لاجئون تائهون بين النمسا وأوطانهم

فيينا – هبة على الدسوقى —

لا يزال كثير من اللاجئين في النمسا غير معتادين على تفاصيل كثيرة في حياتهم، ما يجعلهم يتجهون للتعلق بالماضي والعيش فيه.

لكن هذا الأمر ليس مهماً إذ يتخبط البعض بين الوطن الأصل .. والوطن الجديد النمسا ، فيعيش هؤلاء في حالة أزدواجية بين استقرار النمسا ، وذكريات أوطانهم  ، مما تسبب أحياناً في انفصال عن الواقع وضعف الاندماج …وتتطور لدي البعض الي أزماتٍ نفسية.

المشكلة لدي النساء المهاجرات اكثر ، كون الحياة الاجتماعية اكثر نشاط في الوطن الأصل واقل نشاط بالنمسا .

البداية كانت مع سعاد لا أستطيع الذهاب ولا البقاء.. هكذا عبرت سعاد عن حالة الضياع التى تعيشها.. لكن هذه الجملة تعبّر عن حال الكثير من اللاجئين الذين يعيشون في النمسا على وجه الخصوص..

بينما تقول امرأة سورية أخري “أريد أن أكون هناك”.. هكذا تصف ” أم شهد”حالتها ” أم شهد” السيدة السورية القادمة والتي في بداية الثلاثينيات وأمٌ لطفلين تشعر بغربةٍ حقيقة “في المكانين” بحسب ما تقول، وتتابع…. عندما أنظر إلى صور أصدقائي الذين لا يزالون في دمشق أشعر بغيرةٍ حقيقية، أريد أن أكون معهم.. أن أشاركهم الاحزان والافراح  رغم سوء أوضاعهم، وعلمي بأنهم يحسدونني على العيش في النمسا.

انا حصلت  علي الاستقرار والهدوء ومميزات النمسا ..وهم لديهم الاهل والصحبة  والحياة الاجتماعية وراحة القلب  .

أعلم أني كنت أشعر بالغربة عند زيارتي الاخيرة لسوريا  ، وأعلم كثيراً أنه لا يمكنني التأقلم في حال عدت للعيش هناك ، لقد تعودت عن نظام الخدمات السهل والمميز في النمسا ، والتسوق والدخل المالي المعيشي الميسر ، والمدارس والرعايا الصحية المجانية للاطفال في النمسا.

لذا أعتقد أنني أحنّ إلى حياتي القديمة وماضيي في سوريا ، ولكني  أريدهما حاضرين في حياتي الجديدة في النمسا لتصبح مثالية، لأكون كأي إنسان عادي لديه كل ما بناه في حياته حوله”. اريد سوريا والنمسا معا..!

أعيش في بلدين فى وقت واحد..

تفرضُ الحربُ الدائرة في سوريا منذ سنوات وتدمير مدن سورية ،إيقاعها على تفاصيل حياة السوريين في النمسا، إذ لا يمكن أن يمتنعو عن متابعة مصائر أهلهم وأحبائهم الذين بقيوا في الداخل السوري ، لكن تفاصيل الحياة تشغلهم في النمسا ، حياة النمسا بها رفاهية ولكن بمقابل الجهد والنشاط طوال اليوم ولا وقت للاجتماعيات

ان هذا الاستقرار في النمسا يجعلهم يعيشون صراعاً من نوعٍ آخر، بحسب ما يعيش الشاب “خالد الحلبي”   والذي يدرس اللغة الألمانية حالياً في العاصمة النمساوية فيينا

فرتس يوهانسن الخبير بشؤون اللاجئين  في النمسا والذي يعمل على مساعدتهم في الاندماج  يقول ان مشكلة اللاجيء الجديد “أعتقد أنها  مسألة وقت،… تشتت الانتماء أمر طبيعي في البداية ربما يجد الشخص الطريق الواضح لمستقبله في البلاد الجديدة.

انقطعت عن الأخبار.. وأعيش في اللامكان..

  قررت ” فاطمة ” أن تنقطع عن متابعة الأخبار نهائياً في أفغانستان ، أن تنفصل عن كابول ومشاكلها ، لكنّها “تتلصص بين الحين والآخر” على ما يحدث لأصدقاءها في هناك  بحسب تعبيرها ، ”فاطمة” فتاة في الــ 26 عام ، قررت أن تبدأ حياتها في النمسا كـ نمساوية حتي ان لم تكن كذلك ، هي تعتبر ان الانسان يمكن ان يعيش في اي مكان ويبدأ من جديد ، وينتمي مع الوقت للبلد الجديد ، وقالت انها تحب مجتمعها الأفغانى وبلدها كابول ، ولكن يجب ان تعيش للمستقبل وليس بالماضي .

أما  ”أفاق”  التي زارت العراق بعد قدومها إلى النمسا  لم شمل  ..فتقول “خلال ثلاث سنوات من غربتي هنا بالنمسا شعرت بتقلباتٍ مختلفة، في البداية كنت سعيدة جدا بالنمسا والحياة وسهولة المعيشة والخدمات ، ومع الوقت بدأ الحنين لوطني العراق ومجتمعي وحياتي في بغداد ، وشعرت بالغربة والخوف والاكتئاب في النمسا ،  لكن بعد زيارتي الأولى للعراق بعد ثلاث سنوات بدأت أشعر بعدم تقبلي للكثير من التفاصيل التي كنت أمارسها في هناك من قبل  ، من الصعب ان اعود للعراق.

أصبحت هناك اشياء تجعلني أشعر بأنني لا يمكن أن أعيش هناك مرة أخرى ، كما أن الناس هناك يعطونك شعورا بأنك لم تعد تنتمي إليهم، فلقد تجاوزوا غيابك، أكملوا حياتهم، ودائماً منذ وصولي يسألونني متى ستسافرين”

الخبير في شؤون الاندماج فرتس يوهانسن يقول “إن هذا لاشعور من شأنه أن يعيق عملية الاندماج في كثير من الأحيان، حيث يخلق عوائق نفسية لمتابعة سير عملية الاندماج، خاصةً إذا ما كان الشخص لا يزال يملك عائلة في الوطن، يعاني من صعوبة لم الشمل. لكن الحل ليس بيد اللاجئين أنفسهم فقط،

إذ أن المسؤولية تقع على الطرفين اللاجئين ودول اللجوء التي يجب  أن تزيل العراقيل القانونية على الأقل. كما أنه على اللاجئين عدم الاستسلام في حال ظهور عائق، وأن يعرفوا أن التاقلم والعيش يجب أن يكون في مكان واحد دون تشتيت والتركيز على المستقبل والعمل لأجل ذلك”.

وتقول اخير “أفاق”  قررت بعد عودتي من العراق أن أقتنع أن هنا في النمسا هو مكاني، ويمكن تعويض اجتماعيات العراق ،بمجتمع المهاجرين هنا ، فنحن اصبحنا هنا لدينا مجتمعنا الخاص ، ربما لدينا بغداد مصغرة ، اعيش في تجمع سكني النسبة الكبيرة من سكانه وعرب ، لدينا بقالة عربية ، لدينا معلمين ومعلمات عرب وعراقيين وغيرهم ، المسجد والحدائق ، سائقي الحافلات الكثير حولي عرب .

وبانتظار تخطي عتبة الحنين والماضي، والمضي بشكلٍ أسرع نحو المستقبل، لا يزال الكثيرون معلقين بين وطنين، فيما يبحثُ آخرون عن وطنٍ ربما يكون ثالثا غير ما مضى وما هو حالياً

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …