قد لا يعرف الظلام.. هذا ما يراه الكفيف في اليقظة والحلم

يتخيل أغلبنا أن الكفيف لا يرى سوى ظلام دامس بلا نقطة نور، لون أسود بشكل كامل، بلا أي أمل في رؤية لون آخر، صورة ثابتة لا تتغير ولا تتحرك؛ لكن هذا التخيّل ليس صحيح، فالكفيف ربما لا يرى الظلام أبدًا، لا تتعجب، فقط واصل قراءة السطور التالية.

دامون روز، الصحافي في «بي بي سي»، فقد بصره تمامًا عندما كان طفلًا، لكنه يقول إن عالمه ليس أسود. إذًا ما الذي يراه بالضبط؟ على عكس ما يتوقعه الناس أكثر ما يفتقده روز هو الظلام

يقول روز: «الافتراض المنطقي هو أنه عندما يُطفأ البصر، يجب أن يحلّ الظلام. إذا أغمضت عينيك فإن كل شيء يتحول إلى اللون الأسود. إذًا أعمى يساوي أسود؟ هذا منطقي. لكن على الرغم من قطع الحبل السري بين عيني وعقلي، لم يتحول العالم إلى اللون الأسود».

يُضيف روز قائلًا: «على الأقل في حالتي، لا يوجد ظلام، بل بالعكس يوجد الكثير من الضوء الساطع، المُلون، دائم التغير، قد يبدأ بخلفية بنية داكنة، مع لمعان فيروزي أمامي، ثم يتغير إلى اللون الأخضر، ثم يصبح أزرقًا لامعًا مع بقع صفراء، غالبًا ما يُشتت كل هذا الانتباه بشكل رهيب، هذا بالإضافة إلى أن مجال رؤيتي لا يخلو من الأشكال الهندسية المتعرجة والغيوم، وإذا حاولت التخلص من كل هذا الإلهاء والتشتيت عن طريق إغلاق عيني، فلن ينجح الأمر. ولا تزول هذه الأشياء أبدًا، وحقًا أفتقد تلك اللحظات الهادئة المُظلمة!».

كيف يرى الأكفَّاء؟

معظم الأشخاص الذين يُعانون من فقدان البصر لا يكونون أكفّاء بشكل كلي، قد يكون لديهم بعض البصر؛ مما يعني وجود بعض القدرة على الرؤية، ويمكن أن تسمح لهم برؤية الضوء، أو اللون، أو الأشكال.

وفقًا للمؤسسة الأمريكية للمكفوفين، يقع حوالي 15% فقط في فئة «المكفوفين تمامًا»، أولئك الذين لن يستفيدوا من المساعدات البصرية مثل النظارات، أو العدسات اللاصقة، أو الجراحات، لذلك لا يحتاجون إلى استخدامها.

من الناحية القانونية أي شخص غير قادر على تصحيح بصره إلى أفضل من 20/200 فهو كفيف. ومع ذلك، حتى في درجة الـ20/200، قد يرى الشخص الضوء واللون والأشكال. فمعظم الأشخاص المُصنفين على أنهم مكفوفون لديهم مستوى معين من المُدخلات البصرية؛ لأنه في الواقع ليست العيون هي التي ترى، بل الدماغ. وتعتمد كيفية تفسير الدماغ لعدم وجود إشارة من العين على الخبرة السابقة.

يصف العمى الكلي الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في العين والذين ليس لديهم إدراك للضوء، وهذا يعني أن الشخص الكفيف تمامًا لا يرى أي ضوء على الإطلاق، يمكن أن يكون العمى الكلي نتيجة لصدمة، أو إصابة، أو حتى اضطرابات صحيّة مثل الحالة المُتاخرة من اعتلال الشبكية السكري.

بخلاف حالة روز السابق ذكرها، لا توجد إجابة واحدة على سؤال «ماذا يرى المكفوفون؟» لأن هناك درجات مختلفة من العمى، والتي يمكن تصنيفها إلى:

  • كفيف منذ الولادة:

وهو الشخص الذي لم يكن لديه بصر منذ ولادته. صموئيل، الذي ولد كفيفًا، أخبر موقع «ThoughtCo» أن القول بأن الكفيف يرى اللون الأسود أمر غير صحيح، لأن هذا الشخص لا يملك في كثير من الأحيان معرفة بالألوان، ولم يختبر من قبل إحساسًا آخر ليُقارن به. يقول: «ما نراه هو مجرد عدم بالنسبة للشخص المبصر».

يُمكنك تخيّل هذا عن طريق إغلاق أحد عينيك واستخدم العين المفتوحة للتركيز على شيء ما. ماذا ترى العين المُغلقة؟ لا شيء. هذا ما يقصده صموئيل.

  • فقد بصره لاحقًا:

الأشخاص الذين فقدوا بصرهم لديهم تجارب مختلفة. يصف البعض رؤية الظلام الدامس، كأن تكون في كهف. يرى بعض الناس شرارات أو يُعانون من هلاوس بصرية حيّة ومُتحركة وقد تأخذ شكل يمكن التعرف عليه، أو قد تكون في هيئة أشكال وألوان عشوائية، أو ومضات من الضوء.

هذا إذا لم يكن الكفيف مُصابًا بمُتلازمة تشارلز بونيه (سي بي إس)، المعروفة باسم هلوسة الإطلاق البصري، وهي أحد الاضطرابات البصرية الفيزيائية لدى الأشخاص المصابين بالعمى الجزئي أو الشديد، «الرؤى» هي السمة المميزة لهذه المُتلازمة والتي قد تكون دائمة أو عابرة، لكنها ليست مرضًا عقليًا ولا ترتبط بتلف في الدماغ.

