بعد شهر من الحرب ما حدود التنازلات التي تقول أوكرانيا إنها يمكن تقديمها إلى روسيا؟

بعد مرور نحو شهر على الاجتياح الروسي لأوكرانيا، واستمرار العمليات العسكرية هناك، لا يزال الوصول إلى صفقة بين موسكو وكييف أمراً معقداً وصعباً، رغم حديث الطرفين عن استعدادهما للتعاون للوصول إلى تسوية تنهي الحرب. وفي الوقت الذي يتمسك الكرملين بشروطه الأربعة الرئيسية، تقول الحكومة الأوكرانية إنها مستعدة لتقديم بعض التنازلات في سبيل إنهاء الحرب ومعاناة شعبها، فما حدود التنازلات التي يمكن لكييف تقديمها؟

ما الذي تطالب به روسيا، وما حدود التنازلات التي يمكن لأوكرانيا تقديمها؟

منذ بدء الحرب، تطالب روسيا بأربعة مطالب رئيسية: إعلان الحياد الأوكراني، واعتراف أوكرانيا رسمياً بضم روسيا لشبه جزيرة القرم، التي استولت عليها موسكو في عام 2014، وأن منطقة دونباس (شرق أوكرانيا) التي يسيطر عليها الانفصاليون المدعومون من روسيا مستقلة؛ والمطلب الثالث هو نزع السلاح من أوكرانيا؛ وأخيراً إزالة أو تخفيف العقوبات الغربية عن روسيا.

أوكرانيا، من جانبها، تبدو مستعدة للموافقة على العديد من هذه المطالب كما يقول تقرير لمجلة Economist البريطانية، بما في ذلك التخلي عن احتمال عضوية الناتو وقبول نوع من التسوية بشأن الأراضي التي سيطرت عليها روسيا، وأشاد المحاورون الأتراك والإسرائيليون بما وصفوه بأنه تقدم في التقريب بين الجانبين.

لكنْ هناك نقطتان شائكتان بشكل كبير، الأولى هي تعريف روسيا المتشدد لنزع السلاح، إذ تريد من أوكرانيا أن تخفض جيشها إلى خمسين ألف جندي، أي خمس حجمها الحالي، وبعد شهر من المقاومة الشديدة يبدو أن قلة في أوكرانيا على استعداد للموافقة على مثل هذا الشرط كما تقول الإيكونومست.

أما النقطة الثانية فهي الاعتقاد الأوكراني بأن فلاديمير بوتين لن يسحب قواته من مناطق شرق وجنوب أوكرانيا التي غزاها أو على وشك غزوها، وتقول التجربة المريرة في عام 2014، إن القوات الروسية بقيت في دونباس، رغم مطالبتها بالانسحاب بموجب اتفاقيات مينسك 2014-2015.

الضمانات الأمنية الجديدة لأوكرانيا

تتعلق المناقشات الثانوية للمفاوضات بين الطرفين بنطاق الضمانات الأمنية الجديدة لأوكرانيا، كان الحديث عن صيغة تشمل الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، بالإضافة إلى تركيا، ومع ذلك ليس من الواضح على الإطلاق أن الدول الغربية (أمريكا وبريطانيا وفرنسا) مستعدة لتقديم الضمانات غير المشروطة التي تسعى إليها أوكرانيا.

وفي الوقت الذي اتفق الجانبان على إبقاء تفاصيل المحادثات سرية، أشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بالفعل إلى أن أي تسوية مقترحة ستخضع للاستفتاء. وكان رد الكرملين الفوري على هذه الفكرة هو القول إن التقدم أصبح “أبطأ وأقل جوهرية مما هو مطلوب”.

تقول المجلة البريطانية، لا شك أن الموافقة الروسية على أي صفقة ستأتي بسرعة أكبر، لأنها تعتمد على إرادة شخص واحد فقط، لكن يبقى أن نرى ما إذا كان بوتين مستعداً حقاً لتقديم تنازلات.

يقول مسؤول رفيع بالمخابرات الأوكرانية للمجلة، إن صدق روسيا المشكوك فيه هو الذي جعله يشعر بالتشاؤم بشأن آفاق المفاوضات. وقال إنهم قد يقدمون أفضل فرصة لتجنب السيناريو “الكابوسي” لصراع طويل الأمد، أو تقسيم أوكرانيا إلى مناطق متحاربة.

ويضيف المسؤول الأوكراني: “لكن لا يبدو أن بوتين يتعامل مع المحادثات بجدية مثل أوكرانيا، كان ذلك واضحاً في فريق التفاوض “من الدرجة الثانية” الذي أرسله. لقد استخدمت موسكو دائماً محادثات السلام للتلاعب بالأجندة، تماماً مثلما اتهمونا بقصف شعبنا ومنازلنا”. وتوقع المسؤول أن تُواصل روسيا هجومها لتأمين مكاسب في جنوب وشرق البلاد، لتكمل حصارها لميناء ماريوبول، وتعزل أوكرانيا بالكامل عن البحر الأسود.

التعثر العسكري الروسي يُعزز موقف أوكرانيا في المفاوضات

تعزز الموقف التفاوضي لأوكرانيا من خلال الأداء العسكري الروسي المتعثر بشكل مفاجئ. وتفاوت مستوى الاحتراف بشكل كبير: فهو أفضل في الوحدات التي تواجه قوات النخبة الأوكرانية في الجنوب الشرقي، والأسوأ بكثير في الشمال والشمال الشرقي وحول كييف، بحسب الإيكونومست.

