أزمة الإساءة إلى النبي تطارد الهند – حجم مصالحها مع دول الخليج 90 مليار، فهل تضطرها للاعتذار؟

أثارت الإساءة للرسول الكريم من قبل مسؤولين في الحزب الحاكم بالهند- غضباً واسعاً لدى المسلمين في جميع أنحاء العالم؛ مما دفع دولاً عربية وإسلامية إلى استدعاء السفراء الهنود لديها للاحتجاج، بينما اكتفى الحزب بتعليق عمل مسؤول وطرد آخر، ولكن الأزمة جددت التساؤلات حول أسباب إصرار حكومة الهند على سياستها المناهضة للإسلام رغم علاقتها الوثيقة بالعالم الإسلامي وخاصة دول الخليج، ولماذا ترفض الاعتذار حتى الآن؟

وتوالت ردود فعل من عدد من الدول الإسلامية على الإساءة للرسول، حيث أعلنت الخارجية السعودية، استنكارها للتصريحات الهندية، ورفضها المساس برموز الدين الإسلامي، فيما استدعت كل من الكويت وقطر لسفير الهند لديهما، وأدان الأزهر الشريف التصريحات.

وبدأت حملة لمقاطعة البضائع الهندية في الكويت رداً على الإساءة للرسول؛ حيث أزالت “جمعية العارضية التعاونية”، جنوب غرب مدينة الكويت، مساء الأحد 5 يونيو/حزيران 2022 البضائع الهندية عن رفوف العرض.

وسعت الحكومة الهندية، اليوم الإثنين 6 يونيو/حزيران 2022، إلى تهدئة الأجواء في ظل انتقادات داخلية ودولية، واعتقلت السلطات 38 شخصاً في أعمال شغب نشبت بسبب الإساءة للرسول في مدينة بشمال البلاد، فيما يجري التخطيط لتنظيم احتجاج بوقت لاحق في مومباي.

وكان رئيس الوحدة الإعلامية بالحزب الحاكم في الهند نافين جيندال قد نشر على حسابه بموقع تويتر، تغريدة مثيرة للجدل بشأن زواج النبي محمد بالسيدة عائشة، ما أثار غضباً وانتقادات واسعة بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة في الدول العربية.

كما دوّنت المتحدثة باسم الحزب نوبور شارما، تغريدة على حسابها الرسمي بـ”تويتر”، متسائلةً عن “سبب زواج النبي محمد بالسيدة عائشة وهي لم تبلغ حينها عشر سنوات”، وهو ما أثار غضباً واسعاً بين رواد التواصل في العالم العربي والإسلامي.

وبررت شارما على “تويتر” تعليقاتها، بأنها جاءت رداً على “الإهانات” الموجهة ضد الإله الهندوسي “شيفا”، وقالت: “إذا تسببت كلماتي بإزعاج أو أساءت إلى المشاعر الدينية لأي شخص على الإطلاق، فأنا بموجب ذلك أسحب تصريحي من دون شرط”.

وأمس الأحد، أعلن حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند، تعليق عمل المتحدثة باسم الحزب نوبور شارما، وطرد زميلها نافين كومار جيندال، المسؤول عن وحدة الحزب الإعلامية، واعتبر الحزب الهندي أن “هذه الآراء مخالفة لموقف الحزب”. وقال حزب “مودي” الذي يُتهم باستمرار باستهداف الأقلية المسلمة في البلاد، إنه “يحترم جميع الأديان”.

الإساءة للرسول محصلة لحملة اضطهاد واسعة

وانتقد نشطاء تصاعدَ حالة الكراهية ضد الإسلام والمسلمين في الهند، مؤكدين أن سياسة رئيس الوزراء ناريندرا مودي العنصرية ضد المسلمين هي التي أذكت تلك الحالة.

وقالت منظمة التعاون الإسلامي في بيان: “هذه الإهانات تأتي في سياق من زيادة حدة الكراهية والإهانات للإسلام في الهند والمضايقات الممنهجة التي يتعرض لها المسلمون هناك”.

