طفلان لاجئان يسألان أمهما: “لماذا ننام بالخيمة يا أمى ؟”

كان لقاؤنا الأول هاتفيا، بصوتها الرقيق دعتني لشرب القهوة معاً في حي من أحياء أثينا اليونانية، سميرة، اسم مستعار، أم لطفلين، جاءت وحيدة من سوريا إلى “أوروبا الحلم” كما تدعوها.

لم تكن تواقة لإجراء مقابلة صحفية، ولكنها وافقت في النهاية بعد الاتفاق على إخفاء هويتها، فكان لقاؤنا الثاني.

هذه المرة جلسنا قبالة بعضنا البعض في مقهى عربي صغير في المدينة، وحولنا طفليها يركضان في كل زاوية، وفي عينيها “عزم شديد”، تشرب القهوة بيدها اليمنى، فيما تخفي بملابسها يدها اليسرى المبتورة منذ الولادة.

قارب الموت

“كل ما مررت به في كفة، وقصة تهريبي إلى اليونان في كفة أخرى”، ليس غريبا أن يشعر اللاجئون بالرعب الشديد أثناء عبورهم البحر المتوسط على ظهر القوارب البلاستيكية، ولكن كل ما مر ببال سميرة هو أطفالها بعد أن ثُقب القارب، وبدأت المياه تتسرب حيث أقدامهما، “إن مت ما الذي قد يحدث لهما؟ كيف ألقيت بنفسي وبهم إلى التهلكة؟ الموت معاً هو الخلاص الوحيد”.

كان عمر طفلها البكر آنذاك ٤ سنوات، وابنتها ٣ سنوات، “حدثتهما طوال الرحلة عن المستقبل، وكيف سيكون لهما غرفة مليئة بالألعاب”.

أحاطت بهما بذراعها السليمة، وتركت ذراعها المبتورة الأخرى تتدلى إلى جانبها، “الكثير من الأفكار حول الموت والحياة تمر بك في تلك اللحظات”.

بعد أربع ساعات في عتمة البحر، بدت كما لو أنها أسابيع، وارتفاع منسوب المياه رويدا في وسط القارب، وصلت مع طفليها إلى جزيرة كيس، “اعتقلتنا الشرطة في اللحظة التي وطأت أقدامنا الأرض، وتم حبسنا لعشرين يوما في الميناء”.

من تركيا إلى اليونان

قدمت سميرة إلى اليونان في بداية انتشار وباء كورونا، فكانت الإجراءات أكثر قسوة من المعتاد، ولكنها كانت أهون عليها مما مرت به في تركيا، “وحيدة وحامل، هكذا كانت رحلتي من سوريا إلى تركيا”، في طريق مسيرها مشقة وتعب، وتكلفة المهرب المرتفعة جدا، “الحرب دفعتني للهرب، أصوات القنابل والصواريخ، كيف يمكن لطفل أن يعيش بشكل طبيعي وسطها؟ فقررت الهروب”.

لم يكن لها سند يساعدها، اضطرت للعمل في المطاعم أو التنظيف، وتعلمت اللغة في أوقات فراغها، “كان واجبا عليّ الانتظار حتى يصبح أطفالي قادرين على المشي، لا أستطيع الهرب إلى اليونان مع طفلين ويد واحدة”.

“لماذا نحن هنا يا أمي؟”

لكن هذه الفترة امتدت من سنة، إلى سنتين، حتى أصبحت ثلاث سنوات، وبدأت المصاريف المالية تصبح أكبر على سميرة، وامتد الألم إلى ذراعها المبتورة، “كانت تركيا صعبة جدا، لم يعد الألم في يدي محتملا، مع كل هذا العمل والضغط، ووظيفتك كأم وحيدة دون معيل هي أن توفري كل شيء، وأن تجيبي على أسئلة أطفالك الفضولية والمؤلمة أحيانا”.

“لماذا نحن هنا؟” هذا السؤال الذي أيقظ في سميرة رغبتها في الخروج من تركيا، والبدء بمكان جديد، ليصبح السؤال الذي يطرحه الطفلين دوما: “لماذا ننام بالخيمة؟”.

“أخجل من ذراعي”

يركض الطفلان من حولنا، فيما تعدل سميرة جلستها على الكرسي البلاستيكي، وبين كل حديث وآخر، تلتفت للصغيرين قائلة: “لا تلعبوا على طرف الشارع، يمكنكم البقاء هنا”.

“أبقت الحكومة علينا في الميناء لنحو عشرين يوما”، وذلك كإجراء احترازي ضد فيروس كورونا، انتقلت سميرة بعدها إلى الخيم، “ربما لو كان أحد غيري لتأقلم مع الوضع، ولكني كنت خجلة من ذراعي المبتورة”.

ولهذا كانت تتسلل سميرة في خضم الليل وحيدة لتغسل ملابس أطفالها، في محاولة للهروب من النظرات التي تترقب ذراعها، وهربا من الأسئلة الفضولية “كرهت كوني محور حديث مجموعة ما لأني دون ذراع، كرهت كوني حالة خاصة، وكرهت أن يتم التعامل معي على أني حالة خاصة”.

“في أثينا… كأني محبوسة”

قامت الحكومة اليونانية بنقل سميرة وطفليها إلى أثينا، وتوفير شقة مشتركة لها لحين البت في قضيتها، ولكنها لازالت تحلم بسوريا، “كلنا نشتاق لأوطاننا، أحاول تذكر اللحظات قبيل الحرب، أحيانا، وأروي لأطفالي عنها”.

لكنها الآن في اليونان، تصارع وحيدة مع صغيريها في شقة ضيقة، “أشعر كما لو أني محبوسة، دون لغة، دون أقارب”، وتشرح لي كيف أن الحيطان أصبحت تضيق عليها رويدا، فيما تنظر لطفليها مؤكدة ، “كل هذا من أجلهما”.

 

شاهد أيضاً

النمسا – العثور على جثتين في منزل بولاية بورجنلاند

هزت جريمة مروعة منطقة ستوتيرا في ولاية بورجنلاند، حيث عثرت الشرطة على جثتين لامرأة تبلغ …