الكل يريد أن يندمج و لكن كيف؟ وماذا يعني الاندماج بالنسبة للنمسا؟


هبة على الدسوقى – شبكة رمضان الإخبارية

باستمرار توجه الانتقادات لللاجئين ويتهمونهم دائماّ برفض الاندماج وعدم تقبل قيم المجتمع النمساوى، ويطلب منهم دائما السعي للاندماج، ولكن كيف؟ هذا ما ناقشتة هبة الدسوقى مراسلة شبكة رمضان الإخبارية من فيينا بعد زيارة لمركز إيواء للاجين في العاصمة النمساوىة فيينا
“هل تعرف أولاّ ماذا تعني كلمة Integration؟” سألت شابا قابلته في مركز لإيواء اللاجئين، فأجاب “لا.. لا أعرف”. ثم سألته بالعربية: إندماج؟ فرد على الفور “أنا أريد أن أندمج وأتعلم اللغة وأن أصبح جزء من هذا المجتمع”. ولكنه للأسف لا يعرف كيف يفعل ذلك!
أدهم علي عمره 21 سنة، قدم من سوريا قبل 8 أشهر. يعيش أدهم منذ أسبوع واحد فقط في مأوى اللاجئين هذا، حيث قضى الأشهر الثمانية الأولى من لجوئه في صالة للألعاب الرياضة مع 700 لاجئ آخر. يشتكي أدهم من عدم تمكنه من الالتحاق بدورة لتعلم النمساويينية، ويقول “لم أحصل على مقعد دراسي لتعلم اللغة النمساويينية، لذلك أحاول تعلمها عبر اليوتيوب”.

هل لديك أصدقاء نمساويين؟

أدهم: كيف يمكن لي أن أتعرف على أصدقاء نمساويين، وأين؟
جاء إلى النمسا حتى الأن أكثر من مائة ألف لاجئ، منهم شباب كثيرون مثل أدهم يعيشون في ما يشبه العزل في مراكز إيواء اللاجئين، بل ومنقطعين عن العالم الخارجي. يعلم هؤلاء بلا شك أن هناك نقاشا وجدلا في النمسا حول اللاجئين واندماجهم في المجتمع، والكثير منهم يعرفون أن الأمر ليس بسيطا. ينحدر أدهم من قرية صغيرة قرب العاصمة السورية دمشق، حيث ترتدي معظم النساء النقاب هناك.
ويقول إنه يعرف القيم النمساوىة الأساسية مثل المساواة بين الرجل والمرأة، والاعتراف بالدستور وتقبل المثلية الجنسية.
يبدو أن ليس هناك شخص يستطيع أن يساعد أناسا مثل أدهم في التأقلم مع حياتهم الراهنة في النمسا، هذا الانطباع تولد عندي بعد زيارتي لمركز إيواء اللاجئين. ولكن رغم كل مايعانونه، فإنهم – مثل أدهم- لا يفقدون الأمل ولا يستسلمون بسهولة. أدهم مثلا يريد أن يدرس الحقوق في النمسا، وهي الدراسة التي بدأها في سوريا.

“أشعر أنني تائه”

