بالفيديو – السماء لا تمطر ذهبًا.. من أين ستموّل الحكومة المصرية الزيادة الجديدة في الأجور؟

في قرارات يمكن اعتبارها بالمفاجئة، أعلن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، اليوم السبت، عن رفع الحد الأدنى للأجور لجميع العاملين بالدولة من 1200 إلى 2000 جنيه للدرجة السادسة و7000 جنيه للدرجة الممتازة، بدلًا من 4600 جنيه، بالإضافة إلى زيادة معاشات التقاعد بنسبة 15% بحد أدنى 150 جنيهًا ورفع الحد الأدنى لمعاش التقاعد إلى 900 جنيه، بينما قرر منح علاوة إضافية استثنائية لجميع العاملين بالدولة بقيمة 150 جنيهًا وذلك للعمل على معالجة الآثار التضخمية على مستوى الأجور، على حد تعبيره.

السيسي لم يكتف بهذه الزيادات فقط، ولكنه أعلن عن منح العاملين بالدولة العلاوة الدورية بنسبة 7% من الأجر الوظيفي بحد أدنى 75 جنيهًا، و10% لغير المخاطبين بالخدمة المدنية بحد أدنى 75 جنيهًا، وذلك «للتخفيف عن المواطنين»، على حد ذكره، بالإضافة إلى إطلاق أكبر حركة ترقيات للعاملين بالدولة لكل من استوفى المدة اللازمة حتى 30 يونيو 2019، ومنح أصحاب المعاشات 15% زيادة بحد أدنى 150 جنيهًا مع رفع الحد الأدنى للمعاش إلى 900 جنيه.

هذه القرارات من المفترض أن يتم تطبيقها بداية من السنة المالية الجديدة التي ستبدأ في الأول من يوليو (تموز) القادم، ووفق تقديرات من المتوقع أن تصل تكلفة هذه الزيادات نحو 30.5 مليار جنيه، إذ أكد السيسي أن بند المرتبات في الموازنة الجديدة سيصل إلى 300 مليار و500 مليون جنيه.

 لكن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن الكثير الآن: ما هي المصادر التي ستمول الحكومة من خلالها هذه الزيادة الكبير، خاصة مع التأكيد الدائم من قبل المسؤولين المصريين على شح الموارد والحاجة إلى التقشف في الإنفاق؟

الأجور في حاجة إلى «إعادة هيكلة شاملة»

يرى أحمد ذكر الله، استاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، وعميد كلية الاقتصاد والتمويل بأكاديمية العلاقات الدولية في تركيا، أن زيادة الحد الأدنى للأجور مطلب تأخر كثيرًا، إذ يرى أن «الزيادة الجديدة أقل من المأمول وستأكلها الزيادة الجديدة في الأسعار بعد رفع أسعار المحروقات»، موضحًا أن السلطة الحالية فشلت في تشغيل عجلة الإنتاج بل لم تعرها الكثير من الاهتمام وهو ما أدى إلى هزلية الإيرادات العامة مقارنة بالنفقات.

ويؤكد ذكر الله خلال حديثة أن الأجور في مصر تحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة من الأعلى ومن الأسفل وأي إجراءات مثل التي حدثت اليوم هي «إجراءات ترقيعية مؤقتة»، فلا تزال الفجوة بين الأعلى والأدنى كبيرة، في ظل انعدام الشفافية حول الصناديق الخاصة المسيطرة علي المشهد العام للأجور، إذ إن الإصلاح يعني إعادة هيكلة شاملة وليس زيادة للحد الأدنى فقط.

وحول كيفية تغطية هذه الزيادة من خلال الموازنة، قال إنه لا مجال للحديث عن تحمل الموازنة العامة لتلك الزيادات، لا سيما أن الدولة قد استنفدت زيادات الضرائب والجمارك وقيادات كافة رسوم الخدمات الحكومية وليس من المعقول أن تلجأ لزيادتها مرة أخرى، موضحًا أن معظم تمويل بنود الموازنة جاء عن طريق إما الاقتراض الداخلي أو الخارجي.

ويرجح أستاذ الاقتصاد المصري، أن تمول الدولة تلك الزيادات من خلال إما التوسع في طبع النقود وهي الممارسة التي أفصح عنها محافظ البنك المركزي وتعهد بعدم تكرارها، إلا أنه من الواضح أنها وسيلة معتمدة لدى الإدارة النقدية بغية تمويل عجز الموازنة لا سيما في جانب الأجور، أو عن طريق الاقتراض وهو الطريق الذي اعتمدته الحكومات المتعاقبة لتمويل عجز الموازنة خلال الفترة الماضية.

يشار إلى أن الحكومة المصرية كانت قد وافقت منذ أيام قليلة وتحديدًا في 27 مارس (آذار) الجاري علىمشروع موازنة السنة المالية 2019-2020، إذ قال مجلس الوزراء أن الموازنة تستهدف خفض الدين العام إلى 89% من الناتج المحلي الإجمالي، وتحقيق فائض أولي بنحو 2% من الناتج المحلي وخفض العجز الكلي إلى نحو 7.2%، فيما لم يتم الكشف عن تفاصيل الموازنة حتى الآن، وخلال السطور القادمة سنتعرض لثلاثة مصادر من المحتمل أن تكون بمثابة الممول الرئيسي لزيادة الأجور في الموازنة الجديدة.

