النظافة في زمن الكورونا.. أهلاً بك في ملعب الوسواس القهري

يُعَدُّ غسل اليدين من أفضل الطرق وأكثرها فاعلية لمحاولة الحفاظ على صحتك خلال تفشّي “كوفيد-19” أو فيروس “كورونا المستجد”. إذ يجب غسل اليدين 20 ثانية على الأقل، وبدقة، أي يجب أن تصل إلى المسافات كافة بين أصابعك وتحت أظافرك. ويُنصح كذلك بحمل مُعقِّم يدَين يحتوي على الكحول دائماً.

هذه التوصيات التي تبدو عامةً بعض الشيء، هي السلوك اليومي للمصابين باضطراب الوسواس القهري.

من تجنُّب المرضى إلى تعقيم الأسطح وحتى الانزعاج من عطاس أو سعال الآخرين، كل التوصيات الطبية الأخيرة حولت كل ما يتخوف منه المصابون بالوسواس القهري فجأة إلى حقيقة.

وهذه توصياتٌ مبنيةٌ على الأدلة، ولكن بالنسبة لشخصٍ يُعاني من اضطراب الوسواس القهري والقلق حيال التلوّث والصحة، فإنّ هذه النصائح تمضي به إلى منطقةٍ مألوفة بدرجةٍ غير مُريحة. 

إذ تُشبه كثيراً من الأفكار القلقة التي تُراوده بصفةٍ يومية، حتى في غياب فيروس جديد ينتشر حول العالم.

التوصيات تنتقل إلى مرحلة السلوك القهري الشديد

وبالنسبة لعديد من المُصابين بالوسواس القهري والقلق، فإن عناوين الأخبار والتوجيهات حسنة النية (والدقيقة) من “مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها” و”منظمة الصحة العالمية” تُثير نوبات من القلق والسلوك القهري الشديد. 

إذ يُمكن أن يُثير ذلك المخاوف الشديدة حيال الإصابة بفيروس كورونا، ويشعرون كأنّهم قد أُصيبوا به فعلياً، ويقلقون مما قد يحدث في حال الإصابة به، ويُنظفون، ويفحصون، ويُعانون من أعراض القلق الجسدية مثل: الدوار، وضيق التنفُّس، والوخز، وآلام الصدر، وغيرها. 

وفي النهاية، بدأ الأشخاص غير المُصابين بالوسواس القهري أو القلق في إظهار سلوكيات شبه قهرية مثل: شراء كميات كبيرة من مُعقّم اليدين والمنتجات المُعلّبة، والإفراط في شراء الأقنعة التي ليست لها فائدةٌ كبيرة إلّا في حال كُنت مُصاباً بالمرض بنفسك.

كيف يتعامل مصاب الوسواس القهري مع أزمة الكورونا؟

كيف سيستطيع الشخص المُصاب بالوسواس القهري التعامل وسط هذه الظروف، حين يُواجه فجأةً رسائل تأتي من جميع الاتجاهات وتبدو تماماً مثل أفكار الوسواس القهري المُتطفّلة التي تلاحقه طوال الوقت؟

أولاً: يجب أن تفهم سبب حدوث ذلك

يتطلّب مرض “كوفيد-19” الاهتمام بمفاهيم النظافة والمرض. والنصائح بغسل اليدين وتنظيف الأسطح باستمرار يمنحان الناس أسباباً أكثر للتفكير في تلك السلوكيات وفقاً لجون أبراموفيتز، عالم النفس السريري بجامعة كارولينا الشمالية.

ويحاول الناس المُصابون بالوسواس القهري فعل العكس عادةً: “إذ يُحاولون تشتيت انتباههم عن النظافة، ويتجاوزون أيامهم عن طريق التظاهر بأنّ المخاوف التي تدور في رأسهم حول الجراثيم والتلوّث لا علاقة لها بالواقع”. 

لكن وسائل الإعلام والسلطات تخرج عليهم لتقول إنّ تلك المخاوف واقعية تماماً، وهذا وفقاً للمُعالِجة المختصة في معالجة الوسواس القهري شالا نايسلي، في تصريح لمجلة Vice الأمريكية.

