شكة دبوس – دستور.. يا أسيادنا.. دستور

فيينا – محمد عزام — 

خالي.. الخالي من.. “ولا بلاش”.. توكل على المولى، وقرر بتحويشة سنوات الغربة القاسية، واحتمال رزالات الكفيل، وبعد ثلاث استخارات.. أجراهم الخال كلهم عند صياح الديك، المزاحم لنداءات المآذن السبعة، التي احتلت أسطح عمارات الجوار..
قرر الخال ـ بعد الاستخارة ـ أن يفتح دكاناً لبيع الفول والطعمية.. وبالذات الطعمية المضمونة الزبائن، حتى بعد ارتفاع أثمانها.. مرتكناً إلى الحكمة التي أرضعتها إياه الحاجة الوالدة.. “الرزق يحب الخفية”..
ودارت العجلة.. وغلى الزيت وتكاثر طلاب الأكل وشمامو الريحة..
لم تكن مشكلة الخال مع التراخيص.. فناس الحي كالعادة أدراج مكاتبهم مفتوحة دائماً على البحري.. وليست أيضاً، وبالتأكيد، مع ناس الضرائب، فهم ناس ـ سبحان الله ـ لا قدرة عندهم على مقاومة نداءات الأمعاء..
كانت المشكلة مع.. ورق اللف..
لا تذهب أدمغتكم بعيداً.. المقصود هنا ـ وليس مادار في رؤوسكم، والتي تروح سريعاً إلى الكيف ـ هو ورق القراطيس، اللازم للف سندوتشات الفول والطعمية..
ولا تسوقوا “الهبل على الشيطنة”.. وتصيحوا دون تدبر.. أين المشكلة؟!..
متناسين أنه.. حتى الجرائد القومية وشقيقاتها الخاصة.. وأيضاً التي كانت تصدرها أحزاب أغلقت أبوابها.. أصبح الحصول على ورق لطباعتها أم المشاكل.. لهم كلهم كليلة..
فكيف للخال أن يحل مشكلة ورق اللف.. والتي عجز عن حلها رؤساء مجالس إدارة لهم “شنة ورنة، وبينهم وبين الحكومة ـ أو العكومة ـ كما يلسن عليها حرافيش حارتنا.. والتي بينها وبينهم.. عمار العمار!!..
لا تيأس يا مؤمن.. هكذا خاطب خالي الثاني خالي الأول، عندما بثه همه في “قعدة رواقان”، جرت وقائعها ساعة عصرية، اقتنصها الخالان بعد أن هدأت حركة البيع إلى حين.. وكانت احتفاءً بالخال الثاني الذي لا يأتي إلى الدكان إلا نادراً.. وباعتباره موظف حكومة، فهو مشغول دائماً “لشوشته” في عمله.. والذي هو كما هو مذكور في بطاقة الرقم القومي “أمين أول مخازن الدار القومية للطباعة والنشر”.. وللأمانة هي وظيفة معتبرة.. أضافت على الخال هالة من الوجاهة عند كل أفراد الأسرة، الذين رزقهم المولى بجيش من الأطفال، فهم يحتاجون في الغالب لمعونة ذلك الخال ـ أمين عام المخازن ـ والذي يوفر لهم بكل أريحية ما يعز عليهم الحصول عليه من الكتب المدرسية، خصوصاً عندما تتلكأ الوزارة في توفيرها في مواعيدها..
قال الخال الثاني للأول، ودون تذويق للكلام: “حل مشكلتك عندي.. وفي حلها حل لمشكلتي أيضاً”..
ـ ماذا يا فكيك!!..
تساءل الأول، وهو يهز مبسم الشيشة المرصع بنمنمات، أجاد صنعها آخر نجار في حارتنا لازال يمارس مهنة أوشكت على الانقراض، لأسباب لا داعي للخوض فيها الآن..
قال الثاني: “أفهّمك.. إنت عايز ورق لف.. عندي منه في المخازن أطنان.. فاكر سنة 14..”
تساءل الأول: “مالها؟!.. هي سنة زي كل السنين”..
قال الثاني مذكراً: “دي يا سيدي السنة اللي صدر فيها الدستور.. فاكره”.
تذكر الأول: “آه دستور سيد حجاب”..
…………..
وتوضيح من “عندياتنا”:
دستور سيد حجاب.. الذي رأس لجنته عمرو موسى، وشارك في مناقشاته ناس المحروسة، من جنوبها مروراً بوسطها، وانتهاءً بشمالها.. ولم يتخلف حتى سكان أطرافها.. والذي تعطلت كل أعمال حارتنا وكل حارات المحروسة، لتقف في صفوف.. صفوف بطول الوادي والدلتا.. أضف إليهم ـ للدقة ـ أطوال الواحات الخارجة والداخلة والمناطق السيناوية والتي بينها وبين الداخلية بعض العمار..
صدر الدستور.. وغنينا ورقصنا..
وسكتت شهريار عن الكلام المباح وغير المستباح..
وكان مشهد الختام.. وككل ختام في المحروسة..
“هيصة.. هيصة.. ثم انفض المولد”..
…………..
نرجع للخال الثاني.. حتى لا يذهب منا بعيداً..
أضاف ـ وهو يتلفت يمنة ويسرة، من باب الحيطة، لزوم مجريات هذه الأيام ـ “أحكيلك: صلي على النبي.. كمان زيده صلى.. بعد ما نفض المولد يا سيدي، جانا أمر الطبع.. عمالنا ربنا يكرمهم، شغلوا المكن بهمة فوق الهمة.. لكن.. ويا فرحة ما تمت.. حد يعبرنا!!.. ويجي ياخد المحصول للتوزيع.. لا حس ولا خبر”..
……………
اكتشف أهل العزم “أنه كتب بحسن نية”..
وألمح آخرون: أن المقاس لم يكن على المقاس..
وأفاض أهل الفتوى في الفَتْىْ: أنه غير صالح للاستخدام الآدمي!!
وكانت النتيجة..
أننا بلونا الخال الثاني، بأن زحمنا مخازن الدار القومية ـ المؤتمن عليها ـ بأطنان من نسخ الدستور.. والذي كتب بحسن نية.. وأنه ليس على المقاس.. ولا يصلح للاستهلاك الآدمي!!
…………….
وها هي.. “قعدة الروقان.. ساعة العصرية”.. قد حلت مشكلة زحمة المخازن..
و”كمان” مشكلة لف أقراص الطعمية..
ودستور يا أسيادنا..
في بلد لا تعيش له دساتير..
وألف رحمة ونور.. على عم سيد حجاب..
والدستور الذي كتب بحسن نية!!

شكة دبوس:
محمد عزام

 

شاهد أيضاً

مستشار النمسا ينفي خطط تمديد ساعات العمل

بعد تصريحات من قبل مسؤولين في حزب الشعب (ÖVP) تدعو إلى تمديد ساعات العمل، خرج …