فى الوطن اجدبد… التأثير الإيجابي أو السلبي لبعض السوريين في النمسا؟

أعداد – عبدالله الحمصى أسعد — فيينا —

لا شك أن تبعات الحرب في سوريا واللجوء إلى بلد مختلف، قد أثرعلى العلاقات الأسرية والإجتماعية بين اللاجئين. دراسة نمساوية جديدة سلطت الضوء على واقع هذه العلاقات.

في سوريا كان الأقارب أكثر ألفة فيما بينهم، لكن هنا كل شخص أصبح يهتم بحياته بمعزل عن الغير..”، هكذا استهل اللاجىء السوري، عمراسم مستعار تجربته  في النمسا بعد ست سنوات من وصوله.

يحكي اللاجىء السوري الشاب أنه تعرض إلى مواقف عديدة، لمس من خلالها تغيراً ملموساً في العلاقات الإجتماعية بين بعض اللاجئين السوريين في محطيه الإجتماعي، على سبيل المثال، مع مرور الوقت لم أعد أستطيع رؤية معارفي وأصدقائي في كل وقت، باسثناء إن جمعتنا الصدفة أو ظرف إجتماعي مثل الحزن أو الفرح” ويتابع حديثه: “أصبح الشخص بحاجة إلى أخذ موعد مسبق، إذا أراد زيارة أحد من أقاربه أو أصدقائه..أغلبية الناس أصبح وقتها ضيق للقيام بواجباتها الإجتماعية، مثل صلة الرحم وغيرها من العادات والتقاليد التي عرفت بها الأسرة السورية”. تحدث عمر أيضاً عن مواقف عديدة، حدثت معه وأثرت عليه بشدة، ومنها موقف له مع ابن عمه وصديقه الذي وعده بمساعدته في البحث عن عمل وإخباره في حال توفرمكان شاغر بالمحل الذي يعمل به، بعد أن أخبره بحاجته الماسة للعمل. لكن بعد فترة اكتشف اللاجىء الشاب القادم منذ فترة قصيرة آنذاك، أن قريبه وصديقه ساعد شخصاً آخر بدلاً منه. في موقف آخر تحدث عمر عن شخص آخر من أقاربه، كان يثق فيه كثيراً، وطلب منه أن يساعده من أجل الحصول على بعض الوثائق الثبوتيه من سوريا، ليتفاجأ أنه خدعه للحصول على النقود فقط.

علاقات عميقة تتجاوز التحديات؟

لا شك أن تجربة عمر لا يمكن تعميمها، لكن صورة أخرى من صور تغير العلاقات الأسرية والإجتماعية بين اللاجئين في النمسا، هي فتور علاقات بعضهم مع أهلهم وذويهم المقيمين في سوريا، كما تروي لاجئة سورية بعضهم يكون في وضع مادي جيد، رغم ذلك ينسون عوز أهاليهم في سوريا. ومساعدة المحتاجين هي قيم تربى عليها أغلب السوريين في بلدهم. لكن للأمانة، هناك العديد من اللاجئين مازالوا متشبثين بهويتهم”

في المقابل هناك لاجئون حرصوا على الحفاظ على الترابط الأسري فيما بينهم، كما هو الحال بالنسبة لعائلة السيدة أمل وأسرتها الصغيرة المكونة من زوجها وابنها ، بشكل عام طبعاً، علاقاتنا الإجتماعية بخير وصلة الرحم موجودة ، وعما إذا كان نمط الحياة المختلف في البلد الجديد، قد يأثر على العلاقات الأسرية والإجتماعية للبعض، قالت:”كل حسب وعيه. الزمن نستطيع أن نقسمه كما يناسبنا نحن.. نحن علينا أن نمسك بزمام الأمور”.

من العادات المعروفة عن المجتمع السوري، التآزر فيما بينهم خلال الشدائد، وهذا ما لمسته أمل في ظل أزمة كورونا وتأثيرها على التواصل الإجتماعي بين الناس. وتقول أن هذه الأزمة لم تؤثر بالسلب على علاقاتهم الإجتماعية بل على العكس من ذلك، فقد أثرت بالإيجاب على علاقاتها مع المحيطين بها سواء من أهل أو أصدقاء:” هذه الأزمة جاءت رسالة للبشر لكي يعيدوا حسابتهم ويطوروا من أنفسهم:” هذا ماجعلني لا أقطع صلة الرحم وأحاول المساعدة قدر الإمكان. بالمختصر الوعي يساعد على ذلك”.

يشكل المهاجرون واللاجئون المنحدرين من مناطق الأزمات في الشرق الأوسط وأفريقيا الآن حوالي 17,1 بالمائة من جميع الأجانب الذين يعيشون حالياً في النمسا. يعد اللاجئون من سوريا ثالث أكبر مجموعة من أصل أجنبي إذ يبلغ عددهم نحو 60 ألف. يليها اللاجئون من أفعانستان والعراق وإريتريا

تأثير إيجابي أو سلبي؟

في دراسة جديدة ركزت على المهاجرين من إريتريا وسوريا، أجراها المعهد الفيدرالي لأبحاث السكان (BIB) بالتعاون مع مركز الأبحاث التابع للمكتب الإتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF)، تم تسليط الضوء على دوافع الهجرة للاجئين من هاذين البلدين، وتأثيرها أيضاً على العلاقات الأسرية والإجتماعية والإندماج الإجتماعي بين اللاجئين. شارك في هذه الدراسة ما يقرب من 1500من الرجال والنساء البالغين الذين قدموا إلى النمسا في الفترة بين عامي 2013 و 2019.

