توقفت المجزرة واستمرت المسخرة

انتهى العدوان الإسرائيلي على غزة ولم ينتهي عدوان العرب على بعضهم البعض ، توقفت عملية الرصاص المصبوب ولم تتوقف عمليات الكلام ” المعيوب ” ، وضعت الحرب العسكرية أوزارها ولا تزال الحرب الكلامية الطاحنة بين الأشقاء مستمرة ، هدأت أصوات القنابل ولم تهدأ أصوات الحناجر .

فرغم انتهاء العدوان الإسرائيلي البربري على قطاع غزة منذ قرابة الشهر إلا أن العرب لا زالوا منقسمين على أنفسهم ومنشغلين بمعاركهم الكلامية الجانبية التافهة ، التي يكيلون فيها اتهامات العمالة والخيانة والتواطؤ لبعضهم البعض ، وكل طرف منشغل خلالها بإحراج الطرف الأخر وتصويره على أنه الجاني الحقيقي في أحداث غزة مستخدما في ذلك ما تيسر له من وسائل إعلام ورقية وتلفزيونية واليكترونية ، ومفرغا رصاصاته الكلامية المحرمة أخلاقيا في صدر الطرف الأخر .

ونسينا في ظل هذه المسخرة آلاف الشهداء والجرحى الذين أريقت دمائهم في حرب بربرية قذرة انتهكت فيها كل القوانين الدولية والأعراف الإنسانية ودمرت على أثرها مدن وقرى بأكملها تحتاج إلى مليارات لإعادة إعمارها ودب الحياة في أوصالها من جديد ، وتناسبنا أيضا أصل القضية ومنشأها وموطن الداء ومنبته ، وأعطينا العدو مبررات أخرى للتنصل من التزاماته الدولية و هيأت الفرصة للجناة ليفلتوا من العقاب الذي يستحقونه ، وهكذا أصبحنا جميعا في صف الطابور الخامس .

والمتتبع لمحتوى الصحف والقنوات التلفزيونية العربية أثناء و بعد الأزمة يكتشف أن التركيز على انتقاد أطراف فلسطينية وعربية معينة في مقابل تبرئة أطراف أخرى كان أكثر من التركيز على انتقاد العدوان نفسه وعرض نتائجه وتتبع أثاره ، كذلك كان الهجوم البيني العربي – العربي أكثر وضوحا وبروزا من الهجوم على إسرائيل ، وبدا ذلك على ما وصلت إليه العلاقات العربية من تفكك وتشرذم واختلاف في الأجندات والتوجهات بين الدول العربية .

و قد كان موقف النظام العربي الرسمي مرتبكا منذ بداية الأزمة ، فلم يتخذ من الإجراءات الفورية ما من شأنه أن يوقف العدوان، وقد زادت أحداث غزة من الشرخ الذي كان موجودًا قبلا، ولم يبد متماسكًا أمام ما يحدث ، وبدا الموقف الرسمي العربي من الحرب على غزة كأنه إعادة للمشهد العربي أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان صيف 2006، مع التأكيد على تراجع جديد في مضمون المواقف العربية. .

وقد شهدت الأحداث المصاحبة للعدوان الإسرائيلي على غزة مزيدا من الانقسام العربي تجلى في العجز عن عقد قمة عربية طارئة والاكتفاء بانعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب بعد شد وجذب، والذي اكتفى بدوره بإحالة القضية برمتها إلى مجلس الأمن الذي فشل في اتخاذ قرار في المسألة .

ووصل المشهد المأساوي إلى ذروته عندما عقدت ثلاث قمم عربية متزامنة يقود كل منها معسكر عربي منفصل عن الأخر ، حيث عقدت قمة الرياض الطارئة يوم الخميس الموافق 15 يناير 2009 بحضور 6 دول من مجلس التعاون الخليجي رغم أنه كانت هناك قمة خليجية دورية قد عقدت لهذه الدول يوم 29 ديسمبر وبالتزامن مع بداية العدوان على غزة ، وبعد قمة الرياض الطارئة عقدت قمة الدوحة في اليوم التالي مباشرة بمشاركة 12 دولة عربية فقط إضافة إلى إيران وتركيا ، ويوم الاثنين اللاحق الموافق 19 يناير 2009 عقدت قمة الكويت الاقتصادية بمشاركة كل الدول العربية وحضور عدد كبير من رؤساء الدول .

وبعد نهاية العدوان وتوقفه يوم 17 ديسمبر الجاري 2006 لم تتوقف وسائل الإعلام العربية عن الاستمرار في المعركة ، ولكن ليس مع إسرائيل بل مع بعضها البعض ، وتفرغت لنصب سرادقات ” الردح ” المتبادل التي لا زالت قائمة إلى الآن .

وكان من الأجدى تخصيص تلك المساحات الإعلامية المهدرة في هذه السخافات للبحث في كيفية تنظيم الصفوف وحشد الجهود وتعبئتها في سبيل ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائيليين ، أو توعية الرأي العام العالمي والداخلي بما يرتكب من مجازر ، أو للبحث في أسباب الضعف العربي الذي أوصلنا إلى هذه الحالة من الهوان وإتاحة المجال لأصحاب الرأي والرؤية ليقولوا لنا عما يجب أن نفعله للخروج من هذا المأزق .

و تطرح قضية التناول الإعلامي المصاحبة لأحداث غزة ضرورة تغيير استراتيجياتنا الإعلامية ، كما تكشف عن ضرورة وجود ميثاق شرف إعلامي يضع مصالح الأمة قبل مصالح الأشخاص والنظم الحاكمة .

وللحديث باقيه إن شاء الله

شاهد أيضاً

اختفى حجابها وزوجها.. حلا شيحة تثير الجدل من جديد فى عيد ميلادها الـ 43

في احتفالها بعيد ميلادها الـ43، اختارت الفنانة المصرية البعيدة عن الساحة حلا شيحة أن تثير …