ساندوه وربحوا ملايين.. من هم رجال الأسد الذين يتحايلون على العقوبات الأمريكية؟

تظهر في الكثير من المناسبات التي تتم في مناطق النظام السوري صورة كبيرة تجمع رجل أعمال مع رئيس النظام بشار الأسد، سواء كانت المناسبة حفل زواج بعض عناصر قوات النظام، أو دعاية لحفل توزع فيه الأموال على عناصر الميلشيات العسكرية المحسوبة على النظام.

هذا ما يظهر في العلن من «أعمال الخير»، ويغطي تحركات مجموعة من رجال الأعمال السوريين، الذين استطاعوا تكوين ثروة طائلة بعد الثورة السورية برعاية النظام الذي منحهم كل الأحقية في الاستثمار والاحتكار في مقابل دعم هذا النظام وإفلاته مما فرض عليه من عقوبات أمريكية وأوروبية كي يستطيع الصمود أو «النصر» كما يقول أنصاره.

رامي مخلوف.. العقوبات الدولية لم توقفه عن تمويل الأسد

كان خبر تسجيل رجل الأعمال السوري رامي مخلوف، ابن خال رئيس النظام بشار الأسد، وأحد أبرز الوجوه المالية في سوريا، لشركة جديدة باسمه في فبراير (شباط) 2019 خبرًا صادمًا؛ فالرجل الذي أسس تلك الشركة برأس مال يقدر بـ1.03 مليار ليرة سورية (4.6 مليون دولار) يبدو أنه لم يتأثر ألبتة بعقوبات تجميد حساباته التي فرضتها عليه الولايات المتحدة وسويسرا ودول أوروبية أخرى.

فقد نجح الرجل في الإفلات من حملة العقوبات التي طوقته عبر خلق شخصيات تابعة له ماليًا واستثماريًا، تقوم في الظل بإسناد اقتصاد سوريا، أو بالأحرى اقتصاد النظام السوري، مقابل جمع الملايين لصالح مخلوف.

في الواقع يمكن وصف مخلوف الذي ولد في عام 1969 بالأكثر سيطرة على مقدرات ومشاريع سوريا، وأقوى حيتان المال التابعين للنظام السوري؛إذ يملك إمبراطوريةً ماليةً، على رأسها شركة «سيريتل للاتصالات»، تلك الشركة التي نال الثوار من مبانيها في الأيام الأولى لثورة عام 2011.

مخلوف الذي يتلاعب بسهولة بالنظام القضائي، ويستخدم مسؤولي المخابرات لترويع خصومه، وجد فرصته الأهم في ما بات يعرف بإعمار سوريا: فنزع مصادقة وزارة التجارة الداخلية، وحماية المستهلك، على إنشاء شركة «راماك للمشاريع التنموية والإنسانية»، وهي شركة منحت حق ممارسة كافة النشاطات العقارية والتجارية والصناعية والخدمية والاستثمارية والزراعية، ولها ميزة تصديق وزارات النظام للعمل في كافة المجالات.

ويدعم إمبراطورية مخلوف الآن عمله مع الشركات الإيرانية التي حصلت على حقوق استثمار في مناطق عدة بسوريا، إذ يقدم مخلوف عبر شركاته وأذرعه الاقتصادية والحكومية كافة التسهيلات للشركات الإيرانية مقابل مساهمته معهم في الأرباح والاستثمار، فضلًا عن أحقيته في الاستثمار بالمناطق التي هجرها أصحابها الأساسيون من المعارضة السورية.

ويعد مخلوف من أوائل الشخصيات التي فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على عدد من الشركات التي يملكها في عام 2008؛ بسبب «استغلاله صلاته العائلية ليغني نفسه على حساب الشعب السوري»، وفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات عليه منذ عام 2011؛ إذ جمدت موارده، ثم أيدت أعلى محكمة في الاتحاد الأوروبي في 14 يونيو (حزيران) 2018 الإبقاء على عقوبات مفروضة عليه باعتباره ممولًا رئيسًا للنظام السوري.

سامر الفوز.. الإمبراطور الذي نافس بنفوذه أسرة الأسد!

وُلد رجل الأعمال السوري سامر الفوز لعائلة سنية في اللاذقية عام 1973، كان والده صيدلاني، لكنه أقحم نفسه في المجال السياسي حتى أصبح أحد الأعضاء السُنة السابقين في «حزب البعث» والمقربين من رئيس النظام السوري السابق حافظ الأسد خلال السبعينات.

دفعته أسرته للدراسة خارج سوريا، فكانت وجهته هي «الجامعة الأمريكية» في باريس، ثم واصل تعليمه في «جامعة ماساتشوستس» في بوسطن، ومن ثم سان دييغو في كاليفورنيا. اختار الفوز بعد انتهاء دراسته أن يُشرف على إدارة مجموعة عائلته المتخصصة في استيراد الإسمنت.

بيد أن الرجل استفاد كثيرًا إثر اندلاع الثورة عام 2011، حتى كون إمبراطورية منحته لقب «رامي مخلوف الجديد»؛ إذ ساهمت انتهازية الفوز في أن يصبح رجل الاقتصاد القادر على التحايل على العالم من أجل إنقاذ النظام من الإفلاس مقابل جمع الملايين لصالحه. إذ يُعرف أن الفوز هو من يدير بشكل مباشر استثمارات بشار الأسد المالية، كما بات شريكًا في أبرز النشاطات التجارية في سوريا.

وعمل الفوز على زيادة نفوذه الاقتصادي، فقام بشراء حصص من مصارف إسلامية عاملة في سوريا بإجمالي قيمة تجاوزت 24 مليون دولار أمريكي، ووصل الأمر لحد تمكنه من شراء حصة الأمير السعودية الوليد بن طلال في فندق «فور سيزونز» بدمشق؛ إذ كان بارعًا في توظيف استثماراته العابرة للحدود من خلال المشاريع التي خرقت العقوبات المفروضة على النظام. والتي مكنه منها قربه ورعايته للمصالح الإيرانية في سوريا؛ إذ أصبح في وقت قصير واجهة طهران في دمشق، يشترى لها الأراضي والعقارات، ويعقد الصفقات للمواد الغذائية والسلع الحيوية الأخرى مع إيران، ويدخلها إلى سوريا.

وقد ساهم الصعود السريع للفوز بإثارة غيرة رامي مخلوف الذي رأي فيه منافسًا يمس نفوذه، بعد اختلاف وضعه بشكل ما بسبب العقوبات الغربية الموضوعة عليه منذ بداية الثورة.

وفرضت وزارة الخزانة الأمريكية قبل أيام عقوبات على الفوز وأفراد أسرته، لصلاتهم الوثيقة بالنظام السوري، ولجنيهم الملايين جراء الاستيلاء على عقارات وأرض للاجئين السوريين، كما سبق وأن ضم الاتحاد الأوروبي الفوز لقائمة العقوبات لاستغلال عقارات وأملاك، فضلًا عن تعامله مع «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» باستيراد القمح والنفط الخام منه خلال فترة سيطرته على أراضٍ سورية.

وسيم القطان.. موظف شركة الاتصالات الذي كون ثروة طائلة

على غير المتوقع توجه خريج كلية الفنون الجميلة من «جامعة دمشق»، وسيم القطان، نحو العمل التجاري؛ حتى أصبح في وقت قصير من «حيتان الاقتصاد» كما يصفه السوريون الذين أدهشهم بروز اسمه بعد عام 2011. فقد كان يعمل قطان موظفًا في شركة الاتصالات «سيريتل» المملوكة لرجل الأعمال رامي مخلوف، بالإضافة إلى مزاولته للنشاط التجاري في سوق الحريقة.

تمكن قطان من نسج علاقات مباشرة مع النظام السوري حين نجح في توظيف علاقته مع رامي مخلوف بنجاح، نال ثقة بشار الأسد عبر مبادراته المتعددة التي تخدم النظام ومواليه، وعبر دفع رشا ومنح هدايا للمسؤولين الحكوميين، وحصد ثمن ذلك بتعينه رئيس لغرفة تجارة ريف دمشق، وبحصوله على عقود استثمار لعدد من المنشآت الخدمية والسياحية.

ووصلت ثقة النظام بقطان إلى دفعه نحو الإمارات لقيادة وفد موسع من رجال الأعمال السوريين، وإلى توسيع دوره للعب أدوار متقدمة في إعادة إعمار سوريا.

ارتبط بروز قطان بشكل كبير في قضية استثماره المفاجئة بـ«مول قاسيون» في دمشق، بمبلغ مليار و20 مليون ليرة سورية، إذ أثار المبلغ الضخم تساؤلات حول مرجعية هذا المال لأحد الكبار المقربين من الغرفة الاقتصادية التابعة للنظام، وبالفعل تأكد أن قطان هو صاحب هذا الاستثمار.

ومنذ عام 2017 أصبح اسم قطان يقتحم مجتمع رجال الأعمال الكبار، ويحظى باستثمار المنشآت الحكومية، وآخرها عقد استثمار «مجمع يلبغا» السياحي، وفي عام 2018 حظى بمجموعة عقود مع وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لإعادة استثمار عقارات في دمشق، وهو دور لم تسطع أمامه وسائل الإعلام الموالية للنظام إلا اتهام قطان بالتعدي على ممتلكات الدولة عبر الحصول على دعم من المال العام

بين الفنية والأخرى تثار الكثير من الأسئلة حول مصدر ثروة القطان التي تُمكّنه من دفع تلك المبالغ الكبيرة بما يكفي لنقض عقود نظامية كانت موقعة مع المستثمرين سابقين، دون إجابات قاطعة.

محمد حمشو.. إمبراطور إنعاش اقتصاد النظام

في عام 1966 ولد فتى سوري لعائلة فقيرة يدعى محمد حمشو، كان أبوه موظفًا بسيطًا في وزارة التربية السورية، بالكاد يلبى راتبه الحكومي حاجات أسرته الضرورية.

لكن هذا الفتي الذي وصل لمرحلة التعليم الجامعي اختار أن يدرس الهندسة الكهربائية. تلك المحطة التي عرف فيها عنه أنه مسلم سني متدين، فقد حرص على أداء فرائض الصلاة خلف القاعات الدراسية على جريدة كان يحملها كسجادة.

ومضت سنوات حمشو الأولى بعد تخرجه دون أن يخرج من طوق العمل البسيط في إحدى مؤسسات الدولة، حتى حمل له عام 1996، الحظ الحسن، حين جمع بعلاقة صداقة، ثم عمل مع مضر ابن اللواء المعروف، إبراهيم حويجة، الذي كان يمتلك مكتبًا للتعهدات الخاصة بالنظام السوري، وهي الفرصة التي ضمنت لحمشو أن ترسو المناقصات عليه، فقد استخدم مضر صديقه حمشو وسيط للحصول على المناقصات لصالحه، دون أن يظهر  هو في الصورة.

ومع تكرار تلك الصفقات، كان نصيب حمشو  يقربه يومًا بعد آخر من الثراء، وتحقق الحظ الأكبر حين نجح في التعرف على ماهر الأسد، الذي رأى فيه الشاب الطموح الذي يمكن الاستفادة منه كـ«سني» انتهازي في العديد من المجالات، وقد بهر ماهر أكثر بحمشو حين علم أنه مثله عاشق لرياضة الخيول وسباق السيارات.

وبالفعل حقق تقارب حمشو مع ماهر الأسد حلمه بجني مليارات الليرات السورية، إذ كلفه ماهر بإجراء عقود البترول مع العراق إبان الحصار الاقتصادي زمن صدام حسين، بالإضافة إلى تبييض أموال العراق في بنك المدينة اللبناني.

