من هو الآخر ؟ عالم مثير بذاته، حافل بالغموض والأسرار وربما التناقضات ، ضرورة ومخاطر ، وآمال و احباطات ، وبهجة وشقاء ، الحياة صعبة معه ، ومستحيلة بدونه ، علاقات مستقرة أو تبدو كذلك ، وأخرى مؤقتة ، بعضها نسعى إليها وأخرى نتجنبها .
هل الآخر هو من نراه الأقل شأناً فنندفع زيفاً الى الغرور ، وظلماً إلى التعالي والشك والعدوان ؟ . أم من يشاركنا مشاعر الدونية ، فنرى العالم كئيباً وأفاقه مظلمة و حال كل منا بائساً وحيداً ؟. هل الآخر هو غالباً الأفضل ، الأكثر ذكاء وقوة وحظاً ، فنفقد الثقة بالنفس ونشعر بالإحباط واليأس والشقاء ؟. أم هو غالباً من نراه واقعياً سوياً وسعيداً وجيداً مثلنا ؟.
فى كل الأحوال نسعى للاكتشاف والفهم لنحقق أهدافنا معه ، لندافع عن أنفسنا ضده ، لنتمتع بالتواصل معه ، أو لنعرف كيف نتجنبه أو نحيده ، فالإدراك قوة وضرورة لرسم معالم الطريق وتفاصيل الخطة والتعرف على محاذير التعامل ومخاطر التورط . ولكن الفهم يتطلب تجرداً وحياداً ؛ جهداً نزيهاً للبحث عن الحقيقة ، وشجاعة قد تصاحب ألماً عندما نعلم عن أنفسنا أوعنه ما أراحنا تجاهله أو إنكاره أو التقليل من شأنه .
إذا تطلب الفهم خبرة ، فالخبرة جمعتها المعاناة وربما احباطات الفشل ؛ فإذا كنا حديثي العهد بالحياة والآخرين لا يبقى أمامنا إلا صدق الإحساس والحدس ، وقد نضطر للمغامرة اذا لم نمتلك رجاحة العقل وصدق البصيرة وعمق الرؤية ، وإلا لأسقطنا توتراتنا وأخطاءنا عليه اذا ما أراحنا تجاهلها أو نكرانها.
نعيش فى عالم ملئ بالمعاملات والمصالح المتشابكة ونحتاج الى الفهم وتلمس الطريق ، فما هو الحل ؟ .
افهم نفسك . تمتع باكتشاف عيوبك وأخطاءك . حول ألم الاعتراف بالحق إلى فضيلة ممارسة الشجاعة والنقد الذاتي والى متعة التعلم لاكتساب القوة والمنعة وتصحيح الأخطاء .
إذا رأيت نفسك على حقيقتها فما أسهل أن ترى الآخر بموضوعية ، المعلومة الصحيحة عن الآخر قوة تؤدى لكسبه وتحقيق المصالح .
إذا رأيت نفسك بعمق سيمتلئ قلبك بالمحبة والتوافق والتسامح والغفران ، ستدرك أنه بدلاً من الإدانة والغضب تستطيع أن تكسب القلوب وتبحث عن الجوهر وتمد يد العون بنفس يسكنها اليقين والسلام والمحبة .
بنفس كهذه تستطيع العيش من خلال الآخر ، فتشعر بأنك معه جزء من الكل الواحد ، يؤلمك ألمه وتفرحك سعادته . تخدمه فيسعدك عطاؤك . تستطيع اذن أن تعيش وتتعامل وتتصادق بقلب مفتوح وعقل واع وروح حاضرة ومتجلية ، يملأون حياتك بعمق الإحساس ونبل المقصد وصفاء السريرة .
حياة كهذه تتسم بعمق الادراك وروعة الاحساس وبعد الرؤية وصدق الوجدان ، تكون فيها اللحظة عالماً بذاتها وزمناً مثيراً حافلاً ، ويصبح الوجود قيمة ونشوة ، والتناغم مع الآخر والكائنات والطبيعة وحقائق الحياة نتيجة تلقائية وجائزة كبرى .