درس أوروبا الصعب: اللقاحات فعّالة لكن غير كافية للقضاء على كوفيد الآن

أمل العديد من قادة القارة الأوروبية أن تكون اللقاحات، التي شهدت إقبالاً كبيرًا منذ مطلع العام 2021، المسار المباشر للقضاء على الجائحة. واتّسمت المؤتمرات الصحفية بطابع احتفالي عند إعلان الرؤساء، ورؤساء الوزراء، والمستشارين عن خرائط طريق وضعت لمرحلة ما بعد رفع القيود المفروضة جرّاء كوفيد-19، وإشادتهم بمعدلات الإقبال على التلقيح في بلادهم، وحديثهم الذي يغازل العودة إلى الحياة الطبيعية.

ولكن مع اكتشاف الدول أنّ معدلات التلقيح المرتفعة نسبيًا غير كافية لوقف انتشار كوفيد-19، وهذا ما أظهره عدد الإصابات القياسي المسجّل في كلّ من ألمانيا والنمسا، في الأسابيع الأخيرة، وذلك جراء التساهل في التدابير الوقائية. وها هي النمسا تدخل الاثنين في إغلاق محلي شامل، بعد أيام فقط على إعلانها فرض إغلاق على الأشخاص غير المطعّمين.

في هذا الصدد قال تشارلز بانغهام، أستاذ علم المناعة والمدير المشارك لمعهد الالتهابات التابع لـ”إمبريال كوليدج لندن”، لـCNN إن اللقاح “يستمر في توفير حماية كبيرة من الإصابة بالمرض الشديد، أو الوفاة”.

وأضاف: “لكننا نعلم أنّ متحوّر دلتا ينقل العدوى بسرعة كبيرة”، مضيفًا “أنّ هذا الأمر ترافق مع تغييرات في المجتمع والسلوك.. حتى أنّه تمّ صرف النظر عن التقيّد بالتدابير الوقائية التي تراجعت أصلًا في العديد من الدول”.

ببساطة، عند التحدث عن الحد من انتقال العدوى، فإنّ معدلات التلقيح المرتفعة لا تكفي.

وأكّد رالف رينتجيس، أستاذ علم الأوبئة ومراقبة الصحة العامة في جامعة هامبورغ للعلوم التطبيقية في ألمانيا، أنّ “التلقيح يساعد”، مشيراً إلى أنّ “الحجر هو الأساس في آلية القضاء على الفيروس، لكنّه لن يكون قويًا بما يكفي منفردًا”

الاعتبارات الضرورية كي تصنّف “محصنًا بدرجة عالية”.. ما هي؟

تُدرج إيرلندا على لائحة الدول ذات معدلات التلقيح الأعلى في أوروبا، حيث 89.1٪ من الأشخاص فوق سن 12 عامًا، و75% من مجمل السكان محصّنون. رغم ذلك فرضت أخيرًا حظر تجوّل في منتصف الليل على الحانات والمطاعم والنوادي الليلية، ضمن الإجراءات التي تتخذها للسيطرة على تزايد عدد الإصابات وحالات الاستشفاء.

وأوضح سام ماكونكي، رئيس قسم الصحة الدولية وطب المناطق الحارة في جامعة الطب والعلوم الصحية RCSI، في دبلن، أنّنا “نشهد على انتشار للوباء بين الأشخاص غير المحصّنين، الذين تبلغ نسبتهم حوالي 10٪ من السكان الذين تخطوا 12 عامًا، كما هو متوقع”.

وعليه، نال الإحباط من معظم القادة في جميع أنحاء أوروبا، جرّاء الخطر المتزايد من البؤر التي يشكّلها الأشخاص غير الملقحون. وقال نائب رئيس الوزراء الإيرلندي ليو فارادكار لـCNN الأربعاء إن الأشخاص غير المحميّين “يسبّبون الكثير من المشاكل”، لافتًا إلى أنّ إيرلندا “لن تفرض القيود المفروضة الآن” إذا تلقّى الجميع اللقاح.

وفي خطوة حاسمة، أعلنت النمسا الجمعة عن مخططها بجعل اللقاح إلزامي للجميع اعتبارًا من فبراير/شباط.

وبحسب فارادكار، نحو 50٪ من الأشخاص في وحدات العناية المركزة في إيرلندا راهنًا، غير محصّنين. لكنّ أي ارتفاع إضافي في عدد حالات الاستشفاء سيشكّل ضغطًا على الخدمات الصحية في البلاد، حيث يشغل مرضى “كوفيد-19″،  118 سريرا في العناية المركزة من أصل 294، وما برح 17 سريرًا خاليًا متاحًا لمرضى “كوفيد”، استنادًا إلى التحديث اليومي للحكومة الإيرلندية الخميس.

ولفت ماكونكي إلى المعنويات المنخفضة بين العاملين في المستشفى، الذين يواجهون موجة جديدة من الإصابات، وقال إنّ “عددًا كبيرًا من موظفي الرعاية الصحية استقال بعد الموجتين الأولى والثانية، وتطغى علامات الإرهاق على العاملين راهنًا، وهذا أمر لم نشهده قبلًا”. وأضاف “نود فقط أن تنتهي هذه الجائحة”.

تراجع ​​المناعة في المقدمة

كانت دول القارة العجوز سبّاقة لجهة استقدام اللقاحات والشروع بإعطائها للمواطنين في الأشهر الأولى من عام 2021، لكن هذه الدول تواجه تراجعًا تدريجيًّا في المناعة.

وهذا ما بيّنته دراستان نُشرتا الشهر الماضي، بعدما كشفتا أنّ الحماية المناعية التي توفرها جرعتا لقاح “كوفيد-19” من شركة “فايزر” تبدأ بالتراجع بعد شهرين أو أكثر، رغم أن الحماية من الأمراض الشديدة، والاستشفاء، والوفاة لا تزال قوية. وأظهرت الدراسات التي شملت لقاحي “مودرنا” و”أسترازينيكا”، المستخدمة أيضًا في أوروبا، نتائج مماثلة

ورأى توبياس كورث، أستاذ الصحة العامة وعلم الأوبئة، ومدير معهد الصحة العامة في مستشفى “شاريتيه” الجامعي في برلين، “أنّ المناعة هذه هي أحد أسباب تزايد حالات الاستشفاء البطيء بين الأشخاص المحصّنين، حاليًا، لا سيما لدى شريحة المتقدمين في السن، الذين كانوا الفئة الأولى المستهدفة للتلقيح”.

وأشار بانغهام إلى أنّ “النبأ السار هو أنّ الأجسام المضادة والخلايا الناتجة عن اللقاح تبدو بحالة جيدة جدًا رغم تسجيل تراجع طفيف في تركيزها”. لافتًا إلى أنّ هذا الأمر يحمي المحصّنين، لكن المشكلة تكمن في عدم القدرة على التحكم بنقل العدوى لآخرين، ما قد يساهم في زيادة معدل الإصابات.

نهج بطيء

يصرّ الخبراء على أنّ اللقاحات وحدها لا تستطيع الحد من انتشار الوباء في بلد ما.

وقال ديفيد هيمان، المدير التنفيذي السابق لمجموعة الأمراض المعدية في منظمة الصحة العالمية ـ والأستاذ في كلية لندن للصحة وطب المناطق الحارة: “اللقاح يتحكم في عدد الوفيات، لكن ما نشهده اليوم أن هذا الفيروس صار وباء متأصلًا، وحقق انتشارًا أوسع في بعض الدول بسبب تراجع الضوابط الصارمة فيها”.

الإجهاد جرّاء كورونا

ومع ذلك، فإن أهمية اتباع تدابير “كوفيد-19” الوقائية ملموسة على نحو أكبر في الدول التي توقفت فيها عمليات التطعيم. ويشير بعض الخبراء إلى أنّ ثمة تحوّل في الوعي العام في ألمانيا، التي تحتل إحدى المراتب المتدنية لجهة التطعيم في أوروبا.

وقال رينتجيس: “أحد العوامل الرئيسة هو الإجهاد جراء كورونا، حيث سئم الناس حقًا من الوباء”. وتابع “لقد أجرينا للتو انتخابات عامة من دون إعطاء أهمية لكوفيد-19. ركّز السياسيون خلال هذا الاستحقاق على أمور أخرى، ما أعطى انطباعًا لدى الناس بأنّ الأزمة لم تعد كبيرة”.

وأشار إلى “أنّ زيادة معدّل التطعيم لا يمكنه وقف هذه الموجة في فترة قصيرة”.

CNN – القسم العربى

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …