الوكالة الذرية: موافقة مشروطة لتقديم المساعدات التقنية النووية لسورية

حسين عون (فيينا/الأمم المتحدة/ 28/11/2008)

وأخيراً وبعد سلسلة مشاورات مكثفة وافقت لجنة التعاون التقني في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، على تقديم المساعدات الفنية المخصصة لبناء مفاعل نووي صغير في سورية بشكل مشروط. فقد أعلنت اللجنة بعد اجتماع إضافي عقدته الليلة، أنها تبنت التقرير التقني المخصص لتوزيع المساعدات التقنية المخصصة للفترة من العام 2009 إلى العام 2011، والبالغة قيمتها 253 مليون دولار أميركي، وتشمل 551 مشروعاً نووياً معداً أصلاً للاستخدامات السلمية، بعد إدخال التعديلات اللازمة والتوصل إلى حلٍ توافقي.

وأوضحت اللجنة في ختام اجتماعها الليلة بمقر الأمم المتحدة في فيينا أن “مندوبي مجموعة من الدول الأعضاء أعربت عن تحفظاتها القوية بشأن تقديم المساعدات التقنية إلى المشروع السوري المتعلق بإنشاء مفاعل نووي في سورية تحت الرقم Syr/0/020، وأشاروا إلى أن طرح هذا الموضوع جاء في وقت لم تكن فيه سورية قد استوفت شروط التعاون المطلوبة من قبل الوكالة الذرية، وخاصة فيما يتعلق بالرد على الاتهامات حول طبيعة المفاعل الذي كان ما زال قيد الإنشاء، وعدم إطلاع الوكالة بشكل مسبق على كافة الأنشطة ذات الصلة”.

وأكدت لجنة التعاون التقني في الجانب المتعلق بسورية في تقريرها التقني أن “تلك الدول تعتبر أنه في ضوء تلك المناسبات بات من الضروري اتخاذ كافة التدابير الوقائية التي تضمن تحقيق أهداف التعاون التقني والمساعدات الفنية المخصصة لدعم أي مشروع من مشاريع القوى النووية في هذا السياق”. كما أكدت اللجنة التقنية التي استغرقت مناقشاتها أربعة أيام متواصلة، وتركزت على الحالة السورية الناجمة عن قيام إسرائيل بتدمير موقع “الكبار” في منطقة دير الزور في السادس من أيلول/سبتمبر 2007، لاعتقادها بأنه مفاعل نووي على وشك التشغيل، بنته سورية بمساعدة من كوريا الشمالية والبرنامج النووي الإيراني، أن “الأمانة العامة للوكالة الذرية أقرت بأنه في معرض تنفيذ المهام الموكولة إليها في هذا العمل، ستقوم بمراقبة هذا المشروع –السوري- عن قرب، ورفع تقرير عند اللزوم، والتأكيد في الوقت المناسب بأنه أي من المعدات والمساعدات التقنية تستخدم فقط من أجل الهدف المحدّد أو في الوقت المناسب”.

واشارت اللجنة التقنية إلى أن “الامانة العامة أكدت على ضرورة اجراء تقييم شامل لاختيار الموقع في مختلف المراحل وان تكون المعدات والأجهزة الفنية اللازمة تتسق وتتناسب مع طبيعة المشروع وتراعي المتطلبات التقنية”. وشدّدت اللجنة على القول أنه “في ظل هذه الروح التي طغت على الصفقة، فإن مجموعة الدول التي أبدت تحفظاتها الشديدة، وفي ظل أجواء التفاهم وافقت على تبني توصية لمجلس المحافظين تحمل الوثيقة رقم GOV/2008/47/Rev.1، تؤكد في جملة أمور أنه بالتوازي مع قاعدة التفاهم والأحكام الواردة في النظام الأساسي، من حق جميع الدول الأعضاء في الوكالة، القيام بزيارة الموقع، في ضوء المزيد من التطورات”.

ورأت اللجنة التقنية للوكالة الدولية أنه “قد اصبح مفهوماً بأن اقرار برنامج التعاون التقني حسب الوثيقة أعلاه أن مجلس المحافظين قد وافق على تخويل الأمانة العامة القيام بتطبيقها حسب الأصول”. كما لاحظت اللجنة أن “الكلمة التي القاها المدير العام للوكالة ، والتي أشار فيها إلى أن أي عمل من شأنه أن يحدّ من حقوق الدول الأعضاء يمكن أن يترجم بأنه شكل من أشكال المنع أو الحظر، ولا يتسق مع المبادئ التي تحكم تقديم المساعدات التقنية والشروط القانونية والأحكام الواردة في النظام الأساسي للوكالة”.

في غضون ذلك،، نوّه مندوب سورية لدى الوكالة الذرية الدكتور إبراهيم عثمان بما توصلت إليه لجنة التعاون التقني، ووصف قرار اللجنة بأنه “قرار صحيح، ونوع من العدالة ولكنه ليس كل العدالة، لأنه كان من المفترض عدم طرح موضوع المفاعل النووي التي تسعى سورية إلى بنائه، بعدما وافقت عليه الأمانة العامة للوكالة الذرية في السابق”. وأكد المندوب السوري مجدداً استعداد بلاده للتعاون الكامل مع الوكالة الذرية وفق معاهدة عدم الانتشار ونظام الضمانات الشاملة.وأعرب عن اعتقاده أن سورية لا تجد أي مبرر لحجب المساعدات التقنية عنها، لأنها حق مكتسب لجميع الدول الأعضاء، على حد قوله.

من جهة ثانية، عُلم من مصدر دبلوماسي أن مجموعة حركة عدم الانحياز نجحت في تضمين تقرير لجنة المساعدات التقنية فقرة تؤكد أن “أي عدوان أو مجرد التهديد بالعدوان على أي موقع نووي في الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة الذرية يشكل انتهاكا لأحكام معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية والنظام الأساسي للوكالة”. وأشار المصدر إلى أن مجلس المحافظين لن يناقش مسألة حجب المساعدات التقنية عن سورية خلال اجتماعه المقرر يومي الخميس والجمعة المقبلين، ولكنه سيناقش البند المتعلق بتطبيق نظام ضمانات الوكالة الشاملة والاتفاقات الموقعة بين الوكالة وكل من كوريا الشمالية وإيران وسورية، بموجب معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، حيث سيطلع أعضاء المجلس على التقريرين اللذين رفعهما المدير العام للوكالة الذرية إلى مجلس الأمن حول تطبيق الضمانات في كلٍ من إيران وسورية.

وكان مندوب سورية إبراهيم عثمان، رئيس الهيئة السورية للطاقة الذرية مجدداً على عدد من الغربية والأوروبية واتهمها باستغلال الاجتماع التقني للوكالة الذرية وتحويله إلى منتدى سياسي بهدف ممارسة كافة الضغوط على سورية. وأكد المندوب السوري أن بلاده ستواصل التعاون “وبمنتهى الصراحة والشفافية مع الوكالة الذرية”، وقال أن “سورية طبقت بالكامل الاتفاق الذي تم بينها وبين الوكالة والذي قضى بالسماح لمفتشي الوكالة القيام بزيارة واحدة إلى موقع الكبار في حزيران/يونيو الماضي”. وجدد عثمان تأكيده أن موقع “الكبار” هو موقع عسكري وليس موقعاً نووياً، وأن آثار اليورانيوم التي عثر عليها مفتشو الوكالة ناجمة عن القنابل التي استخدمتها الطائرات الإسرائيلية في تدمير الموقع”.

من جهته، وجه مندوب إيران لدى الوكالة الذرية السفير علي أصغر سلطانية انتقادات حادة إلى الدول الغربية واتهم الولايات المتحدة بالعمل الدائم من أجل استخدام الوكالة الذرية لأغراض سياسية ضد الدول الأعضاء التي تعارض سياستها في الشرق الأوسط. وقال سلطانية في تصريح صحافي أن “إيران ما تزال تواجه منذ أكثر من خمس سنوات حملة جائرة واتهامات باطلة بإخفاء أنشطة نووية سرية تندرج في إطار ما يسمى بـ “الدراسات المزعومة” والقيام بانشطة عسكرية محظورة وتجارب على إطلاق الصواريخ عبر منصات سريعة الارتداد. كما أشار سلطانية إلى أنه سبق لإيران أن تعرضت لتعليق المساعدات التقنية التي كانت مخصصة لـ 22 مشروعاً تقنياً من أصل 56 مشروعاً بدون وجه حق”.

كما انتقد سلطانية ما وصفه بـ “الصمت والسكوت المتعمدين” للمجتمع الدولي والامم المتحدة على قيام إسرائيل بتدمير الموقع العسكري السوري في دير الزور، ومن ثم استغلاله لحرمان سورية من أية مساعدات تقنية، وهي مساعدات مكرّسة لجميع الدول الأعضاء في الوكالة الذرية، على حد تعبيره. وخلص سلطانية إلى القول إن “تعرض بلد عضو ومستقل هو سورية لعدوان إسرائيلي، في حين التزم مجلس الأمن الصمت المدقع والسكوت المخجل هو صفحة سوداء في تاريخ الأمم المتحدة”.

شاهد أيضاً

الرئيس فيشر يؤكد مشاركة نمساويين بجرائم النازية والهولوكوست

انزعاج إسرائيل من النووي الإيراني وصفقة “ميغا” وفوز اليمين والتعويض لليهود الصحفى حسين عون/فيينا/الأمم المتحدة …