مترجم: لا يزيد القدرة الجنسية ولا يعيد الشباب.. هكذا ظهرت «أسطورة» التستوستيرون

No Sexy

قام بالترجمة : عبدالرحمن ناصر : —

كتبت «كاترينا كاركازيس»، وهي أستاذة في الأنثروبولوجيا الطبيّة وأخلاق الطب الحيوي في مركز ستانفورد لأخلاقيات الطب الحيوي، مقالًا في مجلّة «ويرد» حول «هرمون الذكورة – التستوستيرون»، وتسرد كاترينا من خلال المقال قصّة تحوُّل الهرمون من مجرّد هرمون إلى «أسطورة سحريّة» تزيد من قدرة الرجال الجنسيّة.

يبدأ المقال بحكاية قصّة طريفة، ففي عام 1889م، وفي اجتماعٍ لـ«جمعية علماء الأحياء» في باريس، قام «تشارلز إدوارد»، وهو أحد علماء «وظائف الأعضاء» (فسيولوجي)، باستعراض نتائج إحدى تجاربه التي قام بإجرائها على نفسه:

خلط تشارلز بعناية دمًا، ومنيًّا، وماءً، وعصيرًا مستخرجًا من خصية (تمّ هرسها مباشرةً بعد استخراجها من كلب أو خنزير)، وتمّ حقن تشارلز بهذا المسحوق 10 مرات خلال فترة ثلاثة أسابيع فقط. ماذا كان هدفه من هذه التجربة؟ وفقًا لتشارلز فقد كان هدفه هو: «هل يمكنني أن أهزم أحد أكثر المآسي إزعاجًا في الحياة الحديثة».

Charles-Edouard_Brown

تشارلز إدوارد

كان إدوارد في السبعينات من عمره، يمتلك عقلًا لامعًا، وشعرًا أبيض، ولحيةً أنيقة، وانتفاخاتٍ أسفل عينيه، وقد كان باحثًا ممتازًا وغزير الإنتاج، ولكنَّه شعر فجأةً بأنّ الشيخوخة قد داهمته، وبالفعل أنتجت أبحاثه تغييرًا جذريًا في مجاله. فبعد يومٍ واحد من الحَقنْ من هذا «الخليط العجيب» الذي أعدّه، كتب تشارلز ملاحظةً أنّ «قوته البدنيّة قد زادت، وأن قدرته الذهنية أعلى، وبشكلٍ ملحوظ قدرته على قضاء حاجته».

تكمل الكاتبة: «وعلى الرغم من أنّ تشارلز لم يؤكّد ما إذا كانت خصية الكلب التي استخدمها، هي السبب في ذلك أم لا، فقد أكّد تشارلز أنّ العلاج ظلّ مفيدًا لمدّة شهر». وهكذا فقد اتخذت تجربة تشارلز إدوارد مكانةً علميّة قبل حتَّى أن يقوم العلماء بفصل «هرمون التستوستيرون»، وقد كانت هذه التجربة بمثابة الأساس لفكرةٍ لا زالت جارية حتى اليوم: «أنّ نسيج الخصيتين يحتوي على المادة المسؤولة عن قوة الرجل وفحولته، وذكورته أيضًا».

في العقود اللاحقة استخدم الباحثون طرقًا تنوعت بين الدراميّة للغاية وبين البساطة، لتجديد شباب الرجال وحيويّتهم. بما في ذلك زرع خصيتيّ شمبانزي في الخاصرة، أو حَقن مادة من خصيتي الماعز والكباش والخنازير في بطونهم. وقد نشرت النتائج في مجلات طبيّة معتمدة، ونشرت كذلك في الصُّحف، مما خلق موجاتٍ من المتبنّين لهذه التجارب المتحمسين.

