النمسا – صوم رمضان في ظل أجراءات كورونا الأحترازية “ليس صعبا”!

أكيد سيكون هذا الشهر وعلى غير العادة في ظل كورونا مختلف، وليس كما عهد المسلمون أجواءه في النمسا بالخصوص وأوروبا بالعموم

وتلزم القيود التي اتخذتها بعض الدول لكبح انتشار الوباء القاتل، المساجد بإبقاء أبوابها مغلقة بينما لا يمكن تقاسم وجبة الإفطار التي تجري عادة في أجواء عائلية واحتفالية في بعض الأحيان، مع العائلة الواسعة أو الجيران، بسبب حظر التجمعات.

على غير المتوقع، يرى عدد من الشباب المسلمين في النمسا أن قيود كورونا الصارمة لا تشكل عبئا كبيرا عليهم بل ربما أن رمضان في ظل الإغلاق بات بمثابة “نعمة في شكل نقمة”، رغم أن الأمر لا يخلو من تحديات.

شكل المسلمون قرابة 6 بالمائة من إجمالي تعداد سكان النمسا، وفقا لتقديرات عام 2016 نشرها مركز الأحصاء النمساوي. وتعد الجالية المسلمة شابة مقارنة بباقي أطياف المجتمع النمساوى، إذ أن متوسط أعمار المسلمين في النمسا هو 31 عاما، أي أنهم أصغر سنا 13 عاما مقارنة بغير المسلمين.

للعام الثاني على التوالي يحل رمضان في ظل الإغلاق وتدابير الوقاية من كورونا، لكن بالنسبة للمسلمين الشباب فإن تجربة رمضان في ظل هذه الأجواء في النمسا قد تغيرت.

راحة من كثرة الاستفسارات

هدير أوركان البالغة من العمر 19 عاما من بين الشباب المسلم في النمسا الذين يرون أن ثمة ميزة في أن يحل رمضان ويحتفى به في ظل أزمة كورونا والإغلاق. وفي حوار مع مراسل الشبكة تقول إن الصيام يكون مريحا وهادئا في المنزل بين أفراد العائلة خاصة في بلد كالنمسا حيث أن المسلمين أقلية دينية وطقوس وممارسات هذا الشهر ليست بالأمر المألوف أو الشائع.

تدرس هدير اللغة الإنجليزية والفلسفة في العاصمة النمساوية فيينا وخلال شهر رمضان في الأعوام السابقة كانت تسأم من الأسئلة المعتادة التي يطرحها زملاؤها عليها عن ممارستها الدينية في رمضان مثل سبب الصيام وغيرها. وفي بعض الأحيان تتضمن الأسئلة أحكاما مسبقة على حد وصفها. وتقول “في الجامعة، كثيرون ليس لديهم معلومات عن الصيام ورمضان. ودائما ما تطرح أسئلة مزعجة من قبيل: “لا يمكن حتى شرب الماء؟ أليس ذلك مضر بالصحة؟ هل يرغمك والدك أو أمك على الصيام؟”

لكن الفتاة تشعر ببعض الارتياح الآن فيما تدرس عن طريق الأنترنت وليس في جامعتها بسبب القيود المفروضة جراء جائحة كورونا، ومرتاحة من تلك الأسئلة. وتضيف “هذا أمر يبعث على الارتياح فصوم رمضان في المنزل أمر مريح وليس مستغربا كالصوم في الجامعة”.

لكن بالنسبة للطلاب المسلمين الذين يتعين عليهم الذهاب إلى جامعتهم أو مدارسهم فإن تجربة رمضان ليست ممتعة، كما يؤكد عمار 16 عاما من مدينة فيينا أيضاّ. فيتعين على الطلاب في أماكن الدراسة ارتداء الكمامات لفترات طويلة ما يُضيف جفافا إلى الفم خلال الصيام، ويقول إن “الأمر ليس بالسهل إذ أن الكمامات تحبس رائحة الفم الكريهة وأنت صائم”.

