يوميات قافلة الأمل الأوربية من ميلانو إلى عزة.. يرويها أبو عمر

“قافلة الأمل” هو الاسم الذي اختاره نشطاء عرب وأوربيون ليكون مرافقا للحملة الأوربية التي انطلقت في ختام فعاليات مؤتمر العودة السابع، الذي احتضنته مدينة ميلانو في شهر مايو الماضي. وضمت الحملة التي وجهت لتقديم العون والمساعدة للمضارين والمنكوبين بقطاع غزة، أنواعا متعددة من الأجهزة الطبية وسيارات الإسعاف، التي وصلت لقطاع غزة وسلمت للجهات المختصة هناك بعد رحلة طويلة وشاقة بدأها الناشطون الأوربيون والعرب من مدينة ميلانو مرورا بميناء جنوة وميناء الإسكندرية وبورسعيد وصولا إلى معبر رفح، ثم الدخول إلى غزة.

ورغم المصاعب والمشاق التي واجهت الطاقم المرافق للحملة إلا أن الإصرار على توصيل الأمانة إلى أهلها كان حافزا لهم لتجاوز ما واجههم من عقبات وعراقيل.

يوميات الرحلة منذ انطلاقها وحتى وصولها رصدها الناشط النمساوي من أصل فلسطيني هاني عبد الحليم (أبو عمر) وسجلت عدسته خطواتها واحدة تلو الأخرى، ونحن ننشرها في شبكة رمضان تقديرا للجهود المبذولة من أجل رفع بعض من معاناة أهلنا في قطاع غزة المنكوب.

ضمت القافلة من النمسا “أيرس هنتراجر – ماركوس من دار الجنوب – مهندس هانى عبدالحليم أمين عام رابطة فلسطين الخيرية بالنمسا”.

صباح يوم الثلاثاء 26 من مايو وصلت قافلة الأمل إلى مدينة غزة بعد رحلة بحرية قاسية قطعتها السفينة التي تقل القافلة من ميناء جنوه باجتوب إيطاليا لتصل إلى المياه الإقليمية المصرية بالإسكندرية، لتكون المفاجأة بمنعها من الرسو بميناء المدينة العريقة بأمر من السلطات المصرية بدعوى الحفاظ على سلامة أعضاء القافلة لعدم وجود الأعداد الكافية من أفراد الشرطة الذين من المفترض أنهم سيقومون بتأمين موكب القافلة من الإسكندرية حتى مدينة رفح المصرية؛ حيث محطة الوصول الأخيرة للقافلة والبالغ عدد مرافقيها 110 شخصا من ثلاث عشرة دولة أوربية، بينهم خمسة نواب برلمانيين أوروبيين وثلاثة أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصة أصروا على المشاركة للتعبير عن تضامنهم مع قرنائهم بقطاع غزة. وتحمل القافلة مساعدات للمعاقين تشمل كراس كهربائية، وأجهزة طبية للمكفوفين .

النائبة الأيطالية مونيا تبكى عند سماع قصة مأساة زوجة تم اسر زوجها وهي حامل بأبنها الوحيد وكبر ابنها واستشهد قبل سنة وعمره 22 سنة ولم يرى والده اللذي يقبع في سجون الإحتلال الأسرائيلى

صعوبات عديدة واجهت سفينة القافلة بعد أوامر أصدرتها الجهات الأمنية المصرية بعدم تفريغ شحنتها فى ميناء الإسكندرية والتوجه بها إلى ميناء بورسعيد، تم تفريغ السفينة مساء الجمعة وطلبوا منا تأجير سفينة أخرى لتنقل الشاحنات من ميناء الإسكندرية الى ميناء بورسعيد حيث كان مقررا لها الوصول إلى مدينة بورسعيد مساء الجمعة 15-5 لتصل معبر رفح البري صباح الأحد 17-5 ولكن ثمة إشكاليات

عديدة واجهتها القافلة في المسافة ما بين مينائي الإسكندرية وبورسعيد ( 300 كم برى) تتعلق بعمليات التفريغ والشحن، حيث أدهش قرار المنع هذا معظم شركات الملاحة البحرية لعدم وجود بواخر تؤدي هذه المهمة؛ حيث تم استئجار سفينة أخرى للقافلة حملت سياراتها باتجاه ميناء بورسعيد نتج عن هذا تأخر وصول المساعدات سبعة أيام إلى مدينة رفح المصرية.

