ليس للتجويع وإنما للتهذيب هل ضاع فهم الناس لحكمة رمضان وسط انشغال الشيوخ بالقضايا الخلافية؟

القاهرة – حميد طولست —

الإيمان لا يقاس بالزمان ولا المكان ولا المظاهر، فهو أمر باطني بامتياز، لا يستطيع غير الله التمييز بين المؤمن من الناس وغير المؤمن، فلا العمائم المنتفخة يمكنها أن تصنع المؤمن الحق، ولا الجلابيب القصيرة، ولا اللحى الطويلة، ولا زبيبة الصلاة البارزة، ولا نقاب وجه المرأة، ولا شدة سواد غطاء شعر رأسها، ولا حتى صيام يومي الإثنين والخميس والاعتكاف في المساجد، وغيرها كثير من مظاهر التعبد الرمضانية، بقادرة على استشعار المرء بحقيقة الإيمان، غير الإحساس الإنساني النابع من رقي معاملة الغير، والتحضر في التعامل معهم واحترام مشاعرهم، بدليل “الدين المعاملة” والتي هي من أهم صور الإيمان وأبرز مداخله التي ألزم الله عباده بها نحو بعضهم البعض. والتي نجد أنها مع الأسف، اختفت بشكل كامل من حياة كثير من المسلمين.

وجاء الإسلام لتربية الإنسان المسلم على الفضائل، وتهذيب سلوكه، وتليين نفسه، وتطهير روحه، وتنقية قلبه، وتقوية ضميره، وتعليمه كيف يلتزم الأدب والذوق في أقواله وأفعاله نحو نفسه وغيره، والتي فشل بعض المسلمين حتى الآن في تعلمها والتحلي بها، رغم تضمن جل العبادات لروحها وفلسفتها، وعلى رأسها الصيام -الذي نعيش هذه الأيام أجواءه المتميزة- وما تقدمه مدرسته من دروس عملية في التربية الدينية والنفسية والاجتماعية، وبناء وتطوير المجتمعات وبناء الأمم واستمراريتها، وفلسفته ومقاصده، ببعديه، الداخلي، الذي يجرّد النفس من هواها، ويخلص الباطن من شوائب الشرك والخضوع لغير الله، والخارجي المتجسد في ربط جوع الصائم، في ذروة شهر رمضان، بفعل الخير والصلاح والعطاء والإحسان والإطعام الذي يشمل البؤساء والجائعين وكل من ضاق ذرعاً من شغف الحياة وكدرتها، وذلك ابتغاءً لوجه الله تعالى، ووفاءً لحق الإنسان على أخيه في الوطن، مسلماً كان أو غير مسلم ومن أي بلد كان حول العالم.

الأمر الذي يدفع للحيرة والتساؤل لماذا لم يتخلق كثير من المسلمين بذلك؟ ومن المسؤول على تحريف الصيام عن سمو أهدافه ورفعة غاياته؟ حتى تحول لمجرد إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص، كأي عمل غريزي أعمى وأجوفَ لا قيمة له، يُنتظر التخلص من ألمه البدني وشقائه الجسدي، شوقاً للعودة إلى مألوف التشرذم والتنابذ والتناحر والتباغض والتكاره والضغائن والأحقاد والانقسام والتلاعن والتكفير والشتائم والسباب، كما عبر على ذلك الشاعر بقوله:

رَمَضانُ وَلّى هاتِها يا ساقي   مُشتاقَةً تَسعى إِلى مُشتاقِ.

لا شك أن الذي يتحمل مسؤولية هذه الازدواجية وما وصل المجتمع إليه من الهوان والتخبط وسوء السلوك والحقد والكراهية وقلة الحرص والشعور بالمسؤولية الأخلاقية والوطنية والدينية، هو غياب القيم الحضارية الإسلامية عن سلوكيات المسلمين، الذي يتحمل مسؤوليته نخبة من الفقهاء والدعاة والشيوخ المعزولين عن مشاكل واحتياجات الجماهير.

وذلك بانشغالهم -عن قصد وسبق إصرار- بالقضايا الخلافية مقابل إهمال القيم والأخلاقيات التي تضبط سلوكيات الإنسان وتهذب أخلاقه بآداب الإسلام الرفيعة، وعجزهم عن تقديم الدروس التثقيفية في العلوم التجريبية والاكتشافات والفلسفة والسياسة والاقتصاد والدينية وباقي تطوراتها الاجتماعية والإنسانية، القادرة، في حالة شيوعها وانتشارها، على إنقاذ البشرية من الهرطقات والتخريفات، بدل اقتصارهم على الترديد اللامتناهي للخلافات الموسمية.

وهنا أعتذر من القارئ الكريم إن كنت قد أفسدت عليه استهلاله لهذا الشهر المبارك بتناولي هذا النكد المتمثل في هذه السلوكيات التي أوصلت مجتمعنا إلى ما هو فيه وعليه من الأمراض النفسية السلوكية التي أسهمت بدور كبير في إنتاج العقول المتصلبة المنغلقة البعيدة عن الواقع والواقعية حيث لا تبصر إلا نفسها، والتي ارتأيتُ أنه من واجب محبتي لوطني وديني وغيرتي على مصلحة الناس، كما هو من واجب كل إنسان شريف وغيور على مجتمعه وأمته، أن أتتبعها وأكتب عنها، علنا نتحرر من رقِّ أغلال التخلف والشعوذة، ونتمثل الأغراض الحميدة والمقاصد العظيمة للصيام.

وفي الختام أرفع الأكفَّ عالية نحو أبواب السماء المفتحة، راجياً الله سبحانه وتعالى أن يشملنا برحمته الموعودة، ورمضاناً مباركاً على الجميع.

الكاتب – حميد طولست

شاهد أيضاً

بالفيديو والصور – زواج التوأم الملتصق – تتشاركان جسداً واحداً برأسين وقلب منفصل

تزوجت الأميركية آبي هنسل، التي اشتهرت رفقة توأمها بريتاني، وهما من أشهر التوائم في العالم، …