واشنطن بوست: ماذا تعرف عن الجماعات المسلحة الموالية لإيران في الشرق الأوسط؟

تعرَّضت أربع سُفن شحن إماراتية واثنتان من محطات ضخ النفط السعودية التابعة لشركة «أرامكو» لهجماتٍ تخريبية مؤخرًا بحسب مزاعم الدولتين، وأشارت الكثير من أصابع الاتِّهام إلى الجماعات المسلحة الموالية لإيران في الشرق الأوسط. لكنَّ صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أفادت في تحليلٍ نشرته مُؤخرًا بأنَّ أولئك المُقاتلين لا يمتثلون دائمًا للأوامر الإيرانية، إذ لا يدينون بالولاء الكامل لطهران.

ذكر التقرير أنَّ جون بولتون، مُستشار الأمن القومي، حذَّر إيران وحُلفاءها من غير الدول في ظل تصاعد التوتُّرات بين إدارة ترامب وإيران. واندفعت الولايات المُتحدة وحلفاؤها الإقليميون مُحاولين تحديد ما حدث لسُفِن الشحن الإماراتية ومحطات ضخ النفط السعودية التابعة لشركة أرامكو، إذ أشارت المزاعم إلى أنَّ القوات الإيرانية أو الوكلاء الإيرانيين هُم المسؤولون عن الهجوم. لكن بحسب الصحيفة، فهذه الحوادث تُسلِّط الضوء على مدى غموض شبكة وُكلاء طهران مُتعدِّدة الطبقات، والكيفية التي تزيد بها تعقيد جهود تحميل إيران المسؤولية.

فوفقًا لـ«واشنطن بوست»، هناك العديد من الاختلافات المُهمة بين شركاء إيران من غير الدُول، رغم الاعتقاد السائد بأنَّ تلك الجماعات هي جماعات مُوحَّدة تتمتَّع بولاءٍ راسخ للجمهورية الإسلامية.

برز شُركاء إيران من غير الدول بوصفهم أطراف مُؤثِّرة في التوتُّرات المُتصاعدة بين واشنطن وطهران، وربما أدُّوا أيضًا إلى المزيد من التصعيد. إذ تُقدِّم إيران الدعم لـ«الجماعات المسلحة» و«الميليشيات» الإرهابية الرامية إلى زعزعة استقرار دُول الشرق الأوسط»، بحسب وصف الصحيفة؛ مما يُسهم في انعدام الأمن ويُشكِّل تحدِّيًا للولايات المُتحدة. لكن ما مدى تورُّط إيران مع جماعات الوكلاء تلك؟

أصول الجماعات المسلحة الموالية لإيران

بحسب تقرير «واشنطن بوست»، بدأ آية الله روح الله الخميني، المُرشد الأعلى الإيراني الأسبق، في بناء شبكة من الجماعات الموالية بعد وصوله إلى السلطة في أعقاب الثورة الإسلامية عام 1979. إذ دعا الخميني «الشعوب المُضطهدة» في العالم إلى الاتِّحاد، وطالب الشيعة في المنطقة بالانتفاض ضد حُكَّامهم المدعومين من الغرب، إلى جانب قيادته للنظام التي انطوت على التعاون مع شركاء من غير الدول، وخاصةً الجماعات الشيعية في لبنان والعراق.

عزَّزت إيران علاقاتها مع تلك الجماعات خلال التسعينات، عن طريق توفير التدريب والتسليح والتمويل اللازم. وضمَّت شبكة إيران قواتٍ ودِّية وعدائية بحلول عام 2000. وبدأت في استخدام تلك التنظيمات لأقصى درجة، في أعقاب أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، والغزوات الأمريكية التي تلتها، واستغلت تلك التنظيمات من أجل تقويض النفوذ الأمريكي في المنطقة وزيادة تكلفة أي تحرُّكات مُناهضة للمصالح الإيرانية مُستقبلًا. وبسطت القوات المدعومة من إيران نفوذها داخل البلدان الرئيسة في المنطقة خلال الألفية الثالثة، واستهدفت القوات الأمريكية في بعض الأحيان أيضًا.

