إسرائيل والغرب.. لا صوت يعلو فوق المذبحة

لا حديث اليوم يشغل الرأي العام العالمي أكثر من جريمة الإبادة الجماعية، والحصار الوحشي الذي يطبقه الاحتلال الإسرائيلي على المدنيين الفلسطينيين في غزة (لا سيما الأطفال والنساء)، آخرها القصف الهمجي المتعمد للمستشفى المعمداني في غزة، والذي خلّف 500 شهيد من المدنيين؛ وذلك في محاولة فاشلة منه للتغطية عن الفشل، والهزيمة العسكرية الكبيرة، التي صدمت غروره وغطرسته، بعد الهجوم المحكم والشجاع لجنود مقاومة كتائب عز الدين القسام التابعة لحركة حماس؛ والذي جاء كرد منطقي ومبرر على الانتهاكات والجرائم الكثيرة والمتتالية لجيش الاحتلال الإسرائيلي التي قام بها ضد الشعب الفلسطيني في أرضه، ومن بينها على سبيل المثال لا الحصر: جرائم القتل المتتالية لأبناء هذا الشعب في مناطق مختلفة، وحرمانهم من أدنى شروط العيش الكريم كالأمن، وحرية التنقل، والتواصل مع أقربائهم.

إضافة إلى الاعتداء المتواصل على أماكن العبادة ومنع المدنيين من حقهم في التعبد، والاعتداء على الأسرى، وحرمانهم من أدنى الحقوق المتعارف عليها دولياً. هذا دون نسيان الحصار المطبق لعدة سنوات على قطاع غزة الذي يضم أكثر من مليوني شخصٍ أغلبهم من الأطفال، حتى بدأت توصف عند كثير من الحقوقيين الدوليين بكون هذه المنطقة (غزة) تمثل أكبر سجن مفتوح في التاريخ.

كل هذا الإرهاب الممنهج، وهذه الجرائم البشعة المتواصلة لسنوات عديدة، ذهب ضحيتها الآلاف من الأبرياء الفلسطينيين (أغلبهم من الأطفال والنساء)؛ لم تدفع الأنظمة الغربية وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، إلى الضغط على هذا الاحتلال الإسرائيلي ليوقف عدوانه، ويكبح وحشيته، احتراماً للقانون الدولي الذي يتغنون به في كل مناسبة؛ بل سارعوا إلى تأييده ونصرته عسكرياً، واقتصادياً، وسياسياً، وإعلامياً.

وهذا يأتي بعد الضربة القوية الموجعة التي تلقاها هذا الاحتلال الغاصب (ابتداءً من السابع أكتوبر/تشرين الأول 2023) من المقاومة الفلسطينية المشروعة؛ خوفاً من تفككه وزواله، لأنهم يعلمون جيداً أنه كيان ضعيف، يقف منذ وجوده على ركائز هشة، قوامها العنصرية والتعصب وإقصاء الآخر، والاستعلاء والغرور الاستعماري الذي يحق له استغلال الشعوب الأخرى واستعبادها أو إبادتها. والتاريخ يذكرنا بأن مثل هذه الكيانات لا تعمر كثيراً؛ لأن أسباب وجودها هي نفسها أسباب زوالها.

ما الذي يعنيه هذا الدعم الغربي الكبير والسريع والمباشر للاحتلال الاسرائيلي؟ يعني أن العنصرية الإسرائيلية متحكمة في الأنظمة الحاكمة في الغرب، لاسيما الدول المذكورة سابقاً، إما لكون الحكام هم أنفسهم عنصريين (يتبنون الفكر الإسرائيلي العنصري)، أو لأن اللوبيات الإسرائيلية في بلدانهم تضغط بحيث توجه سياستهم ومواقفهم تجاه “القضية الفلسطينية”، عبر الضغط عليهم بكل الوسائل؛ وفي كل الأحوال فهم شركاء في كل الجرائم والإرهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين أهل الحق والأرض.

نفاق الأنظمة الغربية، ومساندتهم للظالم ضد المظلوم في هذه المرحلة الحساسة التي عرفت التفوق الاستخباراتي والعسكري للمقاومة، في مقابل فشل غير مسبوق للاحتلال في هذين الجانبين، له ما يبرره أيديولوجياً وتاريخياً (كما أشرنا سابقاً)؛ لكن ما الذي يعنيه الموقف الجبان لأنظمة الدول العربية والإسلامية “المطبعة” مع الاحتلال الإسرائيلي تجاه ما يحدث الآن؟ يعني ببساطة، وكما جاء في عنوان هذا المقال، حماية لظهر الاحتلال في هذه الحرب الدائرة بينه وبين المقاومة الباسلة؛ لأن هذا الموقف يمثل ضوءاً أخضر ليستمر الاحتلال الإسرائيلي في تنفيذ الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتهجير القسري، الذي يتعرض له أهل غزة المحاصرة خصوصاً والفلسطينيون عموما.

