حرب السادس من أكتوبر وهجوم بيرل هاربر اليابانى.. فن المباغتة العسكرية في قصتين

مفاجأتان كبيرتان غيرتا التاريخ العسكري، وكان لهما تداعيات دولية كبيرة؛ الأولى كانت الهجوم الياباني على قاعدة بيرل هاربر الأمريكية في هاواي في 7 ديسمبر (كانون الأول) 1941، استيقظ العالم عليها، والثانية كانت العبور المصري المباغت لحاجز قناة السويس في حرب أكتوبر (تشرين الأول)، في 6 أكتوبر 1973.

يتشارك الحدثان عنصر المفاجأة الذي أربك الخصوم، وصنع اختراقات عسكرية كبيرة لم تكن متصورة، إذ لم يكن أحد في العالم يتوقع أيًا من الهجومين، اللذين خلفا صدمة على الساحة الدولية، وأربكا قدرة المراقبين على على التحليل والتنبؤ، ولا يزال آثارهما على عالم السياسة مستمرًا حتى اليوم.

بيرل هاربر.. إنكار واسترخاء يسبق الكارثة

«على الأرجح أنتم أقرب ما يكون للحرب، بدون أن تكونوا فعليًا في حرب. أبقوا أعينكم وآذانكم مفتوحة، وكونوا على تأهب كل لحظة» بهذه الكلمات خطب الجنرال الأمريكي بيوتي مارتن، في جنوده، في قاعدة كانوهي العسكرية في شبه جزيرة موكابو، الواقعة على بعد أقل من 15 ميلًا (24 كيلومترًا) شرق ميناء بيرل هاربر في صباح 6 ديسمبر 1941.

لكن الجنود والقادة الأمريكيين، لم يكونوا على مثل هذه الدرجة من الإدراك والبصيرة، ولم يستعدوا أو يستنفروا لهذا السيناريو، فيما كان شخص آخر مستعدًا وعينيه مفتوحتين، وهو الجاسوس الياباني تاكيو يوشيكاوا، الذي راقب عن كثب أسطول الولايات المتحدة في المرسى بميناء بيرل هاربر جنوب جزيرة أواهو، في وقت متأخر من الظهيرة من نقاط مراقبة في مرتفعات آيا.

وفي اليوم نفسه، أرسل الجاسوس يوشيكاوا، تقريرًا مشفرًا إلى بلاده يفيد بأن شبكات الطوربيد على الأرجح ليست في أماكنها لحماية السفن الحربية الراسية في بيرل هاربر. وأضاف في إشارة إلى أن الوقت الملائم للهجوم حان «أتصور أن هناك فرصة معقولة لهجوم مباغت».

في هذه الأثناء كان الجنود والقادة الأمريكيون يتجادلون حول رسالة القائد مارتن، بل إن عددًا منهم استخف بالقدرات الذهنية لليابانيين، خصوصًا قدرتهم على التعامل مع الطائرات سريعة الحركة.

المقاتلات اليابانية تباغت القائد الأمريكي في منزله وهو يرتدي منامته

في صباح اليوم التالي، أغرقت اليابان في 90 دقيقة، أربع سفن حربية، ودمرت أربعًا من السفن الكبيرة، وثلاث طوافات، وثلاث مُدمرات، وحوالي 200 طائرة أمريكية، فضلًا عن قتل 2400 أمريكي، وجرح أكثر من 1175 آخرين في هجومها المفاجئ على بيرل هاربر.

وكان القادة والجنود في قاعدة كانوهي، أول من رصد مقاتلات اليابان، وأول من واجهوا هجماتها. وفي ذلك التوقيت (الـ7 صباحا بالتوقيت المحلي)، كان القائد مارتن، في منزله، يعد لنفسه كوبًا من القهوة، عندما أبلغه الجنود برصد الطائرات اليابانية في سماء القاعدة.

ورأى مارتن بعينيه المقاتلات التي تحمل شعار الشمس المشرقة، شعار الجيش الياباني، في سماء المنطقة المحيطة بمنزله، واستبدل على عجل بزي النوم الزي العسكري وقاد سيارته للقاعدة.

وعندما وصل مارتن لقاعدة كانوهي، كانت الطائرة الأولى المتوقفة مشتعلة بالفعل. ولسوء الحظ لم تكن هناك أسلحة مضادة للطائرات في كانوهي، فاضطر جنود البحرية (المارينز) لإطلاق النيران من مسدساتهم وبنادقهم على الطائرات التي حلقت على مستوى منخفض قريب من الأرض، لكن لم ينجحوا في إصابتها، وتكبدت الولايات المتحدة أكبر الخسائر العسكرية في تاريخها على الإطلاق، واضطرت لدخول الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945).

الجاسوس «يوشيكاوا» الذي مهّد الطريق لليابانيين

أصبح حلم مباغتة بيرل هاربر حقيقة، بفضل الجاسوس يوشيكاوا، الذي قاد عملية صعبة ومحفوفة بالمخاطر، منتحلًا هوية مزورة لضمان تزويد بلاده بمعلومات حساسة عن القاعدة.

بدأت القصة في 1933 عندما أنهى يوشيكاوا دراسته بالأكاديمية البحرية اليابانية، لينضم لفريق السفينة الحربية «أساما». وبسبب مشاكل صحية، أجبر على مغادرة عمله لينضم في عام 1937 للاستخبارات البحرية. وفي الأشهر التالية قرأ يوشيكاوا عن البحرية الأمريكية وسفنها وكوّن معرفة كبيرة عنها مهدت الطريق أمامه لمهمته التالية.

وفي عام 1940 التحق يوشيكاوا، بالسلك الدبلوماسي الياباني، ليلفت نظر الاستخبارات اليابانية، التي كانت على علم بخبرته وإلمامه بالكثير من المعلومات عن البحرية الأمريكية. وأواخر مارس (آذار) 1940 أرسلت الخارجية اليابانية يوشيكاوا لجزيرة أواهو بهاواي ليشغل منصب نائب القنصل الياباني، ناغاو كيتا، بمدينة هونولولو. وهناك، حصل على اسم مستعار، هو تاداشي موريمورا، وكلّف بمراقبة تحركات البحرية الأمريكية بالمنطقة وجمع معلومات عن قاعدة بيرل هاربر، ونقلها لليابان في المراسلات السرية للسفارة.

ولتنفيذ مهمته استأجر الجاسوس الياباني عددًا من الطائرات للقيام بجولات فوق جزيرة أواهو وقرب قاعدة بيرل هاربر والتقط صورًا لها. واستغل منصبه ليتظاهر بممارسة هواية الغوص واستكشاف الأعماق، واتجه في أوقات كثيرة للسباحة والغوص قرب بيرل هابر بهدف جمع معلومات إضافية عنها.

تردد أيضًا باستمرار على مطعم ياباني بالجزيرة واستغل تليسكوبًا موجودًا بأعلاه لمراقبة قاعدة بيرل هاربر وتحركات السفن الموجودة بها. ونجحت مهمة يوشيكاوا، ونقل المعلومات انطلاقًا من سفارة بلاده بهونولولو اعتمادًا على شفرة سرية. وقبل وقت قصير من الهجوم، نقل يوشيكاوا تقريره الأخير، والذي جاء فيها: «السفن الراسية بالميناء، تسع بوارج، ثلاثة طرادات، ثلاث سفن مخصصة لنقل الطائرات المائية، 17 مدمرة، إضافة إلى أربعة طرادات، وثلاث مدمرات بصدد دخول الميناء. جميع حاملات الطائرات والطرادات الثقيلة خارج الميناء. لا وجود لأي تحرك مشبوه، أو تغيير مرتقب لتركيبة القوات».

وعلى الفور وصلت الرسالة إلى يد الأميرال شويتشي ناجومو، قائد حاملة الطائرات اليابانية أكاجي، التي لعبت دورًا هامًا في هجوم بيرل هاربر.

الخداع الإستراتيجي.. 60 مراوغة قبل حرب أكتوبر

في يوليو (تموز) 1972 نسق الرئيس المصري (آنذاك)، محمد أنور السادات، مع رئيس المخابرات العامة والمخابرات الحربية ومستشار الأمن القومي والقائد العام للقوات المسلحة، خطة خداع إستراتيجي تسمح لمصر بالتفوق على التقدم التكنولوجي والتسليحي الإسرائيلي عن طريق إخفاء أي علامات للاستعداد للحرب، وحتى لا تقوم إسرائيل بضربة إجهاض للقوات المصرية في مرحلة الإعداد على الجبهة.

وفي إطار الخطة، نفذت مصر أكثر من 60 بندًا خداعيًا، في مرحلة «ضباب ما قبل المعركة»، أو خطة الخداع، كان أبرزها تسريب معلومات مغلوطة إلي الجانب الإسرائيلى تفيد بأن القوات المصرية ستقوم بعمل عسكري موسع في شهر مايو (أيار) 1973، وأخري تفيد بأن العملية ستكون في أغسطس (آب) 1973؛ ما دفع إسرائيل لإعلان التعبئة العامة مرتين، وتحمل تكلفة اقتصادية كبيرة للغاية.

كما أن القيادة المصرية أعلنت عن مناورة عسكرية موسعة في الفترة بين واحد و7 أكتوبر 1973، يسمح في نهايتها للضباط بالتقدم لتسجيل أسمائهم ضمن الموفدين في رحلة عمرة. وفي خطوة أخرى، قامت مصر بتحريك القوات والعربات التي تحمل أجزاء كباري العبور، إلى جبهة قناة السويس بطريقة سرية ليلًا لاستغلال الظلام في خداع الجانب الإسرائيلي.

ولتغطية الاستعدادات كلفت الرئاسة المصرية وزير الخارجية المصري محمد حسن الزيات بعقد لقاء مع نظيره الأمريكي هنري كيسنجر لإبلاغه برغبة مصر في التفاوض لاستعادة أرضها بشكل سلمي.

فيما تمثلت الخطوة الأهم، في تحديد يوم 6 أكتوبر لبداية الهجوم، الذي كان يصادف في ذلك الوقت، يوم كيبور، أو عيد الغفران عند اليهود، وكذلك اختيار توقيت 14 : 05 لانطلاق المقاتلات، وهو توقيت غير معتاد في الحروب، حيث عادة ما تبدأ الهجمات مع أول ضوء، أو آخر ضوء.

خطورة الميل الاستخباراتي إلى جمع المعلومات المثيرة للتفاؤل

وفي تأكيد على دور المفاجأة والخداع في الحرب، قال إيلي زعيرا مدير المخابرات الحربية الإسرائيلية أثناء الهجوم المصري: إن السبب الرئيس في الهزيمة هو وصول معلومات تم نقلها مباشرة إلى رئيس الوزراء، وبدون تحليل من المخابرات على أساس أنها موثوق بها، مضيفًا: «أعتقد أن تلك المعلومات المضللة هي من تخطيط المخابرات المصرية وإنها كانت جزءًا من خطة الخداع والتمويه المصرية التي جرى تنفيذها استعدادًا للمعركة».

فيما قال نائب مدير وكالة المخابرات المركزية «سي آي إيه» الجنرال فيرنون والترز، في محاضرة سابقة: «كان لدى وكالة المخابرات المركزية تقرير في أواخر مايو 1973، يفيد بأن مصر وسوريا ستبدآن الحرب ضد إسرائيل في السادس من أكتوبر».

وأضاف «كنا نعلم ذلك، لكن تجربتي مع العمل الاستخباراتي تميل إلى أن المحللين والعاملين في هذا المجال يحاولون دائمًا جمع المعلومات التي تقوض أي خبر غير سار»، موضحًا: «حتى نحن، كنا نحاول أن نصل إلى كل المعلومات الاستخباراتية التي تظهر أنه لن يحدث شيء في السادس من أكتوبر».

ومضى قائلًا: «في النهاية، اقتنعنا بأن الأمر لن يحدث في السادس من أكتوبر. في الواقع، أنا الرجل الذي وقع على تقرير المراقبة الذي قال إنه لن تحدث حرب، لكنها حدثت».

الحرب المفاجئة تصنع المكاسب العسكرية والسياسية

في صيف 1973 اتفق السادات مع الرئيس السوري حافظ الأسد على بدء حرب مشتركة ضد إسرائيل. ومن ثم عقدت اللجنة العليا المشتركة لجيشي البلدين اجتماعها الذي ضم 16 جنرالًا في الأسكندرية في 22 أغسطس من العام ذاته.

في 30 سبتمبر (أيلول) بعد 5 أيام من تحذير العاهل الأردني الملك حسين رئيسة الوزراء الإسرائيلية جولدا مائير من استعداد الجيش السوري لتنفيذ هجوم، أصدر السادات أمرًا إستراتيجيًا لحرب محدودة في 6 أكتوبر.

وفي تمام الـ14 : 05 بعد ظهر يوم 6 أكتوبر 1973 شن الجيشان المصري والسوري هجومين متزامنين على الجبهتين المصرية والسورية في مفاجئة كبيرة أفقدت الجانب الإسرائيلي توازنه، وأثمرت عن العديد من الإنجازات.