بسبب هذا التأخير بدأ بعض المتضامنين الأوروبيين الرجوع إلى بلدانهم لظروف أعمالهم بعد أن حملونا أمانة السلام على

هل القطاع وأهل فلسطين كافة ومنهم ماركوس “الناشط فى منظمة دار الجنوب النمساوية”، الذي عاد الى فيينا يوم الأربعاء 20 مايو.
في يوم السبت ظهرا 23 مايو بدأت القافلة التحرك من ميناء بورسعيد، مشتملة على 39 سيارة شحن مع 96 متضامن أوروبي بموكب رسمي أمنته لنا أجهزة الأمن المصرية المتعددة التخصصات (وكل الشكر للحكومة المصرية على حماية وتأمين خدمة هذه القافلة)؛ حتى وصلنا الى مدينة العريش وأقمنا فيها هذه الليلة والكل متشوق للدخول الى قطاع غزة ليعبر كل منا عن تضامنه مع أهل غزة الصامدين.

وفى اليوم التالى، الأحد 24 مايو انطلقت القافلة برفقة الأمن المصري (مشكورين على حسن التنظيم) من العريش الى معبر رفح وتم تسليم جوازات سفرنا وعددها 96. وبعد ساعة من تسليم جوازات السفر بدأ ضابط أمن المعبر ينادي على أول 10 أسماء ويسلمهم الجوازات مختومة بختم الخروج إلى غزة والضابط يقول لهم مهنئا باستخراج التصاريح (يا لله امشوا ..مبروك ) لكن قلنا نحن فريق سنغادر كفريق واحد وبدأت الأسماء تتوالى حتى وصل العدد الى 93 شخص تم ختم جوازاتهم بالخروج من معبر رفح المصري، والناس تبارك لبعضها البعض متناسين عناء السفر والانتظار والفرح باد على وجوههم؛ حتى أن شخصين من المقعدين أقسموا، من شدة فرحهم، على ألا ينزلوا من السيارة التى استقلوها في العريش إلا عندما تمس أرجلهم أرض غزة، وقد أوفوبقسمهم لكن بعد 30 ساعة انتظار داخل السيارة .

ومن ثم انتظرنا ساعة أخرى لعدم إعطاء التصاريح لثلاثة أشخاص ضمن أعضاء القافلة يحملون جنسيات عربية مختلفة، وهم فلسطيني يعيش في اليونان وأردني يعيش في بريطانيا والثالث مصري يعيش في إيطاليا. وفجأة وبدون سابق إنذار ظهر مدير المعبر ينادي على رئيس القافلة ليبلغه بتأسف القرار المتعجل بمنع دخول أعضاء القافلة إلى غزة والسماح فقط لـ 10 أشخاص ثلاثة نواب أوربيين وثلاثة مقعدين وباقي العشرة نختارهم نحن فيما بيينا.

ويالها من صدمة ألجمت ألسنة الجميع وبددت أحلامنا بالعبور إلى غزة. ثم طلب مسئولو الأمن منا تسليم الجوازات لإلغاء ختم الخروج إلى غزة وإرجاعنا الى العريش صباحاّ .

أعضاء القافلة فى صاله الأستقبال بمعبر رفح

لكن بعد التداول فيما بيننا قررنا بالإحماع البقاء والمبيت على الأرض داخل مبنى الجوازات للتضامن ولو بالقدر القليل مع عائلات غزة عندما يعلقوا على بوابة رفح بالأيام والأسابيع تحت أشعة الشمس. ورفض أعضاء القافلة الذين سمح لهم بالدخول، التوجه إلى غزة مشترطين دخول باقي زملائهم أو العودة كلنا والرجوع إلى أوربا.

أصبحنا يوم الإثنين 25 مايو والكثير منا مفعم بأمل بالدخول إلى غزة؛ خاصة بعد أن تناقلت وكالات الأنباء خبر منع القافلة الأوروبية من النفاذ إلى غزة. وعندما قاربت الساعة الرابعة عصرا من ذلك اليوم أجتمعت الآراء على العودة بالقافلة إلى أوروبا. إلا أن مفاوضات بدأت بين ممثلين عن القافلة وإدارة المعبر؛ حتى توصل أعضاء القافلة مع إدارة المعبر إلى اتفاق ينص على إحضار 20 سائق من معبر رفح الفلسطيني واختيار 20 شخص من المرافقين للقافلة، وتم الاختيار على النحو التالي:

ثلاثة نواب أوروبيين – رئيس القافلة والمسئول المالى – ممثل أو مندوب واحد عن كل مؤسسة خيرية متخصصة بدعم فلسطين من كل بلد – ثلاثة مقعدين بالإضافة الى والدة أحدهم – أبناء غزة الذين لهم فترات بعيدة لم يروا أهلهم – ناشطة أوروبية واحدة.