وأشارت المنظمة، التي تضم 57 دولة عضواً، إلى القرار الذي صدر في مارس/آذار الماضي، بحظر الحجاب في المؤسسات التعليمية في عدد من الولايات الهندية، حيث أيدت المحكمة العليا بولاية كارناتاكا التي يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا في جنوب الهند، قرار الحظر المفروض على الحجاب داخل الحرم المدرسي.

كما تحدثت المنظمة عن تدمير ممتلكات لمسلمين، مسلطةً الضوء على ما وصفته بأنه تحيز من الحكومة الهندية.

ويبلغ تعداد المسلمين في الهند 172 مليون نسمة، أي يمثلون ثالث أكبر تجمُّع للمسلمين في العالم بعد إندونيسيا وباكستان، ويشكلون أكبر أقلية دينية في الهند، وأكبر الأقليات الإسلامية في العالم بلا منازع.

المسلمون في الهند يشكون من الاضطهاد منذ تولي مودي السلطة/رويترز

وزادت معاناة المسلمين بعد تولي حزب بهارتيا جاناتا الهندوسي المتطرف للحكم، وهو الحزب الذي اكتسب شعبيته قبل الوصول إلى الحكم، عبر التحريض على المسلمين، وبعض قادته متهمون بالتورط في مذابح ضد المسلمين، ومن ضمنهم رئيس الوزراء الحالي ناريندرا مودي الذي تلطّخت سمعته على الساحة الدولية بسبب الجدل الذي أثير عندما كان كبيراً للوزراء في ولاية غوجارات، وذلك خلال أعمال الشغب الطائفية التي شهدتها الولاية في عام 2002 وأسفرت عن مقتل مئات المسلمين.

ومنذ تولى مودي رئاسة الحكومة في الهند عام 2014، تتواصل انتهاكات حقوق الإنسان بحق المسلمين دون توقف.

وبات التخويف من المسلمين والتحريض على الكراهية ضدهم جزءاً من أيديولوجية الحزب الحاكم وأداته المفضلة للبقاء بالسلطة، في ظل ضعف المعارضة العلمانية، حيثحيث أصبح استهداف المسلمين وقوداً انتخابياً مفضلاً للحزب الحاكم.

وعقب وصول مودي إلى السلطة، شنت جماعات هندوسية يمينيةٌ هجمات على أقليات بدعوى أنها تحاول منع التحول الديني، وأقرت عدة ولايات هندية، وتعمل أخرى على دراسة، قوانين مناهضة لحق حرية الاعتقاد الذي يحميه الدستور.

وبعد وقت قصير من إعادة انتخابه رئيساً للوزراء في 2019، ألغت حكومة مودي الوضع الخاص لإقليم كشمير؛ في مسعى لدمج المنطقة ذات الأغلبية المسلمة بشكل كامل مع بقية أجزاء البلاد.

وفي 2019، وافقت الحكومة على قانون يخص الجنسية قال معارضون له إنه تقويض لدستور الهند العلماني بإقصاء المسلمين المهاجرين من دول مجاورة. والقانون من شأنه منح الجنسية الهندية للبوذيين والمسيحيين والهندوس والجاينيين والبارسيين والسيخ الذين فروا من أفغانستان وبنغلاديش وباكستان قبل 2015.

ووصل استهداف المسلمين إلى السينما، فالأفلام في بوليوود بدأت تستغل هي الأخرى الخطابات التي تشحن ضد المسلمين والأقليات الأخرى.

ولسنوات اتهمت تقارير حقوق الإنسان التي تصدرها الخارجية الأمريكية، الهند باضطهاد المسلمين، ولكن على المستوى السياسي الأمريكي نادراً ما توجه واشنطن انتقادات لنيودلهي التي تراها حليفاً كبيراً يمكن أن يوازن قوة الصين.