ذكر غالبية اللاجئين الذين شملهم استطلاع الرأي أنهم غادروا بلدهم الأصلي لأسباب منها: النزاع المسلح والخوف من التجنيد القسري والاضطهاد السياسي أو العرقي أو الديني. بالإضافة إلى هذه الأسباب، فقد ذكر بعضهم دوافع أخرى أدت بهم إلى مغادرة بلدانهم الأصلية نحو أوروبا، ومنها دوافع تتعلق بالبحث عن مسقبل أفضل لأسرهم. ذكر اللاجئون السوريون المشاركون في الدراسة بأنهم فروا رفقة أفراد الأسرة المقربين مثل الزوج أو الزوجة والأبناء. يعيش غالبية الذين تشاركوا في الاستطلاع من اللاجئين السوريين حالياً رفقة أسرهم في النمسا. أما باقي أفراد الأسرة الممتدة، أي الأشقاء أو الآباء أو الأصهار، يعيش معظمهم في النمسا، ولكن في الغالب هناك من بقي منهم في بلدهم الأصلي أو استقر في بلدان أخرى.

صهيب مكي، ناشط اجتماعي سوري ومؤسس مجموعة “السوريين في النمسا”، يعمل منذ خمس سنوات في إرشاد ومرافقة اللاجئين السوريين، يوضح أن أسباب التغير الذي طرأ على العلاقات الإجتماعية بين اللاجئين في النمسا، ويقول:”التأثير مختلف بين شخص وآخر وعائلة وأخرى. على مستوى سوريا، قد تختلف مثلاً عادات وتقاليد أبناء حلب عن دير الزور أو حمص وهناك اختلاف آخر وهو الاختلاف في العادات والتقاليد بين المجتمع النمساوى وبين المجتمع السوري ككل”. ويتابع:” الأمر الآخر الذي ساعد على التأثير في العلاقات الأسرية والإجتماعية بين اللاجئين في النمسا، هو نمط الحرية الذي عاشه السوريون هنا. إذ على عكس من سوريا، حيث هناك قيود تتمثل في التقاليد الإجتماعية الأعراف، العائلة و المجتمع و الدين، لكن هنا ساهمت الحرية في توسيع مفهوم العائلة والصداقة لدى البعض سواء بالإيجاب أو السلب”.

ربط العلاقات مع المجتمع المضيف

كشفت الباحثة المساعدة من اللمكتب الإتحادي للهجرة واللاجئين (BAMF) أنيا شتيشس، من خلال هذه الدراسة أن للعلاقات الأسرية والإجتماعية دور مهم في إندماج اللاجئين داخل المجتمع المضيف،: “العلاقات مع أفراد الأسرة والأصدقاء والمعارف أو مع المتطوعين تدعم بشكل كبير اللاجئين من النساء والرجال من سوريا وإريتريا أثناء وصولهم. غير أنه يتعين أولاً إيجاد وبناء العلاقات مع الأشخاص من المجتمع المضيف وتطويرها، وهو ما يلعب دوراً مهما في عملية الإندماج”.

هذه النقطة يوضحها الناشط الإجتماعي، صهيب مكي من جانبه أيضاً، ولكنه يرى أن ربط العلاقات مع المجتمع المضيف، قد يكون له جانب إيجابي وآخر سلبي:” هناك من تأثرت علاقاتهم بشكل سلبي ودخلوا في مرحلة اكتئاب، لأنهم تعودا على نمط معين في بيئتهم وهنا أحسوا بعزلة وقد يكون ذلك بسبب اللغة التي تمثل العائق الأساسي أو بسبب العادات والتقاليد. على العكس من ذلك فقد تأثرت علاقات البعض بشكل إيجابي، استطاعوا تكوين أسر وصداقات وساعدتهم على مواصلة حياتهم”. وأضاف:” من ناحية الأسر، هناك أسر سورية واصلت حياتها بشكل طبيعي، حافظوا على تماسكمهم واستطاعوا التكيف مع المحيط الجديد، في المقابل وبسبب الحريات التي أعطيت للرجل أو المرأة بتكوين صداقات أو علاقات خارج إطار الأسرة وهو شيء مرفوض من المجتمع و محرم في بعض الأديان وهذا أثر بشكل سلبي على العائلة مما أدى إلى تفكك الأسر وارتفاع حالات الطلاق”.في النهاية ، يري مكي أنه لا يمكن القول بأن المجتمع السوري تأثر سلبا أو ايجاباً فقط، لأن الأمر يختلف من فرد إلى آخر”.

تظهر الدراسة أيضاً أن غالبية المهاجرين (نحو 65 بالمائة) راضون عن الحياة في النمسا وكذا عن دائرة الأصدقاء والمعارف، التي تحيط بهم في هذا البلد. كما يرجح أن تزداد هذه النسبة مع زيادة التواصل مع أشخاص من المجتمع المضيف.

 

شاهد أيضاً

النمسا – العثور على جثتين في منزل بولاية بورجنلاند

هزت جريمة مروعة منطقة ستوتيرا في ولاية بورجنلاند، حيث عثرت الشرطة على جثتين لامرأة تبلغ …