اليوان الرقمي هل يكون سلاح الصين الجديد لهز عرش أمريكا؟

تسعى جمهورية الصين الشعبية لإطلاق عملتها الرقمية الجديدة (اليوان الرقمي) في غضون الأشهر المقبلة، وذلك لمنافسة العملات الإلكترونية الأخرى، وأبرزها «بيتكوين» أول عملة رقمية غير مركزية، وكذلك عملة «ليبرا» التي أصدرتها شركة «فيسبوك».

والحديث عن العملة الصينية (اليوان الرقمي) ليس جديدًا. إذ تتوالى الأخبار عنها منذ أشهر، إلا أن إعلان شركة «فيسبوك» الأمريكية في يونيو (حزيران) الماضي عن اقتراب إطلاق عملتها «ليبرا» دفع الصين للإسراع في إطلاق عملتها الجديدة. علاوة على الحرب التجارية المستمرة بين بكين وواشنطن، والتي سرّعت من مساعي السلطات الصينية ابتكار عملة رقمية خاصة بها.

وقال جاك لي، الشريك المنتدب لدى شركة الاستثمار المباشر «إتش سي إم كابيتال»، في تصريحات لشبكة «سي إن بي سي»، إن: «الحكومة الصينية قد أتمت المنظومة الخاصة بليوان الرقمي، وأنها بصدد طرح الإصدار التجريبي منه قريبًا في غضون شهرين أو ثلاثة، على أن يبدأ الإطلاق بوصفة تجربة، وليس لاستبدال الأموال المادية بالكامل».

ورغم عدم إفصاح بنك الشعب الصيني، الذي يدير السياسات المالية للبلاد، عن الموعد المحدد لإطلاق اليوان الرقمي حتى الآن؛ لكنه اعتبر أن العملة الرقمية الجديدة من شأنها دعم عملة البلاد المحلية (اليوان الصيني) محليًا ودوليًا.

«اليوان الرقمي».. منافس جديد للعملات الإلكترونية

نقل موقع «بلومبيرج» الأمريكي، في أغسطس (آب) الماضي، أن بنك الشعب الصيني (البنك المركزي) قرر إطلاق اليوان الرقمي قريبًا، بعد أبحاث مكثفة قام بها منذ عام 2018 لتطوير النظام الخاص به، ولخفض تكاليف تداول النقود الورقية التقليدية، وتعزيز سيطرة صناع السياسات على المعروض النقدي.

وهذا ما أكده الرئيس السابق للبنك، زهو تشاوشوان لمجلة «فوربس» الأمريكية في الشهر ذاته، قائلًا إن اليوان الرقمي يجب أن يجعل اليوان الصيني أكثر قوة. كما أنه من المتوقع أن تُوزع العملة الجديدة من خلال البنوك الأربعة الكبرى المملوكة للدولة، وهي «بنك الشعب الصيني» و«البنك الزراعي الصيني» و«بنك التعمير» و«البنك الصناعي التجاري».

وستنضم العملة الصينية الرقمية الجديدة، التي يمكن للمستخدمين التعامل بها حتى لو لم يملكوا حسابات بنكية؛ لمنافسة «بيتكوين» وهي عملة غير رسمية ولم تعترف بها حتى الآن كثير من الدول حول العالم، ومنافسة «ليبرا» عملة «فيسبوك»، ليتجه القطاع المالي في العالم إلى آفاق جديدة سيكون لها أثرها على عالم التجارة الدولية.

وذكر البنك المركزي في الصين، أنه يصعب تقليد عملته الرقمية أو اختراقها عبر الإنترنت. مشيرًا إلى أنه وضع قواعد معقدة من أجل حمايتها. وأضاف أنه قدم نموذجًا أوليًا لتصميم العملة الجديدة، ووضع نظام تداول يعتمد على طبقتين؛ الأولى تتمثل في إصدار البنك المركزي للعملة الجديدة للبنوك، وتتضمن الطبقة الثانية تقديم البنوك هذه العملة للجمهور، الأمر الذي يختلف عن تداول العملات الرقمية في العالم الافتراضي.

وبالنظر إلى باقي العملات الورقية، فقد استحوذت «بيتكوين» على اهتمام العالم في عام 2017 عندما ارتفع سعرها من بضع مئات من الدولارات الأمريكية إلى ما يقرب من 20 ألف دولار. أما شركة «فيسبوك» فتحدثت عن عملتها الرقمية سابقًا، وقالت إنها ستكون مستقرة ومدعومة برصيد من الدولار، على عكس «بيتكوين» التي تتعرض لتقلبات شديدة في سعر الصرف دون وجود رقيب، مثل المصارف المركزية أو الحكومات ويتحكم فيها السوق فقط، وهذا لن يكون في عملة «فيسبوك» الجديدة.

هل ستنجح العملة الصينية الجديدة؟

أشار نائب مدير إدارة المدفوعات في بنك الشعب الصيني، مو تشانغ تشون، إلى أن سعي البنك لطرح عملة رقمية يستهدف حماية سيادة الصرف الأجنبي في البلاد، موضحًا أن العملة الجديدة ستكون آمنة مثل الأوراق النقدية الصادرة عن البنك المركزي ويمكن استخدامها حتى بدون اتصال بالإنترنت. وكذلك إمكانية استخدامها أيضًا في تطبيق «وي شات» التابع لشركة «تينسنت» وتطبيق «على باي» المدعوم من شركة علي بابا.

ويرى تشون أن اليوان الرقمي سيُحقق توازنًا بين السماح بتدفق مدفوعات مجهولة ومنع غسل الأموال. كما أنه سيحمل بعض أوجه التشابه مع العملة «ليبرا» في التصميم، لكنها لن تكون نسخة طبق الأصل منها.

مشيرًا إلى أن الميزة التي تتمتع بها العملة الرقمية الجديدة عن تلك التي أصدرتها «وي شات» و«على باي»؛ هي أن المنصات التجارية يمكن لها من الناحية النظرية الإعلان عن إفلاسها، مما قد يُسبب خسائر للمستخدمين. في الوقت الذي يمكن فيه استخدام اليوان الرقمي دون اتصال بالإنترنت، والتي من شأنها أن تسمح للمعاملات بالاستمرار في المواقف التي تتعطل فيها الاتصالات مثل وقوع الزلازل.

وبقدر ما تعكس تحركات الصين بخصوص عملتها الرقمية تفاؤلًا واسعًا بنجاحها؛ يرى مراقبون ومحللون اقتصاديون، منهم روجر هوانغ، المختص بالتحويلات المالية أن الأمر لا يبدو بهذه السهولة. وكتب روجر هوانغ مقالًا مطولًا في مجلة «فوربس»، أوضح فيه الفارق بين عملة الصين الجديدة والعملة «ليبرا» التي سيطلقها «فيسبوك» رسميًا قريبًا، في النصف الأول من 2020.

وبحسب هوانغ، فإن العملة الصينية ستكون ذات مصدرين فقط، ما يعني مركزيتها، خاصة مع سيطرة الحكومة الصينية على البنوك والمعاملات التجارية، بعكس عملة «فيسبوك»، التي توفر درجة معينة من اللامركزية. ومن شأن هذه المركزية تقييد عمل المشترين والمتعاملين مع العملة الجديدة بعكس العملات الأخرى، بحسب هوانغ، بالإضافة إلى ارتباط بنك الشعب الصيني، بقرارات وسياسات الحزب الشيوعي الصيني ومجلس الدولة، ورئيس الدولة. 

قلق أمريكي.. هل يُصبح «اليوان الرقمي» سلاح الصين الجديد؟

أصدرت الولايات المتحدة تحذيرات من العملة الصينية المرتقبة، ونقلت صحيفة «الجارديان» عن كينيث روجوف، كبير الاقتصاديين السابق لدى «صندوق النقد الدولي»، قوله: إن العملة الصينية الرقمية هي التهديد الحقيقي للولايات المتحدة الأمريكية وليست العملة «ليبرا»، لافتًا إلى أنه في حال عدم تمكن الجهات الرقابية الأمريكية من مراقبتها، ستمثل «تهديدًا فعليًا» للمصالح القومية الأمريكية. 

