الطائرات الوقية التى لاتنال منها القبة الحديدية ولا القناصة وتبلبل جيش الأحتلال

MAIN_Kite-in-Gaza

 

وسيلةٌ ممتعةٌ وجذّابة، سمِّيت من قِبَل الشباب الساخر بـ(إف-16 الفلسطينية). هي الطائرات الورقية الحارقة التي تلازم الآن المتظاهرين على السياج الفاصل بين قطاع غزة ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

فبين عدَّة وسائل استُخدمت على مدار الأسابيع الستة الماضية لمسيرات العودة الكبرى، أصبحت اليوم الطائرات الورقيَّة الحارقة سيِّدة هذه الوسائل؛ تصل لأهدافها داخل دولة الاحتلال، فتُشعل النيران في زرع المستوطنين وممتلكات جيش الاحتلال، مكبِّدةً الطرفين في هذا المنطقة المحتلة خسائر فادحة، وفيما ترك قائدو الطائرات الورقية قادة الاحتلال يبحثون عن حل لمواجهة هذه الطائرات، يسيرون هم نحو المزيد من العمل لتحقيق نجاحاتٍ أنجع لهذه الطائرات.

الطائرة الورقية حين تصبح السلاح المرهق لإسرائيل

خِرقةٌ من القماش المغموس بالسولار، أو بما يسمِّيه الفلسطينيون بـ«المولوتوف»، مرسلةً في ذيل طائرة ورقية تحملها الرياح حيث يريد قائدها، إلى ما زرع المستوطنون في أرضه، وإلى الثكنات العسكرية لمن احتل وطنه، حيث يختار لها أن تهبط هنا أو هناك، فتشغل لبعض الوقت جنود الاحتلال عن قتل الشباب الفلسطيني المحتج سلميًا على الحدود بين قطاع غزة ودولة الاحتلال الإسرائيلي.

ابتكرت الطائرات الورقية الحارقة كواحدة من أنجع وسائل مقاومة الاحتلال في مسيرة العودة التي انطلقت في 30 مارس (آذار) الماضي؛ لتمثِّل إبداعًا شعبيًّا قويًّا، فتأثيرها الإيجابي على القضية الفلسطينية أصبح أهم من القوة العسكرية كما يقول المحللون، فهذه الوسيلة التي اختارها الشباب الفلسطيني بغية تشتيت قناصة الاحتلال عن استهداف المتظاهرين السلميين تخطَّت أهدافها الأولى وغيَّرت المعادلة، فهذا السلاح الورقي يتسبَّب الآن في استنفار جيش الاحتلال بشكل متواصل على الحدود، بينما يحاول قادته العسكريون البحث عن وسيلة لوقفه.

بينما يؤكد الكاتب والمحلل السياسي «حسام الدجني» أنّ «كل أدوات المقاومة السلمية مشروعة، وإطلاق طائرات ورقية تحمل بعض النيران، هي تعبير عن حالة الغضب الشعبي، ولعلها تدفع العالم للوقوف عند مطالب الشعب الفلسطيني العادلة، ولا سيما المتعلقة بالعودة وكسر الحصار والعيش بكرامة والانعتاق من الاحتلال»، وتابع القول لـ«عربي21»: «أي من وسائل مقاومة الاحتلال مشروعة، والشعب الفلسطيني مبدع في ابتكار أدوات النضال والتضحيات، ولكنه شعب لا يستطيع جني ثمن تلك الإبداعات والتضحيات، فعند العمل السياسي لا نقدم شيئًا».

الحرائق تأكل كل شيء.. الحقول والمنشآت

ألحقت الطائرات الورقية أضرارًا مادية جسيمة جرَّاء الحرائق في ممتلكات ومزارع الاحتلال القريبة من غلاف القطاع، فأصبح انتشار ألسنة اللهب بحقول القمح والغابات أمرًا شبه يومي، ولا يقتصر على يوم الجمعة حيث تكثف نشاطات مسيرة العودة.

MAIN_Kite-in-Gaza-1

حرائق في حقول موقع «ناحل عوز» الإسرائيلي ومعبر كارني بسبب طائرة ورقية (المصدر: وكالة شهاب)

ويساعد الطقس الشباب الفلسطيني على تحقيق أهدافه؛ حيث يتعمَّدون إطلاق الطائرات الورقية بشكلٍ رئيس ما بعد الظهيرة؛ حين تهب الرياح من الغرب إلى الشرق؛ وهو ما أدَّي إلى إحراق مساحاتٍ واسعة من الأحراش المحاذية لمواقع عسكرية إسرائيلية، ولحقت الحرائق كذلك بغاباتٍ قديمة من أشجار الكينا والصنوبر في غابات مستوطنات «بئيري» و«كيسوفيم»، كما اندلعت هذه الحرائق في حقول المستوطنين الذين اضطروا لحصاد حقول القمح قبل موعدها خوفًا من عدم تبقِّي شيء من المحصول، وبدأت في الأيام الأخيرة تصل الطائرات الورقية لمناطق جديدة كأحراش (كيسوفيم) وأحراش موقع (كفار عزة) العسكري، فهي المرة الأولى التي تصل إليها هذه الطائرات الحارقة.

واستهدفت الطائرات الحارقة منشآت تابعة لجيش الاحتلال، ومعدات هندسية خاصة بإقامة الجدار حول غزة، ويواجه الاحتلال أمر الطائرات الورقية عبر الاستعانة بطواقم الإنقاذ  المنتشرة الآن على طول الخط الفاصل؛ بهدف تحديد وجهتها، واستدراك حوادث حرق الأحراش قبل انتشارها أكثر، يقول الخبير العسكري الإسرائيلي «أمير بوحبوط»: إنَّ «الطائرات الورقية نجحت في إشعال الحرائق في الحقول والأحراش الزراعية وسط مخاوف من إرفاق هذه الطائرات بمواد متفجرة، وليس الاكتفاء بإرسالها لإشعال الحرائق»، وتابع القول: «الطائرات الورقية التي تعدُّ ذات بُعد شعبي، وليست (عسكرية عنيفة)، إلا أنَّ من شأنها إحداث أضرار نوعية في الجانب الإسرائيلي والتقديرات اليوم تقول إنها تذهب باتجاه إحراق المعدات الهندسية اللازمة لإتمام مشروع إقامة الجدار التحت – أرضي»، ومضى يقول في مقال تحليلي نشره موقع «واللا» العبري: «من يصدق أن طائرة تكلف الفلسطيني ١٠ شواقل (أقل من 10 دولارات) كفيلة بإحراق معدات هندسية ومناطق زراعية وإيقاع خسائر بملايين الشواقل.. هذا إنجاز للفلسطينيين وربما يلجأون لتفخيخها في المستقبل بمواد متفجرة».

الاحتلال عاجز عن مواجهة الطائرات الورقية بالصواريخ والقناصة

«لا فرق بين الطائرات الورقية والقسام لقد تم حرق مئات الدونمات في محيط غزة»، هذا ما قاله عضو الكنيست «حاييم يلين» الذي سقطت إحدى الطائرات الورقية الحارقة في فناء منزله حيث يقيم في أحد التجمعات الاستيطانية القريبة من غلاف غزة.

MAIN_Kite-in-Gaza-4

طواقم الاحتلال تحاول إخماد الحرائق (المصدر : شبكة القدس الإخبارية)

وتابع «يالين» وهو جنرال سابق في جيش الاحتلال: «من استهزأ في السابق ببعض المواسير والأنابيب ها هي تطوَّرت اليوم لتصبح قذائف صاروخية.. واليوم من يسخر من الطائرات مع مرور الوقت سيراها تحوم حول التجمُّعات الاستيطانية قرب غزة».

صبيحة أمس الجمعة، استفاق المستوطنون في بيوتهم المحاذية لقطاع غزة على تحذيرٍ من الاقتراب من الطائرات الورقية الحارقة حال سقوطها في مستوطناتهم، وأرجع هذا التحذير لاعتقاد الاحتلال أن الطائرات قد تحوى قنابل مفخخة، لكن سبق هذا التحذير تهديدٌ استهزأ به الشبان الفلسطينيون، فقد أعلنت قوات الاحتلال أنها ستختبر قناص جديد يتيح للجنود المتواجدون على الحدود مع غزة التقاط الأهداف المتحركة (الطائرات الورقية) على ارتفاع 100 متر، وذلك استجابة لمطالب رؤساء المستوطنات الإسرائيلية بإيجاد حل سريع للطائرات الورقية التي كبدتهم خسائر فادحة، حيث سيقوم الاحتلال بتركيب عدسة بندقية على بنادق القناصة لإسقاط الطائرة الورقية في الجو، وتعتمد العدسة على منظومة تعرف بـ(مطلق النار الذكي)، وقد جاء هذا الإعلان بعد تأكيد قادة الاحتلال أنهم سيتعاملون مع إطلاق الطائرات الورقية الحارقة كإطلاق القذائف الصاروخية.

كما أكد الاحتلال على حرصه على العمل على إعاقة الطائرات الورقية بواسطة الطائرات المسيرة وإسقاطها قبل الوصول لأهدافها مجتازة السلك الفاصل، ووصل الأمر لتهديد الاحتلال بتنفيذ هجمات عسكرية داخل قطاع غزة وإطلاق النار على المسؤولين لمواجهة خطة تسيير الطائرات، وكذلك إطلاق الرصاص الحي على مطلقي الطائرات الورقية في غزة، أو استهدافهم عبر طائرات الاغتيالات.

في المحصلة، تمكَّن الشباب الفلسطيني من تحويل استخدام الطائرة الورقية من لعبة ووسيلة لهو ممتعة إلى أداة ثورية تزعج الاحتلال، ويؤكد المحللون أنَّ الاحتلال لن يتمكن من النجاح في مواجهة هذه الطائرات بمعزل عن الحل الكامل لمسيرات العودة، فحتى القبة الحديدية التي تعترض قذائف وصواريخ الفصائل الفلسطينية عاجزة عن اعتراض هذه الطائرات التي يتحكم بسيرها ونزولها الشباب الفلسطيني.

كيف تُصنع الطائرات الورقية الحارقة؟

يعملون كفريق جماعي بشكلٍ مبهر، فعلى بعد مئات الأمتار عن الحدود، يتجمعون بعد أن يأتوا بمستلزمات صنع الطائرة من الخوص والورق والخيوط وعبوات المعلبات المعدنية الفارغة، ثم يبدأ الفريق بصنع الطائرات الورقية ذات قطر يصل لحوالي 60 سنتيمترًا، بعضها يغطَّى هيكله بالنايلون أو الأوراق الملونة التي تحمل ألوان العلم الفلسطيني، ثم يربط ذيل الطائرة بسلك معدني يحمل العلبة الفارغة المحشوة بالقماش المبلل بالسولار.

MAIN_Kite-in-Gaza-5

وحدة الطائرات الورقية (المصدر: شبكة القدس الإخبارية)

حين يجهز كل شيء، يختار الشباب وقت الظهيرة للانطلاق، وكذلك يختارون مكانًا مناسبًا للوقوف به وإطلاق تلك الطائرات، فيمسك كل واحد منهم بطائرته، ثم ينطلق هذا السرب الذي تم إعداده بدقَّة، وحين تصل الطائرة الورقية إلى سماء المكان المستهدف، يقوم قائدها بقطع الخيط الذي يمسكه فتسقط الطائرة في أراضي يزرعها المستوطنون، وتُحدث حرائق، وفيما تجنِّد قوات الاحتلال طواقم متخصصة لإطفاء الحرائق التي تسببها هذه الطائرات كحلٍّ وحيد الآن لمواجهة هذه الطائرات، يواصل الشباب الفلسطيني عملهم ضمن ما أصبح يعرف بـ«وحدة الطائرات الورقية» متعهدين بإطلاق أعداد كبيرة من الطائرات، يقول «حسام» أحد العاملين في هذه الوحدة أنهم يعملون: «لصناعة عشرات الطائرات الورقية بمجهوداتهم الشخصية دون تلقِّي دعم مادي من أية جهة»، ويضيف لـ«رصيف22»: «هذه الفكرة مستوحاة من تجارب الشباب في انتفاضة الحجارة عام 1987 عندما كانوا يحرقون مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية للمستوطنين في محيط قطاع غزة».

 

شاهد أيضاً

السجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ لناشط نمساوي لتضامنه مع فلسطين

قضت محكمة الجنايات النمساوية، أمس الخميس، بالسجن 6 أشهر مع وقف التنفيذ على الناشط النمساوي …