وتستخدم “مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها” كلمات مثل “بشكلٍ مُتكرّر” و”كثيراً” لوصف الكيفية التي يجب غسل اليدين بها. 

ويرى جون هيرشفيلد، مدير “مركز الوسواس القهري والقلق بمنطقة بالتيمور الكبرى”، أنّ ذلك يُمكن أن يُسبّب كثيراً من الضيق للأشخاص المُصابين بالوسواس القهري، لأنّهم سيُصابون بالقلق حيال المعنى المُحدّد لتلك الكلمات: “كيف أعرف أنّني أغسل يدي “بشكل مُتكرّر” بدلاً من غسلها كل ساعة أو بعد لمس أيّ سطحٍ عام؟”.

ويمكن أن يزيد كل هذا التركيز على الجراثيم وغسل اليدين والأمراض الأفكار القلقة بشأن هذه المواضيع، لذا فمن الطبيعي تماماً أن تُعاني زيادةً في هذه الأفكار. والحيلة هنا هي عدم السماح لتلك الأفكار بالتأثير على سلوكك لدرجةٍ تُثبت صحة تلك الأفكار.

ثانياً: اتّبع التوجيهات الرسمية، ولكن دون إفراط

لا شكّ في أنّه من الضروري غسل يديك في أثناء انتشار الفيروس، فكيف تفعل ذلك دون إفراط؟ 

تقترح شالا الاستعانة بتقنية تُستخدم في علاج الوسواس القهري، وتُسمى “التعرّض ومنع الاستجابة”. 

وبموجب هذه التقنية، حين يتعرّض الشخص لشيءٍ يُثير قلقه؛ يُحاول عدم الاستجابة بالطريقة التي تقضي على ذلك القلق. فمثلاً، لا تغسل يديك بعد لمس الأرض وقبل أن تأكل شيئاً.

وخلال تفشي المرض، قالت شالا إنّها لا تنصح الناس بالتوقّف عن غسل اليدين وتعقيمها بالكامل، ولكن تُوصيهم بأن ينظروا إلى التعرُّض من زاويةٍ أخرى. 

إذ يكون “التعرُّض” من خلال اختيار مصدر واحد للوقاية، مثل معلومات “مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها”، واتباع تعليماته، وهذا كل شيء. ولا تُفرط في فعل ما ينصحون به، ولا تستمع إلى التوجيهات والقواعد التي يصنعها الوسواس القهري داخل عقلك.

وقالت شالا: “يعتقد الوسواس القهري أنّه شخصيةٌ موثوقة في الأشياء كافةً المتعلّقة بالأمان، لذا فهو يُخبرك بما يجب أن تفعله. لكنّني أعتقد أنّه من الضروري فهم أنّ الوسواس القهري لا سلطة له هنا. إذ إنّه لا يمتلك المعرفة الكافية ليُخبرك بكيفية غسل يديك”.

وللتأكُّد من بقائك في نطاق السلوك التكيُّفي؛ قال هيرشفيلد إنّه من المفيد مراقبة ما تفعله وتغيّره بمرور الوقت: “إذا كنت أغسل يدي مدة 30 ثانية قبل الأكل يوم الإثنين، ثم بدأت في غسلها مدة 60 ثانية في يوم الثلاثاء؛ فهذا يعني أنّ لدي مُشكلة”. 

وبمجرد اتباعك لتوصيات “مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها”، فيجب أن تقول لنفسك إنّ هذا يكفي. وفي حال راودتك أفكارٌ مثل “هل فعلت ذلك بالشكل الصحيح؟”، أو “هل أنت متأكد أنّك غسلتها لوقتٍ كافٍ؟”، أو “دعني أتحقّق من أنّني نظفتها مرةً إضافية”، فاعترف بها، ثم تخلَّ عنها.