والآن، الهند تخشى على مصالحها

ويبدو أن مسارعة الهند لمحاولة احتواء الغضب من الإساءة للرسول، جاء خوفاً على مصالحها الاقتصادية، إذ يقدر حجم التجارة الهندية مع مجلس التعاون الخليجي، الذي يضم الكويت وقطر والسعودية والبحرين وعُمان والإمارات، بنحو 90 مليار دولار في 2020-2021.

ويُقيم نحو 8.5 مليون مواطن هندي في بلدان مجلس التعاون الخليجي التي تُعتبَر مصدراً لـ55% من تحويلات المغتربين المالية إلى الهند، حسب تقرير لمركز كارنيغي الأمريكي نشر في عام 2019.

ويُردّد أبناء الجالية الهندية في الخليج أن دبي هي خامس أكبر مدينة هندية. وللهند أيضاً مصلحة قومية حقيقية في عبور السلع بأمان في مياه الخليج، فهي تستورد نحو ثلث إمداداتها من النفط الخام من دول مجلس التعاون الخليجي. أما المستثمرون في الدول الخليجية فيرون في النمو الاقتصادي الهندي فرصة لتنفيذ مشاريع جديدة، لا سيما مشاريع في مجال البنى التحتية تشارك فيها شركات خليجية على غرار جهاز أبوظبي للاستثمار أو موانئ دبي العالمية.

ويساهم حافز أمني مهم أيضاً في الدفع نحو هذا التقارب في العلاقات. فلطالما رأت الهند في الخليج “ملاذاً آمناً” للجريمة المنظّمة الهندية، بما يدعم الحاجة لعلاقات وثيقة بين الجانبين للتصدي لها.

ولكنها تتجنب الاعتذار وتنتقد منظمة التعاون الإسلامي

وطالبت دول عربية وإسلامية عدة باعتذار هندي عن الإساءة للرسول، ولكن نيودلهي رفضت، الإثنين 6 يونيو/حزيران 2022، البيانات العربية والدولية الواسعة المنددة بالتصريحات المسيئة للنبي محمد، التي أدلى بها مسؤول بالحزب الحاكم في الهند، وقالت إن الإدانات “لا مبرر لها”.

جاء ذلك في تصريحات صحفية للمتحدث باسم الخارجية الهندية، أريندام باغشي، استنكر خلالها بيان منظمة التعاون الإسلامي الرافض للتصريحات المسيئة للرسول محمد صلى الله عليه وسلم

حكومة رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي انتقدت بيانات الإدانة للتصريحات المسيئة للرسول/رويترز

وقال باغشي أن التغريدات والتعليقات التي “تسيء إلى شخصية دينية صدرت عن أفراد معينين، وأن هؤلاء الأشخاص لا يعبرون بأي شكل من الأشكال عن وجهات نظر حكومة نيودلهي، وأنه تم بالفعل اتخاذ إجراءات قوية ضدهم من قبل الهيئات ذات الصلة”، متهماً الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي بالإدلاء “بتعليقات تحركها دوافع مضللة”، وأن “بيانها لا مبرر له”، و”ضيق الأفق”، حسب تعبيره.

كما أردف: “نحثُّ منظمة التعاون الإسلامي على إظهار الاحترام الواجب لجميع الأديان والمعتقدات”.

ويُظهر رفض حكومة مودي للاعتذار عن الإساءة للرسول، أن هناك حدوداً لمحاولتها احتواء أزمة الإساءة للرسول، وأنها تتمسك بتوجهاتها المتطرفة، حيث يعد استهداف الإسلام جزءاً متجذراً في أيديولوجيتها، رغم حاجتها الاقتصادية الماسة لدول الخليج.

فهناك عامل جديد يحد من تأثير دول الخليج على الهند، ويقلل من مخاوف نيودلهي من عواقب سياستها، وهو تغير سياسات بعض دول الخليج وتحديداً الإمارات والسعودية، اللتين كانتا تقليدياً شديدتي الحساسية لأي إساءة للمسلمين، خاصةً الرياض التي كانت تعتبر نفسها حاملة لواء الإسلام؛ لكونها بلد الحرمين الشريفين، الذي يطبق الشريعة الإسلامية.

ولكن الأمور تغيرت خلال السنوات الماضية، ولم تعد الهند تخشى غضب الرياض وأبوظبي في هذه القضايا بنفس المستوى السابق.

ففي بداية تولي مودي الحكم، بدت خلفيته السياسية في تعارض مع ثقافة شبه الجزيرة العربية الإسلامية المحافظة، ولكن قادة الخليج الجدد، لا سيما القادة السعوديين والإماراتيين، كانت لهم نظرة مختلفة إلى مودي، إذ التقت مقاربته للتعاطي مع الإسلام السياسي انطلاقاً من الاعتبارات الأمنية مع مقاربتها الخاصة. فقد وصف ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في كلمة ألقاها بحفل أقيم في دلهي في فبراير/شباط الماضي، رئيس الوزراء الهندي بأنه “شقيقه الأكبر”. وبالمثل، أقام مودي روابط غير مسبوقة مع رئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد، منذ أن كان ولياً للعهد، وحتى إنه وجّه إليه دعوة ليكون الضيف الأساسي في يوم الجمهورية بالهند في عام 2017، وهو شرفٌ محفوظ تقليدياً لرؤساء الدول، حسب تقرير مركز كارنيغي.

وقال سفير غربي سابق في أبوظبي: “يُجسّد مودي ذهنية السياسة الواقعية وأسلوب الرجل القوي في القيادة، وهو ما أثار فعلاً إعجاب الأمراء السعوديين والإماراتيين”.

على مستوى أعمق، يتشارك صنّاع القرار في أبوظبي ودلهي آراء متطابقة عن الأولويات الأمنية. ففي ظل قيادة محمد بن زايد، تعتبر أبوظبي أن التيارات الإسلامية، خصوصاً الإخوان المسلمين، هي التهديد الأكبر لها، وربما يتقدّم هذا التهديد على الأطماع الإقليمية الإيرانية. وتلتقي وجهة النظر هذه مباشرةً مع آراء مودي ومهندس سياسته الخارجية أجيت دوفال، الذي كان عميلاً سابقاً في الاستخبارات، ثم أصبح مستشار مودي لشؤون الأمن القومي عام 2014. ويشنّ دوفال، بصفته هذه، حملة ضارية ضد التيارات الإسلامية التي تستهدف الهند، وتشتمل هذه الحملة على تنفيذ ضربات انتقامية داخل باكستان. ولذلك ليس مفاجئاً أن الإمارات تواظب على تقديم التأييد للسياسات الهندية، بدءاً من الهجمات الجوية عبر خط السيطرة مع باكستان في أعقاب هجوم أوري في عام 2016، وصولاً إلى إلغاء المكانة الدستورية الخاصة التي كانت تتمتع بها كشمير.

ويمكن ملاحظة تأثير هذا التغير من حقيقة أن مركز ثقل الاعتراض الخليجي الأخير على الإساءة للرسول الكريم انتقل إلى قطر والكويت وسلطنة عمان، وكان لافتاً في هذا الصدد ظهور دعوة هندية إلى مقاطعة الخطوط الجوية القطرية وليس طيران دولة أخرى، بسبب موقف الدوحة القوي.

وخلاصة القول إن السعودية بثقلها الاقتصادي تستطيع أكثر من غيرها، كما كانت دوماً، وبالتعاون مع بقية دول الخليج، الضغط على نيودلهي لوقف حملتها ضد الإسلام والمسلمين

المصدر – موقع عربى بوست الإخبارى

شاهد أيضاً

هيئة الإحصاء النمساوية: ارتفاع حالات الفقر في النمسا بسبب الأزمة الاقتصادية

كشفت هيئة الإحصاء النمساوية المركزية اليوم الخميس عن ارتفاع حالات الفقر بين المواطنين بسبب الازمة …