وأوردت الصحيفة الأمريكية أنَّ إيران حصلت على فرصةٍ أخرى لزيادة نفوذها وانتشارها داخل المنطقة بدايةً من عام 2011، وذلك بفضل الربيع العربي. إذ تمكَّنت إيران من توطيد علاقاتها القائمة مع شُركائها من غير الدول بفضل الحرب السورية، وتدخُّل التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن. وسمحت الأوضاع في سوريا تحديدًا لإيران بتشكيل جماعات جديدة من الصفر لتعزيز نظام الأسد، في حين عزَّزت شراكتها مع الحوثيين في اليمن.

شبكة الوكلاء الإيرانية اليوم

أفادت «واشنطن بوست» بأنَّ الشبكة الإيرانية من غير الدول تتألَّف من قُرابة 200 ألف مُقاتل، وتُمثِّل حجر الزاوية في استراتيجية الأمن القومي الإيرانية. إذ تَمُدُّ تلك الجماعات طهران بالنفوذ والانتشار في كافة أنحاء الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إلى جانب فرصة فرض المزيد من الضغط على خصومها في مُختلف المسارح الدولية.

ويمثل بعض شُركاء إيران من غير الدول قناةً تربطها بمناطق مثل أفريقيا وأمريكا اللاتينية، رغم أنَّ الانتشار الإيراني خارج الحدود ما يزال محدودًا. وسيُصبح نفوذ طهران أكثر محدوديّةً وأنشطتها أقل تحدِّيًا للخصوم المُحتملين في حالة غياب هذه الشبكة.

وتعتبر الولايات المُتحدة أنَّ إيران تُمثِّل تهديدًا لأمنها القومي، وقُوَّةً تُزعزع استقرار المنطقة بسبب هذه الشبكة واسعة النطاق في المقام الأول. إذ تستطيع إيران بفضل تلك الشبكة أن تُبرز سلطتها وتزيد نفوذها خارج حدودها، إلى جانب مُعاداة الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين.

وذكر التقرير أنَّ تلك الجماعات تتبنَّى مجموعةً من الأنشطة الخبيثة بهدف زرع بذور عدم الاستقرار، وتعقيد الصراعات القائمة، وتقويض مصالح الولايات المتحدة وشركائها، علاوةً على تجنُّب الحرب التي تُحاول طهران تفاديها بأي ثمن؛ لأنَّ القوات الإيرانية تفتقر إلى القدرات الكافية لمُواجهة قوات الولايات المتحدة حسبما ترى الصحيفة.

وتطرَّقت الصحيفة إلى تصريحات آية الله علي خامنئي، المرشد الأعلى الإيراني حاليًا، الذي قال مُؤخرًا إنَّ بلاده لا تسعى إلى الدخول في حربٍ على غرار الولايات المتحدة، لكنَّ هذه المُقاومة تُمثِّل السبيل الوحيد المُتاح أمام إيران من أجل المضي قُدُمًا.

ويُؤدِّي استغلال تلك الجماعات إلى زيادة عدم تكافؤ الحرب بين الطرفين، ويمنح إيران فرصةً لإنكار مسؤوليتها عن أي أعمال عدائية ترتكبها تلك الجماعات؛ مما يُخفي الدور الإيراني في الأنشطة التخريبية المُناهضة للولايات المتحدة وشركائها.

وترى الصحيفة الأمريكية أنَّ الدور الإيراني يصبح خفيًا بهذا الشكل نتيجة العمل من خلال شركاء من الدرجة الثانية أو الثالثة، مما يزيد مُعاناة واشنطن وحلفائها من أجل تحميل طهران المسؤولية عن الهجمات، وإضفاء الشرعية على استهدافها بدافع الانتقام. وبالتالي، ينجح النظام الإيراني في ردع خصومه ومواصلة سياساته الإقليمية بتكلفةٍ مُنخفضة نسبيًا.