وأشار إلى أن استخدام اليوان الرقمي على نطاق واسع والمدعوم من الدولة قد يكون له تأثير؛ لا سيما في المناطق التي لا تتوافق فيها مصالح الصين مع مصالح الغرب. فمن حيث المبدأ، قد تكون هناك حاجة إلى تتبع عملة رقمية خاضعة للتنظيم الأمريكي من قبل السلطات الأمريكية، إذ يمكن للمنظمين الغربيين في نهاية المطاف حظر استخدام اليوان الرقمي الصيني، ولكن هذا لن يمنعها من استخدامه في أجزاء كبيرة من أفريقيا وأمريكا اللاتينية وآسيا، مما قد يؤدي بدوره إلى توليد بعض الطلب عليها حتى في الولايات المتحدة وأوروبا.

لكن لي تشن، باحث في المعاملات المالية في الجامعة الصينية في هونج كونج، قال: «لا أعتقد أن اليوان الرقمي يمكن أن تحل محل الدولار الأمريكي في النظام المالي العالمي في المستقبل، هذا لن يحدث»، وأضاف أن الدولار الأمريكي لا يزال في المقدمة إلى حد ما، لكنها بالتأكيد دعوة للاستيقاظ لحكومات العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة، لمراقبة التحول الرقمي للأموال عن كثب.

وأضاف: «أعتقد أن أيام الذهاب إلى البنوك وفتح الحسابات سوف تنتهي في غضون خمس أو سبع سنوات، وربما حتى في وقت أقرب، ولذلك يتعين على القوى الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن تأخذ على محمل الجد حركة الأموال إلى نسق رقمي، لأنه بمجرد أن تصبح قوة جذب، سيكون تدريجيًّا، ثم كل ذلك مرة واحدة».

«اليوان الرقمي» يدق ناقوس الخطر.. ترامب يهاجم العملات الرقمية

انتقد الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، توجه بعض الشركات لإطلاق عملات رقمية خاصة بها، وبدا ذلك واضحًا في يوليو الماضي، عند رفضه عملة «فيسبوك» الرقمية المقترحة وعملات مشفرة أخرى. وحث ترامب الشركات على السعي إلى ميثاق مصرفي وإخضاع نفسها للقواعد التنظيمية الأمريكية والعالمية إذا كانت ترغب في أن تصبح بنكًا. وقال ترامب: «لست من أنصار تكوين العملات المشفرة الأخرى، لأنها ليست بأموال، إذ تتقلب قيمتها بشدة وتستند إلى اللاشيء».

وقال رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي السابق، آلان جرينسبان، في مؤتمر اقتصادي لمجلة «تسايجينغ» الصينية، إنه لا توجد حاجة لأن تُصدر البنوك المركزية عملة رقمية، وليس هناك مجال لهم للقيام بذلك.

وأشار إلى أن العملات الوطنية مدعومة بالائتمان السيادي، وهو شيء لا تستطيع أي منظمة أخرى تقديمه، كما أن الائتمان السيادي الأساسي للولايات المتحدة يتجاوز بكثير أي شيء يمكن أن يتخيله «فيسبوك». 

مخاوف دولية أخرى من انتشار اليوان الرقمي

حذر العديد من الخبراء من أن العملات الافتراضية يمكن أن تزيد من مخاطر الاحتيال، وخاصة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وقالت دانييلا ستوفيل، وزيرة الدولة السويسرية للشؤون المالية الدولية، إن الإطلاق المتوقع لليوان الرقمي الصيني قد يدفع السلطات في جميع أنحاء العالم إلى اتخاذ قرار بشأن كيفية استخدام هذه التكنولوجيا وتنظيمها.

وأشارت ستوفيل إلى أن إن الارتفاع المحتمل في العملات الرقمية سيثير تساؤلات حول أدوار العملات الوطنية والبنوك المركزية – وهو أمر ينبغي مناقشته دوليًا، لافتة إلى أن الصين ليست الدولة الوحيدة التي نظرت في إصدار العملات الرقمية. ففي سويسرا، ذكر البنك الوطني السويسري الشهر الماضي إنه يدرس الاستخدام المحتمل للعملات الرقمية لتداولها في البورصة.

شاهد أيضاً

بالفيديو – “طن لحم وطن دجاج ونصف طن أرز” في إفطار حي المطرية الشعبي بالقاهرة

وسط أجواء عمتها البهجة والسعادة، نظم سكان حي المطرية بشرق القاهرة، حفل إفطارهم الجماعي للعام …