البقعة الأشد عسكرة على وجه الأرض.. كشمير على الحافة النووية – تقرير شامل

الإقليم «المسلم» في جولة جديدة من الصراع بعد 7 عقود من القتل والاغتصاب والتعذيب والإخفاء القسريّ وصراع الهند وباكستان

خلف هذه الطبيعة الساحرة في إقليم كشمير، تربض وحوش الحرب التي حصدت أكثر من 70 ألف روح إنسانية في سبعة عقود، والمزيد في الطريق. منذ اندلاع الصراع بين الهند وباكستان على الإقليم قبل أكثر من 7 عقود، سالت الكثير من الدماء، وتم انتهاك الآدمية وحقوق الإنسان، وهناك أكثر من 700 ألف جندي ينتشرون في وديان كشمير الخضراء، مما ‏يجعلها البقعة الأشد عسكرة على وجه هذه الأرض.

بشارات بير Basharat Peer، أحد أبناء الجانب الهندي للإقليم، لا ينسى ذلك اليوم من شتاء 1990. 

كان مراهقاً ما زال، حين خرج ليشاهد موكباً يتحرك عبر قريته الكشميرية باتجاه ضريح صوفي.
شعر التلميذ النجيب البالغ من العمر 13 عاماً وقتها بالاندفاع من الفرح وهو يسمع الرجال يهتفون للحرية: Aazadi!
كانوا يحتجون على عنف الجنود الهنود مع متظاهرين مسلمين، واستخدام الرصاص الحي لقتل بعضهم في المنطقة التي تسيطر عليها الهند من كشمير. 
كان المتظاهرون يدعون أيضاً إلى السماح لأبناء المنطقة المتنازع عليها بإجراء استفتاء على سيادتها، كما وعدت الأمم المتحدة ذات يوم. 

على الرغم من أن كشمير يسيطر عليها المسلمون، فقد تم تقسيم هذه الأرض المثالية ذات الجبال المغطاة بالثلوج والبحيرات الرائعة بين الهند وباكستان في عام 1948. ومنذ ذلك الحين قامت مجموعات مختلفة بحملات -سلمية وعنيفة- من أجل الانضمام إلى باكستان بأكملها أو لتصبح دولة مستقلة. ورداً على ذلك، قاتل الجيش الهندي المتمردين ونفذ فظائع أدت بدورها إلى إذكاء المعارضة.

يكتب بشارات في مذكراته الكشميرية “ليلة محظور فيها التجول” Curfewed Night عن شعوره في تلك الليلة: أن تكون في ذلك الموكب، وتشعر بنفسك جزءاً من أمر أكبر. 
أن تشاهد أفراد المليشيات الذين يعبرون الى الجزء الواقع تحت السيطرة الباكستانية من كشمير للتدرب على حرب العصابات، ويعودون كالأبطال. مثل كل فتى أردت الانضمام إليهم، فقد كان القتال والموت من أجل الحرية أمراً مرغوباً.
بعد ذلك سمع بشارات عن وقائع أكثر فظاعة.

عندما كان في الرابعة عشرة توصل بشارات وأصدقاؤه إلى قائد الجماعة الانفصالية “جبهة تحرير جامو وكشمير” وطلبوا منه الانضمام للجماعة، وقابل القائد مطلبهم بالضحك.

بعد دراسته للصحافة في نيودلهي قرر العودة إلى كشمير مراسلاً صحفياً، ومواطناً متسائلاً عن الحقيقة.


إحدى أكثر اللحظات المؤثرة في مذكراته تكشف عجز بشارات عن زيارة قرية كونان بوشبورا Kunan Poshpora. القرية التي اغتصب فيها الجنود الهنود تحت تهديد السلاح أكثر من 30 من الكشميريات عام 1990.

يروي أنه كان يجلس في موقف للحافلات للذهاب إلى القرية، وعندما تصل الحافلة لا يتحرك نحوها. يبقى جالساً في مكانه متابعاً صوت المحرك الهادر والحافلة تبتعد. لا يستطيع الاقتراب أكثر من مأساة كونان بوشبورا.

في كل قصص المعاناة التي يبحث عنها توجد قصة واحدة لا يستطيع أن يجبر نفسه على النظر إليها من قريب.