ومع بداية الثورة السورية، قرر النظام أن يستخدم حمشو في صفقة لدعم الكتائب الإسلامية المسلحة بهدف اختراق المعارضة، قبل أن يكشف أمره ثم ينضوي تحت لواء النظام، تارة بتبوئه المناصب التي تدر عليه أرباحًا، وتارة بقيامه بعمليات غسيل الأموال هاربًا فيها من العقوبات الاقتصادية، ليصبح الآن واحدًا من أهم قنوات المال لإمداد وإنعاش اقتصاد النظام.

وما أن حل الحديث عن إعمار سوريا حتى ظهر اسم حمشو الذي يشغل الآن منصب أمين سر غرفة تجارة دمشق، وأمين سر اتحاد غرف التجارة السورية، وعضو مجلس الشعب عن دمشق، للعب دور مهم في تذليل الصعوبات أمام شركاء النظام الاقتصاديين، خاصة أن علاقته مع الإيرانيين متميزة للغاية، إذ يظهر باعتباره صاحب مبادرات، ويقدّم مشاريع استراتيجية يتجاوز حجمها مناصبه، كأن يطرح موضوع إنشاء بنك سوري إيراني.

يخضع حمشو للعقوبات الأمريكية منذ عام 2011، وقد استطاع رفع العقوبات الأوروبية عنه نهاية عام 2014 بحجة عدم وجود دلائل كافية على تورطه مع النظام، لكن وبعد أقل من أربعة أشهر على رفعها قدمت بريطانيا أدلة جديدة وأعاد الاتحاد الأوروبي فرض العقوبات عليه.

حسام قاطرجي.. عراب صفقات النظام مع «داعش» والأكراد

في نهاية الخمسينات، غادر الحائك السوري بشير قاطرجي بلدته الباب، قاصدًا العيش في مدينة الرقة، وهناك استأجر منزلًا في زقاق ضيق، ودكانًا اتخذه مشغلًا للخياطة، في محاولة منه للقرب من زبائن المدينة الذين كانوا يسافرون من أجل حياكة ملابسهم.

نبغ بين أبناء الرجل في الحياكة ابنه البكر أحمد، وهي الابن الذي أنجب لبشير ثلاثة أحفاد، كان أبرزهم حسام الذي ولد في الرقة عام 1982، ويعمل الآن عضو  مجلس الشعب ورئيس مجلس إدارة «مجموعة القاطرجي».

حسام الذي انتقل لحلب فيما بعد، عمل قبل الثورة سمسار بين التجار والمسؤولين، وشارك أشقائه في العمل في محل تجاري في منطقة السفّاحية بحلب القديمة، لكن الثورة كانت بمثابة «البيضة الذهب»، فقد مكنت مجموعته من الهيمنة على قطاع المحروقات واحتكاره، مستغلة سيطرتها على خطوط توريدها من الشرق السوري التي أضحت تحت سيطرة وحدات الحماية الكردية.

عملت شركاته في تهريب النفط الخام شرقي دير الزور إلى مناطق النظام بتسهيل من الأكراد الذين عقدوا الصفقات مع قاطرجي لنقل النفط الخام والغاز والقمح، وتسويقها إلى مناطق سيطرة النظام في دمشق وحلب وحمص ومدن الساحل السوري.

لكن أخطر ما عرف عن قاطرجي هو كونه عرّاب الصفقات بين تنظيم «داعش» والنظام السوري، إذ كشف النقاب عن أن رجال قاطرجي كانوا يشترون القمح من المزارعين في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم وينقلونه إلى دمشق مقابل السماح  للتنظيم بأخذ حصة من القمح.

وبسبب كل ما سبق وضع اسم قاطرجي على قائمة العقوبات الأوروبية منذ يناير (كانون الثاني) 2019، وتم ادراج اسمه على لوائح العقوبات الأمريكية في سبتمبر (أيلول) عام 2018؛ وذلك بتهمة الوساطة بين تنظيم «داعش» ونظام الأسد، في عمليات نقل وبيع النفط والقمح.

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …