المتحولون داخل الزنازين

zanazeen

 

تائب في الزنزانة.. والشيخ المنحرف في بوكس الشرطة

حشاش في بيت الله.. جهادي حوّله السجن لمتحرش.. وإسلامي يتحول لصبي عالمة

دائمًا ما يكون للقدر قول آخر، يجعل حياة البعض تنقلب رأسًا على عقب ويشكل تغييرًا جذريًا حول مصيرهم؛ فمنهم مَن يجرفه القدر من أقصى اليمن لأقصى اليسار، وآخرون يجرهم من الأدنى للأعلى؛ فثمة تغيرات تطرأ على حياة البعض تحوله لنقيضه تمامًا، فتحوله من التدين للانحلال ومن الإجرام للتوبة الصادقة.. ولعلّ سجون الداخلية خير شاهد ودليل؛ فقد كانت ومازالت المؤسسات العقابية تشهد قصصًا حقيقية للمتحولين فكريًّا داخل الزنازين.

بعض الصحف رصدت قصص هؤلاء الذين كان السجن نقطة تحول في حياتهم.. ليست خيال مؤلف واسع الأفق ولا فيلم سينمائي سجله عمل فني، فكلها روايات وحكايات من واقع الحياة ترددت على الألسنة.

مسجل خطر تائب في الزنزانة

في البداية يقول “كمال .م”، أحد الأشخاص الذي قضي خمس سنوات في السجن: “لقد أخذني السجن لطريق جديد عليّ جدًا فقد كنت جاهلاً بكل نواحي الدين الإسلامي، فلم أكن أعلم عن ديني غير كوني مسلمًا موحّدًا بالله.. حكم عليّ بالسجن مرات عديدة وسجلت فئة مسجل خطر في سجلات الأمن، من وقت لآخر كان ينتابني شعور بالذنب، لما اقترفته في حياتي، وكثيرًا ما راودتني فكرة أن ليس بيني وبين الله بابٌ لأقرعه، وأن حبل التوبة لم يعد بيني وبينه صلة.

ويقول “كمال”: حكم عليّ بالسجن المشدد 5 سنوات وكانت سببًا في توبتي، فقد مر العام الأول داخل السجن ولم يتغير شيء، ولكن تغيرت المعايير تمامًا، حينما دخلت السجن والتقيت بالحاج رضا هذا الرجل الخمسيني، الذي قابلته داخل السجن وأنا أقول: “أنا لا ليا توبة ولا هورد على جنة”؛ وذلك ما كان راسخًا في نفسي لكنه جاء لي وظل يحدثني عن التوبة، وأن الله يقبل من عباده وظل يسرد لي القصص الدينية وعن هذا الذي قتل 100 نفس وغفر الله له، فوجدت فيه ضالتي والخلاص وأصبحت ملتزمًا ومنذ أن أنهيت فترة عقوبتي لم أقترف جريمة ومازال حبل التوبة بيني وبين ربي موصولاً.

حشاش في بيت الله

لم يكن أبدًا يفكر في توبة، ولم يخطر على باله بأن للقدر في ترتيب حياته قولًا آخر، تبدأ قصته في عهد الرئيس الأسبق مبارك؛ حيث أمن الدولة وحملات الاعتقال للإسلاميين.. وكان “صلاح،ا” لديه كشك صغير لبيع شرائط الكاسيت والسجائر، وكان يتردد عليه من وقت لآخر أحد الإسلاميين ومسجل لدى أمن الدولة آنذاك، والذي كان يعمل في توزيع شرائط الكاسيت الدينية.

وقام صلاح بتدوين اسم أحد الإسلاميين في دفتره بعد  طلب الأخير شريطًا دينيًا منه ورحل، وما هي إلا ساعات معدودة حتى فوجئ صلاح بزوار الفجر داخل منزله أثناء قيامه بلف سيجارة حشيش وألقوا القبض عليه واقتادوه معهم إلى حيث لا يدري، وفُتح التحقيق معه ومَن أميرك ومَن شيخك إلى أي جماعة تنتمي ما هو مسجدك الذي تصلي فيه وهو يردد: “صلاة إيه ومسجد إيه والله أنا حشاش وبرشامجي”، ولكن دون جدوى وظل في محبسه مدة 6 أشهر كانت كفيلة بتغيير حياته برمتها بعد أن تعرف على عدد من المحتجزين معه والذين دلوه على التوبة وعلموه كيفية الصلاة والصوم.. ومن هنا جاءت تحريات الأمن والتي أثبتت صحة أقوال المضبوط عليه بكونه “حشاش وبرشامجي” ليتم الإفراج عنه ولكن ليقابل الحياة بوجه آخر وهو الالتزام بالدين والحرص على الصلاة في المسجد بصفة يومية.

للسجون قول آخر في حياة الملتزمين بالدين.. 

إيمان لم يكتمل، وشجرة ليس لها جذر ثابت اقتلعتها أول هبة للرياح عصفت بها، هذا هو الشق الآخر للمتحولين من الظهور في ثوب المؤمنين لارتداء ثوب المنحرفين بسبب تواجدهم داخل السجون..

الشيخ المنحرف يضرب والدته أمام بوكس الشرطة

“محمد.م” شاب في العشرينيات امتلأ قلبه بالدين، أراد أن يقتدي بصحابة النبي، لبس جلبابًا قصيرًا، وأطلق لحيته،  وحرص على الصلاة في المسجد جماعة، وحضور دروس العلم، فقد حوله الالتزام لابن بار بأمه الأرملة والذي مات عنها زوجها تاركًا لها حمل 3 أبناء غيره، كان “محمد” حريصًا كل الحرص على إرضاء أمه والاستجابة لكل أوامرها بكل رضا وقبول، ولكن دائمًا تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن، تحول الأمر تمامًا بعد أن ألقى رجال أمن الدولة القبض عليه ضمن حملة الاعتقالات الموسعة للإسلاميين في عهد الرئيس الأسبق مبارك، وظلت أمه تبحث عنه هنا وهناك دون أن تدري أين هو، عام واحد وعاد “محمد” لأهله ولكن بشكل غير الذي كان عليه، أول ما قام به تغيير هيئته ومظهره، توجه للكافيتريات للعب المنكرات، وشرب السجائر، لم يعد يصلي ولا يدخل المساجد “فقد غير فيه الاعتقال كثيرًا”.

هذا ما قاله “أحمد” أحد أشقائه بأنه لم يعد كما كان وأنه لا يحكي أبدًا ما تعرض له داخل المعتقل، ويستكمل قائلًا: “بأنهم بعد فترة جاء أمن الدولة للقبض على شقيقي ضمن حملة اعتقالات واقتادوه للبوكس وظلت والدتي تتشبث به وتهرول وراء سيارة “البوكس” فما كان من أخي البار بأمه سوى أن سدد لها ركلة بقدمه أوقعتها أرضًا مصحوبة بسبّها، وكانت ردة فعله غريبة علينا جدًا، ولكن الأغرب هو قيام الأمن بتركه وإطلاق سراحه بعد فعلته مباشرة.

جهادي حوله السجن لمتحرش

“لأن يُطْعَن في رأس أحدِكم بِمِخْيَطٍ مِن حديد خيرٌ له مِن أن يَمَسَّ امرَأَةً لا تحلُّ لَه”، كان كثيرًا ما يردد هذا الحديث الشريف عن رسول الله صل الله وعليه وسلم، “شريف.م” أربعيني ملتزم وملتحٍ ولا يصافح النساء، ويغض البصر حياة مثالية لأي مسلم ملتزم بدينه، تبدأ قصة التزامه في التسعينيات، شأنه كسابقه صلاة وصوم ودروس فقه، وتعود تفاصيل قصته إلى مشاجرة بسيطة وخلافات عادية نشبت بينه وبين جار له قام على إثرها الأخير بالإبلاغ عنه بأنه ينتمي للجماعات الإسلامية وبأنه جهادي، وتبع البلاغ حضور عدد من أفراد الأمن الوطني لمنزله واعتقاله، ومن هنا كانت البداية، بعد الزج به في المعتقل، وبعد تعرضه لشتى أنواع التعذيب خرج للحياة مرة أخرى بوجه غير الذي كان عليه، وذلك بعد أن استقل الأتوبيس العام بجوار سيدة وتحرش بها مما دفعها لاقتياده لقسم الشرطة لتحرير محضر تحرش ضده بعد أن أبرحته ضربًا وشاركها في فعلتها مستلقو سيارة النقل العام.

 إسلامي يتحول لصبي عالمة

“كنا نراه دائمًا يتردد على المساجد، ودروس علم هنا، وحضور صلاة جنازة هناك، حياته كانت كلها شعائر دينية، وكان من الحين والآخر يدعوننا للصلاة والتوبة، بتلك الكلمات البسيطة بدأ “عماد.م” يسرد قصة جاره الملتحي “خالد.س” الذي كان ينتمي لإحدى الجماعات الإسلامية وحوله المعتقل لجامع نقوط وراء راقصة”.

ويقول “عماد” إن “خالد” جاره كان حريصًا جدًا على الصلاة والصوم، وكان شديد التمسك بشعائر الدين، ولم يكن يتخلف يومًا عن حضور جنازة أو صلاة، ومن وقت لآخر كان يعتكف في المساجد ومعه صحبة تشبهه، حتى اشتهر في المنطقة وأصبحنا نطلق عليه لقب الشيخ، وهو لم يؤذِ أحدًا على الإطلاق، وبين الحين والآخر كان أهالي المنطقة يتوجهون إليه طالبين منه بالدعاء، أو لاستشارته في أمر ما يخص الدين، وكذلك حكم سماع الأغاني ومشاهدة التلفاز، وبعض الأمور التي كانت تشغلهم، ويستكمل “عماد” قائلًا: إلى هنا كانت حياة “خالد” مستقرة، وخاصة أنه كان يضمن حياة كريمة لعمله في مجال “التجارة”، وكان أهالي المنطقة يستأمنونه على أموالهم ويتعاملون معه على أنه “بتاع ربنا” على حد قوله، وبأنه لا يخش السلع ولا يبخس في الميزان، مضيفًا أن هذا السلوك جعله هدفًا للمخبرين السريين في المنطقة التي نسكن فيها، وجعل رجال الأمن يتتبعونه ويترصدون له، كما هو الحال في عهد الرئيس الأسبق مبارك مع كل المنتمين للجماعات الإسلامية أو من أطلق لحيته، وفي ليلة فوجئنا بصوت مجموعة من الرجال يقتادون الشيخ “خالد” من منزله داخل سيارة لجهة غير معلومة، حاولنا كثيرًا أن نبحث عنه لنعرف جهته ولكننا لم نتمكن من ذلك على الإطلاق وبعد حين نسيناه، ونسينا الأمر.

وفي إحدى المرات أقام أحد التجار في حي مجاور لنا حفل زفاف لنجله وكعادة المناطق الشعبية دائمًا ما يكون الحفل به عدد من الراقصات ومعها فرقتها الموسيقية، وكان من الغريب علينا أننا شاهدنا الشيخ “خالد” من ضمن الفرقة بل وصل الأمر أكثر من ذلك حينما وجدناه يجمع النقوط التي تلقى عليها أثناء تقديم فرقتها، جميعنا اندهشنا جدًا لما رأيناه، وبعد أن انتهى الحفل توجه عدد من جيرانه له أثناء وضع أدوات الموسيقى داخل السيارات، في بداية الأمر سلمنا عليه وسألناه عن حاله، قام بالرد بكلمات: “غير المفهوم منه أكثر من المفهوم”، وكان واضحًا عليه أنه غير مستقر ومهزوز نفسيًا، أشفقنا عليه جدًا وحاولنا أن نصطحبه إلى منطقته ليمارس عمله ويستعيد متجره ومسكنه الذي كان مستأجره إلا أنه قابل عرضنا هذا بالرفض واستقل السيارة وسط الفرقة وغادر ومنذ ذلك الحين لا نعلم عنه شيئًا.

 

شاهد أيضاً

بالفيديو – “طن لحم وطن دجاج ونصف طن أرز” في إفطار حي المطرية الشعبي بالقاهرة

وسط أجواء عمتها البهجة والسعادة، نظم سكان حي المطرية بشرق القاهرة، حفل إفطارهم الجماعي للعام …