لكن “زوني”، وهو اسم مستعار لإحدى الناجيات من الجريمة البشعة، تتذكر اليوم الأسود: 23 فبراير/شباط 1991.
كنا نستعد للنوم في تلك الليلة الباردة، عندما سمعنا ضربات قوية جداً على الباب، وبعد ذلك اقتحم الجنود الهنود البيت، وأخرجوا الرجال منه، وأخذ بعضهم يشرب الكحول.
هاجمني 5 جنود منهم، ومزقوا ثيابي، وما زلت حتى الآن أتذكر وجوههم.

العروس الجديدة “زارينا” كانت أيضاً في البيت ذاته، وجاء الهجوم بعد 11 يوماً من زفافها.
في البداية سأل بعض الجنود أم زوجها عن الملابس الجديدة المعلقة في غرفتها، وأجابت: لعروسنا الجديدة.
تقول “زارينا” لـ بي بي سي: لا أجد كلمات أعبر بها عن بشاعة ما حدث لي بعد ذلك. حتى اليوم عندما أرى الجنود الهنود أشعر برعب شديد.

في هذا التقرير كل ما يجب معرفته عن مأساة كشمير منذ الاستقلال عن بريطانيا، وحتى القرار الهندي الأخير بإلغاء الحكم الذاتي للإقليم، والغضب الباكستاني، والتوابع الخطيرة للقرار الذي يشعل أكثر من فتيل للتوتر، بين الجارتين النوويتين.

بداية الصراع على كشمير

على غرار الكثير من نزاعات هذا العالم، بدأ الخلاف حول كشمير مع الاستقلال من القوى الاستعمارية.

في 1947، وأمام ضغط حركة الاستقلال السلمية للمهاتما غاندي والحركة الإسلامية، تنازلت بريطانيا عن مستعمراتها في الهند البريطانية. وخلف البريطانيون وراءهم دولتين: 

الاتحاد الهندي العلماني. وجمهورية باكستان الإسلامية.

ماهاراجا حاكم كشمير، في 1947

حاكم كشمير وقتها كان ماهاراجا (ملك) هندوسياً والسكان في غالبيتهم مسلمين، وكان يأمل في إعلان استقلال منطقته وكان يؤجل بالتالي الانضمام إلى إحدى الدولتين الفتيتين.

غير أن الوضع الخاص في سهل كشمير كان مهماً لكلتا الدولتين: 
فالهند ترى نفسها إلى اليوم أمة علمانية تتعايش فيها عدة ديانات، ووجود ولاية بغالبية مسلمة مكون هام للدولة الجديدة.
أما باكستان فترى نفسها وطناً لجميع المسلمين في جنوب آسيا.

في البداية حاول مقاتلون باكستانيون خلق حقائق على الأرض، فطلب حاكم الإقليم مساعدة الهند، وانتهت حرب كشمير الأولى في 1949 بتقسيم الإقليم على طول “خط المراقبة” وهي الحدود غير الرسمية إلى يومنا هذا.

وفي عام 1965 حاولت باكستان مرة أخرى تغيير المسار الحدودي بالقوة العسكرية، إلا أنها فشلت أمام القوات العسكرية الهندية. 

وفي عام 1971 حصلت مواجهة ثالثة بين الجارتين كان عنوانها هذه المرة بنغلاديش، وانتصرت الهند أيضاً. ووقّع البلدان في 1972 اتفاقية شيملا التي تحدد “خط المراقبة” وتدعو لمفاوضات ثنائية بشأن استحقاقات كشمير.

وفي 2003 أبرمت الهند وباكستان وقفاً جديداً لإطلاق النار لكنه أصبح هشاً منذ عام 2016.

70 عاماً من العزلة والمطاردات والقتل

يقعُ إقليمُ كشمير الذي عُرفَ باسمِ جامّو Jammu وكشمير في القسمِ الشماليِّ من شبهِ القارةِ الهندية، ويحتلُّ موقعاً استراتيجياً مهماً بحدود مع الصينِ والبنجابِ الهنديةِ ومنطقةِ التبت وباكستان.

تقترب مساحته من ربعِ مليونِ كيلومترٍ مربع، ويبلغُ عددُ سكانهِ ما يقاربُ 13 مليونَ نسمة، نحوُ 90% منهم مسلمون.

منذ عام 2010 أصبحت الهند تحكم ما يقارب 43% من المنطقة، إذ تسيطر على جامو، ووادي كشمير، ولاداخ Ladakh، ونهر سياتشين الجليديّ. 