وهنا كان القرار الأليم بافتراق أعضاء القافلة. وكان أكثر المشاهد إيلاما مشهد تلك الأم النرويجية من أصل غزاوي، التي تم اختيارها للدخول بدون طفليها؛ حيث انخرط أحد أطفالها في البكاء والصراخ، وفقد أعصابه وبدأ يكسر محتويات صالة المعبر والكراسي حتى تجمع عليه رجال الأمن. وفي قرار سريع ومبادرة ذاتية من إدارة المعبر وبلفتة كريمة تم السماح للطفلين بمرافقة الأم. وهنا ارتفعت حصتنا الى 22 شخصا، علما أن اختيارنا للأم كان مقصودا.

ثم دخلنا ونما بيننا شعور وكأننا فتحنا حصنا منيعا، ناهيك عن شعوري الخاص بدخول أرض فلسطين بعد 35 عاما من الفراق. وزاد من فرحتنا الحفاوة البالغة من أهالي القطاع المصطفين على الجانبين يرحبون بنا، رغم أن الوقت قارب على منتصف الليل تقريباّ .

وسألت أحد الواقفين: أحقا هذه غزة؟ لم أصدق أنني سأكون في غزة، عندها أجابني : نعم هذه غزة وأنت في غزة. ثم أخذنا نجوب غزة من أقصى شمالها إلى أقصى جنوبها مسافة 45 كم وهو طول دولة غزة العظمى.

في هذه الليلة لم استطع النوم من شدة الفرح وقلقي على رفقاء رحلتنا الذين لم يتمكنوا من الدخول وبكائهم وصدمتهم لمنعهم من دخول غزة بعد انتظار تراوح ما بين 7 أيام وحتى 20 يوماّ.

وفي صبيحة يوم الثلاثاء 26 مايو ذهب وفدنا إلى مستشفى الشفاء الشهير بغزة لتسليمهم عدد 20 سيارة شحن وإسعاف (شاهد الصور المرفقة). ورأينا في طريقنا مدينة منكوبة أُلقي على كل كيلو متر مربع فيها ثلاثة آلاف كيلو من المتفجرات من الجو فقط . وتعرض أكثر من أربعة عشر ألف منزل، وثمانية وستين مبنى حكوميا، وواحد وثلاثين مبنى لمؤسسات أهلية للقصف المباشر. وبلغت كمية الأنقاض فيها أكثر من 600 ألف طن من الركام، والشهداء 1440 شهيد والجرحى 5380 جريحا.

عزبة (عبد ربه) .. مات العبد والبقاء لربه

وفي ظهيرة ذلك اليوم زرنا منطقة عزبة عبدربه الشهيرة. لم أتخيل أن يكون هناك دمار بهذا الشكل .. ما حدث في عزبة عبد ربه غير عادي .. وما نقلته القنوات الفضائية كان أقل بكثير من الواقع .. لقد دمرت تدميراً شديداً .. وسويت المنازل بالأرض .. شوارع بأكملها لا يرتفع فيها إلا بقايا مصعد للمنزل ، وقطع الفرش والأجهزة المنزلية بين الركام ..

لقد غادر جميع السكان إلى منازل الأهل والأقرباء بالأحياء الأخرى بعد وقف إطلاق النار، والخيام التي نصبت على عجل لم يسكن بها أحدٌ في برد غزة القارس ..

آخر زيارة لي كانت مع أحد أفراد الشرطة إلى مكان توجد فيه عدة صواريخ إف 16 ألقيت ولم تنفجر، زنة الواحد منها طن تقريبا. هذا عدا صواريخ أخرى أقل حجماً وبعض المقذوفات التي أطلقت من الزوارق البحرية

ثم زرنا مبنى المجلس التشريعي؛ حيث تم اغتيال صوت الشعب الفلسطيني الديمقراطي بطريقة همجية واعتقال أكثر من 30 نائب منتخب في إطار انتخابات ديمقراطية شهد العالم أجمع بنزاهتها. ثم زرنامستشفى ناصر في خان يونس؛ حيث سلمنا إدارته بقية السيارات الطبية ، ثم ثمنا بزيارة مقر رابطة أهالي الأسرى وهناك استمعنا لمآسي أهالي الاسرى المختلفة

هنا كانت قرية “جحر الديك”

ثم زرنا قرية جحر الديك، وهي منطقة تشهد على بشاعة العدوان. صعبٌ عليك أن تمشـي في طرقاتٍ تداخـلت حجارتها وتكومت، ففي كل خطـوة كان التعثـر والسقوط من نصيبنا. لا أثـر لشيء سـوى الخراب الهائل والدمار الواسع الذي أوقف مداد القلم وسد عين الكاميرا. منازل لم تكتفِ دبابات الاحتلال وجرافاته بتدميـرها بـل سحقتها, وأخرجت ما في باطنـها من أثاثٍ ومتـاع. شمال ذاك البيت جـاء إلى جنوب الآخـر، وسقف المدرسـة وصل إلى أرضيه المسـجد. صغار القريـة وشيوخها يخبروننا بأن صـدمة كبيـرة انتابتهم عند دخولهم المكان.. هالتهم الصور الصادمة، وأربكتهم لدرجة التيـه.

قمنا بعد ذلك بزيارة معهد النور التابع للأونروا لتسليمه أقراص الكومبيوتر الخاصة لتعليم المكفوفين لتسهل استخدام جهاز الكومبيوتر لهم؛ حيث شاركت رابطة فلسطين بالنمسا بشراء 25 قرص تعليم .

ثم زار الوفد مباني رئاسة الوزراء، وهالنا منظر الدمار لمؤسسات الدولة. والوزارة الوحيدة التي لم تدمر هي وزارة الصحة وأخذونا اليها، وهناك كانت المفاجأة؛ حيث التقينا بمجموعة من الوزراء ثم فوجئنا برئيس الحكومة الفلسطينية المنتخبة إسماعيل هنية. وهنا اندفع رئيس القافلة الأوروبية السيد فرناندو روسي عضو مجلس الشيوخ الإيطالي والنائب الإيرلندي ماكلوخان لتقبيل أبوالعبد وأخذه بالحضن، وتحدث النائبان عن سرورهما للقاء هنيةن ووعداه بالسعي لفك الحصار ومن خلفهم باقي النواب الأوربيين المتعاطفيين مع غزة.

ثم قام الوفد بزيارة مركز توثيق جرائم الحرب، وهو قسم جديد تم استحداثه ونال إعجاب أعضاء الوفد بدقة البيانات وأرشفة الأدلة بما يخدم القضية .

ومن ثم قمت بعمل زيارات خاصة لمتابعة أنشطة رابطة فلسطين الخيرية، من زيارة مخيم دير البلح وزيارة بعض العائلات المعدمة فيه؛ حيث كنا قد أمددنا ممثل الرابطة بالقطاع بمبلغ من المال لتجهيز طرود غذائية ضمن قافلة الأمل الأوروبية .

كما زارت الرابطة المسجد المدمر بالبريج، مسجدعمر بن الخطاب ووضعنا حجر الأساس لإعادة إعماره لحين السماح بادخال مواد الإعمار؛ حيث وعدنا بإعادة البناء كاملا حسب رغبة المتبرعين بالنمسا .

وفي ختام جولتنا بالقطاع والتي دامت 48 ساعة، زرنا بيت حانون وهناك زرنا مصلى مؤقت قمنا بإنشائه بجانب مسجد عمر بن عبدالعزيز، وهو مسجد ضخم تم قصفه بـ 8 صواريخ، ولكن القباب ما زالت باقية .

ثم تفقدنا مشاريع تنموية زراعية ساهمنا بها ورأينا خير الأرض والتي تحقق نوعا من الاكتفاء الذاتي لأهالي القطاع.

وحطت رحالنا في نهاية المطاف بمصر الكنانة، ومن هناك افترق الجمع كل إلى بلده، لنروي ما رأيناه، وخلصنا إلى أن قافلة الأمل الأوروبية لكسر الحصار عن غزة زادتنا همة وعزيمة للعمل على بذل المزيد من الدعم الخيري لمساندة المشاريع التنموية والتعليمية والصحية والاجتماعية

لمزيد من الإستفسار

شاهد صور يوميات القافلة الأوربية من هنا

شاهد صور القافلة من بورسعيد إلى غزة من هنا

أقراء أيضاّ يوميات منظمة دار الجنوب النمساوية فى غزة

مواضيع ذات الصلة

“قافلة الأمل” هدية فلسطينيي أوروبا لغزة

قافلة “الأمل” الأوروبية تنتظر الموافقه على الدخول بين الرفحين

قافلة طبية من مسلمى النمسا لدعم الاشقاء في غزة

وفد من مسلمي أوروبا يتوجه إلى غزة في زيارة تضامنية وإنسانية

أطباء عرب بالنمسا يسيرون قافلة تضامنا مع غزة

وفد طبى لاتحاد المنظمات الإسلامية بإوربا لدعم غزة

صور حملة مسلمى أوروبا لنصرة غزة .. المرحلة الأولى

مسلمو النمسا يغيثون قطاع غزة

 

شاهد أيضاً

اختفى حجابها وزوجها.. حلا شيحة تثير الجدل من جديد فى عيد ميلادها الـ 43

في احتفالها بعيد ميلادها الـ43، اختارت الفنانة المصرية البعيدة عن الساحة حلا شيحة أن تثير …