سحرة الأنظمة وعصا الشعب

aly-fargaley-neu

فيينا : علي فرغلي

(كل ثورة تتبخر وتخلف وراءها وحل من البيروقراطية الجديدة) .  (فرانس كافكا)

جاءت الثورة كالبرق الخاطف للأنظار، كانت ومازالت حلماً للجميع شباباً وشيوخاً ، رجالاً ونساءً. لا أحد ينكر أن أغلب المشاركين كانوا من الطبقات الفقيرة والمتوسطة، بعض أصحاب الثروات والنفوذ لم ينتموا لها، اعتبروها هراءً وفوضى! لعله الخوف من المصير.

رجال السلطة وحرَاسها خرج منهم قادة الثورة المضادة .. الوحوش التي تكبر على أموال الغلابة، وتجعل من أكتافهم أبراجاً تتسلق عليها لتنعم وتتحكم في الحياة كما تشاء، الثورة بالنسبة لهم كابوس يزلزل الأرض من تحت اقدامهم ويعطل مصالحهم.. لا يعلمون أن القمع والظلم والجوع هم بذور أي ثورة.

هكذا كشفت الثورة الفساد والفاسدين، الذين مازالوا يدافعون عن أنفسهم بمهاجمة من قاموا بها باعتبارهم بلطجية أو خونة، حتى صار المعارض للسلطة أو من يتحدث عن الإصلاح الآن بمثابة عميل في وجهة نظرهم. مثلما حدث على سبيل المثال مع صاحب “التوك توك” الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، ونعته بأنه مجرم ومأجور، وأن من ينادون بالعدالة والتعليم والحرية سيحولون البلد إلى سوريا وليبيا وعراق ويمن آخر.. كأن الإصلاح أو عدمه مرتبط بالحرب والخراب. هل تفيق الحكومة ويبتعد النظام عن هؤلاء السحرة وينفض يده منهم قبل أن يلقي الشعب عصاه مرة أخرى دون خوف؟ فمهما كانت الضغوط التي يمارسها هؤلاء والحصار المالي والإعلامي وتجريف الدولة منذ عشرات السنين، فإن التاريخ يقول أنه حال لن يدوم خصوصا مع انهيار الوضع الاقتصادي ومعاناة الشعب القاسية والمهينة من أجل لقمة العيش.

لا بأس من المعاناة إذا كان هناك هدفاً منها مثل مساهمتهم في بناء بلدهم مثلما حدث في الفرع الجديد لقناة السويس، أما أن تتحول إلى ابتذال مجاني لكرامة الناس، فهذا هو الخطر. للأسف مر عامان ومازالت الرؤية غير واضحة، لا نسمع إلا عن القروض أو التبرعات أو التقشف، وهي وسائل لا يقوم عليها اقتصاد دولة ولا تبدل بها حال شعب إلى الإصلاح. لست بصدد الحديث عن ثروات مصر التي تجعلها محورا اقتصاديا هاما ومؤثرا في المنطقة، تلك الثروات البشرية والمادية التي ستجعلها بالفعل “قد الدنيا” وليس الاقتراض المهلك للفقراء .. أين استراتيجية تطوير التعليم الذي هو حائط الصد ضد الإرهاب والجهل والتخلف؟ حتى أن آخر تقرير لترتيب الجامعات لم يذكر فيه جامعة واحدة ضمن الـ 500 على مستوى العالم! ناهيك عن بقية المجالات.

لا شك أن هناك في الداخل والخارج من لا يريدون لمصر أن تقوى أو تنهض من مستنقع الفساد، لكننا نريد رؤية وخطة واقعية صادقة حتى تظل مصر باقية رغم أنف الجميع وليس بالشعارات فقط.

كل المؤشرات تؤكد أن الشعب يعيش حالة إحباط شديدة، والدليل دعوته إلى مظاهرات خلال الشهر القادم! مجموعة كبيرة من المواطنين خسروا مبالغ طائلة في مشروع قناة السويس الجديدة، البورصة في حالة عدم استقرار، غلاء الاسعار غير المسبوق، أزمة تيران وصنافير، سد النهضة، الجنية مقابل الدولار، إضافة إلى الحزن الشديد على قتل العشرات من جنودنا. أزمات حقيقية أكدت عدم قدرة الحكومة على الحل والتخبط وانعدام الشفافية ، كأن شيئاً لم يحدث ، وكأن ثورة لم تقم.

من يعتقد أن معارضة النظام هي خصومة أو كراهية للجيش، هو من نفس الفصيلة التي كانت تعتقد أن معارضة الإسلاميين هي خصومة مع “الله والدين”.. الشعب المصري يحب جيشه ويقدس تراب بلده، لأن الجيش عقيدة مثل الدين لا يجب أن يُغرس في السياسة.

إن معالجة الامور ليست بالقمع ولا بتزييف الحقائق، بل بالحل الواقعي للازمات ومراعاة الطبقات المتوسطة والفقيرة.. يقول هنرى ميللر: لدينا دائما علمين أمريكيين: علم للأغنياء وعلم للفقراء ، وعندما يرفرف علم الأغنياء فإن هذا يعنى أن الأمور تحت السيطرة، وعندما يرفرف علم الفقراء فإن هذا يعنى الخطر والثورة والفوضى السياسية. لذلك نحذر المطمئنين لاستمرار الفساد من “علم الفقراء”.

 

شاهد أيضاً

بالفيديو – “طن لحم وطن دجاج ونصف طن أرز” في إفطار حي المطرية الشعبي بالقاهرة

وسط أجواء عمتها البهجة والسعادة، نظم سكان حي المطرية بشرق القاهرة، حفل إفطارهم الجماعي للعام …