تعرف على تاريخ الدجاج في حياة البشر – من المعابد والمعارك إلى المعامل وأطباق الطعام

يعد الدجاج غذاءً لذيذًا في كل مكان في عصرنا الحالي، ويُعد بمذاقه اللذيذ ولحمه الخفيف، بمثابة قماشة مرنة يسهل تشكيلها؛ للخروج بأشهى الأطباق وألذ النكهات في شتى مطابخ العالم.

ويحكي لنا التاريخ المثير للدجاج فصولًا شائقة من الأدوار المتعددة التي لعبتها تلك الطيور عبر تاريخها، الذي بدأ منذ أكثر من 7 آلاف عام في غابة آسيوية، لينتهي بها الحال اليوم في المطابخ في جميع أنحاء العالم. وقد لعب الدجاج أدوارًا عديدة عبر العصور، بدءًا من كونه مصارعًا عنيفًا، وقربانًا محببًا للآلهة، ومرورًا بكونه رفيقًا للإنسان في ترحاله، واستخدامه في الأبحاث.

في السطور التالية نسافر عبر الزمن، ونستعرض المراحل المختلفة التي مر بها الدجاج حتى وصل إلى مائدتك.

الدجاجة المقدسة.. من هنا كانت البداية

تنحدر أصول الدجاج في العصر الحالي إلى دجاج الغابة الحمراء بالأساس، وجزئيًّا من ثلاثة أنواع أخرى متقاربة، جميعها تتجذر من الهند وجنوب شرق آسيا. ويعود تاريخ أول الأنواع التي دجنها الإنسان، إلى 7 آلاف عام على الأقل. ولكنها لم تكن تُربى من أجل الطعام، بل لغرض آخر أكثر عدوانية.

يرى عديد من علماء الآثار أن الدجاج جرى تدجينه في البداية لمصارعة الديوك، وليس للأكل. وحتى ظهور الإنتاج الصناعي على نطاق واسع في القرن 20، كانت المساهمة الاقتصادية والغذائية للدجاج متواضعة.

جعلت العدوانية بين ديوك الدجاج المسلح بمخالبه الحادة من مصارعة الديوك نشاطًا ترفيهيًّا شعبيًّا. وبحلول الألفية الثانية قبل الميلاد، انتشرت تربية الدجاج من وادي الإندس إلى الصين، والشرق الأوسط، لتحتل مكانًا في معارض الحيوانات الملكية. واستخدمت في بعض التقاليد الدينية أيضًا.

وكان الدجاج وما يزال حيوانًا مقدسًا في بعض الثقافات؛ فكانت الدجاجة ترمز إلى الرعاية والخصوبة، في حين كان يرمز الديك المفعم بالحيوية إلى القوة والرجولة. وفي العقيدة الفارسية القديمة، اعتقد الزرادشتيون أنها كانت روحًا حميدة تصرخ عند الفجر؛ لتبشر بنقطة تحول في الصراع الكوني بين الظلام والنور.

قربان للآلهة المصرية القديمة ومن أجل فيضان النيل

تأخذنا المحطة الأولى إلى مصر القديمة، حيث كانت مصر المحطة الرئيسية التالية لبداية تاريخ جديد لهذه الطيور، ونقطة تحول لها من حلبات المصارعة إلى قوائم الطعام. إذ تصف يوميات الملك المصري تحتمس الثالث، أحد الطيور الرائعة التي تلد يوميًّا. وقد لاحظ المصريون القدماء أنه عندما تحضن الدجاجة البيض، تتوقف عن وضع بيض جديد. وتجلس على مجموعة من ست بيضات أو أكثر لمدة 21 يومًا.

وفي منتصف الألفية الأولى قبل الميلاد، تعلم المصريون طريقة لحضن البيض صناعيًّا، عن طريق وضعه في سلال على رماد ساخن. وبذلك؛ لا تضطر الدجاجة للرقود عليه طوال تلك الفترة، ويتوفر لها الوقت لمواصلة وضع البيض يوميًّا.  ونتيجة لذلك؛ تحول البيض من طعام ملكي أو قربان للآلهة إلى وجبة شعبية.

فضلًا عن ذلك، كان بيض الدجاج يُعلق في المعابد المصرية؛ لضمان تدفق فيضان نهر النيل. كذلك، توجد صور فنية لهذه الطيور تُزين المقابر الملكية.

عرَّاف المعارك الرومانية وملهم المقاتلين اليونانيين

وفي الوقت الذي كان يحضن المصريون القدماء فيه بيض الدجاج صناعيًّا، تعرفت أوروبا إلى الدجاج للمرة الأولى عبر التجار الفينيقيين، وهناك أصبح على الفور جزءًا رئيسيًّا من الماشية في أوروبا. مع ذلك ولفترة طويلة، استمر تقديس الدجاج، جنبًا إلى جنب مع دورها في الطعام.

وفي روما القديمة، اصطحب الرومان الدجاج في حملاتهم العسكرية؛ للتنبؤ بنتائج المعارك المقبلة. رافق الدجاج الجيوش الرومانية، وكانت تجري مراقبة سلوكه بعناية قبل المعركة؛ فإذا كانت شهيته جيدة دلَّ ذلك على أن النصر كان مرجحًا. ووفقًا لكتابات شيشرون، عندما رفضت مجموعة من الدجاج تناول الطعام قبل معركة بحرية في عام 249 قبل الميلاد، ألقى بهم القنصل الغاضب في البحر، ويروي التاريخ أنه هُزم في تلك المعركة.

على الجانب الآخر، استخدم اليونانيون القدماء الديوك المقاتلة في مصارعة الديوك رمزًا لإلهام المقاتلين الشباب. وقد أنشأت مدينة بيرجامو اليونانية القديمة مدرجًا لمصارعة الديوك؛ لتعليم الأجيال القادمة البسالة من الديوك. كذلك، تنتشر الرسوم الفنية للديوك المقاتلة في جميع أنحاء العالم القديم، كما هو الحال في فسيفساء تعود إلى القرن الأول الميلادي تُزين منزلًا في مدينة بومبي الرومانية. ويعتقد البعض أن مصارعة الديوك أقدم رياضة مستمرة في العالم إلى الآن، رغم حظر بعض البلدان لها.

الدجاجة رمزًا للديانة المسيحية!

في أواخر القرن السابع، كان الدجاج رمزًا للديانة المسيحية. وقد ورد في إنجيل متى مقطع يُشبِّه فيه يسوع رعايته لسكان أورشليم بدجاجة ترعى حِضنها. كذلك، يلعب الديك دورًا صغيرًا ولكنه حاسم في الأناجيل، في المساعدة على تحقيق النبوءة القائلة بأن التلميذ بطرس سوف ينكر المسيح قبل صياح الديك. وقد ذكرت الأناجيل الأربعة مشهد إنكار بطرس للمسيح، وتنبؤ المسيح بهذه الواقعة، وجعل علامة حدوثها صياح الديك.

وفي القرن التاسع، أصدر البابا نيكولاس الأول مرسومًا يقضي بوضع شخصية الديك على قمة كل كنيسة تذكيرًا بالحادثة. ويعد هذا السبب في كون العديد من الكنائس، ما تزال لديها دوارات مناخية على شكل الديك.

داروين والدجاج.. من هنا دخل الدجاج المعمل

وفي القرون التالية، رافق الدجاج البشر أينما ذهبوا، وانتشر في العالم من خلال التجارة، والغزو، والاستعمار. وبعد حروب الأفيون، جُلبت السلالات الصينية إلى إنجلترا، وتزاوجت مع السلالات المحلية؛ وأدى هذا إلى حدوث ظاهرة «حمى الدجاج»؛ إذ سعى المزارعون في أوروبا إلى تربية أصناف جديدة ذات خصائص مميزة.

وقد جذبت هذه النزعة اهتمام العالم الشهير تشارلز داروين، الذي تساءل عن إمكانية حدوث عملية تربية انتقائية في الطبيعة. وراقب داروين مئات الدجاجات في أثناء إتمام بحثه التاريخي، الذي عرض على إثره نظريته عن التطور.

مع ذلك، كانت أعظم إسهامات الدجاج في مجال العلوم، في أوائل القرن 20 حين أجرى ثلاثة علماء بريطانيين تزاوجًا بين سلالات مختلفة من الدجاج، بناءً على دراسات جريجور مندل، مؤسس علم الوراثة الحديث، في مجال الوراثة والجينات الموروثة. وقد أدى هذا العمل إلى ظهور مربع بوينت الشهير، الذي يستخدم لإظهار النمط الجيني الذي ينتج عند تربية زوج محدد من الأزواج.

وبفضل اختلافاته الوراثية الكبيرة، أصبح الدجاج من الأدوات المثالية في البحث. وألهم أيضًا العديد من الإسهامات في الثقافة، والفن، والمطبخ، والعلوم، والدين، على مدى آلاف السنين.

وأخيرًا .. الدجاج طعامًا للجميع

بمرور الوقت، أسهمت عديد من المبادرات لتربية الدجاج في جعله أكثر لحمًا، ويضع عددًا أكبر من البيض. كذلك، تحول إنتاج الدجاج إلى آلية صناعية تشبه المعامل، حيث يجري تربية هذه الطيور في أماكن لا تزيد مساحتها على قطعة ورق. وبينما يجري التوجه نحو التربية في مساحات أوسع، وفقًا لحقوق الحيوان والمخاوف البيئية الأخرى. إلا أن معظم الدجاج الذي يربى اليوم، والذي يتجاوز عدده 22 مليارًا، جرت تربيته في المصانع.

وبدأت تنتشر مزارع الدواجن الحديثة، ذات الصفوف المكدسة من الأقفاص التي يجري التحكم في الحرارة والضوء والرطوبة داخلها، في بريطانيا العظمى حوالي عام 1920م، وفي الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية. وطور المزارعون العديد من السلالات، والأصناف لتلبية المتطلبات التجارية.

في الأصل، كان إنتاج اللحوم منتجًا ثانويًّا لإنتاج البيض، وكان يجري ذبح وبيع الدجاجات التي لم تعد قادرة على إنتاج ما يكفي من البيض. وبحلول منتصف القرن 20، تجاوز إنتاج اللحوم إنتاج البيض بوصفه صناعة متخصصة. ونما سوق لحوم الدجاج نموًّا كبيرًا منذ ذلك الحين، إذ وصلت الصادرات العالمية إلى ما يقرب 13.8 مليون طن، بحلول أوائل القرن 21.

وما يزال هذا الطائر إلى اليوم يحتل مكانة مهمة، يخطف بها الأضواء طَبَقًا رئيسيًّا على مائدة الطعام، ويعكس تاريخه المذهل جزءًا كبيرًا من تاريخ البشر على مر الزمان.

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …