رقص بالية “لمي” الحافية على جسر ستانلى قصة إسكندرانية انتشرت صورها في كل مكان

Danzen-Auf.Burck-Satahhy-In

 

في الرابعة صباحاً استيقظت “لمى”، ارتدت ملابس راقصات الباليه المتفق عليها مع المصور وحذائها الخاص، وفي تمام الخامسة صباحاً كانت جاهزة على كوبرى ستانلي في مدينة الإسكندرية المصرية. بدأت في التقاط الصور، ولأن الوقت كان مبكراً، فإن عدداً قليلاً جداً من المارة تواجد بالشارع، بعضهم بدأ يتوقف ويسأل، ومع نظرات التشجيع والسعادة المرسومة على وجوه المارة، ارتسمت ابتسامة  فخر على وجه والد “لمى”، جعلتها تكمل جلسة التصوير بسعادة.

هكذا تعودت راقصة البالية المصرية لمى حتاتة، منذ سنوات، التقاط الصور في أي مكان جميل، وبجوار أي مكان مميز، مؤكدة أن الصورة لا تكتمل إلا بحركة باليه. “لمى”، التي تصدرت صورتها صفحة Ballerinas of Cairo -التي تلتقط صوراً لراقصات الباليه في شوارع المحروسة- صوَّرت ما يقرب من 15 جلسة تصوير بين محافظتى القاهرة والإسكندرية.

اعتراض الأب

منذ نحو شهر، تلقت “لمى” أول اتصال من مجموعة “balarina of cairo”، لتنضم لفريق البلارينات الخاص بالمجموعة، وتشترك في جلسة تصوير لها على كوبري ستانلي، بمدينة الإسكندرية. “لمى” بقدر ما أسعدتها الدعوة، فقد واجهت عاصفة من الرفض التام من والديها، لكنها لم تيأس وظلت مدة أسبوع تلحُّ على والدها حتى توصلت لاتفاق معه، يقضي بأن يحضر معها جلسة التصوير؛ حتى يكون مطمئن البال، وفي حالة تعرُّضها لأي مضايقات لا يرضي عنها، فسيوقف التصوير ويعودان للمنزل.

Danzen-Auf.Burck-Satahhy-Alex2

في الغالب، يفضِّل المصور الابتعاد عن الزحام لالتقاط الصور، إلا أنه منذ أيام قرر لأول مرة، تصوير جلسةٍ وسط القاهرة في الساعة الثالثة ظهراً، أي في وقت ذروة الحركة. دقات قلب عاشقة الباليه تتعالى، فلأول مرة تقف في وقت الظهيرة وأمام هذا العدد الهائل من الناس، ارتدت فستان الباليه فوقه معطف، عملت بنتيجة المصور، وحاولت أن تتجاهل نظرات المارة في أثناء أداء الحركات، وكلما توقفت لأداء حركة أخرى كنت تلقي نظرة جانبية على المارة، فتلمح نظرات انبهار وأحياناً كانوا يتشجعون للاقتراب من الطاقم الفني؛ لسؤاله عما تفعل..

انبهار الجمهور ونظرات الفخر في عيون والدها، جعلاها تحس نفسها كفراشة تحلّق فوق الزهور، تتراقص مع جمال الطبيعة، وتطير في الهواء حاضنةً جمال الطبيعة، وتسجل اللحظات الجميلة بصورة تذكارية لها وهي تمارس عشقها الأول فن “الباليه”.

انتهت حصة التصوير، التي تستغرق ما بين ساعتين و4 ساعات بسلام.. واتخذت قرارها بألا تكون الأخيرة، وظل والدها يرافقها في كل جلسات التصوير؛ ليطمئن ويُطمئنها، وشيئاً فشيئاً تحوّل خوفه إلى حب.. أن يشاهد نجاح ابنته في عيون الناس.

الفرق بين المسرح والشارع

“الإحساس”.. أهم الفروق بين العروض بالشارع والمسرح كما تؤكد بحماسة “لمى”؛ في الشارع لا ترقص وإنما تؤدي فقط بعض الحركات التي يتم تصويرها.. قطعت الحديث بابتسامة معلِّقة: “لو رقصت في الشارع ممكن يتقبض عليه”. على المسرح، ترقص “لمى” متجاهلةً الواقع والأشياء.. سواء كانت تشعر بفرح أو مرض، الوقوف على المسرح يحتاج سنوات طويلة حتى تتمكن راقصة الباليه من أداء الحركات أمام الجمهور مثلما كانت تؤديها أمام المرآة في أثناء التدريبات.

الملابس كذلك تختلف؛ فالتصوير فب الشارع يكون بملابس عادية، أما على المسرح ففساتين وغيرها وفقاً لما يتطلبه الدور.

 9 سنوات من الجهد

في سن الرابعة، اختار والدا “لمى” الباليه كرياضة لأصغر أبنائهما، كان وجهها الجميل دافعاً لهما في ذلك، وهو اليوم الذي ما زالت تتذكر تفاصيله، حينما دخلت صالة التمارين ووجدت أطفالاً كثراً، وقفت بينهم لا تستطيع أن تفعل مثلهم، فأجهشت بالبكاء. بالتدريج، تعودت “لمى” أداء التمارين، تتذكر معلّمتَها سمية التي كانت “تشكُّها بالدبوس في رقبتها”؛ لكي تذكِّرها بالوضع الصحيح.. كل ذلك الألم تبدَّل بفرح بعد 9 سنوات حينما كانت في سن الـ13. أدت “لمى” أول دور بطولة لها على مسرح المدرسة، ومع صوت التصفيق في صالة المسرح، محت ذاكرتها آلام التمارين وجففت دموع الطفولة، ورأت مستقبلها أمامها في “الباليه” فقط.

اخترت الباليه

وهي غارقة في كتب المرحلة الثانوية التي تدرس بها، يحدث أن تنتفض لتؤدي رقصة أو حركة.. وجدت لمقررات المواد إيقاعات مختلفة سهّلت عليها حفظها.. وتتمنى أن تُنهي الدراسة سريعاً؛ لكي تلتحق بمعهد الباليه، وبعده بفرقة أوبرا القاهرة. “لمى” تنوي أن تلتحق بإحدى الكليات أيضاً مع معهد الباليه، فوالدها يريد أن تخلق لها فرصاً أخرى إلى جانب الرقص؛ خوفاً على مستقبلها؛ لأن عُمْر الباليه قصير كما يقول، وكسر بسيط قد يُنهي حياتها كراقصة باليه، وقتها “سأجلس بالبيت من دون عمل” تضيف الشابة بقلق.

الدروس المدرسية جعلت وقت التدريب والاشتراك في العروض أقل وتيرة هذا العام، برنامجها اليومي أصبح في غاية الصرامة، تستيقظ في الـ5 صباحاً لتمارس التدريبات مدة ساعة، وبعدها تستعد للذهاب للمدرسة. وبعد المدرسة، تبدأ في الدروس الخصوصية، وفي المساء تتوجه لأكاديمية الفنون للتدريب مدة ساعتين، ثم تعود للمنزل لمذاكرة الدروس والتدريب نحو ساعة قبل النوم.. مفترض لراقصة الباليه التدريب 8 ساعات يومياً، ولكنها نظراً إلى ظروف الدراسة، فلا وقت لديها لأكثر من 4 ساعات.

لكل حذاء قِصة

إلى جانب الدروس، فإن فساتين الباليه من الأمور المرهقة لـ”لمى”؛ نظراً إلى عدم توافرها في مدينة الإسكندرية، وهو ما يجعلها تذهب إلى “خياطة” تصمم لها فساتين أقرب ما تكون لما تريد، ثم تعمد “لمى” ووالدتها إلى إضافة بعض التفاصيل؛ لكي يتحول لفستان باليه يليق بالدور.

وغالباً ما تحاول “لمى” الانتهاء من تفاصيل الفستان قبل العرض بمدة لا تقل عن أسبوعين؛ حتى لا ينشغل بالها إلا بالتدريبات. ويبقى الحذاء هو أهم القِطع لدى راقصة الباليه، “لمى” استهلكت كثيراً منها مع كثرة التدريبات، وهو ما يجعلها دائماً تشتري أكثر من قطعة احتياطياً رغم ارتفاع ثمنها، فالحذاء بـ1700 جنيه (نحو 100 دولار). ورغم العدد الهائل من الأحذية التي أفنتها “لمى” والتي تقترب من 60 حذاء منذ بدايتها في الرقص، فإن والدتها تحتفظ لها بكل تلك الأحذية، بالنسبة لها كل حذاء له قِصة وذكرى جميلة، لا يمكن أن تنساها.

على خطى “ماجدة صالح”

بعد النجاح في الثانوية العامة، تحلم “لمى” بالسفر لإكمال دراستها فى روسيا، بلد الباليه وراقصاته الأسطوريات.. تحضر في ذهنها رقصة جيزيل، التي تحلم بها كل راقصة باليه بالعالم، والتي أدتها راقصة مصرية فريدة في تاريخ الباليه المصري، وهي ماجدة صالح، بصفتها ضيفة شرف مع فرقة باليه مسرح البولشوي الرائعة.

الراقصة الحالمة تَعتبر أن نقص الاهتمام بفن الباليه هو ما يمنع مصر من امتلاك فنانين عالميين في هذا المجال، مؤكدةً أن توافر أماكن مجهزة، ومعلمين بكفاءة الموجودين في روسيا سيُخرج أجيالاً محترفة بهذا الفن.

وضعت خطةً محكمةً لتوفير الأموال اللازمة لسفرها ودراستها هناك، وبعدها ستعود طبعاً لممارسة الفن الذي تحبه، وتتمنى أن يراه جميع الناس بأي طريقة.. سواء من خلال التصوير في الشارع أو حتى العروض من أجل نشره بين الناس.. إلى ذلك الحين، ستستمر في مفاجأة المصريين كل صباح بالشوارع والجسور، بحركاتها وفساتينها.

Danzen-Auf.Burck-Satahhy-Al

 

 

شاهد أيضاً

قالت صحيفة “واشنطن تايمز” الأمريكية إن محمد بن سلمان ولي العهد السعودي الذي يسيطر على …