وتحكم باكستان حوالي 37% من جامو وكشمير أو ما يُعرَف بـ آزاد كشمير أي كشمير الحُرّة، وجلجت بالتستان. 

أمّا الصين فتحكم حالياً منطقة ديمشوك، ووادي شاكسغام، ومنطقة 
أكساي شن، وتنازعها الهند على هذه الأقاليم التي تدّعي الصين امتلاكها منذ استيلاء الصين على أكساي خلال الحرب الهندية الصينية عام 1962م.

تعدّ كشمير الولاية الأساسية في المنطقة. وتُعرف أساساً بأنها أرض المعلّمين الروحيّين، حيث شهدت ولادة وحياة العديد من الشعراء العظماء والصوفيين على مرّ العصور. والغالبية العظمى من الكشميريين مسلمون، فيما تلعب الهوية الإسلامية دورّاً هاماً في الحياة اليومية للناس. 

ووفقاً للباحثين فإنّ القوات الهنديّة قامت بالعديد من الانتهاكات لحقوق الإنسان والأعمال الإرهابية ضد السكان المدنيين الكشميريين بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء، والاغتصاب، والتعذيب، وحالات الاختفاء القسريّ. 

وبعد القرار الأخير، احتجزت الهند أساتذة جامعيين ورجال أعمال ونشطاء وصحفيين من بين أكثر من 500 شخص في المنطقة، ونقلت بعضهم إلى أماكن مختلفة من الهند، بحسب تقارير صحافية.

7 قرون من الإسلام الصوفي والشعبي.. ثم الجهادي

“يعيشون في سجن كبير، وفرضت الأحكام العرفية، وتقييد على الذهاب لصلاة الجمعة في المساجد القريبة فقط، حتى ماكينات الصراف الآلي (ATM) لا تعمل”، هكذا يصف رئيس تحرير صحيفة ميللي جازيت الهندية ظفر الإسلام خان في حديثه مع “موقع الحرة” الوضع في كشمير الهندية.

عرفت كشمير الإسلام لأول مرة في القرن الأول الهجري، لكنه لم ينتشر إلا في القرن 14 الميلادي، على يد رحّالة مسلم من تركستان معروف باسم بلبل شاه. 

وقويت شوكة الإسلام خلال حكم شاه مير، القرن 14 الميلادي، وفي نهاية القرن 15 الميلادي كان أغلبية سكان كشمير قد اعتنقوا الإسلام.

دينيّاً، انتشر الدين الهندوسيّ في كشمير حتى القرن الرابع عشر، حتى دخلها المسلمون حاكمين من عام 1320 لغاية عام 1819، حيث ينقسم حكمهم إلى ثلاث فترات مختلفة: 

فترة حكم السلاطين المستقلين 1320 – 1586.
فترة حكم المغول 1586 – 1753.
وأخيراً فترة حكم الأفغان 1753 – 1819.

وبذلك أصبح الإسلام الدين الرئيسيّ للكشميريين على مدى 5 قرون متتابعة.

يتسم الإسلام الكشميري بتعظيم الأولياء وتقديم القرابين لأضرحتهم المنتشرة بمدن الإقليم، ويرفعون على الأضرحة عرائض تتضمن ما يحتاجون إليه.

وفي مدينة سريناغار يوجد ما يعتقدون أنه رداء لأبي البشر آدم، وشعرة من النبي محمد، كما توجد بأضرحة أخرى عصا موسى وقرن أضحية إسماعيل التي هبطت من الجنة.

ويقول أرشاد حسين، وهو طبيب نفسي بارز في المنطقة، قائلاً إن تلك المزارات في كشمير تؤدي دور مؤسسات تخفيف المحن. “لقد بدأت في أوقات لم تكن توجد فيه مؤسسات تقدم المساعدة أو آليات للتصحيح، ثم أصبحت ثقافة. الأشخاص المرضى أو من عندهم قضايا عائلية ينتهي بهم المطاف في هذه المزارات ومعهم مناشداتهم”.

يضيف الطبيب النفسي أنه “في الوضع الراهن، وبعد صراع، يتوجه العديد من النساء الحزينات إلى هذه الأضرحة بعد زيارتي. إذ ينتابهن شعور أفضل بالحديث عن محنهن في الأماكن الروحانية أكثر من الحديث لفرد عادي”.
هكذا يصلون الجمعة بالتلاوة والتواشيح

وسجل الرحّالة السعودي محمد بن ناصر العبودي في يوميات رحلته إلى كشمير نهاية السبعينيات، تفاصيل صلاة الجمعة بأحد مساجد مدينة سريناغار Srinagar العاصمة الصيفية لإقليم كشمير.

