رحلة التعذيب عبر التاريخ.. كيف تفنن البشر في إيلام الآخرين؟

folter4

 

منذ فجر التاريخ يعذب البشر بعضهم بعضًا؛ من أجل إرضاء غريزة العدوان التي تعيش داخلهم، هذه الغريزة التي لم تُعرف بين الحيوانات المفترسة فهي عندما تتقاتل يكون ذلك بهدف الحصول على الطعام أو حماية إناثها وأولادها، بدليل أنها تتوقف عن القتال عندما تَشبَع ويتحقق لها الأمان، فلم نر من قبل حيوانات تعذِّب بعضها بهدف الاستمتاع والتسلية، أو أنهم مثلًا اخترعوا أساليب مُبتكرة لفعل ذلك كما يحدث في عالم البشر.

على هذا شهدت الحضارات المختلفة ظهور الكثير من وسائل وأساليب التعذيب التي سُجلت في كتب التاريخ من بشاعتها، ولا يرتبط ذلك بأي شكل من الأشكال بمدى تحضر هذه الحضارة أو تخلفها، فحين يتعلق الأمر بإيقاع الأذى بالآخرين يتبارى البشر فيما بينهم لجعل هذه العملية أشد إيلامًا ووحشية.

على أيدي الإغريق والرومان كانت البداية

لا يوجد تاريخ مؤكد ومحدد لبداية التعذيب بشكل رسمي، ورغم عدم ذكر التعذيب في القانون البابلي أو الموسوي، فإنّ المراجع التاريخية أكدت على أنّ البابليين والعبرانيين القدامى كانوا يخصون الأسرى، ويعدمون المجرمين إمّا برجمهم أو نشرهم إلى نصفين أو بحرق أجسادهم، كما وُجدت عند الآشوريين والمصريين تدابير تشريعية لاستخدام التعذيب، وكانت هذه التدابير موجودة أيضًا عند الفرس والإغريق والقرطاجيين والرومان.

اعتبر الإغريق التعذيب وسيلةً لانتزاع الحقيقة، فقد وصفه الفيلسوف «أرسطو» أنه: «نوع من الدليل الذي يحمل معه مصداقية مطلقة لأنّ نوعًا من الإكراه قد تمَّت ممارسته»، لكن من الواضح أن الفيلسوف الشهير غاب عن إدراكه أن الكثيرين من السهل جدًا أن يعترفوا بأي شيء بعد أن يُمددوا وتُكسر ضلوعهم وهم أحياء، وعلى الرغم من أنّ التعذيب كان يتعرَّض له العبيد والأسرى في العادة، إلا أنّ بعض المواطنين الأحرار لم يسلموا من التألم جراء تعذيبهم بالوسائل الشهيرة آنذاك مثل المخلّعة والكرة النحاسية والعجلة.

folter1

العجلة

إحدى هذه الوسائل وهي العجلة وصفها المؤرخ «فلافيوس جوزيفوس» الذي أكد أن استخدامها تجاوز حدود اليونان، فقد استخدمها السوريون خلال الحرب «الماكابية» في القرن الثاني قبل الميلاد، عندما رفض أسير يهودي شاب أن يأكل اللحم الذي تحرمه عليه ديانته وعندما تشبث بمعتقده رغم تعرضه للضرب الشديد، ثٌبت على محيط خارجي لعجلة كبيرة، وبدأ جلادوه في خلع مفاصله وتكسير أطرافه وتمزيق لحمه، وكان يوجد تحت العجلة موقد مملوء بالجمر المتوهج الذي أُطفئ تمامًا بسبب النزيف الغزير من جسم الضحية.

لا تعكس هذه الوسيلة أقصى درجات الوحشية عند الإغريق، فهناك كاتب إغريقي آخر يُدعى «لوشيان» يصف لنا نوعًا آخر من التعذيب أكثر رعبًا فيحكي كيف خطط مجموعة من الرجال للإمساك بامرأة عذراء لكي يحشوها في بطن حمار مقتول حديثًا ويخيطوا بطنه عليها، وكان رأسها فقط هو الظاهر منها؛ لمراقبة تألمها وعذابها، ليس فقط لأنها ستُشوى بأشعة الشمس بل كونها ستتعذب جوعًا وعطشًا، وما ميز هذه الخطة الشيطانية أن يداها ستكونان محجوزتين داخل جثة الحمار المتعفنة مما يعيق قدرتها على الانتحار، وكانت نهاية هذه المرأة المسكينة بأن أتت الطيور لأكل جثة الحمار التي تضم جثتها المتعفنة داخل بطنه.

