هل أصبحت دول اللجوء أوطاناً للاجئين؟

Asyel-Deutschland-Zurck

 

بعد سنواتٍ على وصول لاجئين إلى أوروبا عموماً وألمانيا خصوصا، شق العديد منهم طريقه في دول اللجوء، وبدأ حياته العملية واتجه نحو الاستقرار، لكن بعد كل هذه السنوات هل بدأ اللاجئون يشعرون بأن هذه الدول هي بالفعل أوطانهم؟

“كثيرا ما سألني الناس: هل تشعر أنك فرنسي أم لبناني، وكنت أجيب: هذا وذاك”، بهذا أجاب أمين معلوف في بداية كتابه “الهويات القاتلة” حول انتمائه بعد عيشه خارج وطنه لبنان في فرنسا لسنوات، لكن اليوم وبعد عدة سنواتٍ على وصول اللاجئين إلى أوروبا، كيف ستكون إجاباتهم فيما لو وجّه لهم السؤال ذاته؟

“لا يمكنني أن أشعر بالانتماءِ إلى وطنٍ آخر غير سوريا” يقول صالح الأستاذ الجامعي السوري الذي قدم إلى ألمانيا منذ ثلاث سنوات تقريبًا، يشرح صالح إجابته قائلاً ” للقصة بعدين، شخصي وعام، فشخصياً لقد أتيت من بلدٍ قامت فيه ثورة، وفكرة الثورة بحد ذاتها تجعل الشخص يشعر بالانتماء حتى لو لم يكن لك انتماء من قبل، وأنا أرى نفسي أولاً وأخيراً ابن الثورة فهي التي جعلتني أنظّم هويتي وأفهمها”.

ويتابع صالح “لا يتمتع جميع الناس بالعيش ضمن ثورة، فأنا قبلها كنت أشعر بعدم الانتماء حتى في وطني، وربما بعدما تحولت إلى حرب عاد إلي إحساس الغربة، لكن البعد العام لعدم إحساسي بأن ألمانيا وطني الثاني يعود لأسباب تتعلق بألمانيا بحد ذاتها، فمثلاً لا أحد من أصدقائي الألمان سألني ما رأيك ببلدك الجديد؟ الكل يسألني عن رغبتي بالعودة إلى وطني من عدمها، حتى مكتب الأجانب لا يشعرني بأنه يرحب بوجودي هنا، لذا فإن الدول الأوروبية غير صالحة لتكون وطناً بديلاً، فالأوروبيون يعيشون أزمة تجاه فكرة جود أقليات عرقية ودينية في بلدانهم”.

ويختم صالح “مع كل هذا فأنا أعترف بالجميل وعلي رد الجميل للألمان، وأصبح لدي قناعة بأني لا أريد أن أصبح ألماني وإنما العيش بسلام في هذا البلد وأن أرد الجميل لأشخاص استقبلوني وأعطوني فرصة عمل وأمنوا لي حياة جيدة”.

لكن على عكس صالح يعتبر ياسر الصحفي الفلسطيني الأصل الألماني الجنسية حالياً “أنه لا يمكنه التنكر لبلدٍ منحه جواز سفر، وحقوق وامتيازات، بعد أن حرمته منها جميع الدول بمن فيها وطنه الأم، لذلك فهو يشعر بالانتماء لألمانيا لكنه لا يعني أنه لم يعد فلسطينياً”.

الألفة أكثر من الانتماء

عمر الشباب العشريني القادم من سوريا منذ سنوات إلى ألمانيا يقول “أعتقد أن الشعور بالانتماء هو شيءٌ مستحيل، فكل شيءٍ حولنا يشعرني بأني غريب ولستُ جزءاً من هذا البلد، الناس الدوائر الحكومية، السياسة الأخبار، حتى لو حصلت على الجنسية سيقال عني إني من أصولٌ مهاجرة”.

هذا الشعور أمرٌ طبيعي برأي الأستاذ نبيل يعقوب المتحدث باسم الأجانب في ولاية زاكسن إذ يرى “أننا في بلداننا كنا نعاني من أزمة هوية والانتماءات لدينا أصيبت بهزات كبيرة، وبدأنا نعي بعد الاضطرابات الأخيرة في معظم الدول العربية جوانب أخرى من حياتنا زعزعت هوياتنا وانتماءاتنا السابقة فأصابتنا بنوع من الضياع، ولذلك فمن الصعب الشعور بالانتماء والهوية في دولٍ جديدة ما لم تكن قد تشكلت في بلداننا الأصلية وربما هذا الأمر يدفع البعض إلى الانتماء إلى البلدان الجديدة على أساس أنها شيء جديد لم يختبره سابقاً”.

داليا التي تعيش في بريطانيا تقول إن “الانتماء بشكلٍ كامل والشعور بأن هذا البلد الجديد هو وطن جديد أمرٌ صعب لكن الإنسان يكون انتقائي، فننتمي للأشياء التي تشبهنا، ونختار ما نريد لنشكل هويتنا في هذه الدول، وربما هي نفس الأشياء التي كانت تشعرنا بالغربة في أوطاننا الأمن، لكن ليس هناك شعور انتماء بالمطلق فالأمر تراكمي”. أما في رأي حمدي الصحفي السوري الذي يعيش في ألمانيا فإن “الانتماء أمرٌ لن يشعر به طالما أن عائلته وأحبته ليسوا هنا فالوطن هو العائلة”.

نشعر بالانتماء.. والوطن أصبح ذكرى

نور التي وصلت إلى فرنسا منذ عدة أشهر بدأت تشعر بالانتماء إلى فرنسا وتتحدث عن تجربتها لـ”مهاجر نيوز” فتقول “أعلم أنني لم أمضِ هنا سوى وقتٍ قصير لكني أعتقد أن المدينة التي لا أخاف أن أضيع فيها أو لا أشعر بالخوف من أنام بمفردي في منزلي فيها، لا أخشى عتمتها ولا طرقاتها الفارغة، ولا حتى وجوه الناس الغريبة فيها هي بلا شك مدينةٌ أنتمي إليها، أعرف أنني أشعر بالألفة الآن ربما أكثر من الانتماء، لكن مع الوقت يمكن أن يتحول شعوري إلى الإحساس بالانتماء إلى وطن هنا”.

أما عماد اللاجئ السوري في النمسا فيعترف قائلاً “حالياً لا أعلم إلى أين انتمي، أشعر أحياناً بانتمائي للنمسا وأحاول أن أتعلم لغتها، وان اقرأ تاريخها، لأقترب منها أكثر، وأشعر أني أنتمي إلى هنا أكثر من دمشق ربما”.

فيما تقول لجين المقيمة في فرنسا “لا أعتقد أن هناك انتماء في زمن العولمة لمكانٍ واحد، لكن سوريا تبقى ذكرى في وجداننا، أحياناً أشعر أنها تدفعني للعودة، لكن في أوروبا أشعر أني دخلت في زمانٍ مختلف”.

وطني في المكان الذي لدي حياةٌ فيه

الأستاذ نبيل يعقوب المتحدث باسم الأجانب في ولاية زاكسن يعتبر أن “هناك بعداً آخر يدفع على الشعور بالانتماء هو الدافع الاقتصادي إذ أن معظم الدول العربية عانت من تطورات اجتماعية انعكست سلبياً على السكان اقتصادياً، مما جعل حالة الاستقرار التي يعيشها بعض الناس هنا خاصة المادية تدفعهم للشعور بالانتماء”.

كلام الأستاذ يعقوب ربما يتوافق مع تجربة عبدو المهندس السوري الشاب الذي بدأ يشق طريقه في حقل العمل في ألمانيا، إذ يقول عبدو لـ”مهاجر نيوز”: ” بالطبع أشعر بالانتماء إلى ألمانيا، فأنا أعيش هنا وأعمل هنا، وتعودت على روتين الحياة هنا، أكثر من بلدي لذلك فانا أنتمي إلى هنا أكثر من هناك”.

هل تؤثر القوانين الألمانية على الاندماج؟

كذلك تقول بتول القادمة من سوريا أيضاً وتشرح، ” أشعر بالانتماء إلى ألمانيا، تعودتُ حتى على الروتين والبيروقراطية، ورغم الحنين الذي أشعر به إلى وطني أحياناً لكن أحب هنا، لذلك مشاعري مختلطة لا يمكنني التحديد في كثيرٍ من الأحيان”.

تنوعت آراء القادمين الجدد والمهاجرين بين من يعتبر بلد لجوئه وطنا جديدا وبين من يشعر بالحنين إلى بلده الأم ، لكن الأستاذ نبيل يعقوب المتحدث باسم الأجانب في ولاية زاكسن يرى أن ” القوانين في ألمانيا تساهم في إبقاء اللاجئين خارج دائرة الانتماء طالما أنه لا صوت لهم في التغيير السياسي أو الاجتماعي في ألمانيا ولا يوجد مراعاة لمطالبهم في كثيرٍ من الأحيان”.

هذا المحتوى نقلاّ عن موقع DW القسم العربى

 

شاهد أيضاً

بالفيديو والصور – زواج التوأم الملتصق – تتشاركان جسداً واحداً برأسين وقلب منفصل

تزوجت الأميركية آبي هنسل، التي اشتهرت رفقة توأمها بريتاني، وهما من أشهر التوائم في العالم، …