وبخلاف ما يفرّضه التصنيفين السابقين من أشياء مُعينة في الرؤية، فهناك عامل آخر يتحكم فيما يراه الشخص الكفيف، وهو مدى إدراكه للمعلومات التي يستقبلها من العالم من حوله.

على سبيل المثال، ربما يتمكن بعض الأشخاص الأكفاء من معالجة معلومات معينة بإشارات أخرى غير المرئية، مثل الصوت أو الاهتزاز؛ إذ وجدت دراسة صغيرة أُجريت عام 2009 أن بعض الأشخاص الذين يعانون من ضعف شديد في الرؤية يستخدمون أجزاء من دماغهم يستخدمها المبصرون لمعالجة الرؤية.

في حالة الأشخاص المُبصرين، تذهب المعلومات المرئية أولًا إلى القشرة البصرية، التي تقع في الفص القذالي في الجزء الخلفي من الدماغ. من هناك تنتقل إلى الفص الجداري، والذي يشار إليه أحيانًا باسم «نظام أين»؛ لأنه يولد الإدراك لموقع الجسم المحسوس. بعد ذلك تسير المعلومات إلى الفص الصدغي، المعروف أيضًا باسم «نظام ما» لأنه يحدد ماهية الكائن.

تُشير الدلائل المستمدة من تجارب تصوير الدماغ الحديثة إلى أن أدمغة المكفوفين تستخدم نفس الدائرة العصبية.

يقول مورتون هيلر، عالم النفس الذي يدرس الإدراك المكاني والعمى في جامعة إلينوي الشرقية: «عندما يقرأ المكفوفون باستخدام اللمس (طريقة برايل)، ترسَل البيانات الحسية إلى القشرة البصرية لتعالجها، وباستخدام اللمس، يكتسبون إحساسًا بالمساحة، والمواقع النسبية للنقاط المرتفعة التي تشكل أحرف برايل».

وقد يستخدم المكفوفون حواسهم الأخرى لتشفير العلاقات المكانية.

على سبيل المثال، افترض أنك خلعت حذائك تحت الطاولة في مطعم. عندما يحين وقت الانصراف، قد تشعر وكأن قدميك تتجول باحثة عنهم، وتضعهم بشكل صحيح لتتمكن من ارتدائهم، كل ذلك دون استخدام عينيك.

يمكنك القيام بذلك لأنك تقوم بترميز المعلومات المكانية بنظام اللمس، أو حاسة اللمس. المثال ذاته ينطبق على المكفوفين الذين يستخدمون أيضًا حواسهم الأخرى، مثل السمع واللمس، لتشكيل تمثيل للعالم.

ماذا يرى الأكفَّاء في أحلامهم؟

غالبًا ما يرتبط نوم الأحلام بمرحلة النوم التي تسمى نوم حركة العين السريعة (REM)، الذي ينشأ في عمق الدماغ. ونظرًا لأنها وظيفة من وظائف الدماغ وليس العين، وبغض النظر عن سبب العمى، فإن المكفوفين يحلمون بقدر ما يحلم الشخص المبصر. لكن توقيت العمى في الحياة قد يؤثر في الواقع على محتوى الأحلام.

بشكل عام يمتلك الشخص الذي ولد كفيفًا أحلام، ولكنه لا يرى الصور. يمكن أن تشمل الأحلام الأصوات والمعلومات اللمسية والروائح والنكهات والمشاعر التي يحصل عليها خلال يومه.

من ناحية أخرى إذا كان الشخص مبصرًا ثم فقد بصره، فربما تتضمن أحلامه صورًا. ويعتمد ظهور الأشياء في الأحلام على نوع وتاريخ فقدان البصر.

ففي الغالب الرؤية في الأحلام يمكن مقارنتها بنطاق ومدى الرؤية الذي تمتع به الشخص طوال حياته. على سبيل المثال الشخص المصاب بعمى الألوان لن يرى فجأة ألوانًا جديدة أثناء الحلم.

قد يدمج الشخص الكفيف، الذي يرى ومضات من الضوء والألوان أو رؤى من متلازمة تشارلز بونيه، هذه التجارب في الأحلام. الغريب أن حركة العين السريعة التي تُميز نوم الأحلام تحدث لدى بعض المكفوفين، حتى لو لم يروا صورًا في أحلامهم.

تزداد احتمالية عدم حدوث حركة العين السريعة عندما يكون الشخص كفيفًا منذ الولادة، أو فقد بصره في سن مبكرة جدًا.

هنا من المهم معرفة أنه قد يكون من الصعب على المكفوفين الحصول على نوم جيد ليلًا؛ إذ يؤثر فقدان البصر لديهم على قدرتهم على التمييز بين النهار والليل، كذلك هناك مشكلة أخرى، وهي أن المكفوفين قد يُعانون من كوابيس أكثر من المبصرين.

فوفقًا لدراسة أُجريت عام 2013 درس الباحثون 25 كفيفًا، و25 مبصرًا. ووجدوا أن المشاركين المكفوفين قد عانوا من الكوابيس أربعة أضعاف الأشخاص الذين لا يعانون من فقدان البصر.

 

شاهد أيضاً

فيينا – رجل يضرب جارته ويحاول إشعال النار في جسدها

حاول رجل يبلغ من العمر 49 عاما، صباح يوم الخميس، قتل جارته البالغة من العمر …