folter2

الثور النحاسي

تزايد «إبداع» الإغريق في التعذيب أكثر فأكثر ليظهر في الثور النحاسي، وهو عبارة عن مُجسم على هيئة ثور من النحاس له باب في جانبه وفارغ من الداخل، وكان أسلوب عمله يتمثل في قذف الضحايا إلى داخله وغلقه عليهم، ثم إشعال نيران شديدة تحته، وعندما يسخن المعدن كان المُعذبون بالداخل يجأرون كالثيران إلى أن يُقضى عليهم من العذاب.

folter3

الحصان الخشبي

أتى الرومان بعد ذلك ليستكملوا ما بدأه الإغريق من وحشية في التعذيب، فاخترعوا «الحصان الخشبي» وهو عبارة عن أداة لها أربعة قوائم تكاد تشبه مسند النشر عند النجار إلا أنه كان على علوّ ستة أقدام، ويجلس الضحية على القطعة المتعارضة الطويلة في الأعلى، وعلى كل جانب هناك بكرتان وكانت تُربط ذراعا الضحية وساقاه بالحبال التي تُشد في اتجاهين متعاكسين لتتسبب للضحية في ألم شديد، وكانت عملية التعذيب تحدث تدريجيًا فإذا لم يرضخ الجالس على الحصان ويعترف من البداية، كان يخضع لمعاملة أشد قسوة بتركه لساعات طويلة وتمزيق لحمه بمحثات ذات أسنان حديدة وكيّ جسمه بصفائح حديدية مُحمّاة.

من أشهر ضحايا التعذيب في العصر الروماني «القديس بانتاليمون» الذي يذكر لنا قصته «أنطونيو غالونيو» في كتابه «عذابات وآلام الشهداء المسيحيين»، فقد حُكم على هذا القديس بالموت على العجلة لكن بطريقة جديدة تمامًا، فقد ظلّ محتجزًا في السجن حتى صُنعت له عجلة خاصة، ثم ربطوه وهو مقيد اليدين والرجلين على محيطها الخارجي، وحملوه بعد ذلك إلى قمة جبل ليُدحرج على السفوح الصخرية، ورغم أنه كان من المفترض أن يموت موتةً شنيعة إلا أنه وفقًا لرواية «غالونيو» نجا من الموت بأعجوبة ولم يوضح كيف حدث ذلك.

في التاريخ الإسلامي.. ما بدأه الأمويون أكمله العباسيون

كانت بداية التعذيب في العصور الإسلامية لغرض سياسي، ففي عهد «معاوية بن أبي سفيان»، الذي كان يملك قاعدة شعبية واسعة ساعدته أن يشتهر بالحلم المأثور عنه، لكن استقلاله بالسلطة بعد تنازل الحسن بن علي جعله يواجه مشكلات عديدة، وكان العراق مركزًا نشطًا لمعارضة حكمه مما جعله يولي هناك «المغيرة بن شعبة» أحد دهاة العرب لكنه لم ينجح في تخفيف حدة المعارضة.

عُزل «ابن شعبة» فيما بعد وتولى والٍ آخر هو «زياد بن أبيه» الذي أظهر مواهب نادرة في العنف، ففي عهده شهد العراق لأول مرة منع التجول والقتل الكيفي بمعنى القتل على الظن، وكذلك قتل البريء لإخافة المذنب الذي طبقه على فلاح خرج ليلًا للبحث عن بقرته الضائعة في ظل منع التجوال، ومما ذكره الطبري عن التعذيب في عصر «زياد بن أبيه» أن وكيله على البصرة الصحابي «سمرة بن جندب» أعدم ثمانية آلاف من أهلها تطبيقًا لمبدأ زياد في القتل على التهمة، ويروي «السمعاني» في كتابه «الأنساب» أن «زياد» أمر بقطع لسان الصحابي «رشيد الهجري» وصلبه؛ لأنه تكلم بالرجعة وتعني «العودة إلى الحياة الدنيا بعد الموت»، ويعد ذلك الحكم تطورًا فاصلًا للتعذيب في العصور الإسلامية.

