مقال – كنز الوحدة

ماذا تفعل لو كنت وحيداً ؟ هل تشعر أحياناً بالسأم حتى إذا لم يكن عليك أن تواجه مشاكل مستعصية ؟ هل تلعب ، تعمل ، تدرس ، تتزاور ، تنجز، تحب ، تتسوق هرباً من الوحدة ؟

هل تواجهك الوحدة بمدى ألمك ومدى احتياجك ؟ فتكون مختنقاً عصبياً ، ويكون النشاط مسكناً ومفراً مؤقتاً من الضجر؟

لكن مهلاً ، فقد يكون اللعب دون اندماج ، والعمل والدراسة توتر ينقصه التركيز والتعمق ، والتزاور مجامل سطحي ومنغلق ، دون حق اكتراث ، والإنجاز غير مشبع ، والحب تملك وتبادل اعتماد معوق للنمو ، والتسوق لا يناسب الاحتياج كماً وسعراً وجودة ، فما هو طريقك لحياة عالية القيمة؟ لسكينة نفس ؟ لرقي الشعور والعمل والتعامل ؟ للإلهام اختراعاً أو فناً تمتد فائدته للمجتمع حاضراً ومستقبلاً وللبشرية جمعاء ؟ لروحانية تسمو بالنفس وتشعرك بأنك جزء من كل ، بالفهم والحب والرحمة وبمسئولية تجاه الجميع ؟ مسئولية تجعل كل علاقة عميقة ومثمرة ، واعية وعادلة، مسالمة ومستقرة ،ملهمة دون حدود ، يمكنك أن تنهيها فوراً مهما كانت دون معاناة لو نحت سلباً ؟ من أين تأتي بهذه القوة والطاقة والاستقلالية والسمو والمحبة والواقعية والصدق والعمق والوعي والرؤية والإلهام ؟ وماذا تفعل لو تواجدت في جماعة تحاصرك بالخديعة والسطحية والأنانية والبدائية وممارسات القوة دون رادع المسيئة لصاحبها في المقام الأول؟

ماذا تشعر لولم يستطع من حولك الفهم والتقدير والالتزام بالكرامة واحترام النفس والعدل والشرف ؟ لولم يمتلكوا الوعي الذاتي ، ولم يضعوا القيم قبل المصالح ، ولم يتذكروا الرحمة ومحبة الغير مثل محبة النفس ؟

الجأ إلى الوحدة بل والعزلة ، تمسك بما تهرب منه ، واستغن عما تسعى إليه ، اجعل الوحدة ملاذك ، أعط نفسك فسحة للتواصل مع نفسك ، وواجه ما تهرب منه ، فألمك الصغير المؤقت الصادق محرك الفهم والاستيعاب والتطور ، وطريقك لسلام النفس وسكينة وصفاء الروح ، هم منبع السعادة والرقي والإلهام والحدس ، ومصدر لقوةٍ دون حدود ، تجعل العمل متعة واتقاناً ، والعلاقات عميقة مستقرة ، والمحبة صفاء ونضجاً وبناءً باحترام واستقلالية ووعي، والفن استغراقاً وإبداعا ، تواصلاً وخلوداً .

اندمج في الحياة حتى حينما تكون وحدك ، فالجميع بداخلك ، وروحك تشع بالألفة والفهم والمسئولية والخير . اشعر بكل خلية في جسدك ، عش حتى القمة ، أدرك المجهول وغير المرئي ، طهر روحك ، وتمتع بجرأة أن تعيش اللحظة بعمق ورقي ، بالأمان الذي يمنحك

الصدق مع نفسك والآخرين باحترام وإيجابية ، ثم تحدث للغير عن التجربة . عبر عن روعة العواطف والانفعالات التي تهز النفس والشعور ،وقد تفاجأ أن حالتك الذهنية انتقلت لآخرين ولو لوهلٍة ، وأمتعتهم بلحظات بلورية ووعي عميق قد يدوم ويبني يوماً ما

خالط الأسوياء ، تمتع بالفن الراقي ، استشعر الجمال ، والإتقان والرفعة ، أملأ أذنيك بموسيقى تبعث السكينة والحب ، تجدد الآمال والإيمان بالإنسانية والخير . أنعم بالتحرر الكامل من الاحتياج والمخاوف ، وتنفس بعمق في أرض الله .

غير حياتك بالصبر والتسامح والمحبة ، لتفهم أننا جميعاً نمر بمراحل متباينة في مدرسة الحياة ، جئنا لنتعلم ، لنلعب دوراً في حياٍة تتطلب لاستمرارها تفاعلاً بين الخير والشر ، ليتعلم الناس وليتنافسوا نمواً وتطوراً ، حتى ننضج ونفهم أنفسنا والآخرين والحياة ، فنستحق السعادة والسلام والتوافق ، نستحق ونقدر الجنة التي نتوق إليها في السماء ، ونحاول بناءها على الأرض .

د هادي التونسي سفير سابق وطبيب

 

شاهد أيضاً

مدينة فيلز النمساوية تشدد قواعد رمي النفايات.. بطاقة حمراء ثم غرامة ثم مصادرة

أعلنت إدارة النفايات في مدينة فيلز، يوم الخميس، عن تشديد العقوبات على الأسر التي تلقي …