وبصفة عامة حقق الجيشان المصري والسوري الأهداف الإستراتيجية المرجوة من وراء المباغتة العسكرية. ففي الأيام الأولى من الهجوم، توغلت القوات المصرية 20 كم شرق قناة السويس، وتمكنت القوات السورية من الدخول في عمق هضبة الجولان.

لكن في نهاية الحرب، شن الجيش الإسرائيلي على الجبهة المصرية هجومًا مضادًا، وتمكن من فتح ثغرة الدفرسوار وعبر للضفة الغربية للقناة وضرب الحصار على الجيش الثالث الميداني، وإن فشل في تحقيق أي مكاسب إستراتيجية سواء بالسيطرة على مدينة السويس، أو تدمير الجيش الثالث.

وعلى الجبهة السورية، تمكنت إسرائيل من رد القوات السورية عن هضبة الجولان. وتدخلت القوى العظمى في ذلك الحين، في الحرب، حيث زود الاتحاد السوفيتي بالأسلحة سوريا ومصر، بينما أقامت الولايات المتحدة جسرًا جويًا لدعم إسرائيل بالعتاد العسكري.

وفي 22 أكتوبر نجحت جهود وزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر، في الوساطة بين القوى المتحاربة، والتوصل لوقف إطلاق نار برعاية أممية.

وانتهت الحرب رسميا بالتوقيع على اتفاقية فك الاشتباك في 31 مايو 1974، وبموجبها وافقت إسرائيل على إعادة مدينة القنيطرة لسوريا وضفة قناة السويس الشرقية لمصر مقابل إبعاد القوات المصرية والسورية من خط الهدنة وتأسيس قوة خاصة للأمم المتحدة لمراقبة تحقيق الاتفاقية.

ومن أهم نتائج الحرب السياسية، استرداد السيادة الكاملة على قناة السويس، واسترداد جميع الأراضي في شبه جزيرة سيناء بموجب اتفاقية السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل في 1979، بالإضافة لاسترداد جزء من مرتفعات الجولان السورية بما فيها مدينة القنيطرة وعودتها للسيادة السورية. وعسكريًا حطمت هذه الحرب أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، كما أدت هذه الحرب إلى عودة الملاحة في قناة السويس في يونيو (حزيران)  1975.

مستقبل المباغتة العسكرية في عصر التكنولوجيا

كان هجوما بيرل هاربر وأكتوبر 1973 مفاجأتين عسكريتين حققتا أهدافهما، لكنهما حدثا في عصر ما قبل التكنولوجيا والإنترنت، وسهولة انتقال المعلومات.

وفي ظل العصر الحالي فإن المباغتة العسكرية باتت صعبة جدًا، لكنها لا تزال ممكنة، وفق الخبير العسكري الألماني لدى صحف ألمانية عدة مثل «فرانكفورتر ألجماينة»، والناشط البارز في منظمة «صرخة.. وقف تجارة الأسلحة» الداعية لوقف تصدير السلاح لمناطق النزاعات، رانير براون.

في تصريحات خاصة، قال براون: «إن هجوما بيرل هاربر ويوم كيبور (حرب أكتوبر) كانا مفاجأتين كبيرتين، وكان للمباغتة دور كبير في تحقيق الهجومين أهدافهما».

وأوضح: «في بيرل هاربر على سبيل المثال، كان الميناء غير مستعد تمامًا في وقت الهجوم، ولم تكن قوات الدفاع الجوي في مواقعها؛ ما أسفر في النهاية لصعوبة صده، ووقوع الكثير من الخسائر».

ومضى قائلًا: «تعتبر المباغتة العسكرية صعبة جدًا في الوقت الراهن، بسبب التكنولوجيا، وإستراتيجيات التجسس المتقدمة، وسهولة الحصول على المعلومات، وصعوبة تحريك جيوش كاملة، أو الاستعداد الحرب دون رصد هذه الاستعدادات من قبل أقمار التجسس الصناعية على سبيل المثال».

وختم براون قائلًا: «المباغتة العسكرية ممكنة حاليًا، وإن كان احتمال حدوثها ضعيفًا. ووقوع مباغتة عسكرية في الوقت الحالي سيوقع خسائر أكبر بكثير من بيرل هاربر على سبيل المثال؛ لأن الصواريخ وغيرها من الأسلحة، باتت أقوى وأكثر تدميرًا».

شاهد أيضاً

فيينا – رجل يضرب جارته ويحاول إشعال النار في جسدها

حاول رجل يبلغ من العمر 49 عاما، صباح يوم الخميس، قتل جارته البالغة من العمر …