بعكس أدهم هناك نماذج أخرى من اللاجئين المحبطين، مثل اللاجئ الفلسطيني السوري رأفت حجير (24 عاما) والذي سألته في البدء باللغة العربية: كيف تقضي أوقاتك هنا؟
رأفت: “أستيقظ.. أتناول الفطور.. أتسكع في الشوارع ثم أذهب إلى النادي الرياضي”.
ثم سألته بالألمانية: هل تتكلم الألمانية؟ فأجاب: نعم أعرف.
لقد تعلم رأفت الألمانية على حسابه الخاص في البداية، أما الآن فهو لا يملك المال الكافي لذلك. يقول إنه بسبب تصنيفه القانوني “بلا وطن” ليس لديه الحق بالتسجيل في دورة لتعلم اللغة الألمانية. من الواضح أن أحدا لم يقل لرأفت أن المكتب الاتحادي للهجرة واللاجئين قد غير هذا القانون.
يقول رأفت: أنا طبيب أسنان، ولكنني ممنوع من مزاولة مهنتي؟
فكر رأفت في العمل بدون ترخيص أو ما يعرف بالعمل الأسود، لكن تراجع عن الامر. إنه سجين فترة الانتظار.
“أرني خارطة طريق، ماذا عليّ أن أفعل لكي أندمج؟” هكذا سألني رأفت، الذي أضاف أنه ليس لديه أصدقاء نمساويين يساعدونه على الاندماج وتابع “كيف سأتعرف على أصدقاء نمساويين؟ هل أذهب وأكلمهم هكذا ببساطة في الشارع؟” وليس رأفت وحده من يعيش حالة الإحباط هذه، وإنما الكثير من رفاقه في مراكز الإيواء.
كتبت أنا مقالة قبل عدة أشهر عن سياسة الاندماج النمساوىة غير الفعالة وغير المجدية، بمنع اللاجئين من العمل أشهرا طويلة بعد قدومهم إلى النمسا. وقد اقترحت في ذلك الحين خطة متدرجة لمواجهة تحديات الاندماج. ولكنني أشعر اليوم وبعد مرور ما يقارب نصف عام أننا لا نزال قابعين في أسفل “هرم الاندماج” الذي طرحته.
اللاجئون موجودون هنا ولكننا نتركهم يواجهون مصيرهم بمفردهم، كأن يجلسوا في مراكز الإيواء دون أن يقوموا بأي شيء. نحن ننتج الإحباط آلاف المرات. ودائما أسأل نفسي: أليس هؤلاء الشبان الفاقدين للأمل هم الضحية المناسبة للمتطرفين، الذين يمكن أن يعيدوا المعنى لحياتهم؟
الكثير من اللاجئين الذين قابلتهم لا يعرفون حقوقهم وواجباتهم. ليس لديهم خطة، وليس لديهم فكرة عن ما يحدث. أين الدوائر الحكومية؟ لماذا يتركون الشباب وحدهم؟ ألا نريد دمجهم، أم أن النمسا ليس قادرة على ذلك؟ لماذا الإعلام بجميع أنواعة يتكلم عنهم ولكننا في ذات الوقت يرفضهم؟ فحين لا نقبلهم كجزء من المجتمع النمساوى، لن يقبلوا النمسا كجزء من حياتهم.

التشجيع والدعم بدل اللوم والتهديد

الكثير من الساسة النمساويين يحضون اللاجئين على الاندماج ويقولون لهم: تقبلوا قيمنا! وبعضهم يذهب بعيدا ويبدأ بتوعدهم: من يرفض دورات الاندماج، سيعاقب ولن يسمح له بالبقاء في النمسا. بل حتى قانون الاندماج التي تم التوافق عليه بين أطراف الائتلاف الحكومي مؤخرا، يتضمن شيئا من قبيل هذا التهديد للاجئين.
أما المنظمة النمساوية المدافعة عن اللاجئين “ديكونى” ، فتقول إن مشروع قانون الاندماج الذي تم الاتفاق عليه، هو “قانون اللاندماج” وتضيف بأن المشكلة ليست عدم وجود إرادة الإندماج لدى اللاجئين، وإنما المشكلة في قلة إمكانيات وفرص الاندماج التي تقدمها الحكومة النمساوىة.
الشباب الذين التقيتهم يريدون تعلم الألمانية، ولكنهم لا يقدرون على ذلك بسبب عدم توفر مقاعد شاغرة في دورات تعلم اللغة. يوجد في فيينا الألأف من المقاعد لتعلم اللغة الألمانية، في حين تحتاج العاصمة إلى أكثر من ذلك. طبيب الأسنان يريد أن يعمل، وأدهم يريد أن يكمل دراسته، ولكن لاتتاح لهما الفرصة لذلك. وغيرهم كثيرون.
فهل يحترمون قيمنا؟ وهل يحترمون الدستور وحقوق المرأة والمثلية الجنسية؟ نعم، ينبغي أن يكون هذا هو المعيار. ولكن كيف يمكن للاجئين أن يتواصلوا مع النمساويين وأن يتعلموا الألمانية في غياب الإمكانية لذلك؟ نحن نطالبهم بالكثير ولا نوفر لهم الشروط الموضوعية لتحقيق ما نطالبهم به. هل يعلم الساسة هذا الأمر أم أنهم يريديون الاستمرار في الانذار واللوم للتغطية على تقصيرهم وفشلهم؟
لغة التهديد خطيرة، إنها تبدو وكأنها تبرر وتعطي الشرعية لخطاب بيغيدا وأخواتها من المنظمات المعادية للاجئين. في الواقع يريد أغلب اللاجئين تعلم الألمانية والعمل والاندماج، ومن الطبيعي أن تظهر حالات شاذة هنا أو هناك. ولكن التعميم لا يساعد بأي حال من الأحوال.
علينا أن نتكلم مع اللاجئين، لا أن نتكلم عنهم.

شاهد أيضاً

بالفيديو – “طن لحم وطن دجاج ونصف طن أرز” في إفطار حي المطرية الشعبي بالقاهرة

وسط أجواء عمتها البهجة والسعادة، نظم سكان حي المطرية بشرق القاهرة، حفل إفطارهم الجماعي للعام …