في عام 1935، ساهم اكتشاف تركيب هرمون التستوستيرون في توضيح ما هو مفيدٌ حقًّا في زيادة نشاط وحيوية الذكور وما هو غير مفيد. بعبارةٍ أخرى: «لا حاجة بعد الآن للماعز والكباش والخنازير». أي بعبارةٍ أخرى فقد ضُربَت الفُرص التجارية بهذا الأمر ضربة قويّة. فقد كانت «حقن الذكورة» تلك يتمّ وصفها للضعف الجنسيّ، أو ما يسمّى «حالة سن اليأس عند الذكور»، وهي حالة من المفترض أنّ أعراضها: فقدان النشاط الجنسي، والإرهاق وصعوبة في التركيز.

يكمل المقال: في عام 1945، خرج كتاب بعنوان «هرمون الذكورة»، وقد روَّج لهرمون التيستوستيرون باعتباره «سحر تأثيره أبعد من مجرد ممارسة الجنس». فهو: يزيد قوّة العضلات، ويزيل الإرهاق الذهني، كما يخففُ ألم القلب أيضًا، بل إنه يحسِّن الصحة العقلية للرجال في منتصف العمر (بين 45 :65 عامًا). بدأ الرجال المتفائلون يغمرون عيادات الأطباء، وحاول العديد من العلماء تفنيد هذه المعلومات حول الهرمون، لكنّ أصواتهم لم تستطع أن تقلّص الضجّة الجديدة حول الهرمون. في عام 1995 وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على هذا «التصحيح» لمفهوم التستوستيرون.

الآن يمكن للناس تناول التستوستيرون من خلال الفم، أو الأنف، أو حتى من خلال اللثة، أو قطرات العين، والكريمات، وبخّاخ مزيل العرق، وبالطبع من خلال الحُقَن أو من خلال أقراص الدواء. أمّا رسميًا فيُمنح الهرمون فقط للرجال الذين يعانون من انخفاض نسبته لديهم بالتزامن مع حالةٍ طبيّةٍ معيّنة؛ كالخلل الوراثيّ أو الآثار الجانبية للعلاج الكيميائي، وبالطبع عددٌ قليلٌ من الرجال مَن لديهم مثل هذه الحالات مقارنةً برقم الرجال الكلي.

حاليًا فإنّ مبيعات وصفات الهرمون تُباع في الغالب لشبابٍ في منتصف أعمارهم، وقد تضاعف عدد المبيعات 12 مرة ما بين عامي 2000 و 2011، وهو ما يغذّي بالطبع صناعةً بمليارات الدولارات. وبالتالي فإنّ «قوة الهرمون» سواء تلك القوة الحقيقية فعلًا، أم المنسوبة للهرمون، في طلبٍ غير مسبوق.

يكمل التقرير: «التستوستيرون مهمٌ لحياةٍ صحيّة، والنساء كما الرجال بحاجةٍ ماسّة لهذه الهرمون، فهو يقوّي القلب والمخّ، وهو مهمٌ لوظائف الكبد، من بين أشياءَ عديدة أخرى». فهو أيضًا يُستخدم كمنشّط، وهو يحفّز نموّ العضلات، ويُستخدم بكثرة من قبل لاعبي كمال الأجسام.

المفارقة أنّ عدم امتلاك تستوستيرون كاف في جسدك أمرٌ سيء بالطبع،  ولكنّ أخذ الهرمون يعتمد على عدّة عوامل وليس عاملًا واحدًا، فهو يعتمد على سنّك أولًا، والتاريخ الجسديّ لك مع الهرمون، وعدد مُستَقبِلات الهرمون في جسدك، والجرعة، وعدَّة عوامل أخرى.

ولا زالت «صناعة الهرمون»، تحاول تصدير مفاهيم ضبابيّة ومغشوشة، حول انخفاض الهرمون باعتباره الخطر المركزيّ الذي يهدد الرجال، ففي أحد الإعلانات يُثار تساؤل: «هل عمرك فوق الأربعين؟ هل فقدت شهوتك؟ هذا الهرمون سيساعدك!». خارج مملكة الإعلانات، كان الكاتب أندرو سيفيليان قد بدأ استخدام الهرمون بسبب مرض نقص المناعة، بدأ الكاتب بكتابة «أناشيد» حول الهرمون، وكتب عام 2000 على صفحات «نيويورك تايمز» عن ارتباط الهرمون بـ«الطاقة، والثقة بالنفس، والقدرة التنافسية، والمثابرة، والقوة، والقدرة الجنسية».

بحلول عام 2002، بدأ المعهد الوطني للشيخوخة، والمعهد الوطني للسرطان بالتعبير عن قلقهم من الأعداد المتزايدة للرجال الذين يستخدمون التستوستيرون. فرغم كل شيء، لم يكن هناك أدلّة كافية للخروج باستنتاجٍ حول مدى ارتباط الهرمون بتحسين الرغبة الجنسية، والحيويّة، بغض النظر عمّا يمكن أن يسبِّبه من مخاطر.

بدأ الباحثون – يكمل المقال – بتجاربَ أخرى عديدة على الهرمون. وقد ذهبوا يبحثون عن آلاف الرجال فوق 65 عامًا، يعانون انخفاضًا في الهرمون، وعرضًا آخر على الأقل من أعراض انخفاضه. عندما ظهرت النتائج، في فبراير (شباط) 2016، كان هناك أمرٌ بارز منذ البداية: من بين 51 ألف رجل تمّ تسجيلهم، كان هناك 15% فقط لديهم مستوياتٍ منخفضة بما يكفي من هرمون تستوستيرون ليتم تسجيلهم في التجربة، وبهذا كانت النتيجة أنّ: القاعدة الشائعة بأنّ الرجال فوق 65 عامًا يقل عندهم هرمون التستوستيرون مجرّد «أسطورة» لا أكثر.

ويا للعجب! خرجت الدراسات بنتيجةٍ مفادها أنّ هرمون التستوستيرون لم يحسّن الوظائف الجسدية للرجال، كما أنه لم يكن مفيدًا في علاج ضعف الذاكرة المرتبط بالعمر، لكنّه ساعد فقط مع فقر الدم (الأنيميا) وكثافة المعادن في العظام. وربما ساعد الهرمون في زيادة الرغبة الجنسية، نعم. ولكنّ التأثير كان متواضعًا أيضًا: «كان الرجال أفضل باستخدام سيالس أو فياجرا».

لكنّ النتائج الأكثر إثارة للقلق – وفقًا للمقال – كانت من دراسةٍ عن «مخاطر القلب والأوعية الدموية»، فمع الرجال الذين لديهم عوامل خطر معينة تسارعت الإصابة بتصلُّب الشرايين التاجية، مما قد يزيد من احتمال تعرضهم لأزمة قلبية.

في تقييم للدراسات على موقع مجلة JAMA (مجلة الجمعية الطبية الأمريكية)، أكَّد الخبير في الغُدد الصمّاء ديفيد جي هاندلسمان، مدى ضعف الأدلة المتوافرة لدعم «المزاعم الشعبية» حول «قدرة» هرمون التستوستيرون، مؤكدًا أنّ «أوهام تجديد الشباب» تعتمد على «الأمل» وليس على الحقائق.

تنهي الكاتبة مقالها بحقيقة أنّ بعد تجربة تشارلز إدوارد على نفسه، عام 1889، كتبت صحيفة في افتتاحيتها – كانت ستصبح حينها صحيفة الطب الإنجليزية الجديدة – حذرت في افتتاحيتها من «موسمٍ سخيف» سيبدأ في التتابع. وأنه ليس هناك شيء أكثر سخافة من الرغبة في الحفاظ على الصحة والحيوية في الشيخوخة.

لكنّ تاريخ هذا الهرمون يعطينا قصّةً تحذيريّة: عندما يتعلَّق الأمر بإعادة الشباب، فإن العديد من الأفكار التي تحظى بجاذبيةٍ أكبر هي ببساطة «فلكلور شعبي!».

شاهد أيضاً

بالفيديو – “طن لحم وطن دجاج ونصف طن أرز” في إفطار حي المطرية الشعبي بالقاهرة

وسط أجواء عمتها البهجة والسعادة، نظم سكان حي المطرية بشرق القاهرة، حفل إفطارهم الجماعي للعام …