استمر حكم المسلمين لكشمير حتى 1839، عندما استولت شركة الهند الشرقية الاستعمارية البريطانية على المنطقة، ثم باعتها لأسرة “الدواغرا” الهندوسية، وتولى حكمها المهراجا الهندوكي “غولاب سينغ”، وكانت تلك المرة الأولى التي تدخل فيها أغلبية مسلمة تحت حكم أقلية غير مسلمة منذ دخول الإسلام إلى الهند.

وظل المسلمون طوال قرن من الزمان يتعرضون لصنوف شتى من الاضطهاد والظلم، فلم يسمح لهم بتولي الوظائف المدنية أو العسكرية، وفُرضت عليهم الضرائب الباهظة وفرضت عليهم قيود شديدة في أداء العبادات.


نيودلهي تشعل شرارة الأزمة الأخيرة لهذه الأسباب

في 5 أغسطس/آب 2019 ألغت الهند الحكم الذاتي لكشمير والوضع الخاص لها، وكثفت وجودها العسكري في الإقليم الذي ينتشر فيه 500 ألف من قوات الأمن الهندية.

وكان الدستور الهندي يمنح إقليم “جامو وكشمير” وضعاً خاصاً في المادة 370 يتمتع فيه باستقلالية في الشؤون الإدارية عدا تلك المتعلقة بالخارجية والدفاع والاتصالات.

تشجيع هجرة غير المسلمين

منذ اعتماد دستور “جامو وكشمير” عام 1956، أقر قانون الإقامة الدائمة، الذي يسمح فيه للسلطة التشريعية بتحديد المقيمين الدائمين وما الذي يميزهم.

وتريد الهند من وراء خطوتها حماية الشخصية الديموغرافية للإقليم، وإلغاء حظر الهجرة إليه من المناطق الأخرى من الهند، وهو ما يثير غضب القوميين الهندوس المتطرفين، الذين يمثلهم رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

ويسعى مودي إلى تشجيع الهندوس على الهجرة إلى كشمير بهدف تغيير الهوية الديموغرافية للإقليم الوحيد ذي الغالبية المسلمة في الهند.

ويقول السفير الباكستاني السابق جاويد حفيظ إن خطة الحزب الحاكم المتطرف في الهند هو تهميش المسلمين في كشمير وتحويلهم إلى أقلية، حيث يشكل المسلمون في كشمير المحتلة 65% من عدد السكان هناك”.

تحفيز الهندوس على الشراء والتملك والإقامة

الكاتب والصحفي الباكستاني محمد فيصل، يرى أن “فتح الباب أمام تملك غير المقيمين الدائمين للأراضي، والذي تقيده الفقرة 35 من المادة الدستورية الملغاة، يفتح الباب أمام حزب بهاراتيا جاناتا القومي الهندوسي الذي يتزعمه رئيس الوزراء، لتشجيع الهندوس على الشراء والتملك والإقامة في الإقليم، ما يعني تغييراً ديموغرافياً على المديين المتوسط والطويل”.

فتح  الباب للتطهير العرقي أيضاً

يتخوف الصحفي محمد فيصل أيضاً مما يعتبره “الخطوة الأخطر في طريق تغيير التركيبة السكانية هي عمليات التطهير العرقي التي قد تحدث، على غرار ما حصل في ميانمار، وهذا ما يخشاه السكان بعد أن حشدت الحكومة الهندية قوات كبيرة في الإقليم، بدعوى مواجهة الاحتجاجات”.

تشجيع الشباب الهندي على الدراسة والعمل في كشمير

كشمير لن يفقد الحكم الذاتي فقط، بل سيفقد كل ما يميِّزه عن باقي الولايات الأخرى. فالوظائف في الإقليم كانت مخصصة لسكانه فقط، والدراسة في جامعاته لأبنائه فقط. لكن بالقرار الأخير فإن الهند سوف تفتح أبواب الإقليم أمام الجميع رغماً عن رغبة سكانه.

إعادة تقسيم الإقليم إدارياً

عندما وافقتْ كشمير على الانضمام إلى الهند في عام 1947، احتفظت بدرجة من الحكم الذاتي، فإنها تقلل بدرجة كبيرة من استقلال كشمير.
وتحد من سلطة حكومتها المحلية. 
وتحرم كشمير من حقها في سن قوانينها الخاصة. 
وقالت الهند أيضا إنها ستعيد تشكيل الدولة إداريا ، ما يعني تقسيمها بالطريقة التي تراها مناسبةً.

التنسيق مع الرئيس ترامب ضد الصين

افتراض أن مودي حصل على الضوء الأخضر من البيت الأبيض بشكل مباشر قبل أن يلغي المادة 370 من الدستور الهندي هو افتراض أقرب للواقع منه لنظرية المؤامرة.

واشنطن تخوض حرباً تجارية على كل المستويات مع الصين، وتعتبرها العدو القومي الأول، وبالتالي إعطاء الضوء الأخضر لمودي كي يفعل فعلته الآن كفيل بفتح جبهة خامدة من الصراع على حدود الصين وهو ما سيمثل إرباكاً للقيادة الصينية وتشتيتاً على أقل تقدير.

ما أقدمت عليه الهند لم يكن ليتم بتلك الطريقة دون ضوء أخضر من ترامب الذي أراد أن يشغل الصين بصراع حدودي مع جار قوي مثل الهند، وأن يقوي موقفه الانتخابي بصفته الرئيس الذي يعرقل الصعود الصاروخي للتنين الصيني. أيضاً هناك رغبة الصقور في الإدارة الأمريكية في تقوية الهند لتمثل شوكة في خاصرة التنين الصيني، استغلالاً للماضي الشائك بينهما.

مضايقة الصين وفتح ملفات الحدود القديمة

وصفت الصين خطوة الهند بغير المقبولة وغير الملزمة. وقال بيان الخارجية الصينية إن “الهند واصلت مؤخراً أفعالها التي تضر السيادة الصينية وذلك بإقدامها على تغيير قانون محلي، وضم أراضي صينية”.

تتسم طبيعة العلاقات بين الجارتين بالبرود والتجاهل في معظم الأحيان ولذلك أسبابه، فهناك مسائل عالقة مثل مشاكل الحدود التي نتج عنها حرب عام 1962، وهو ما ينعكس على حالة التوجس المستمرة سواء في الإعلام أو حتى بين مواطني أكبر دولتين من حيث عدد السكان على وجه الأرض.

السكرتير العام لمؤسسة دراسات وسط آسيا تشين يو شي يرى أن تحرك الهند الأخير في كشمير ما هو إلا محاولة لعرقلة تأثير الصين المتنامي في المنطقة، مضيفاً أن خطوة مودي هي استفادة من التوترات بين بكين وواشنطن كي يعطل التمدد الصيني في جنوب آسيا. 

هذه الخطوة بلا شك تمثل تهديداً للتوسع الصيني ونفوذها المتنامي، خاصة في باكستان نفسها.

الصين أيضاً تستثمر أكثر من 50 مليار دولار في البنية التحتية في باكستان بغرض شق طرق ومبان وطرق سريعة وجسور ومدن ومحطات لتوليد الطاقة، كجزء من مشروع يسمى «الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان» يهدف إلى ربط إقليم زينغيانغ الصيني بإقليم بالوشستان الباكستاني على البحر العربي.

الممر الاقتصادي بين الصين وباكستان»

المسلمون في سجن المصالح مع الهند

 توقعت صحيفة غلوبال تايمز الناطقة بلسان الحزب الشيوعي الحاكم في بكين أن تتخذ باكستان إجراءات قوية مضادة رداً على إلغاء المادة 370، وقالت: «لو عارض جميع المسلمين الخطوة الهندية، سيكون من الصعب على النظام الهندي أن يسيطر على الموقف. نحن لا نرى أن الهند تمتلك الموارد السياسية أو غيرها كي تسيطر على المنطقة”.

الآن وقد أصبح موقف الصين واضحاً من قضية كشمير ودعمها لباكستان ومسلمي كشمير مبني على حساباتها الخاصة ومصالحها وصراعها مع الولايات المتحدة وتنافسها مع الهند، ماذا عن موقف الدول العربية مثل المملكة العربية السعودية والإمارات ومصر؟
أليس من البديهي أن يكون هناك دعم واضح وعلني من تلك الدول لباكستان ولو حتى دبلوماسي؟ 
لماذا إذن هذا الصمت أو البيانات الضعيفة التي لا تحمل موقفاً من الأساس؟
الحقيقة أن مصالح تلك الدول مع الهند ومن ورائها أميركا أقوى بكثير من مصالحها مع باكستان، ومن ثم ليس من المنتظر أن تحظى باكستان بدعم قوي من هذه الدول.

النار تحت الرماد.. هؤلاء الجهاديون ينتظرون الفرصة 

اختارت باكستان حتى الآن أن تعلن رفضها للقرار الهندي عبر وسائل الضغط الدبلوماسي، واللجوء للأمم المتحدة.

لكن المؤكد أن أخطر توابع القرار الهندي الأخير سيكون اتجاه باكستان إلى إحياء الحركات الانفصالية المسلحة في كشمير التي كانت قد تراجعت بسبب الضغوط الهندية.

وطالما وجهت الهند الاتهامات لباكستان بتقديم دعم خفي للمجموعات المسلحة، مثل جماعة “جيش محمد” أو جماعة “لشكر طيبة”، وحذرت من تمركز تنظيم “داعش” في كشمير. 

وهذه أبرز الجماعات الجهادية الانفصالية، التي حملت السلاح مطالبة باستقلال كشمير.

جبهة تحرير جامو كشمير JKLF

جماعة مؤيدة للاستقلال كانت تريد أن تكون كشمير منفصلة عن كل من الهند وباكستان. تخلت جبهة تحرير جامو كشمير عن العنف عام 1994، وأعلنت وقف إطلاق النار لأجل غير مسمى، وحلّ جناحها العسكري، والتزمت بالنضال السياسي.

حركة المجاهدين، حركة الأنصار سابقاً

تأسست عام 1997 على يد فضل الرحمن خليل، الذي أصدر فتوى في 1998 دعا فيها لمهاجمة المصالح الأمريكية والغربية. تتمركز في مظفر آباد عاصمة الجزء الباكستاني من كشمير، وتتبنى التوجه السني، وتقاتل القوات الهندية في منطقة كشمير المتنازع عليها بين الهند وباكستان.

عسكر طيبة، أو لشكر طيبة LeT

تأسست عام 1990 على يد أستاذ الهندسة السابق في جامعة بنجاب الباكستانية حافظ سعيد، وكانت ترسل مقاتلين عبر خط السيطرة إلى كشمير الهندية. ووفقاً لبيانات قوات الأمن الهندية، فإن المجموعة لديها أكبر وجود للمقاتلين في شطر كشمير الخاضع لإدارة الهند. ورغم الإجراءات الحديدية ضد الحركة، فإن الأجنحة الخيرية للجماعة -مثل جماعة الدعوة ومؤسسة فلاح إنسانيات- تواصل العمل بحرية في جميع أنحاء البلاد.

جيش محمد 

مجموعة أسسها مسعود أظهر العضو السابق في حركة المجاهدين، ومن المرجح أن له صلات بتنظيم القاعدة وحركة طالبان، وتتورط مجموعته في إرسال مقاتلين إلى أفغانستان لمحاربة قوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة. 

مسعود أظهر العضو السابق في حركة المجاهدين

تورطت مجموعة “جيش محمد” في عدة هجمات انتحارية بارزة، وقع أبرزها في بداية 2019، بتفجير حافلة تابعة للشرطة العسكرية الهندية بسيارة انتحارية، ما أسفر عن مقتل 42 شخصاً على الأقل، وكان هذا أكثر الهجمات دموية على تراب كشمير لعقود.

حركة الأنصار

تأسست عام 1986 وانشقت إلى جناحين.. حركة المجاهدين التي يقودها مولانا فاروق كشميري، تضم حوالي ثلاثة آلاف مقاتل. 

وحركة الجهاد الإسلامي التي يقودها السيد سيف الله أختر، وتعتبر أقل عدداً من الأولى.

مجاهدي بدر

انشقت عن حزب المجاهدين التابع للجماعة الإسلامية، ويقودها حالياً السيد بخت زمين، وتضم حوالي ألف مقاتل.

جدل الأزمة الأخيرة بين صانع القرار وسكان كشمير

الهند: بعد 5 سنوات تصبح كشمير جوهرة الهند

تجادل الهند بأن إلغاء “الحالة الخاصة” التي تتمتع بها كشمير وجامو سيصحح الكثير من الأوضاع الخاطئة، وفي المقدمة الامتيازات التي يحظى بها المقيم الدائم بالإقليم. 