ملل الدارسة من المنزل

وفر العمل أو الدراسة من المنزل مشقة الذهاب إلى أماكن العمل والدارسة خلال ساعات الصيام. لكن في المقابل، يضطر الموظفون والطلاب للجلوس أمام شاشة الكمبيوتر لساعات طويلة لكي ينجزوا أعمالهم. وخلال الصوم فإن هذا الأمر يكون شديد الصعوبة وهو ما تؤكده هدير. وتوضح هذا بقولها “عندما يتعين عليك التحديق في شاسة الكمبيوتر خلال محادثة عبر تطبيق زووم، بينما تقرأ وتذاكر لثلاث أو أربع ساعات متواصلة فتشعر بالإرهاق الشديد والحاجة إلى شرب بعض الماء أو تناول بعض الطعام كي تحصل على الطاقة اللازمة وتستطيع التركيز”.

كذلك فرضت قيود كورونا على المسلمين في النمسا شعورا بالعزلة. فهذه القيود وإن كانت  تختلف من منطقة إلى أخرى لكن في مناطق عدة فإنه يُسمح لأفراد العائلة الواحدة بالتجمع مع أفراد عائلة أخرى لكن بحد أقصى خسمة أشخاص إجمالا. “أعتقد أن الإغلاق قد جعل الأمر صعبا على العائلات التي كانت دائما تتجمع مع بعضها البعض خاصة الأقارب وربما الجيران”،  تقول نورهان الألبانى في مقابلة التي تبلغ من العمر 25 عاماّ وتعمل في صناعة الحلوى بمدينة فيينا، أن قيود كورونا “قلصت التجمعات واللقاءات الرمضانية.” وتؤكد “أفضل شيء في رمضان هو مشاركة وجبة الإفطار في تجمع كبير.”

وبسبب هذا الأمر وللمرة الأولى، تتجمع العديد من الأسر بعدد قليل وبشكل مقيد لتناول وجبة الإفطار. لكن هذا أعطى أفراد الأسرة، الفرصة لتوثيق الروابط وتجاوز الصعاب معا، وهي الميزة التي تشير إليها هدير أيضاّ . وتقول “أقضى الكثير من الوقت مع عائتلي ونتحدث كثيرا. بات لدينا الفرصة لنتحدث عن حياتنا والانفتاح على بعضنا البعض. يمكث أفراد عائلتي الأربعة حاليا في المنزل وهذا يدفعنا للتقارب وبات التواصل والتقارب بيننا أقوى”.

قيود داخل المسجد

يرتبط شهر رمضان عند المسلمين بالصلاة وبالأخص صلاة التراويح في المساجد لكن حظر التجمعات في النمسا جراء جائحة كورونا يسري على صلوات الجماعة وهو ما أفسد بعض الشيء الأجواء الرمضانية كما يقول خالد (1 عاما. ويضيف “لم يعد الأمر بالسهل القدوم إلى المسجد لأداء الصلاة وهذا أمر مؤلم في رمضان. الصلاة في المساجد واحدة من أفضل الأشياء في رمضان”.

ففي العاصمة فيينا، يُسمح للمسلمين بالصلاة في المساجد لكن يتعين عليهم تقصير صلاة التراويح واستخدام والمحافظة على التباعد مسافة مترين بين المصلين وارتداء الكمامة أثناء الصلاة واستعمال سجادات الصلاة الخاصة بكل مصلى .

وتسعى الحكومة الاتحادية إلى تسريع وتيرة التصديق على تشريع من شأنه فرض تدابير طارئة لمكافحة جائحة كورونا في عموم البلاد. وفي حالة موافقة البرلمان، فإن التشريع الجديد يشمل فرض حظر تجول ليلا من الساعة التاسعة مساء وحتى الخامسة صباحا في المدن والمناطق التي تشهدا زيادة كبيرة في معدلات العدوى بفيروس كورونا. ومع ذلك، قالت سلطات معظم الولايات في النمسا إنها ترغب في إعطاء استثناءات لممارسة الشعائر الدينية.

ورغم ذلك، لم يحدث وباء كورونا تغييرا كبيرا على الأجواء الروحانية في رمضان وإن كانت الجائحة قد فرضت بعض التحديدات. وهو ما ظهر في المقابلات الصحافية التي أُجريت مع المسلمين لإعداد هذا التقرير سواء أكان الإغلاق العام قد زاد صعوبة الاحتفاء أم لا فإن الأمر يتباين من شخص لآخر. يقول خالد “لدي قناعة بأن المسلمين حول العالم سوف يستغلون شهر رمضان أفضل استغلال وندعو الله أن يمنح الجميع القوة والمثابرة.”

 

 

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …