الدكتور – أحمد ترك، شاب في الثمانين

فيينا – الدكتور هادى التونسي —-

في الثمانين من عمره، لكنه يمارس رياضات الماراثون و الجولف و الاسكواش و ركوب الدراجات. والداه أميان، لكنه أصر ان يكون طبيبًا ، و وصلت شهرته النمسا و الدول العربية. ولد في يافا،  و تأثر و أسرته بحرب فلسطين، فخاضوا غمار مخاطرة الهجرة الي بيروت ، و منها الي الأردن ،حيث تعلم بمدارسها. لم يكن بالأردن حينها تعليم جامعي مناسب، فاختار ان يهاجر الي النمسا للالتحاق بكلية الطب بعد ان تعلم بها الألمانية . كان يمكن ان يكتفي بشهادة التخرج و بدراسة تخصصية، لكنه أصبح أخصائيًا في طب الأطفال و في الأمراض النفسية و التحليل والعلاج النفسي و الطب الرياضي، و كان يمكن ان يقنع بمهارته و تخصصاته بعمل مجزي  و شهرة و حياة أسرية مستقرة، لكن اهتماماته الانسانية كانت اكبر فاهتم بنفسية الأطفال لحمايتهم من الاعتداء الجنسي و المخدرات، و ساعدته دراسة علوم الطاقة و التأمل و التنويم و الرياضة في جعل الأخيرة احدي طرق الوقاية و المكافحة لحماية الطفل. امتد اهتمامه الي الخدمة العامة و الي اللاجئين فعمل كمحاضر و مراقب و معالج في تنظيمات نفسية و لحقوق الطفل و الانسان و مع منظمة أطباء بلا حدود و الصليب الأحمر و الكاريتاس و كير، سواء في النمسا او من خلال اكبر تنظيماتها لتقديم المساعدة مع  الدول العربية بما في ذلك لبناء المستشفيات. كل هذا اضافة للعمل كطبيب في عيادة و مستشفي و الي  اهتمامه بتنظيم وقته و ممارسة هوايات الرسم مع الأصدقاء، و الموسيقي والرياضة مع الأسرة، بل و إنشاء فريق فلسطين الرياضي العربي، حيث رأي أن الرياضة توحد ممارسيها علي تباين مذاهبهم و ميولهم السياسية، و دخل بالفريق مسابقات دولية..

عرفته لأول مرة في إحدي الندوات، يشيد، و هو رئيس قسم للطب النفسي، بالمحاضر بكلمات تتدفق عمقا و حماسة و صدقًا، و تلهب مشاعر الحاضرين، رأيته دافق الحيوية بالغ الفرح و العزيمة و رائدًا للمبادرة و الفكر التنظيمي؛ سلاسة فائقة تجمع الشعور و الكلمات و العمل في تناغم يدفع للإنجاز في تواضع و احترام أصيل و تجرد؛ إنجاز يريده مزيدا من الخدمة العامة، خدمة تتعدي بني جلدته و قوميته الي بلد اختار ان يعيش فيه، و يعمل به من أجل الجميع، من أجل الانسان بدءًا من الطفولة، و جعل ربما دون ان يدري من مسيرة حياته قدوة.

نادرًا ان تجد إنسانًا كهذا؛ إنسان متفوق مهنيًا و مجتمعيًا و قيميًا و رياضيًا و أسرياً و صحيًا ، و الأهم إنسانيا،انسان أصيل، ستون عاما في النمسا و تراه بقيمه و عاداته العربية و انتمائه متوافقًا مع اصوله و اسلوب المعيشة و القيم في النمسا، حتي ان بعض أنشطته من خلال أحزابها ، مسيرته جعلت منه جسرًا للتعاون بين النمسا و الدول العربية، و معاناة الهجرة و الحرب جعلته يهتم بالطفل و اللاجئ و الإنسان باختلاف ثقافته، بل أراد ان يستلهم من قيمه بداية لعلم نفس إسلامي ، لان فهمه للدين قيم تحتوي الانسانية.

مسيرة مدهشة لطموح جارف و إرادة صلبة و أمال و مبادرة تتجاوز حدود المعتاد، فكان طبيعيًا أن اتساءل عن النشأة الأسرية.

والداه بفطرة حكيمة تميزا بحب الأسرة و لطف التعامل و التمسك بالقيم، خبر والده صبورا نشيطا مخلصا ، يمتلك مطعما، و بالتالي قادرا علي الخدمة و الرعاية، مثل والدته التي اولت أسرتها نفس الاهتمام، رعاية تقدمها بحب و هدوء.

حياة صديقي لن تجعلك فقط مندهشًا لتلك الحيوية و التلقائية و التألق و الخدمة العامة و حب الحياة و الأسرة  و الطموح الجارف و الصدق و التجرد و التواضع و المبادأة و رعاية المحتاجين، بل ستراه  إنسانا بلا حدود و طبيبا بلا حدود، نشأة قويمة، قهرت اليأس،صقلتها التحديات، هزمت المصاعب، فتوالت الانتصارات، حياة حافلة بالجهد و التحديات، لكنها أسفرت نموذجا فريدًا لانسان سعيد، يلهم الجميع بانجازاته و تألقه،بقدرته علي التأثير و بإنسانيته التي تسع الثقافات و المحتاجين.و تذكرك بانك تستطيع ان تفعل الكثير بدافع الحب المخلص المتجرد، و ان تعيش في توافق و صحة و سلام، مهما تعددت الإنجازات والمجالات لو تجاوزت الذات، و انطلقت بالحب في خدمة الانسانية، وأنك تستطيع أن تبقي شابا حتي بعد الثمانين لو توافقت جسدًا و عقلًا و روحًا .

سفير سابق و طبيب

د. هادي التونسي

شاهد أيضاً

مدينة فيلز النمساوية تشدد قواعد رمي النفايات.. بطاقة حمراء ثم غرامة ثم مصادرة

أعلنت إدارة النفايات في مدينة فيلز، يوم الخميس، عن تشديد العقوبات على الأسر التي تلقي …