وتمنع قوانين الإقليم  فعلياً الغرباء من شراء العقارات أو شغل وظائف في القطاع العام أو الالتحاق بالكليات الحكومية، كما رفضت العديد من التغييرات التشريعية الحديثة في الهند.

هذه الحجة التي تبني عليها نيودلهي قراراها؛ إذ تقول الحكومة هناك إن العديد من قوانين كشمير عفا عليها الزمن، فيما يرفض الكشميريون تبنّي إصلاحات اجتماعية هندية تقدمية، مثل قوانين مكافحة العنف المنزلي، وحجز المقاعد في المجالس المحلية للنساء، حسب الحكومة.

وتبنى المسؤولون هذه الخطوة باعتبارها إصلاحاً تدريجياً وتهدف إلى معالجة “التخلف القانوني في منطقة تعيش في الماضي وجعل الحكومة تعمل بشكل أفضل من أجل مواطنيها”.

وزير الداخلية الهندي، أميت شاه

وزير الداخلية الهندي، أميت شاه اعتبر في البرلمان أن المادة 370 “تمثل أكبر عقبة في طريق إعادة الحياة الطبيعية إلى كشمير”، مخاطباً الشباب الكشميريين “أعطونا خمس سنوات، وسوف نجعل كشمير أكثر المناطق تطوراً في الهند”.

أهل كشمير: تكذبون.. الهدف هو التطهير العرقي والديني

يجادل سكان كشمير نيودلهي، بأن المشكلة الأكبر في المنطقة ليست الوضع الخاص لمنطقتهم بل في الوجود العسكري الساحق للهند، الأمر الذي يؤدي إلى احتكاك مستمر يتسبب في تعرضهم للإهانة والمضايقة بشكل روتيني من قبل قوات الأمن، وهو ما يغذي العنف.

ويرى الكثير من الكشميريين أن السبب الحقيقي للتغييرات هو تمهيد الطريق أمام التحول الديموغرافي، وعملية تطهير عرقية ودينية وفتح البوابات أمام “الغرباء للامتلاك والتوطين”.

مايكل كوجلمان ، خبير هندي في مركز ويلسون

الخبير الهندي في مركز ويلسون للتفكير في واشنطن، مايكل كوجلمان، قال لمجلة فوكس الأمريكية، إن المسلمين هم الخاسر الأكبر في كل هذا؛ إذ وصف إلغاء المادة 370 بكونه “مظهراً كبيراً للقومية الهندوسية، لأنها تمثل محاولة لجلب المنطقة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة في الهند إلى اتحاد الهند بحيث يمكن للأغلبية الهندوسية في البلاد الاستثمار، والحصول على الأراضي هناك، وما إلى ذلك.”

وبموجب الترتيبات الجديدة، قد تُنشئ الهند مدناً منفصلة تحتوي على مراكز تسوق، ومدارس، ومستشفيات خاصة بها. 

وقد تمنح نيودلهي هذه المناطق وضع المنطقة الاتحادية، ما سيساهم في تقسيم كشمير أكثر. أو ربما تمنح هذه المدن المنفصلة ببساطة بعض المقاعد في المجلس التشريعي الجديد. 

وسيشعر مسلمو كشمير بالتهديد في كلتا الحالتين.

وفي أنحاء الهند، يُقتل المسلمون خارج إطار القضاء لأكلهم لحم الأبقار. ويُوصفون بأنهم معادون للهند وموالون لباكستان. وتخدم هذه الروايات أهداف الهندوس القوميين مثل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي يرى الهند دولةً هندوسية ويصف المسلمين بالدخلاء.

رئيسة حكومة جامو وكشمير السابقة محبوبة مفتي

رئيسة حكومة جامو وكشمير السابقة محبوبة مفتي، التي وُضعت رهن الإقامة الجبرية عقب صدور القرار الهندي، وصفت تصرف حزب “بهاراتيا جاناتا بأنه “يمثل أحلك يوم في الديمقراطية الهندية ودلالة على طغيان المفاهيم القومية”.

3 أخطار تهدد مستقبل كشمير بعد القرار الهندي

1/ خطر المواجهة العسكرية الرابعة بين الجارتين

تبقى احتمالية بعيدة لكنها غير مستبعدة، الحرب المباشرة. 

