كيف تعرّضت القوات الأثيوبية للهزيمة في تيغراي، وماذا يعني ذلك لأزمة سد النهضة؟

تصدَّرت أنباء هروب القوات الإثيوبية من تيغراي، بعد سيطرة الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي على عاصمة الإقليم المشهد، وطالبت دول كبرى بعقد جلسة عاجلة لمجلس الأمن، فكيف يؤثر هذا التطور على ملف سد النهضة؟

ودخلت القوات التابعة لجبهة تحرير شعب تيغراي -العدو اللدود لرئيس الوزراء آبي أحمد- الإثنين 28 يونيو/حزيران مدينة ميكيلي، عاصمة إقليم تيغراي الواقع شمال البلاد، بعد نحو سبعة أشهر من إعلان رئيس وزراء إثيوبيا الانتصار والسيطرة الكاملة على الإقليم، بحسب وكالة “بلومبيرغ” الأمريكية.

وكانت جبهة تحرير شعب تيغراي هي القوة المسيطرة على إثيوبيا على مدار العقود الثلاثة الماضية، حتى تولى آبي أحمد رئاسة الوزراء عام 2018. ووقع الخلاف بين الجبهة وآبي أحمد -الذي ينحدر من قومية الأورومو- العام الماضي بعد أن رفضت الجبهة قراره تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في أغسطس/آب، وأجرت الجبهة الانتخابات في موعدها في الإقليم.

وفي بداية نوفمبر/تشرين الثاني العام الماضي، أمر آبي أحمد الجيش الإثيوبي بمهاجمة تيغراي، وهو ما تم بالفعل بمساعدة من الجيش الإريتري. وفي يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن آبي أحمد الانتصار على من سماهم “المتمردين” في تيغراي، لكن قيادات الجبهة ظلوا بعيداً عن أيدي آبي أحمد، الذي عين إدارة بديلة للإقليم.

هزيمة آبي أحمد أم انسحاب تكتيكي؟

خلال الأشهر السبعة الماضية، بدأت تظهر تقارير تتحدث عن ارتكاب القوات الفيدرالية الإثيوبية والقوات الإريترية جرائم تطهير عرقي بحق سكان إقليم تيغراي، وتحدثت تقارير أخرى عن استخدام الاغتصاب كسلاح في تلك الحرب، ما وضع ضغوطاً دولية كبيرة على آبي أحمد، الحاصل على جائزة نوبل للسلام عام 2019.

وأمس الإثنين، قال غيتاشيو ريدا، المتحدث باسم جبهة تحرير شعب تيغراي، لرويترز إن ميكيلي عاصمة الإقليم باتت الآن تحت سيطرة قوات الجبهة، وقال عدد من السكان في ميكيلي لبي بي سي إنهم يحتفلون برحيل القوات الاتحادية.

وقال مصدر في الحكومة الانتقالية، لم يكشف عن هويته لوكالة فرانس برس، إن “الجميع غادروا”، بينما أبلغ اثنان من شهود العيان رويترز بأن مقاتلين من جبهة تحرير شعب تيغراي شوهدوا في مدينة ميكيلي. ولم تعلق الحكومة الإثيوبية حتى الآن على التقارير التي تقول إن جنودها أجبروا على الانسحاب.

ومن جانبها، أعلنت الحكومة الإثيوبية وقفاً فورياً لإطلاق النار من جانب واحد في تيغراي، وذلك في بيان نقلته وسائل الإعلام الرسمية، بعد فرار إدارة تيغراي المؤقتة التي عينتها الحكومة الفيدرالية من ميكيلي، ودعوتها إلى وقف إطلاق نار لإيصال المساعدات إلى المحتاجين.

رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد

وقال البيان إن وقف إطلاق النار “سيمكن المزارعين من حرث أراضيهم، ومجموعات الإغاثة من العمل دون أي يكون هناك تحركات عسكرية حولها”، وأضاف أن الجهود المبذولة لجلب قادة تيغراي السابقين للعدالة “مستمرة”.

وقالت إثيوبيا إن وقف إطلاق النار سيستمر حتى نهاية موسم الزراعة في تيغراي في سبتمبر/أيلول.

ومن المهم هنا التوقف عند الصورة الأكبر لما يجري في تيغراي، فالغموض هو سيد الموقف هناك، منذ شن آبي أحمد هجومه على الإقليم، حيث إنه غير مسموح لوسائل الإعلام (مستقلة أو دولية) بالدخول إلى الإقليم، وكل ما يتم نشره يأتي من خلال اللاجئين والنازحين في معسكرات خارج الإقليم وفي السودان بشكل رئيسي.

وبالتالي من الصعب معرفة حقيقة ما يقوله كل طرف عن الأوضاع على الأرض، لكن توقيت هذه التطورات في تيغراي يطرح تساؤلات بشأن الملف الأبرز داخل إثيوبيا وخارجها حالياً، وهو سد النهضة، وكيف قد تؤثر تلك التطورات على الملء الثاني للسد الذي أصبح وشيكاً.

دخول مجلس الأمن على خط أزمة تيغراي

يمثل رد الفعل الدولي بشأن ما حدث في تيغراي أمس الإثنين علامة استفهام، فعلى الرغم من تقارير “الإبادة الجماعية” واستخدام الاغتصاب كسلاح للتطهير العرقي في تيغراي والتحذيرات من حدوث مجاعة في الإقليم طوال الأشهر الماضية، لم تنجح محاولات الولايات المتحدة في إصدار بيان أو قرار من مجلس الأمن بشأن الأحداث في الإقليم حتى الآن.