وهناك، يبدو أن الجنرالات الروس أخطأوا في الحسابات، واعتمدوا موقفاً عسكرياً افترض الحد الأدنى من المقاومة. علاوة على ذلك، فشلوا في الاستعداد بشكل كافٍ حتى لهذا السيناريو الوردي. وقال ضابط المخابرات الأوكراني إن روسيا مضت قدماً في هجومها، حتى دون التنسيق الأولي لوحداتها العسكرية، الأمر الذي كان له عواقب متوقعة في أعداد القتلى والجرحى.

وتزعم أوكرانيا أن روسيا فقدت أكثر من 15 ألف جندي منذ بدء الحرب، وهو ادعاء يفترض الكثيرون أنه مبالغة شديدة حتى في واشنطن. ولكن في 21 مارس/آذار 2022، أشار تقرير نُشر في “كومسومولسكايا برافدا”، وهي صحيفة روسية موالية للحكومة، إلى مقتل 9861 جندياً روسياً حتى الآن، وإصابة 16 ألفاً آخرين.

وهذا من شأنه أن يضع ما يقرب من 13% من قوة الغزو الأصلية خارج الخدمة، ويُقارَن بشكل سيئ مع إجمالي الخسائر التي تكبَّدها الاتحاد السوفييتي خلال عقد من الحرب في أفغانستان، عندما قتل حوالي 15.000. وزعمت الصحيفة الروسية في وقت لاحق أنه تم اختراقها وحذف الأرقام، ولكن حتى لو لم يكن التقرير صحيحاً فإن معدل الاستنزاف يبدو مرتفعاً بما يكفي لمنح الكرملين حافزاً للسعي إلى “سلام تفاوضي”.

أخيراً، زيلينسكي مرة أخرى إلى لقاء وجهاً لوجه مع بوتين، الذي رفض حتى الآن فرصة التحدث. وقال زيلينسكي إن المفاوضات يجب أن تنجح لأن البديل هو “حرب عالمية ثالثة”. كان ضابط استخباراته أقل تفاؤلاً، وتوقع أن الحرب ستستمر حتى “استنفاد القوات الروسية تماماً”، حسب وصفه. لكن هل تمتلك أوكرانيا الموارد اللازمة لتحقيق ذلك؟ قال للمجلة البريطانية: “يجب أن نحصل عليها، لأننا ليس لدينا خيار، نريد أن نبقى على قيد الحياة”.

الهزيمة هو السيناريو الأسوأ بالنسبة لروسيا

لكن السيناريو الأسوأ بالنسبة لروسيا هو السيناريو الذي يتعين على بوتين فيه قبول الهزيمة فعلياً. يجادل الأكاديميان أرفيد بيل ودانا وولف، في موقع Russia Matters التابع لجامعة هارفارد، بأنَّ هذا قد يؤدي إلى اتفاق يوافق على سحب روسيا جميع القوات من أوكرانيا، بما في ذلك القوات الموجودة في دونباس، والتراجع عن الاعتراف باستقلال دونيتسك ولوغانسك. وستبقى شبه جزيرة القرم جزءاً من روسيا، لكنها ستكون منزوعة السلاح. وسيُسمَح لأوكرانيا بالسعي لعضوية في الاتحاد الأوروبي، لكنها لن تنضم إلى الناتو، الذي من المرجح أن يراه بوتين خطاً أحمر حتى في حالة الهزيمة.

في المقابل، سيرفع الغرب جميع العقوبات المفروضة على روسيا ويوافق على إجراء محادثات أمنية مع موسكو حول مستقبل الأمن والدفاع في أوروبا. ومع ذلك، يستبعد العديد من المراقبين أن يتنازل بوتين لهذا الحد؛ نظراً لتأثير ذلك على مكانته في الداخل إذا لم يعُد هو الرجل القوي. لكن عند محاولة استشراف المستقبل من كلمات بوتين، قد نجد هناك علامة خفية على حدوث تحول، كما يقول تقرير لصحيفة “واشنطن بوست”.

إنَّ احتمالية التوصل إلى أي اتفاق سلام تستند إلى فهم بوتين أنه أَقدَم على خطوة تتجاوز قدرته على التحمل، التي تدور حولها تساؤلات كبيرة الآن. ويجادل البعض بأنه قد يلجأ حتى إلى أسلحة نووية منخفضة الدرجة قبل المخاطرة بالتعرض للهزيمة في أوكرانيا.

ويقول جون هيربست، السفير الأمريكي السابق في أوكرانيا لواشنطن بوست إن “الأمر يتلخص في أنَّ بوتين ما زال يعتقد أنَّ بإمكانه بطريقة ما الانتصار في ساحة المعركة. إذا كان قادراً على الوصول إلى النقطة التي يفهم فيها أنَّ ذلك غير ممكن، فربما يبدأ في التفاوض بجدية”.

 

شاهد أيضاً

وزيرة الدولة للشؤون الأوروبية تحذر من معاداة السامية اليسارية في النمسا

حذرت وزيرة الدولة للشؤون الأوروبية كارولين إدشتادلر، في مؤتمر صحفي، يوم أمس الجمعة، من ازدياد …