ماذا جنت أميركا بعد وصول ترمب للرئاسة؟ عامان من الكوارث فعلها ملياردير العقارات

Trump

 

كان البعض ينظر إلى الحماسة الزائدة للمرشح الرئاسي دونالد ترمب، في أثناء خطاباته قبل عامين، على أن الأمر في النهاية بيد الناخبين، وأن ترمب قد لا يكون هو الخيار المفضل لدى الجماهير التي ستحسم الماراثون الرئاسي وستجد خليفة للرئيس السابق باراك أوباما.

لكن، حدث الأمر الذي كان يخشاه الكثيرون، وتفوق المرشح عن الحزب الجمهوري، دونالد ترمب، على منافِسته من الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون، في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، بحصوله على 306 أصوات مقابل 232 لمنافسته في أصوات المجمع الانتخابي، ثم تقلد المنصب رسمياً في يناير/كانون الثاني 2017.

ومنذ وصول ترمب رسمياً، دخلت السياسة الأميركية في منعطف مختلف عن ذلك قبل وصوله؛ من توترات مع الحلفاء، وانقسامات داخلية، وأيضاً حرب تجارية لم تخضها واشنطن من قبل، حتى في ظل عهد أقسى رؤساء وصلوا للبيت الأبيض. في هذا التقرير، سنحاول تسليط الضوء على التوترات التي سبَّبتها سياسة ترمب على الداخل والخارج الأميركي.

أولاً: صدام مع الحلفاء

منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية في منتصف القرن الماضي، شكَّلت واشنطن تحالفاتها الخارجية، وحرصت منذ ذلك الوقت على الإبقاء على هذه التحالفات قويةً لا تتخللها هزات يمكن أن تؤثر على بِنْيتها، لكن الرئيس الأميركي الحالي -فيما يبدو- اعتبر أن ثوابت سياسة أميركا الخارجية لا بد من أن يعاد فيها النظر، فأخذ على عاتقه تغيير هذه الثوابت وتسبب في عدة مشاكل وهي:

التحريض على قطر

لم تكد القمة الأميركية-الإسلامية بالرياض تضع أوزارها، والعالم يراقب ماذا سيجني ترمب من هذا التجمع، الذي بدا كأنه رسالة من ترمب للآخرين، مفادها: إما معنا وإما ضدنا، كما فعل سلفه جورج بوش الابن عقب هجمات سبتمبر، والكل في حالة ترقُّب لما بعد، وإذ بقادة 3 دول خليجية -وهي السعودية والإمارات والبحرين- يقررون وبشكل مفاجئ، قطع العلاقات مع قطر وفرض حصار بري وجوي وبحري على الدوحة.

هذا الزلزال الذي ضرب مجلس التعاون الخليجي وبشكل مفاجئ، في 5 يونيو/حزيران 2017، لم يكن وليد رغبة وإرادة داخلية خليجية للوصول إلى هذه النقطة من التصعيد، لكن اتضح فيما بعد أن القصة وراءها غاريد كوشنر صهر الرئيس الأميركي وأحد أهم مستشاريه، والمقرب من رَجلي الخلاف مع قطر؛ محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، ونظيره الإماراتي محمد بن زايد.

كوشنر، الذي بات الرجل الأهم في إدارة ترمب، كانت لديه خلافات مع الدوحة من قبلُ عندما تعثَّر زوج إيفانكا مادياً ولجأ إلى القطريين، الذين رفضوا أن يدعموه، فوجد ضالته في التصعيد ضد الدوحة والرغبة الحقيقية التي كُشفت فيما بعد، في تغيير النظام الحاكم بالبلد الخليجي الأغنى في العالم.

ترمب أيضاً لم يكن بعيداً عن هذا التصعيد، فالرجل لا يمكن أن ينتظر أن يفسر له المحللون ماذا يريد، فهرع إلى حسابه على «تويتر» وغرَّد بالتحريض على الدوحة عقب هذه القمة.