إن المرحلة التاريخية التي نعيشها، تستوجب على كل الأنظمة العربية والإسلامية المطبعة مع إسرائيل أن تخجل وتعتذر وتتراجع عن جريمتها التي تمثل خيانة تاريخية كبرى للقضية الفلسطينية، وخيانة للقيم الإنسانية العادلة التي تحفظ لكل شعبٍ حقه في العيش بأرضه في أمن وسلام وكرامة، كما أنها خيانة لتوجه وموقف شعوب البلدان التي يحكمونها.

إن التطبيع الذي نقصده هنا، لا يشمل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية، وسياسية، واقتصادية، وعسكرية، وثقافية رسمية واضحة مع المحتل (مثل الإمارات والبحرين ومصر والأردن والسودان والمغرب…)؛ بل يشمل كل الدول العربية والإسلامية التي تقيم أي نوع من العلاقات المذكورة مع الاحتلال الإسرائيلي بشكل معلن أو غير معلن، رسمي أو غير رسمي، لأن كل هذه العلاقات تمثل دعامة اقتصادية وعسكرية لجيش الاحتلال عوض دعم المقاومة المشروعة، وتبريراً سياسياً لجرائمه المتواصلة عوض كبح وحشيته، وتشجيعاً له على الاستمرار في سياسته العنصرية وتوجهه المتغطرس تجاه كل الشعوب الأخرى، وليس تجاه الشعب الفلسطيني فقط.

إن العالم بأسره، ورغم حملات التضليل الإعلامي الإسرائيلي والغربي، يعلم مدى وحشية جيش الاحتلال الإسرائيلي المتعصب الذي ينظر إلى الفلسطينيين حتى المدنيين منهم “كحيوانات بشرية” يجب إبادتها كلياً (وهذا ما يفعله الآن)، ويعلم بحصاره المتواصل لسنوات عديدة لقطاع غزة، والاستمرار حالياً في تشديد هذا الحصار عليها (قطع الماء والكهرباء ومختلف المساعدات الإنسانية الضرورية)، وحرمان أهلها من كل حقوقهم، ويعلم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، والتهجير القسري الذي يقوم به حالياً. ويعلم أيضاً، أن هذا المحتل يستهدف بشكل مباشر ومتعمدٍ المستشفيات، وسيارات الإسعاف، والأطقم الصحية، ومختلف المنشآت المدنية والمدارس وأماكن العبادة. كما يستهدف بشكل مباشر ومتعمدٍ الصحفيين الذين ينقلون الحقيقة للعالم. ويعلم كذلك، أن الأنظمة الغربية الاستعمارية تقف معه وقفة الداعم والمشارك. كما يعلم بتخاذل الدول العربية والإسلامية للقضية الفلسطينية العادلة.

لكل ما سبق نقول: إن المرحلة التي نعيشها، ليست مرحلة تبني موقف “الحياد” و”الصمت”، لأن هذا في حد ذاته يعد موقفاً داعماً ومشجعاً للظالمين ولكل أشكال الاستعمار ضد المظلومين (الفلسطينيين والشعوب المضطهدة عموماً). إن الإرهابيين الحقيقيين هم قوات الاحتلال الإسرائيلي وداعموه ضد الضحايا المدنيين في غزة.

إن الواجب الأخلاقي والإنساني يتطلب أن يتحرك كل أحرار العالم فعلياً، وبكل السبل والوسائل المتاحة، لردع وكبح الاحتلال الإسرائيلي ومن يدعمه، وفي المقابل تأييد ودعم المقاومة الفلسطينية المشروعة، حتى ينتصر الحق على الباطل، ويرفع الظلم عن المظلومين.

 

شاهد أيضاً

زوجان يتعرضان لدعوى قضائية من أحد الجيران بسبب صياح الديك

يمثل مالكا الديك النمساوى ،من بلدة Perchtoldsdorf بمنطقة Mödling بالنمسا السفلى، أمام المحكمة بعد شكوى …