لا يبدو الوضع متجهًا للتهدئة، وقد ينجح أي جيش من الطرفين بانتزاع قرار الحرب. يزيد رجحان هذه الاحتمالية الحرب التجارية الأمريكية الصينية الأخيرة. فيمكن للولايات المتحدة أن تستغل حرباً بجانب التنين الصيني لشغله عن تقدمه التكنولوجي. خاصةً أن ردود الفعل الأوروبية والأمريكية لم تبدُ جادةً في البحث عن حل للأزمة.

حرب رابعة بين باكستان والهند بات أمراً متوقعاً، وهو سيناريو تسعى الدول الكبرى إلى عدم حدوثه، لأن الحرب الجديدة لن تكون كسابقاتها، ذلك أن البلدين يملكان اليوم أسلحةً نووية، وهو ما لم يكن متوفراً في الحروب الثلاث السابقة، بحسب وليد شفيق، الباحث في العلوم السياسية في جامعة “هلسنكي” الفلندية.

شفيق قال لـ”الخليج أونلاين”: إن “الخطوة الهندية سترفع من مستوى الغضب في كشمير، وهو ما يعني احتمال تأجيج المقاومة الشعبية على اعتبار الهند أصبحت رسمياً قوة احتلال”.

وتوقع الباحث في الشؤون السياسية أن الفارق الكبير في موازين القوة العسكرية والاقتصادية الذي يميل لصالح الهند، قد يدفع باكستان لاستخدام السلاح النووي في حال اندلاع الحرب على الحدود الكشميرية.

2/ خطر المذابح العرقية والمواجهات الطائفية

عقب القرار الهندي، بادر رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان بتحذير المجتمع الدولي من خطورة السياسات والقيود التي تفرضها الهند في إقليم كشمير. وقال خان، في تغريدة عبر تويتر: «هل سيشاهد العالم بصمت مجزرة أخرى شبيهة بتلك التي وقعت في سربرينيتسا، ضد مسلمي كشمير؟».

وأضاف: «أريد أن أحذر المجتمع الدولي من أنه في حال السماح بهذا الأمر، فإن التطورات ستؤدي إلى تداعيات وردود فعل قاسية ستؤدي إلى حلقات من التطرف والعنف في العالم الإسلامي».

ولفت إلى أن وجود جنود إضافيين في المنطقة المحتلة حالياً، والقيود المفروضة على مسلمي الإقليم، «مثال على التطهير العرقي» الذي مُورس في وقت سابق تجاه المسلمين في ولاية كجرات من قبل رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي.

3/ خطر تصاعد العنف في الهند وكشمير

من المؤكد أن الإقليم سيشهد عمليةَ تحوُّل ديموغرافيّ في المنطقة ذات الأغلبية المسلمة بعد القرار الهندي، وستشعلُ التوتراتُ بين الهندوسِ والمسلمين في جميعِ أنحاءِ البلادِ.

وعلى الرغم من عدم رغبة رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي في معالجة تصاعد العنف في بلاده، يقول الخبراء إن هذا القرار سيؤجج الأوضاع الأمنية في الإقليم، وسيدفع حكومة مودي نحو اتخاذ خطوات محفوفة بالمخاطر من قبيل هذه الخطوات؛ بسبب الدعم الشعبي القوي، ما فسره مايكل كوجلمان، نائب مدير برنامج آسيا في مركز ويلسون للأبحاث بواشنطن، بأنه “لا يوجد سبب يدعو إلى التراجع عن تنفيذ السياسات التي لم تنفذ في السابق”.

حتى لو هدأت التوترات في المستقبل القريب، فإن مودي لا يزال لديه حافز ضئيل للتراجع وكبح طموحات حزبه؛ فحسب مجلة “ذا هندو” فإنه من المرجح أن يتخذ العديد من الخيارات المثيرة للجدل خلال الخمس سنوات القادمة، والتي قد يؤثر الكثير منها أيضاً على باكستان.

وهو ما يعني استمرار المشاكل في كشمير.

والمزيد من التدهور في العلاقة الهندية الباكستانية.

رئيس الحكومة الهندية ناريندرا مودي

شاهد أيضاً

مدينة فيلز النمساوية تشدد قواعد رمي النفايات.. بطاقة حمراء ثم غرامة ثم مصادرة

أعلنت إدارة النفايات في مدينة فيلز، يوم الخميس، عن تشديد العقوبات على الأسر التي تلقي …