الاختلافات بين الوكلاء الإيرانيين: لا يُشكِّلون وحدةً مُتراصة

أوضح التقرير أنَّ شركاء إيران من غير الدول لا يُشكِّلون وحدةً مُتراصة، فضلًا عن أنَّ الجماعات التي تُشكِّل هذه الشبكة ليست جميعها من وكلاء إيران. وتُوجد اختلافاتٌ بسيطة لكنَّها مُهمة في علاقات تلك الجماعات بطهران: إذ إنَّ غالبيتها لم تتأسَّس على يد إيران، في حين تحمل بعضها روابط أيديولوجية ودينية أكبر مع طهران، ويتلقَّى عددٌ أقل أوامره مُباشرةً من النظام الإيراني. ويُعدُّ مدى سيطرة إيران على الكثير من تلك الجماعات محلًا للنقاش.

أوضح قادة تلك الكيانات بما لا يدع مجالًا للشك أنَّهم يقبلون الدعم الإيراني المالي والمادي بكل سعادة، لكنَّهم لا يُرحبون دائمًا بالمشورة الإيرانية. وضربت «واشنطن بوست» مثالًا على ذلك بالحوثيين، الذين يمتلكون سجلًا حافلًا من تجاهل التوصيات الإيرانية حول طريقة التصرُّف الأفضل، رغم حصولهم على التمويل والتسليح من طهران والتدريب من «حزب الله» بحسب التقرير.

فقرَّر الحوثيون اجتياح العاصمة في ليلة السيطرة على صنعاء، رغم التحذيرات الإيرانية من تلك الخطوة خشية تصعيد الأمر. وحتى جماعاتٍ مثل حزب الله، الذي سهَّلت إيران تأسيسه ويرتبط بأوثق العلاقات مع طهران، يسعى ليظل مُستقلًا عن إيران من أجل توسيع نطاق شرعيته أو الحفاظ على مساحتها الحالية. وخلقت إيران فجوةً في قُدرتها على التحكُم بالعديد من تلك الجماعات، عن طريق خلق مساحةٍ كافية بينها وبين شركائها من غير الدول بهدف توفير مساحةٍ مقبولة للإنكار.

وترى «واشنطن بوست» ضرورة إدراك عُمق واتِّساع العلاقات الإيرانية مع تلك الجماعات، وخاصةً في ظل زيادة التوتُّرات داخل الشرق الأوسط، وانتقاد واشنطن لشبكة وكلاء إيران. وتعتقد بأنَّه من الضروري أن نُفرِّق بين علاقة إيران الوثيقة مع حزب الله، الذي يُزوِّدها بقدرٍ ضئيل من السيطرة على التنظيم، وعلاقتها مع الحوثيين الذين يعتمدون على إيران بدرجةٍ بسيطة، ولا يخضعون لسيطرتها.

وتخلص الصحيفة الأمريكية إلى أنَّ المُحقِّقين سيستفيدون كثيرًا من معرفة الروابط الإيرانية بتلك التنظيمات، مما سيُساعدهم على كشف علاقة طهران بالكثير من الأحداث، إلى جانب أنَّ إدراك درجة انخراط إيران سيُساعد على صياغة الردود على الهجمات الأخيرة أو الاستفزازات المُحتملة بما يُحقِّق الحدَّ الأقصى من الفاعلية.

شاهد أيضاً

الاحتلال سيبلغ مصر مسبقاً بشأن اجتياح رفح.. صحيفة: لمّح لموعد التوغل البري، وسيبدأ بعمليات “نوعية” تمهّد لذلك

كشفت صحيفة الأخبار اللبنانية، الأربعاء 27 مارس 2024، أن الاحتلال الإسرائيلي لوّح بالتوغل البري في …