فتّش عن القروض 

تتوقع وكالة «فيتش» الأمريكية للتصنيف الائتمان وصول متوسط خدمة الديون الخارجية على مصر إلى نحو 10 مليارات دولار أو 12% من الإيرادات الخارجية الجارية في 2019-2020، وهي أزمة كبيرة تضغط بقوة على موارد البلاد، خاصة في ظل الارتفاع المستمر في الديون المصرية المحلية والخارجية، وسط ارتفاع سعر الفائدة الذي وصل إلى أكثر من 20% في بعض الأحيان بعد تحرير سعر الصرف في نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، كما توضح هذه التوقعات مدى اعتماد الحكومة المصرية على القروض باعتبارها مصدرًا أساسيًّا لتغطية نفقاتها.

وتعاني مصر من ارتفاع ملحوظ في معدلات الدين، ففي بداية فبراير (شباط) الماضي أعلن البنك المركزي المصري، عن أن حجم الدين الخارجي ارتفع إلى93.131  مليار دولار بنهاية سبتمبر (أيلول) من 92.644 مليار دولار بنهاية يونيو (حزيران) وذلك بزيادة نحو 15.2% على أساس سنوي، بينما وصل إجمالي الدين العام المحلي للبلاد إلى 3.887 تريليون جنيه بنهاية سبتمبر من 3.696 تريليون جنيه بنهاية يونيو (حزيران)، بزيادة للبلاد 17.3%.

وقد أوضح وزير المالية مؤخرًا عن أن مصر ستسدد خلال العام المالي الجاري، نحو 541 مليار جنيه فوائد، و276 مليار جنيه أقساط ديون، وبمجموع 817 مليار جنيه فوائد وأقساط، وذلك في الوقت الذي تبلغ فيه إجمالي إيرادات الموازنة نحو 989 مليار جنيه، إذ قال  الوزير صراحة أن «الحكومة تلجأ للاقتراض لتغطية نفقاتها بشكل مباشر»، وفي ظل استمرار الاقتراض من البديهي ارتفاع أكبر بخدمة الدين وهو الأمر الذي يفاقم من خطر فقاعة الديون التي تلتهم معظم إيرادات البلاد.

ووفق تصريح الوزير، فمن البديهي القول إن القروض ستكون ممولًا رئيسيًّا لمصروفات الحكومة بما فيها بند الأجور الذي يستحوذ نسبة كبيرة من إنفاق الموازنة، أي أن الزيادة ربما تتسبب في زيادة الديون سواء المحلية أو الأجنبية.

موجات أخرى من خفض الدعم 

في 28 مارس الجاري، نقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن مصدر لها أن الحكومة المصرية قد خفضت دعم المواد البترولية في مشروع موازنة 2019-2020 إلى 52.8 مليار جنيه من نحو 89 مليار جنيه في السنة الحالية، وهو خفض يصل قيمته لنحو 36.2 مليار جنيه، أي أكثر من الزيادة في الحد الأدنى للأجور الذي أقره السيسي، وهو ما يوضح أن الزيادة في الأجور قد تأتي على حساب بنود أخرى في الموازنة وأبرزها الدعم.

على الجانب الآخر تعمل وزارة التموين على تقليص عدد المستفيدين من منظومة دعم التموين والخبز، وذلك من خلال حذف عدد كبير من المستحقين للدعم، فقد حددت الحكومة ستة محددات بموجبها يتم رفع الدعم عن غير المستحقين وهي: استهلاك الكهرباء وتم ‏تحديدها بألف كيلووات كهرباء متوسط شهري، وفواتير المحمول للمستهلكين أكثر من 1000 جنيه في الشهر، والمدارس الأجنبية لمن يدفع أكثر من 30 ألف جنيه سنويًّا، والسيارات بموديلات محددة فوق 2014‏، والوظائف العليا، والحيازات لأكثر من 10 أفدنة.

وكان وزير التموين والتجارة الداخلية، علي المصيلحي، أعلن عن حذف 400 ألف مستفيد من بطاقات التموين تنطبق عليهم مؤشرات غير المستحقين، وقال الوزير: «لن نستطع السير في طريق الدعم للجميع على المدى الطويل، والأكثر احتياجًا سيكونون هم المضارين من ذلك إن استمر»،  في إشارة إلى مزيد من إجراءات لرفع الدعم في الفترة القادمة، وهو ما سيعطي الحكومة إمكانية خفض قيم الدعم لزيادة الأجور بدون إضافة مصروفات جديدة.

ضرائب جديدة.. تمويل الزيادات من جيوب المواطنين

في المقابل تبرز الضرائب باعتبارها مصدرًا رئيسًا للدخل القومي، إذ أن 73% من إجمالي إيرادات الموازنة المصرية الحالية تأتي من خلال الضرائب، ولذلك كلما زادت النفقات تكون الضرائب عرضه للزيادة لتغطية هذه النفقات، وخلال الفترة الماضية كثفت الحكومة المصرية جهودها لزيادة إيراداتها من الضرائب، فقدصدق الرئيس المصري في نهاية فبراير الماضي، على تعديلات قانون الضرائب على الدخل رقم 91 لسنة 2005، ليتماشى التطبيق الفعلي لقانون الضرائب مع الممارسات الدولية.

وجاءت التعديلات لتعزيز تطبيق الممارسات الضريبية الدولية الصحيحة فيما يتعلق بعوائد أذون وسندات الخزانة، بينما قال رئيس مصلحة الضرائب، عبد العظيم حسين، أنه تجرى عملية ميكنة معظم التعاملات في مصلحة الضرائب، مثل ربط المصلحة بماكينات الكاشير في المحلات التجارية، وهو ما يوضح أن الحكومة تسعى لزيادة الضرائب وبالتالي هذا المصدر أيضًا قد يساهم في تغطية الزيادة في بند الأجور في الموازنة.

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …