؤكدًا أن تركيا «تأخذ في الاعتبار» مخاوف الناتو بشأن صفقة الصواريخ الروسية. أما التراجع عن الصفقة مع روسيا فهو أمر «غير وارد» في الخطط التركية، بحسب تصريحات أردوغان شخصيًا. ولا أوضح على ذلك من إعلان وزير الدفاع التركي خلوصي آكار في 22 مايو (أيار) أن أفرادًا عسكريين أتراك يتلقون تدريبات في روسيا على استخدام«إس 400»، وقد يأتي أفراد روس إلى تركيا بهذا الخصوص.

وإذا كان شراء نظام«إس 400» يمكن أن «يعيد تعريف دور تركيا الجيوستراتيجي»، كما يقول آرون شتاين، مدير برنامج الشرق الأوسط في «معهد أبحاث السياسة الخارجية» في واشنطن: فلماذا تفرط تركيا في «حقها السيادي في نشر أي منظومة دفاع جوي تختارها»؟

نتيجة التهديدات الأمريكية باستبعاد تركيا من برنامج «إف 35»، بدأت الحكومة التركية التفكير في شراء مقاتلات روسية لسد فجوة طائرات «إف 35» التي كانوا يخططون لشرائها. وبالفعل بدأت شركة «Rostec» الروسية عرض الطائرات الحربية الروسية من طراز «Su-57» على تركيا.

وفي حالة حصول أنقرة على نظام«إس 400» والطائرات المقاتلة الروسية، فسيتعين عليها أن تتخذ قرارًا رئيسيًا: هل ستحافظ على بنية عسكرية مشتركة مع حلف الناتو مع ترك جزء كبير من أجهزتها الجوية العسكرية دون استخدام، أم ستنسحب من بنية الناتو تمامًا؟ الخيار الأخير من شأنه أن يتسبب في «كارثة» لحلف الناتو، أداة الهيمنة العسكرية الغربية في الشرق الأوسط وأوروبا.

ما يقلق الولايات المتحدة بشكل خاص هو أن منظومة «إس -400» بإمكانها تدمير تسعة أنواع من الأهداف، سبعة منها أمريكية: الطائرات الاستراتيجية (قاذفات القنابل الثقيلة و«B-52 Stratofortress»، وحاملة الصواريخ «B-1 Lancer»، وقاذفة القنابل متغيرة الأجنحة، والقاذفة المزدوجة «F-111 Aardvark»، وطائرة الحرب الإلكترونية «EF-111A Raven» من طراز «Raven»، و«deck EA-6 Prowler»، وطائرة الاستطلاع «U-2» الاستراتيجية، والطائرات المقاتلة، وطائرات الكشف عن محطات الرادار، وصواريخ «توما هوك» المجنحة، والصواريخ الباليستية متوسطة المدى، والصواريخ الباليستية العملياتية-التكتيكية.

نظام «إس-400» الروسي.. من التطوير التدريجي إلى دخول الخدمة الفعلية

«إس-400» تريموف، أو« إس إيه-21 جراولر» بحسب بطاقة تعريف الناتو- هو نظام صواريخ أرض-جو متنقل (SAM)، بدأت روسيا تطويره في عام 1993، بالتعاون بين «مكتب ألماز المركزي للتصميم البحري»، و«مكتب فاكل للتصميمات»، و«معهد نوفوسيبيرسك للبحث العلمي»، و«مكتب سان بطرسبرغ للتصميم»، ومؤسسات روسية أخرى.

في البدء، كبحت قيود الميزانية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي قدرة موسكو على تصميم نظام جديد تمامًا؛ فكان 70-80% من التكنولوجيا المستخدمة في تصميم «إس-400» الأولي مأخوذة ومعدلة من نظام «إس-300»، بما في ذلك حاويات تخزين الصواريخ والقاذفات والرادارات.

بدأ اختبار نظام «إس-400» في أواخر عام 1999 أو أوائل عام 2000، في موقع إطلاق الصواريخ الروسية المعروف باسم كابوستين يار. وبدأ تشغيله في أبريل عام 2007، ليدخل الخدمة مع فيلق الدفاع الجوي الأول المكلف بحماية موسكو. منذ ذلك الحين، شهد النظام العديد من عمليات النشر عالية المستوى؛ مما زاد من إمكانيات نظام «إس-300» الذي ينتشر بالفعل في العديد من المناطق الهامة.

تتمركز وحدات «إس-400» حاليًا في منطقة كالينينجراد الروسية، للدفاع عن الوجود العسكري الروسي الكبير من الهجوم الجوي. ونشر النظام أيضًا في طرطوس السورية في عام 2015، لحراسة الأصول الروسية والسورية. كما نشرت روسيا وحدات من هذا النظام في القرم لتعزيز موقف روسيا في شبه الجزيرة التي ضمتها مؤخرًا. بالإضافة إلى نشر النظام في صفوف القوات الروسية، تُسَوِّق موسكو النظام حاليًا إلى دول أخرى حول العالم، وتبلغ تكلفة المنظومة الواحدة حوالي 500 مليون دولار.

في عام 2015، وقعت الصين اتفاقية مع روسيا لشراء ست وحدات من النظام. وفي عام 2016، تعاقدت الهند أيضًا على شراء خمس وحدات. أما المفاوضات التركية لشراء منظومة الدفاع الجوي«إس 400» فبدأت أثناء معرض «IDEF 2009». ولم يوقع حتى الآن عقد توريد المنظومة الروسية إلى السعودية، حسبما صرح رئيس مؤسسة «روستيخ» الحكومية الروسية، سيرجي تشيميزوف.

ما المواصفات الفنية والقدرات الدفاعية لـ«إس-400»؟

تعتبر أنظمة«إس 400» أكثر فعالية بواقع ضعفين من أنظمة الدفاع الجوي الروسية السابقة، ويمكن نشرها في غضون خمس دقائق، ويمكن أيضًا دمجها في وحدات الدفاع الجوي الحالية والمستقبلية التابعة للقوات الجوية والجيش والبحرية. يتضمن النظام رادارات قادرة على اكتشاف الأهداف ذات الأثر المنخفض، ويمكنه اعتراض الأهداف بسرعات تصل إلى 4.8 كم/ثانية، وهو ما يعادل مدى الصواريخ الباليستية التي تبلغ 3500 كم.

يدمج النظام رادارًا متعدد الوظائف، وأنظمة ذاتية للكشف والاستهداف، وأنظمة صواريخ مضادة للطائرات، وقاذفات ومركز قيادة ومراقبة. ويستطيع الاشتباك مع جميع أنواع الأهداف الجوية بما في ذلك الطائرات والمركبات الجوية غير المأهولة (UAV) والصواريخ الباليستية وصواريخ «كروز» في مدى 400 كم، على ارتفاع يصل إلى 30 كم.

بمقدور النظام إطلاق ثلاثة أنواع من الصواريخ لإنشاء دفاع متعدد الطبقات، والاشتباك مع 36 هدفًا في وقت واحد. وهو يستخدم بشكل أساسي سلسلة صواريخ «48 إن 6»، التي تسمح بضرب أهداف جوية على مسافات تصل إلى 250 كم، ولديها القدرة على اعتراض الصواريخ الباليستية عبر دائرة نصف قطرها 60 كم، باستخدام رؤوس حربية مناورة شديدة الانفجار (143 كجم).

شاهد أيضاً

بالفيديو – “طن لحم وطن دجاج ونصف طن أرز” في إفطار حي المطرية الشعبي بالقاهرة

وسط أجواء عمتها البهجة والسعادة، نظم سكان حي المطرية بشرق القاهرة، حفل إفطارهم الجماعي للعام …