الإسلام والمسلمين في النمسا.. من الشراكة إلى العداء

يبدو أن النمسا في طريقها لأن تتخلى طواعية عن صورتها الأيقونية البديعة التي رسمتها لنفسها عبر أكثر من قرن من الزمان، والتي جعلتها توصف بأنها أكثر الدول الأوروبية انفتاحًا واستيعابًا وتعايشًا للمسلمين.

واكتسبت النمسا، سمعة طيبة عبر سنوات طويلة، إلى الحد أنها وصفت بأنها “واحة المسلمين في أوروبا”، وكانت أول دولة أوروبية تعترف بالدين الإسلامي كدين رسمي في البلاد، من خلال ما يعرف بقانون الإسلام لسنة 1912.

كان لذلك الأثر الطيب علي الجالية الإسلامية لأكثر من مائة عام، حيث أبدع المسلمون فيها ولم يبخلوا عليها، مثلما لم تبخل عليهم بأي شيء.

الأمر الذي أشاد به مراقبون، عبر وصفه بأنها “كانت علاقة تفاهمية وليست صدامية.. ووصلت في أحيان كثيرة إلي علاقات شراكة مجتمعية ناضجة وواعية بل ومسئولة أيضًا، وكانت مثلاً يحتذي في التعايش السلمي مهما تعددت المعتقدات والديانات وأنتجت بوتقة رائعة من التعددية والإثنية المبهرة”.

وضربت النمسا في التنوع والتعايش داخل المجتمع الواحد، مثلاً يحتذى به بعد أن أحبها وعشقها كل المقيمين على أراضيها بكل تنوعها وثقافتها وخلفياتها وسلوكها، من جنسيات تجاوز عددها 190 جنسية.

لكن هذه الصورة النموذجية، طرأ عليها تغير واضح خلال الفترة الأخيرة، وتحول الاعتراف الرسمي إلى تمييز عنصري بغيض يعيش أجواءه المريبة الآن أبناء الجالية الإسلامية جميعهم، دون غيرهم من أبناء الجاليات الآخرين لصالح مكاسب حزبية ضيقة، ونعرات شخصية عنصرية لتأجيج مشاعر الكراهية والعداء لكل ماهو إسلامي.

ويقول مسلمون مقيمون في النمسا، إن الأوضاع الراهنة التي يعيشونا تضرب بعرض الحائط بكل أساليب قيم التعايش السلمي والسلم والأمان الاجتماعي بين جميع من يعيشون على جميع الأراضي النمساوية بكل معتقداتهم وثقافاتهم وخلفياتهم الدينية، ما كان له أثر سيئ على جميع المسلمين المقيمة فيها، الذين وجدوا أنفسهم بين ليلة وضحاها وبعد أحداث الإثنين الأسود من شهر نوفمبر إثر العملية الإرهابية الخسيسة بفيينا مستهدفين، بتمييز عنصري، واعتداءات متكررة ضدهم.

ورصدت عدة جمعيات مهتمة بالعمل المناهض للعنصرية والاستجابة المدنية:
تزايد الاعتداءات العنصرية ضد المسلمين دون غيرهم، حيث تجاوزت أكثر من 80 اعتداء عنصريًا ضد المسلمين تم تسجيلها فقط خلال نحو 15 يومًا فقط بعد الحادث الإرهابي.

ورصدت الجمعية الَمعروفة باسم “زارا” والتي تنشط في مناهضة للعنصرية ضد المسلمين، عدة تعديات لا تتمثل فقط بالأذى البدني والنفسي، ولكن تعدي إلى التمييز في الحصول على سكن أو في إيجاد فرصة للعمل..

وكشفت جريدة “اليوم” (Heute)، النمساوية، مؤخرًا عن موقف عنصري بغيض حدث لفنان نحت فلسطيني يدعي أسامه زعتر، وهو معروف جيدًا في الدوائر الفنية النمساوية ويقيم بفيينا.

إذ أراد شراء بعض الأثاث من موقع شراء عبر الإنترنت، فتحدثت معه سيدة تملك هذا الأثاث بطريقة عنصرية، وسخرت من اسمه، وأطلقت عليه اسم “أسامة بن لادن” بأسلوب غير مهذب وبنبرة تعتريها عنصرية بغيضة ومهينة.

وتمالك زعتر أعصابه وكلمها بهدوء شارحًا لها، أن هذا ليس مجاله ولا وقته، ولكنها أصرت علي لهجتها الحادة والمثيرة للاشمئزاز، وهو يحاول بنفس الأسلوب الهادئ أن يشرح لها أن ينأى بنفسه عن هذا العداء والعنصرية، لكنها لم تبال وواصلت نفس اللهجة الحادة إلى أن قالت له” “أنا لا أبيع للمسلمين”.

حادثة أخرى بطلتها العراقية، مودة إياد زهير، والتي تقيم بفيينا، ويبلغ عمرها 18 عامًا حدث معها منذ أيام قليلة ماضية موقف عنصري مهين حيث طرحها أرضًا في العاشرة صباحًا، رجل نمساوي تقريبًا في عقده الرابع وهي ذاهبة إلي عملها، عبر محطة مترو الأنفاق في محطة معروف عنها أنها دائمة الازدحام.

وقام أيضًا بسبها، وقال لها: “انتبهي إلى طريقك”، وأحدث لها رضوضًا وكدمات في كتفها، بعد أن تجاوز المسافة الكبيرة بينها، ليأتي ليضربها ويطرحها أرضًا وبدون سابق معرفة.

ولم يفعل معها هذا كما صرحت، “سوي لأنني مسلمة ومحجبة” وأمام جمع كبير من الناس ولم يتحرك أحد منهم لمساعدتها ونجدتها، فلجأت إلى مواقع التواصل الاجتماعي والمواقع العربية علها تجد هناك مساعدة ورد اعتبار لها، وتحذير الفتيات من هذه الاعتداءات، بأن يأخذن حذرهن عند الخروج بمفردهن.

يقارن الكثير من المسلمين ماكان عليه الوضع قبل وبعد العمل الإرهابي، إذ كان يقع قبله حوادث عنصرية متفرقة وعلى فترات متباعدة، كانت توصف بالفردية أما الآن فالوضع أصبح جدًا خطيرًا.

إذ أصبحت الاعتداءات شبه يومية، وكانت تقابل بالاستهجان والاستنكار، ولكن الآن يقابل كل هذا بالارتياح لدى الرأي العام، وهذا مكمن الخطر الحقيقي، كما يخشى المسلمون في النمسا الآن.

*القانون الجديد والهاجس المرير

تزداد المخاوف يومًا بعد يوم من القانون والمزمع تشريعه قريبًا تحت اسم “قانون الإسلام السياسي”، والذي تعتبره الكثير من المنظمات والهيئات الإسلامية بالنمسا، حال إقراره “قانونًا فاشيًا”، لكونه من وجهة نظرها “يضع الإسلام والمسلمين في زاوية المتهم دائمًا، ويكرس التمييز بين المسلمين من جهة وبين باقي الديانات الأخرى من جهة أخرى”.

ويخشى المسلمون من أن يحمل القانون، تقنينًا للتمييز العنصري البغيض ضدهم، وتشريعًا لكل أشكال خطب الكراهية والبعض، بعدما كانت النمسا من أفضل أماكن التعايش السلمي والأمان المجتمعي بالعالم أجمع.

 

شاهد أيضاً

أدانت منظمة العفو الدولية، الخميس 25 أبريل/نيسان 2024، قمع الجامعات الأمريكية للاحتجاجات الطلابية المناهضة للحرب …