بالطبع عند ذكر التعذيب في التاريخ الإسلامي لا يمكننا أن نغفل ذكر «الحجاج بن يوسف الثقفي»، الذي أتى بعد «زياد بن أبيه» بقرابة 20عامًا وكان واليًا على العراق 20 عامًا أخرى، ففي عصره انتشر إرهاب الناس بصورة يومية عاشوها على اختلاف طبقاتهم، ومن «إنجازاته» إنشاء سجن «الديماس» الشهير الذي كان بلا سقف، وقُدر عدد من كانوا فيه عند وفاته بعشرة آلاف من الرجال والنساء، وكان من أشهر أساليبه القتل الكيفي بقطع الرأس بالسيف، وأضاف بعد ذلك الصلب للأشخاص الذين لهم وزن في المعارضة.

توقف التعذيب لفترة قصيرة في خلافة «عمر بن عبدالعزيز»، ليعود بعد ذلك على يد «هشام بن عبدالملك» في الشام وولاته التابعين له في الأقاليم، وقد أقام «هشام» بنفسه حد القتل بقطع الأيدي والأرجل في بعض الحالات المشددة ومن أبرز الحالات التي سُجلت في عهده إعدام «غيلان بن مسلم الدمشقي» بتهمة القول بالقدر، وقد نفذ فيه حكم الإعدام ذبحًا، وقد وصل الأمر إلى أن «خالد القسري» والي العراق في عهد «هشام بن عبدالملك» أصدر تحذيرًا لمن يطعن في الخليفة أن يُصلب في البيت الحرام، وبالطبع ذلك ينافي تحريم الشريعة قتل الحيوان في هذا المسجد، كما يؤكد «الطبري» أن القتل بالإحراق اُستخدم في خلافة «هشام بن عبدالملك» لإعدام داعية من غلاة الشيعة هو «المغيرة بن سعيد العجلي» الذي كان قد خرج على الدولة في الكوفة خلال ولاية «القسري».

جاء العصر العباسي لتستمر فيه مسيرة التعذيب وكانت البداية مع «أبو مسلم الخراساني» صاحب الدعوة العباسية في «خراسان» وواليها بعد ذلك، فقد بلغ عدد من أعدمهم 600 ألف بين رجل وامرأة وغلام، وكان زعيم الدعوة «إبراهيم الإمام» قد كتب إليه بقتل أي غلام بلغ خمسة أشبار إذا شك في ولائه.

مع ازدياد المعارضة ضد الخلافة العباسية تطورت أساليب القتل والتعذيب، فيذكر لنا الأديب «أبو الفرج الأصفهاني» في كتابه «مقاتل الطالبيين» أن الخليفة «أبو جعفر المنصور» قتل بعض العلويين بدفنهم أحياء، بل تطور أسلوب القتل بعد ذلك إلى التقطيع، ومن ثم زاد عدد الأوصال المُقطعة فبعد أن كانت تتمثل في الأيدي والأرجل التي تُقطع دفعة واحدة، أصبحت هذه الأجزاء تقطع إلى عدة أوصال يُضم إليها أجزاء أخرى من الجسم، وقد أوصلها الخليفة «هارون الرشيد» إلى أربعة عشر قطعة.

ظهر بعد ذلك في عهد الخليفة العباسي «المعتضد بالله» التعذيب بالسلخ ففي كتاب «الكامل في التاريخ» لـ«ابن الأثير» يروي لنا أن قائدًا من الخوارج يُدعى «محمد بن عَبادة» أُسر في أيام «المعتضد بالله» فُسلخ جلده كما تُسلخ الشاة، كما يوجد حادث مشابه كان ضحيته «أحمد بن عبد الملك بن عطاش» صاحب قلعة أصفهان، فبعدما حاصر السلاجقة القلعة بقيادة السلطان «محمد بن ملكشاه» افتتحوها وأسروا «ابن عطاش»، الذي كانت نهايته بسلخ جلده حتى مات ثم حُشي جلده تبنًا؛ بهدف تعريضه للتشهير وتخويف المعارضين من بعده.

كان «المعتضد بالله» وفقًا للمؤرخ «المسعودي» شديد الرغبة في التمثيل بمن يقتله، إذ يذكر لنا أشهر الأساليب التي اتبعها «المعتضد» في كتاب «مروج الذهب» قائلًا: «كان الرجل يُؤخذ فيُكتف ويُحشى القطن في أذنيه وخيشومه وفمه، ثم توضع منافخ في دبره حتى ينتفخ ويتضخم جسده، ثم يُسد الدبر بشيء من القطن، وبعدها يفصد من العرقين فوق حاجبيه حتى تخرج الروح من ذلك الموضع».

من أشهر وسائل التعذيب التي اختُرعت في العصر العباسي «تنور الزيات» الذي اخترعه «محمد بن عبدالملك الزيات» وزير الخليفة «الواثق بالله»؛ بغرض تعذيب عمال الخراج المختلسين، وكان التنور يُصنع من خشب تخرج منه مسامير حادة، وفي وسطه خشبة معترضة يجلس عليها الضحية، ومن المثير للعجب أنه قد عُذب فيه صانعه بعد عزله في زمن «المتوكل بالله» بسبب إهانة كان قد وجهها إليه قبل أن يتولى الخلافة.

التعذيب في العصور الوسطى.. محاكم التفتيش تحكي لنا

اتخذت الكنيسة المسيحية موقفًا ضد التعذيب في بداية الأمر لما لقيه المسيحيون الأوائل من أذى شديد من طرف الأباطرة الرومان، لكن لم تمر قرون قليلة حتى تغير الموقف الرسمي للكنيسة تجاه التعذيب فتفشى في كثير من البلدان المسيحية بمباركة من رجال الدين، باستثناء بعض الباباوات الذين كان لهم موقفًا ضد التعذيب.

وصلت ذروة التعذيب في الكنيسة خلال العصور الوسطى، ففي تلك الفترة لم يُستخدم التعذيب للحصول على الاعتراف من المتهم بل من أجل تقصّي «القول الإلهي» الفاصل في اعتباره متهمًا أو برئيًا، فكان الضحية يتعرض لألوان من الألم لبيان «حكم الله» في شأنه، فقد كان المعتقد السائد آنذاك أن الله سيُنقذ المتهم من العذاب إن كان برئيًا.

من الأمثلة على الأساليب التي اُتبعت في هذا السياق تقييد يد المتهم اليمنى إلى قدمه اليسرى ثم يُلقى به في نهر أو حوض من ماء وتكون نجاته بعد ذلك دليلًا على براءته، كما يكون غرقه دليلًا على إدانته، إلى جانب أن المتهم كان في بعض الأحيان يُعذب بالنار اعتقادًا بأنها لا تحرق برئيًا.

لم يستمر الاعتقاد بـ«الحكم الإلهي» كثيرًا، فلاحقًا أدانته الكنيسة، إلا أن ذلك لا يعني غياب التعذيب للأبد فقد ظل يستخدمه الكثير من رجال الدين المسيحي، ويلجأ إليه القضاة للبحث عن الحقيقة وبشكل خاص ممن اتهموا بالزندقة، واُستخدمت لذلك الكثير من الأدوات الوحشية.

وصل التعذيب إلى أقصى دمويته في ظل «محاكم التفتيش المقدسة»، التي انتشرت في مختلف أنحاء العالم المسيحي، وبلغت ذروتها بدايةً من القرن الخامس عشر في إسبانيا بعد سقوط آخر إمارات المسلمين هناك بالأندلس، إذ مثل أمامها المسلمون واليهود، وبلغت فظاعة الجرائم التي اقترفتها محاكم التفتيش في حق المتهمين بالهرطقة درجة جعلت عدة بابوات يوصلون إلى حكّام إسبانيا استنكارهم لما يحدث فيها، ومن أبرز هؤلاء البابوات «بولس الثالث»، و«بولس الرابع»، و«ألكسندر السادس».

folter4

شوكة الهراطقة

من الأمثلة على أدوات التعذيب التي انتشرت في العصور الوسطى «شوكة الهراطقة»، التي كان لها طرفان يُغرز الأول تحت الذقن، بينما يُغرز الطرف الثاني تحت الرقبة ويُثبت أعلى القفص الصدري، ويُربط الحزام الجلدي للشوكة حول الرقبة بإحكام حتى يمنع حركة رأس الضحية، الذي يظل يئن تحت وطأة الألم الشديدة لأخذ الاعترافات المطلوبة منه.

folter5

التابوت الحديدي

هناك أيضًا «التابوت الحديدي»، الذي كان يحتوي بداخله على مسامير طويلة موزعة بدقة حتى لا تخترق أي عضو حيوي مثل القلب أو الرئة بغرض الحفاظ على حياة الضحية لأطول فترة ممكنة وتعذيبه قدر الإمكان، بعد أن يُحشر بداخل التابوت ثم يُغلق الباب عليه، وأحيانًا يكون التابوت مُبطنًا من الداخل بخشب الفلين العازل الذي يمنع سماع من بالخارج لصراخ وتأوهات الضحية، كما يمنعه أيضًا من سماع ما يحدث بالخارج ولا يرى حتى أي بصيص نور، وهو ما يجعله يعيش عذابًا نفسيًّا ربما يكون أشد ألمًا من العذاب الجسدي.

folter4-Sessel

كرسي محاكم التفتيش

لم يكن هذا التابوت الأداة الوحيدة التي استحدثتها محاكم التفتيش فهناك أيضًا كرسي محاكم التفتيش، وهو عبارة عن كرسي تتوزع المسامير على كل أجزائه وقد يصل عددها إلى 1300 مسمار، يجلس عليها الضحية عاريًا ويُوثق بالأربطة والأحزمة الجلدية حتى لا يتحرك، لتكون النتيجة اختراق المسامير كامل جسده، وفي كثير من الأحيان كانت توضع أثقال فوق جسمه حتى تضغط عليه نحو الأسفل.

folter7

سجن أبو غريب.. أمريكا اللاإنسانية يفضحها الإعلام

انتشرت الكثير من الأخبار الموثقة بالصور في مطلع عام 2004، تؤكد حدوث انتهاكات جسدية ونفسية وجنسية بحق سجناء محتجزين في سجن «أبو غريب» في العراق، الذي يُعرف حاليًا باسم «سجن بغداد المركزي»، وارتكب هذه الانتهاكات أشخاص من الشرطة العسكرية الأمريكية التابعة للجيش الأمريكي.

لم يتقدم بالشكوى من السُجناء المُعتدى عليهم سوى أربعة مساجين فقط، رفعوا شكوى في أمريكا بمساعدة منظمة حقوق الإنسان «CACI» التي أجرت تحقيقًا موسعًا في السجن، لكن انتهى الأمر برفض القاضي الأمريكي «جيرالد بروس لي» للقضية بحجة أنها حدثت خارج الحدود الأمريكية.

روايات السجناء الناجين من جحيم «أبو غريب» كانت مريعة، أبرزها شهادة السجين العراقي «حيدر صبار عبد العبادي» الذي أكد أنه تعرض للتعذيب بصحبة ستة معتقلين آخرين لحدوث شجار بسيط بينهم، وأدخلهم الجنود في قاعة معزولة ومزقوا ثيابهم، وكان هو الشخص العاري الذي ظهر في إحدى الصور أمام جندية أمريكية تشير بإصبعها إلى عضوه التناسلي.

أوضحت الشهادات الأخرى للمعتقلين العراقيين مدى الوحشية التي كانت تحدث داخل السجن فقد شاهد أحد السجناء البالغ من العمر 54 عامًا أثناء فترة سجنه التي استمرت سبعة أشهر جنديًا أمريكيًا يضاجع باستمرار سجينة عراقية، وكانت الاعتداءات البدنية شديدة الوطأة على المعتقلين ومنهم «محمد يونس حسن» الذي تعرض للضرب لأنه أخفى بعض السجائر، وذلك بأن أوثق الجنود يديه في زنزانته وأثناء تعرضه للضرب تلقى لكمة في عينيه أثرت على نظره لثلاثة أشهر.

أثارت جرائم التعذيب التي حدثت في «أبو غريب» العديد من ردود الفعل الواسعة، منها تحقيق أجراه الجنرال الأمريكي «أنطونيو تاغوبا» للوقوف على حقيقة ما حدث في السجن، وأكد التقرير الصادر بعد التحقيق أن الجنود أجبروا السجناء على التكدس فوق بعضهم البعض وهم عراة ثم قفزوا فوقهم، وكانت هناك طريقة تعذيب أخرى تتمثل في وضع السجين فوق صندوق وتوصيل أجزاء من جسده بالكهرباء، كما وضع بعض الجنود سلسلة لجر الكلاب حول أعناق السجناء وجرى سحبهم من قبل أحد المجندات، واستُخدمت الكلاب المدربة لإثارة الذعر والهجوم على السجناء.

folter8

تضمنت عمليات التعذيب أيضًا كسر أنابيب الإضاءة وسكب ما بداخلها من الفسفور على أجساد السجناء العارية، وسجل التقرير حدوث اعتداءات ذات طابع جنسي مثل إرغام المعتقلين على خلع ملابسهم وإبقائهم عراة لعدة أيام، وإجبار المعتقلين الذكور العراة على ارتداء الملابس الداخلية النسائية، كما أمر الجنود مجموعة من المعتقلين الذكور بالاستمناء وصوروهم بالفيديو أثناء قيامهم بذلك.

التعذيب بالموسيقى كيف للفن أن يكون مؤذيًا؟

في العادة يستمع الناس إلى الموسيقى للتخلص من أعباء الحياة اليومية وكسر الروتين، لكن في أحيان أخرى تكون الموسيقى سلاحًا مؤذيًا باستخدامها في عمليات تعذيب السجناء، وعلى عكس الأنواع الأخرى من التعذيب فإن التعذيب بالموسيقى أثناء استجواب السجين لا يترك عليه أي أثر.

من أشهر المعتقلات التي خضع السجناء بداخلها للتعذيب بالموسيقى معتقل «غوانتانامو» الأمريكي، إذ رفعت إحدى فرق موسيقى «الميتال» الكندية دعوى قضائية تطالب فيها وزارة الدفاع الأمريكية المسئولة عن إدارة السجن بدفع تعويض مادي قدره 666 ألف دولار، عن استعمال موسيقى الفرقة الصاخبة في تعذيب المعتقلين، وأكد محامي الفرقة أنهم أرسلوا لوزارة الدفاع فاتورة عن خدماتهم الموسيقية لاستعمالهم إياها باعتبارها سلاحًا فعالًا في تعذيب السجناء، بينما قال أحد عازفي الفرقة أنه كان يتوقع استعمال موسيقاهم لمثل هذا الغرض؛ لكونها على درجة عالية من الغرابة والاستفزاز.

أحد المعتقلين الذين احتجزوا في «غوانتانامو» أكد أن التعذيب بالموسيقى أشد وطأة من التعذيب بالضرب، لأنه بمجرد إخباره أنه ذاهب إلى غرفة التحقيق يكون مؤهلًا عقليًا لذلك ومتأكدًا من أن جلسة التحقيق ستأخذ وقتًا معينًا، لكن عندما يتعرض للتعذيب بالموسيقى أثناء تواجده في الزنزانة فإنه يشعر باقترابه من الجنون بسبب الضوضاء المزعجة، فبعد فترة من الوقت لا يسمع السجين كلمات الأغنية، إنما يصبح كل ما يسمعه هو ضجيجًا متواصلًا.

من الواضح أن التعذيب بالموسيقى سِمة شائعة في السجون العسكرية الأمريكية؛ فقد تعرض أحد السجناء الباكستانيين أثناء احتجازه في سجن «باغرام» في أفغانستان للتعذيب بالموسيقى في إحدى الليالي ويصف هذه التجربة القاسية قائلًا: «حدث ذلك ليلًا ولم يكن هناك أي ضوء على الإطلاق، لا ترى أي شيء ولا يوجد هناك شخص للتحدث إليه، أضف على ذلك أن موسيقى أغنية (Saturday Night Fever) للفرقة البريطانية «Bee Gees» ظلت تصدح طوال الليل بطريقة مزعجة للغاية، ولقد التقيت فيما بعد بسجناء نتيجة معايشتهم هذا الإزعاج، كانوا على استعداد لقول أي شيء للمحققين الأمريكان حتى لو لم يفعلوه».

يمكنك معايشة معاناة هذا السجين من خلال تجربة سماع الأغنية عدة مرات، مع الوضع في الاعتبار أنك لا تسمعها تحت ضغط الاتهامات والأسر:

شاهد أيضاً

فيينا – رجل يضرب جارته ويحاول إشعال النار في جسدها

حاول رجل يبلغ من العمر 49 عاما، صباح يوم الخميس، قتل جارته البالغة من العمر …