عقب هذه التغريدات، بات من الواضح أن هناك موافقة ضمنية من الرئيس الأميركي على التصعيد ضد قطر، لكن الأمر لم يكن كذلك لدى مسؤولَين مهمَّين في البيت الأبيض؛ وهما وزير الدفاع الأميركي  جيمس ماتيس، ووزير الخارجية السابق ريكس تليرسون، اللذان كانا ينظران إلى الأمر من الجهة المقابلة.

قطر.. تلكم الدولة الصغيرة في الخليج العربي، تربطها علاقات لا يمكن تجاهلها بسهولة مع الولايات المتحدة، فقاعدة «العديد» الجوية التي تشرف على 80% من حروب واشنطن ضد تنظيمي «القاعدة» و»داعش» في الشرق الأوسط، تنطلق من هذه القاعدة، أيضاً بين البلدين اتفاقيات أمنية وعسكرية هامة، لا يمكن أن تنتهي بتغريدة من أي شخص حتى ولو كان الرئيس الأميركي بنفسه.

بعد التباين في المواقف داخل إدارة ترمب، اتضح أن القصة وراءها أطراف أخرى غير البيت الأبيض، وعقب هذا التباين اضطر الرئيس الأميركي إلى العدول عن الدعم الواضح لإجراءات الإمارات والسعودية، وبات ينظر إلى الأزمة بنظرة أخرى. باتت قطر في حالة قلق من قرارات الرئيس الأميركي حتى لو قال إنه سيدعم كل الأطراف من أجل إيجاد حل للأزمة الخليجية.

ما فعله ترمب في الأزمة الخليجية أخذ وقتاً لا بأس به من قِبل مستشاريه من أجل بقاء واشنطن في منطقة الحياد حيال هذه الأزمة، لكن بكل تأكيد سبَّب هذا الموقف من قِبل الرئيس الأميركي في إيجاد شرخ بالعلاقات بين الحليفين.

الخلاف مع كندا

بشكل مفاجئ أيضاً، دخل ترمب في خلاف اقتصادي واضح مع جاستن ترودو، رئيس الوزراء الكندي، في أثناء قمة السبع الكبار التي استضافتها أوتاوا منتصف هذا العام (2018).

هذا الخلاف استمر بعدها؛ إذ هاجم مستشارون كبار في البيت الأبيض ترودو بعد يوم واحد من وصف ترمب لترودو  بأنه «مخادع للغاية وضعيف»، عقب تراجع ترمب عن البيان الختامي لمجموعة السبع الذي جرت صياغته في القمة التي استضافتها كندا.

ولم يقف التصعيد عند هذا الحد؛ إذ تراشق مسؤولون من البلدين عقب الأزمة، واعتبرا أن ما حدث في القمة سببه الرئيس الأميركي وحده. ويتجه نحو 75% من الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة، ما يعرّض كندا لمخاطر استثنائية إذا اندلعت حرب تجارية مع الولايات المتحدة، التي من الواضح أن تسير في هذا الاتجاه.

ويرى كثيرون أن الخلاف بين كندا وأميركا وصل إلى مرحلة جديدة، قد يمكنك أن تطلق عليها تصعيد بالوكالة، وهو ما حدث بين المملكة العربية السعودية وكندا قبل نحو أسبوعين؛ إذ قررت الرياض قطع علاقاتها وسحب سفيرها من كندا؛ بسبب تغريدة لوزيرة الخارجية الكندية، حضَّت فيها الرياض على احترام حقوق الإنسان.

وبالفعل، التصعيد السعودي المفاجئ بإيذاء كندا بسبب تغريدة دوماً ما يتكرر فحواها من قِبل منظمات حقوقية كثيرة حول العالم وحتى في بعض الأحيان من قِبل الحلفاء مثل واشنطن ولندن- جعل هناك حالة أشبه باليقين بأن ما حدث بين السعودية وكندا ما هو إلا حلقة في الخلاف بين ترمب وترودو.

لم يكن هذا هو نهج أميركا المعتاد حيال جيرانها، وخاصة كندا، لكن بعد وصول ترمب الأمر بات سهلاً.