ثالثاً: لا تجعل الأخبار محور حياتك

تنتشر مقالات فيروس كورونا في كل مكان، ومن الضروري بالطبع أن تظل على اطّلاع. 

لكن شالا تقترح أيضاً عدم جعل التغطية الإعلامية محور حياتك، والعثور على ما هو مفيد من أجل البقاء على اطّلاع دون معرفة أمورٍ أكثر من اللازم.

ويميل المصابون بالوسواس القهري إلى أن يكونوا على اطّلاعٍ أكثر من اللازم. إذ قالت: “نصير خبراء في الموضوع الذي يدفعنا الوسواس القهري إلى البحث عنه على Google”.

ويجب أن تتوصّل إلى الكيفية التي يُمكنك بها تقليل قراءة الأخبار إلى درجةٍ تكفي للحصول على المعلومات التي تحتاجها دون أن تصير قلِقاً أكثر من اللازم. ربما يكون ذلك مرةً واحدة في اليوم، أو حتى في الأسبوع. 

وربما يكون من الأفضل لك ألا تقرأ الأخبار على الإطلاق، وتعتمد على ثقتك بالأصدقاء والعائلة لمنحك التحديثات التي تحتاج لمعرفتها، مثل وجود أيّ حالات في منطقتك.

رابعاً: تقبَّل فكرة عدم اليقين

يعتمد الوسواس القهري والقلق على فكرة عدم التساهل مع فكرة الشك، أو عدم اليقين. وفي نهاية المطاف، تُركّز كل العلاجات في حالات التعرّض، على تعليم الشخص أنّ بإمكانه التعايش مع عدم معرفته بما سيحدث حين يفعل شيئاً يخشاه.

إذ قال أبراموفيتز: “لا تستطيع رؤية الفيروسات، لذا فمن المستحيل أن تضمن أمانك بنسبة 100%. ويميل المصابون بالوسواس القهري إلى افتراض وجود الخطر، إلّا في حال وجود ضمانةٍ واضحة على السلامة. والاستماع إلى الحديث عن الفيروس في كل مرةٍ تفتح فيها الأخبار يجعل الأمر يبدو كأنّ الإصابة به سهلة”.

ولهذا السبب قد تشعر بإغراء غسل يديك مرةً أخرى، أو قراءة مقالة أخرى عن الفيروس. وهذا لأنّك تُحاول أن تضمن عدم إصابتك به أو نقل العدوى إلى شخصٍ آخر.

وإذا استطعت تقبُّل حقيقة وجود كثير من الأشياء المجهولة، وحاولت التعايش مع مشاعر عدم الارتياح؛ فسوف يُساعدك ذلك كثيراً على إدارة التوتّر خلال تفشّي المرض.

خامساً: لا تقسُ على نفسك

لا شكّ في أنّ الأقوال أسهل من الأفعال. إذ قالت شالا وأبراموفيتز إنّ هذه الفترة ستكون عصيبةً للغاية على كثير من الأشخاص الذين يُعانون من الوسواس القهري والقلق، لذا فمن المهم أن ترأف بحالك خلال العملية.

وأردفت شالا: “قُل لنفسك: سأفعل أفضل ما بوسعي ولكنّني ربما أُخفق أحياناً، وسأكون مُفرطاً في القلق ولكن لا بأس في ذلك. والمشكلة الأخرى التي سنُواجهها نحن المصابين بالوسواس القهري، هي أنّنا نرغب في فعل الأشياء بشكلٍ مثالي. وربما نُفكّر في التالي: لم أتبع التوجيهات بشكلٍ مثالي، ويجب أن أعاقب نفسي. وبدلاً من ذلك، يجب أن تكون لطيفاً مع نفسك وتقول: إنّه موقفٌ صعبٌ على جميع الناس”.

شاهد أيضاً

حلم الجسد المثالي ينقلب إلى كابوس.. امرأة تفقد نصف مؤخرتها فى عملية تجميلية

تحولت رحلة امرأة لتحقيق حلمها بجسم مثالي إلى كابوس، بعد معاناتها من مضاعفات خطيرة جراء …