لكن أمس الإثنين، طالبت 6 دول بعقد جلسة مفتوحة لمجلس الأمن الدولي بشأن التطورات في تيغراي، وقالت مصادر دبلوماسية في الأمم المتحدة، لمراسل الأناضول، إن وفود الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وأيرلندا والنرويج وإستونيا لدى المنظمة الدولية، طالبت في وقت متأخر الإثنين “بعقد اجتماع مفتوح لمجلس الأمن هذا الأسبوع بشأن تيغراي”.

واعتبر الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، أن “الأحداث الأخيرة في منطقة تيغراي بإثيوبيا مقلقة للغاية”. وقال ستيفان دوجاريك، المتحدث باسم الأمين العام، في بيان تلقت الأناضول نسخة منه، إن تلك الأحداث “تبرهن مرة أخرى على أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة”. وأضاف أنه “من الضروري حماية المدنيين، ووصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين وإيجاد حل سياسي في الإقليم”

هل يكون لمجلس الأمن دور في أزمة السد؟

وإذا ما نجحت تلك الدول بالفعل في عقد جلسة لمجلس الأمن هذا الأسبوع بشأن ما يجري في إقليم تيغراي، على الرغم من معارضة روسيا والصين لتدخل الأمم المتحدة في الصراع على أساس أنه شأن داخلي إثيوبي، فربما لا تكون أزمة سد النهضة بعيدة عن المناقشات في تلك الجلسة، بحسب مراقبين.

فهناك بالفعل طلب مصري-سوداني مقدم لمجلس الأمن لعقد جلسة بخصوص سد النهضة، بهدف استصدار قرار أممي يُلزم أديس أبابا بعدم المضي قدماً في تنفيذ الملء الثاني للسد، دون اتفاق ملزم من الناحية القانونية مع دولتي المصب.

هل هذا التطور في صالح مصر والسودان؟

وقبل الدخول إلى محاولات الإجابة عن احتمالات عقد مجلس الأمن جلسة لمناقشة الأوضاع في إثيوبيا تجمع بين تيغراي وسد النهضة، من المهم رصد ما دار أمس الإثنين أيضاً في العاصمة الإيطالية بشأن سد النهضة ودور مجلس الأمن.

فقد بحثت مصر مع الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وكينيا والكونغو الديمقراطية تطورات ملف سد النهضة خلال اجتماعات منفصلة لوزير الخارجية المصري سامح شكري، مع نظرائه الأمريكي أنتوني بلينكن، والبريطاني دومينيك راب، والفرنسي جان إيف لودريان، والكينية مونيكا جوما، والكونغولي كريستوف ليتوندالا.

وأوضحت الخارجية المصرية، في بيان لها، أن شكري تبادل مع نظيره الأمريكي بلينكن “عدداً من الملفات وعلى رأسها ملف سد النهضة”، دون تفاصيل أكثر، وأضافت أن شكري تباحث مع نظيره البريطاني بشأن “استمرار التنسيق الوثيق حول عدد من الملفات الثنائية والإقليمية، بينها التطورات الخاصة بسد النهضة”.


الملء الثاني لسد النهضة يثير قلق مصر والسودان

وكان شكري قد صرّح قبل ثلاثة أيام بأن القاهرة تجري اتصالات لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن بخصوص سد النهضة، متوقعاً أن يكون موعد الجلسة خلال الأسبوع الثاني من شهر يوليو/تموز المقبل.

وفي هذا السياق يرى بعض المراقبين أن مطالبة الدول الست -بقيادة الولايات المتحدة- بعقد جلسة عاجلة خلال هذا الأسبوع لمجلس الأمن هو على الأرجح مؤشر على أن ملف السد سيكون حاضراً، بل وربما يمثل المخرج الأمثل لمواجهة الرفض الروسي والصيني مناقشة تيغراي، على أساس أنها شأن داخلي، فسد النهضة يمثل تهديداً إقليمياً للاستقرار في المنطقة وليس شأناً إثيوبياً داخلياً.

وعلى الجانب الآخر، يحذر البعض من أن تكون التطورات الأخيرة في تيغراي وإعلان حكومة آبي أحمد وقف إطلاق النار من جانب واحد مناورة الهدف منها تمرير الملء الثاني -ولو بصورة جزئية- في ظل انشغال المجتمع الدولي بالأزمة في الإقليم الإثيوبي وإيصال المساعدات الإنسانية، وبالتالي حتى في حالة عقد جلسة لمجلس الأمن قد لا تجد قضية السد مكاناً مناسباً في نقاشات من هذا النوع.

وإذا كانت مصر والسودان تحظيان الآن بتفهم واشنطن ولندن وباريس لموقفهما من قضية السد، وتسعى تلك القوى للوصول إلى حل دبلوماسي للأزمة، فإن موقف روسيا والصين (كلاهما يتمتع بحق النقض في مجلس الأمن) غير واضح على أقل تقدير، ولا أحد يعرف كيف ستكون مقاربتهما للأزمة. لكن ربما تكون المعضلة الأكبر هي أنه بالفعل أصبح لا يوجد حل مُرضٍ لمصر والسودان في أزمة السد، في ظل تعنت حكومة آبي أحمد وتمسكها بإعلان المبادئ الموقع قبل ست سنوات، وهو ما يجعل الخيار العسكري هو الوحيد تقريباً في هذه المرحلة، وهو الخيار الذي لا يبدو أن أحداً يريد أن يلجأ إليه.

عربى بوست – شبكة رمضان الإخبارية

 

شاهد أيضاً

كلاجنفورت – رحلة مدرسية تتحول إلى كابوس.. تلميذ يفقد فروة رأسه في مطحنة

تعرض تلميذ في مدرسة ابتدائية لإصابات خطيرة في رأسه أثناء زيارة مطحنة قديمة، خلال رحلة …