تركيا وأزمة القس

كانت أميركا ترى أن قوات سوريا الديمقراطية الكردية في مناطق النزاع بسوريا حليفها الأساسي للقضاء على تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) في الشمال السوري، لكن هذا الخيار تعتبره أنقرة تحدياً لها، فالأتراك لا يثقون بالأكراد، ولن يقبلوا بأي شكل أن تكون هناك دولة كردية في الجنوب، كما هو الحال بالنسبة لإيران وسوريا أيضاً.

هذا الملف كان أحد الخلافات العميقة بين أنقرة وواشنطن، ثم جاء عامل آخر وهو القس الأميركي الإنجيلي أندرو برانسون، الذي تتهم تركيا بالتجسس والإرهاب بسبب بعض مواقفه التي يقرها هو، بحسب التحقيقات الأخيرة معه.

قضية القس كانت إحدى الأزمات الأخيرة التي وتَّرت العلاقات الأميركية-التركية، ودفعت أنقرة إلى استمرار التصعيد ضد ترمب وقرارته الأخيرة، التي كان أبرزها فرض ضرائب مضاعفة على صادرات تركيا من الفولاذ والألومنيوم إلى أميركا؛ ما تسبب في تدهور الليرة التركية بشكل كبير، وأثار حالة من العداء بين الأتراك بكل أطيافهم تجاه ترمب وقراراته.

الحليف التركي، الذي ظل رأس حربة حلف شمال الأطلسي ضد روسيا، بات الآن أقرب إلى موسكو منه إلى واشنطن والعواصم الأوروبية؛ بسبب قرارت الرئيس الأميركي التي كانت سبباً في التوتر القائم، ودفعت أنقرة إلى الميل تجاه موسكو سياسياً واقتصادياً، في حين تفكر أيضاً في التقارب العسكري، الذي تُوِّج بإعلان روسيا قرب بيع منظومة الصواريخ الدفاعية S-400.

ثانياً: إشعال فتيل الحرب التجارية

فتيل هذه الحرب أُشعل بالقمة الأخيرة لمجموعة الدول السبع في اجتماعها بمدينة مونتريال الكندية، والتي بسببها توترت العلاقة بين ترودو وترمب ودخل الأوروبيون على خط الأزمة أيضاً.

ألمانيا وفرنسا، عقب انسحاب ترمب المفاجئ من الاجتماع في كندا، عبرتا عن رفضها قرار الرئيس الأميركي، وهاجم دبلوماسيّوهما سياسة ترمب في الجانب الاقتصادي، على اعتبار أن هذا الأمر قد يفتح الباب أمام حرب تجارية كبيرة، سيكون الجميع خاسراً فيها.

الصين هي الأخرى لم تكن راضية عن قرارت الرئيس الأميركي، ففي مارس 2018، وقَّع ترمب مذكرة تنفيذية لفرض رسوم جمركية على الصين بسبب ما وصفها بممارساتها التجارية غير العادلة، وبعد ساعات من توقيع ترمب هذا القرار، حضَّت سفارة الصين في واشنطن الولايات المتحدة على التراجع عن قرارها، ودعتها لاتخاذ قرارات حذرة، وتجنيب العلاقات التجارية بين الصين والولايات المتحدة أي خلافات، وإلا إذا كانت هناك حرب تجارية ستبدأ، فإن الصين ستقاتل حتى النهاية.

ثالثاً: زيادة قائمة الأعداء

على مدار العامين السابقين، تخبَّطت إدارة ترمب يمنة ويسرة، ففيما يخص الشرق الأوسط مزَّق الرئيس الأميركي الاتفاق التاريخي الذي وقَّعه سلفه مع إيران والدول العظمى بشأن برنامج طهران النووي، وفي حين اختلف معه الأوروبيون كثيراً في هذه النقطة، اعتبر ترمب أن موقف أوباما كان متعاطفاً مع الإيرانيين.

أيضاً فيما يتعلق بكوريا الشمالية، رغم القمة التي جمعت بينه وبين الزعيم الكوري كيم جونغ أون، فإن الأوضاع كما هي بين واشنطن وبيونغ يانغ، ولم تأتِ القمة بجديد غير منح كيم جونغ أون شرعية دولية، وأظهرت الزعيم الشاب كأنه حقق انتصاراً كبيراً على الرئيس الأميركي.

كذلك، العقوبات التي لا يملُّ الرئيس الأميركي من فرضها بين الحين والآخر؛ مرة على الروس وتارة على الأتراك وأخرى ضد الكوريين وفنزويلا، والقائمة تطول- لم تقدم لواشنطن إلا المزيد من العداء والكراهية من قِبل هذه الدول، حتى اعتبر البعض أن العقوبات باتت سلاحاً فاسداً في يد ترمب، لا يمكن ألا أن يهزم صاحبه.

رابعاً: هل أصبح منصب الرئيس يُشترى بالمال؟!

ثمة سؤال هام يكرره الساسة والباحثون المهتمون بالشأن الأميركي؛ وهو: هل باتت الإدارة الأميركية تُشترى بالمال ويُنظر إليها على أنها تدار بالصفقات كما يفعل ترمب في حياته الخاصة؟ وهو بالفعل سؤال لا بد من إيجاد إجابة له، فمنذ وصول ترمب زاد الحديث عن دور الأموال الخليجية في رسم السياسات الأميركية؛ فسفير الإمارات في واشنطن، يوسف العتيبة، بات يُنظر إليه على أنه أسهم بالأموال في وصول ترمب إلى البيت الأبيض.

أيضاً، التحقيق الذي يجريه المحقق روبرت مولر مع أعضاء حملة الرئيس الأميركي، بشأن تدخُّل روسيا في الانتخابات الأخيرة، ودور الإمارات بالتحديد في هذه الانتخابات يثيران الشكوك حول كيفية نجاح ترمب في هذه الانتخابات.

هذه النظرة لم يكن أحد ينظرها في السابق إلى أي رئيس أميركي، لكن ترمب يعد أول من أدخل هذا النهج على منصب الرئيس الأميركي.

خامساً: الوضع الداخلي أيضاً ليس على ما يرام

لا يمكن أن يتم النظر إلى حالة الاستقطاب التي وصل إليها المجتمع الأميركي على أنها شيء عادي؛ فلأول مرة زادت حالة الانقسام في «الأمة»، في إشارة إلى المجتمع الأميركي، الذي بات -بحسب كثير من المحليين- منقسماً داخلياً بسبب قرارت الرئيس الأميركي.

ترمب -كما يراه الكثير من معارضيه- لم يعد رئيساً لكل الأميركيين، كما أن العداء الواضح والحرب التي يشنها ترمب على وسائل الإعلام المحلية جعلا الكثير من أعدائه يتضامنون مع الصحف ومحطات التلفزة التي تهاجم الرئيس الأميركي. وأخيراً، الفضائح الجنسية التي تلاحقه، قللت من مكانة الرئيس في أعين الكثيرين، فكيف يصل رجل له تاريخ وماضٍ من هذا النوع إلى قيادة الولايات المتحدة الأميركية، فحتى الفضيحة التي اتُّهم بها الرئيس الأسبق بيل كلينتون، لم تصل أصداؤها إلى ما وصلت إليه فضائح ترمب المتكررة.

يبدو أن الأيام القادمة لن تحمل أخباراً سارة للرئيس الأميركي، بعد واقعتي الثلاثاء 21 أغسطس 2018، فحدثت رسالتان صادمتان؛ الأولى أن المحكمة الفيدرالية قضت بتجريم المدير الأول لحملته الانتخابية بول مانافورت في 8 اتهامات مالية، تتراوح عقوبتها بين 10 و80 سنة في السجن.

والثانية استمعت المحكمة في مدينة نيويورك إلى اعترافات محاميه ومساعده القديم مايكل كوهين، بارتكاب 8 مخالفات مالية كبيرة متصلة بالحملة الانتخابية.

فأهمية محاكمة مانافورت أنّها تساعد مولر في تقفّي آثار حركة أمواله وحساباته السرية في مصارف خارجية، لاستبيان مصادرها، وما إذا كانت لها روافد روسية غير مشروعة، اتصلت بصورة من الصور بالانتخابات الأميركية، في الفترة التي كان فيها مديراً لحملة ترمب.

 

 

 

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …