هل تستغل مصر حرب تيغراي مع أثيوبيا لتحقيق مكاسب بأزمة سد النهضة أم يخذلها حلفاؤها الخليجون؟

جاء إعلان مصر والسودان عن إجراء مناورات عسكرية بالتزامن مع تصاعد الحرب في إقليم تيغراي بشمال إثيوبيا، ليثير تساؤلات حول احتمالات تدخل مصر والسودان في أزمة تيغراي.

فهل يسعى البلدان إلى الاستفادة من هذه الأزمة للضغط على رئيس وزراء إثيوبيا آبي أحمد، للحصول على تنازلات في أزمة سد النهضة، أو حتى إشعال الأوضاع في البلاد لوقف المشروع.

وأضاف أن السودان هو العمق الاستراتيجي لمصر، وأن هناك مصالح مشتركة تجمع الشعبين.

إعلان مصر والسودان عن إجراء مناورات عسكرية جاء في توقيت مثير للتساؤلات

وكان الجيش المصري قد أعلن، السبت 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2020، عن تدشين تدريبات عسكرية مشتركة بين مصر والسودان، في أحدث مؤشر على تعميق العلاقات الأمنية بين جارتي وادي النيل، وهي أول تدريب قتالي مشترك منذ انتهاء حكم عمر البشير في الخرطوم بانتفاضة شعبية، العام الماضي.

وقال الجيش المصري في بيان، إن التدريبات القتالية المشتركة التي أطلق عليها اسم “نسور النيل -1″، تجري في السودان وستستمر حتى 26 نوفمبر/تشرين الثاني.

وتشمل التدريبات تخطيط وإدارة الانشطة القتالية، فضلاً عن مجموعات كوماندوز تقوم بمهام بحث وإنقاذ، بحسب البيان.

ونقلت قناة الحرة عن مصدر عسكري سوداني، في وقت سابق من الجمعة، تأكيده إجراء كل من الخرطوم والقاهرة مناورات جوية مشتركة قرب قاعدة مروي الجوية السودانية.

وتزامنت المحادثات، مع توجه رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبدالفتاح البرهان، إلى إثيوبيا على رأس وفد سوداني رفيع المستوى؛ لبحث آخر مستجدات المفاوضات بشأن سد النهضة.

وقال المصدر الذي تحفَّظ على ذكر اسمه لـ”الحرة”، إن قاعدة الفريق عوض خلف الله الجوية القريبة من قاعدة مروي الجوية، ستشهد المناورات الجوية المشتركة.

وكشف المصدر عن وصول أسراب مقاتلات مصرية، من أبرزها مقاتلات من طراز “ميغ 29/إم 2” روسية الصنع.

يمكن للحرب أن تتحول إلى صراع أوسع لا يشمل فقط إثيوبيا وإريتريا، ولكن القوى في جميع أنحاء القرن الإفريقي وما وراءه. وتصاعدت التوترات الإقليمية بسبب مشروع السد الضخم في إثيوبيا، الذي يخشى السودان ومصر من أن يقلل حصتهما من مياه النيل.

وتتنازع كل من السعودية والإمارات ومصر وقطر وتركيا على النفوذ بشرق إفريقيا في السنوات الأخيرة. “الخوف هو أن هذا سوف يحدث مثل ليبيا. وكلما طال أمد الحرب، زاد احتمال أن تجتذب قوى خليجية متنافسة، حسب صحيفة The Guardian البريطانية.

وأفادت تقارير بأن إثيوبيا ألقت القبض على المصريين الذين سافروا ترانزيت عبر إثيوبيا للكويت، خوفاً من أن يكون لهم علاقة بالحرب الأهلية في إثيوبيا.

احتمالات تدخُّل مصر والسودان في أزمة تيغراي

ورغم أن احتمالات تدخُّل مصر والسودان في أزمة تيغراي أمر قد يبدو بديهياً بعد أن ذاق البلدان الأمَرَّين من مرواغات رئيس وزراء إثيوبيا، آبي أحمد، في ملف سد النهضة، والتي انتهت ببدء إثيوبيا ملء السد رغم أنف البلدين.

إلا أنه ليست هناك تقارير من إثيوبيا أو مصر عن هذا التدخل حتى الآن، رغم أن الإعلام المصري شبه الرسمي (والذي يكون عادةً أكثر تعبيراً عن حقيقة التوجهات الحكومية المصرية أكثر من الإعلام الرسمي) أبدى شماتة في إثيوبيا.

ويُتوقع أن يكون أي تدخل في أزمة تيغراي عن طريق إمداد الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي بالسلاح أو سماح السودان، على الأقل، بوصول الإمداد للإقليم المحاصَر من قِبل إثيوبيا وأريتريا.

ولكن حتى الآن، فإن الأوامر الصادرة للجيش السوداني هي الوقوف على الحياد، حسبما ذكرت مصادر سودانية لمجلة Foreign Policy  الأمريكية، فيما يقود رئيس وزراء السودان وساطة إفريقية لا تلقى آذاناً صاغية كبيرة.

وأفادت تقارير بأن إثيوبيا ألقت القبض على المصريين الذين سافروا ترانزيت عبر إثيوبيا للكويت، خوفاً من أن تكون لهم علاقة بالحرب الأهلية في إثيوبيا.

وقبل 19 عاماً من حديث ترامب الصادم عن أن مصر ستفجر سد النهضة، توقعت وكالة المخابرات المركزية في عام 2001 أن النزاعات على المياه ستشكل تحدياً كبيراً للأمن الدولي في العقود القادمة، مستهدفةً السياسة المتعلقة بنهر النيل باعتبارها واحدة من أكثر النقاط الساخنة المحتملة لحروب المياه.

وكشفت برقية للسفارة الأمريكية تعود إلى عام 2010، نشرها موقع “ويكيليكس” لاحقاً، أنَّ المصريين فجَّروا معدات كانت في طريقها إلى إثيوبيا في منتصف السبعينيات.

وسبق أن قال ديفيد هيرست، رئيس تحرير موقع Middle East Eye، إن مصدراً وصفه الأمريكيون بأنه مصدر موثوق للغاية، والذي كان على تواصل مع حسني مبارك ومدير الاستخبارات العسكرية المصرية الراحل عمر سليمان، قد قال للأمريكيين: “لن تكون هناك أي حرب. إذا وصل الأمر إلى أزمة، فسوف نرسل طائرة لتُفجر السد وتعود في اليوم نفسه، بكل بساطة”.

وأضاف: “أو يمكننا إرسال قواتنا الخاصة؛ لمنع/تخريب السد، لكننا لن نلجأ إلى الخيار العسكري الآن. هذا مجرد تخطيط طوارئ. انظر للوراء إلى عملية نفذتها مصر في منتصف السبعينيات، أعتقد في عام 1976، عندما كانت إثيوبيا تحاول بناء سد ضخم. فجَّرنا المعدات بينما كانت تُنقل إلى إثيوبيا عبر البحر. إنها دراسة حالة مفيدة”.

كما ناقش الرئيس الراحل محمد مرسي صراحةً قصف السد وتفجير التمرد في إثيوبيا. اتخذت حكومة عبدالفتاح السيسي موقفاً أكثر ليونة تجاه إثيوبيا، حسب موقع INTERNATIONAL POLICY DIGEST الأمريكي.

وتواجه محاولات القاهرة للتدخل في أزمة تيغراي، صعوبات تتعلق بالمسافة الجغرافية وبنقص خبراتها في مثل هذه العمليات، والأهم تقلبات حلفائها المفترضين.

وأي تدخُّل مصري في أزمة تيغراي سوف يكون في الأغلب، عبر تقديم السلاح والإمدادات عبر الحدود السودانية، في ضوء أن الإقليم محاَصر من إثيوبيا وإريتريا، ولكن يصعب أن يكون تدخلاً بالقتال أو القصف لأن ذلك يحرج القاهرة، ويزيد التفات الشعب الإثيوبي حول آبي أحمد.

المشكلة أن السودان الذي يمثل شريكاً للقاهرة في المخاوف من سد النهضة، أثبت مراراً أنه قد ينفرد بطريقه الخاص بالتفاوض، كما أن البلاد في حالة هشة بعد الثورة التي أطاحت بحكم البشير، والحكم منقسم بين القوى المدنية والعسكريين، والأخيرون أظهروا درجة عالية من البراغماتية مثلما حدث في هرولتهم نحو التطبيع مع إسرائيل وقبلها في التخلي عن الرجل الذي صنعهم عمر البشير، بطريقة لا تجعلهم شريكأً موثوقاً، فيما القوى المدنية تميل لآبي أحمد الذي كان وسيطاً في عملية انتقال السلطة وتعتبره كان أكثر إنصافاُ لها.

كما أن السودان تقليدياً في موقف أضعف تجاه إثيوبيا التي تفوقه سكاناً ما يقرب مرتين ونصف، وتتميز بطبيعتها العسكرية، وجغرافيتها الهضبية، وهي أمور دفعت الخرطوم للتغاضي عن التجاوزات الإثيوبية العسكرية في منطقة الشفقة.

انقلاب في الموقف الأريتري

ولكن هناك سبب آخر، قد يجعل السودان يخشى من التورط في أزمة تيغراي بدعم مصري.

وهو الدور الإريتري، فرغم أن إريتريا دولة صغيرة مقارنة بالسودان وإثيوبيا، إلا أنها دولة تشبه إسرائيل أو كوريا الشمالية بالنسبة لمنطقة شرق إفريقيا، إذ تمتلك نظاماً أمنياً عسكرياً صارماً، وسبق أن صمدت لفترة طويلة في الحرب الدموية التي خاضتها مع إثيوبيا التي تفوقها عدة أضعاف.

وإريتريا تقف بقوة مع إثيوبيا في مواجهة إقليم تيغراي، رغم أن نخب الحكم في إريتريا تنتمي لقومية التيغراي أيضاً لكن بين أسياس أفورقي ونظامه وبين الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي ثأر طويل بسبب قيادة الجبهة للحرب المدمرة ضد أريتريا.

ولقد سافر مبعوثو الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، في 11 نوفمبر/تشرين الثاني، لمقابلة رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، الفريق عبدالفتاح البرهان، على الأرجح لمطالبة الجيش السوداني، الذي يتمتَّع بالسلطة الحقيقية، بقطع أيِّ احتمالٍ للدعم اللوجستي للجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، حسبما ذكرت Foreign Policy .

تحالفات مصر تهتز

واستثمرت مصر متأخراً في محاولة التحالف مع القوى المحيطة بإثيوبيا.

وأعربت إثيوبيا عن اعتراضاتها الشديدة في وقت سابق من هذا العام، عندما تم الكشف عن خطط لإنشاء قاعدة عسكرية مصرية جديدة في أرض الصومال، وحاولت مصر استبعاد إثيوبيا من مبادرات التكامل الإقليمي، مثل إنشاء شبكة سكك حديدية قارية جديدة تربط السودان ومصر وجنوب إفريقيا.

ولكن الاستثمار الأهم في التحالفات بالمنطقة كان مع إريتريا الدولة الصغيرة المنعزلة التي تمثل طريق إثيوبيا القديم للبحر، والتي تتمتع بنظام عسكري قابل للقيام بالمغامرات، ويحتاج للمال، والأهم أنه كان يكن عداءً شديداً لإثيوبيا.

ولكن آبي أحمد كان أبرز خطواته هي المصالحة مع إريتريا والتي بدا أنها غيرت موقف رئيسها أسياس أفورقي من سد النهضة.

فمنذ أن أعلنت إثيوبيا لأول مرة عن بناء سد النهضة في عهد رئيس الوزراء الإثيوبي ميليس زيناوي في إبريل/نيسان 2011، أعرب أفورقي عن مواقف سلبية بشأن السد.

كان موقف إريتريا المعارض للسد بمثابة طريق للتنسيق والتقارب مع مصر، مما أثار حفيظة إثيوبيا. في الواقع اتهمت أديس أبابا القاهرة، في عدة مناسبات، باستخدام إريتريا للضغط على إثيوبيا وزعزعة استقرارها.

ولكن أثارت زيارة الرئيس الإريتري أسياس أفورقي إلى موقع سد النهضة الإثيوبي الكبير أثناء زيارته الرسمية لإثيوبيا في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عدة تساؤلات حول تأثير هذا التقارب على التحركات الدبلوماسية المصرية لحشد دعم الجوار.

وقال طارق فهمي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاهرة، إن “زيارة أفورقي لموقع السد تحمل رسائل من إثيوبيا إلى مصر مفادها أن الدول الإفريقية [الآن] تدعم الموقف الإثيوبي، خاصة أن إريتريا كانت تدعم دائماً المواقف المصرية ضد سد النهضة”. لموقع “المونيتور”.

وعلى الرغم من المواقف السلبية السابقة لأفورقي بشأن السد مع الحكومات الإثيوبية السابقة، كانت هناك محاولات لجعل إريتريا تستفيد من سد النهضة.

الحلفاء الخليجيون لمصر.. ما موقفهم؟

يستطيع الحلفاء الخليجيون لمصر وتحديداً السعودية والإمارات، أن يلعبوا دوراً كبيراً، خاصة أن لهم تأثيراً مالياً كبيراً على إريتريا والسودان (وحتى إثيوبيا).

كما أن البلدين يمكن أن يقدما دعماً لوجستياً لمصر في أي تدخل لتهريب السلاح للتيغراي، حيث إن السعودية مجالها الجوي قريب جداً من شمال إثيوبيا، فيما الإمارات لديها قاعدة في إريتريا.

ولكن الحليفين الخليجيين السعودية والإمارات لم يظهرا دعماً كافياً على الإطلاق لمصر في مواجهة إثيوبيا حتى لو سياسي أو مالي، بل عززا استثماراتهما في إثيوبيا وهناك حديث عن شراء مستثمرين خليجيين أراضي زراعية في محيط سد النهضة، عكس دعمهما الحماسي خاصة الإمارات لمصر وحفتر في ليبيا ودفعهما لمواجهة حكومة الوفاق المدعومة من تركيا، إضافة إلى الدعم الإماراتي لليونان ومصر في نزاع شرق المتوسط، والحماسة البالغة لدفع السودان للتطبيع.

ولكن الأمر الغريب أن هناك اتهامات للإمارات بدعم إثيوبيا، فقد اتهمت جبهة تحرير تيغراي، أبوظبي بدعم الحكومة الإثيوبية في الحرب الدائرة بالإقليم.

وقال جيتاشيو رضا المتحدث باسم جبهة تحرير تيغراي الإثيوبية، إن حكومة إثيوبيا تعتمد الآن على دعم الطائرات بدون طيار الإماراتية التي تنطلق من القاعدة الإماراتية العسكرية في عصب بإرتيريا، حيث تمتلك أبوظبي قاعدة عسكرية شمال ميناء عصب.

هذا الدعم العسكري الإماراتي المحتمل لإثيوبيا، يأتي بعد دعم اقتصادي سخي، فقد سبق أن تعهدت الإمارات بتقديم 3 مليارات دولار من المعونة إلى إثيوبيا، الخطوة التي مكنت الأخيرة من تحديث منظومة جيشها الدفاعية والحصول على منظومة “بانتسير إس 1” الروسية المتطورة للدفاع الجوي، لاستخدامها في حماية سد النهضة، الذي اكتمل بناء 70% منه حتى الآن، من أي تهديد، حسب موقع نون بوست.

يعتقد بعض المحللين أن الصراع سيضعف حكومة آبي أحمد في إثيوبيا بما يكفي لإجبارها على تخفيف موقفها التفاوضي، وبالتالي تسهيل التوصل إلى اتفاق ملزم يحمي رفاهية الأطراف الثلاثة مع الحفاظ على حقوق مصر والسودان المكتسبة في مياه النيل، ومع ذلك، هناك دلائل على أن الوضع يمكن أن يدفع تلك الحكومة في الاتجاه المعاكس.

وبينما تمثل الأزمة فرصة مصر والسودان، لامتلاك ورقة ضغط ضد إثيوبيا، إلا أنه في مثل هذه الأزمات فإن تدخلاً محدوداً وغير فعال يمكن لإثيوبيا تجاوز تأثيره خاصة عبر الدعم الإريتيري، والإماراتي المحتمل، فإن هذا قد تفاقم وضع مصر إذا تمكن آبي أحمد من تحقيق انتصار حاسم وسريع.

ولكن من شأن تنسيق سوداني مصري مع دول الخليج أن يكون لصالح البلدين العربيين المتشاطئين على النيل.

ولكن السعودية والإمارات وإعلامهما لا يؤيدون القاهرة عادة إلا في مواجهة القوى التي يناصبانها العداء، وليس بناء على المخاطر الحقيقية للشعب المصري.

 

شاهد أيضاً

وزيرة الدولة للشؤون الأوروبية تحذر من معاداة السامية اليسارية في النمسا

حذرت وزيرة الدولة للشؤون الأوروبية كارولين إدشتادلر، في مؤتمر صحفي، يوم أمس الجمعة، من ازدياد …