لماذا ينجح المصريون في الخارج ويفشلون في بلدهم؟

انجلترا – سعودي صادق —-

“لماذا لا نتقدم في مصر؟” سؤال يسأله كل مصري يزور دولة متقدمة. ما الذي يجعلهم يتقدمون، في حين نقبع في مؤخرة القطار؟ هل تنقصنا الخبرة أو المعرفة؟ لو كان هذا صحيحاً، لما نجح المصريون الذين يعيشون بالدول المتقدمة كما يشهد لهم الواقع بذلك. فما أسباب الفشل إذن، أو بعضها على الأقل؟

عشتُ خمس سنوات في إنجلترا، وهي دولة متقدمة كما يعرف القاصي والداني. وعندما وصلت أسرتي من مصر، ذهبتُ في اليوم التالي لمدرسة قريبة من سكني لأُلحق ابني بها ومعي حقيبة مليئة “بخيرات” الأوراق الرسمية المصرية الممهورة بعشرات التوقيعات والمختومة بكل أصناف الأختام الحكومية المربعة والدائرية والمثلثة وفوقها جميعاً خاتم الدولة (النسر). تخيلت أن المدرسة ستطلب مني- على الأقل- شهادة ميلاد ابني وجواز سفره وتأشيرة إقامته، لكن لم يُطلَب مني إلا تعبئة استمارة بها اسمه وعنوانه فقط، هكذا كما قرأت “اسمه وعنوانه”، لا شيء آخر، ودون مليم واحد.

عدتُ بذاكرتي للعدد الهائل من “المشاوير” لاستصدار هذا الكم الهائل من الأوراق والانتظار بالساعات لموظف تلو موظف “يلطع” توقيعه الكريم على ورقة ثم الانتقال بها من إدارة لمديرية لمصلحة لمؤسسة ثم قنصلية أو سفارة؛ لمنحها شرف “الموثوقية” والمصداقية اللازمة لتغادر المحروسة وتعبر الحدود. توجهتُ للموظفة المسؤولة في المدرسة بسؤالي: “ألا تحتاجون لأي ورقة رسمية من أي نوع؟” وأنا ينتابني شعور الطالب الذي يحضر امتحاناً استعد له أحسن الاستعداد لكنه وجد الامتحان تافهاً يستطيع أن يجيب عنه أي طالب فاشل لم يقرأ حرفاً واحداً. أجابت الموظفة: “لا”.

بالطبع، هناك مئات الأمثلة المشابهة التي يراها كل مصري يعيش في الخارج، والخارج هنا لم يعد أوروبا فقط، بل كثير من الدول العربية التي نحت هذا النحو من خلال تذليل العقبات أمام مواطنيها في الحصول على الخدمات والتسوق بكل أنواعه حتى يتفرغ المواطن للتفكير في عمله وأدائه على الوجه الأمثل والتفكير الإبداعي الذي يخرجه من أي أزمة. أما في مصر، فأغلب الخدمات- مهما صغرت- تتطلب جهداً شاقاً يستنزف طاقة المواطن حتى وإن كان الحصول على بعض أرغفة الخبز التي تتطلب وقوف المواطن في طابور طويل.

وقد يقول قائل: إن الخدمات تتطور في مصر، وهناك تحول تكنولوجي محمود يسير في الاتجاه الصحيح. ولكن، ما مدى مناسبة هذا التحول مع عدد سكان مصر وانتشارهم؟ هل جرب القائلُ الاتصالَ بأي خدمة عملاء في مصر ورأى كم عليه أن ينتظر حتى يرد عليه موظف ليخبره بأن “ده عيب السيستم” ودون أن يحيله لمسؤول آخر يقدم له حلاً؟ هل جرب القائل أن يدفع رسوم جامعة أو مدرسة تتطلب منه الحصول على كود من موظف ثم البحث عن ماكينة يسدد من خلالها الرسوم ليعود بإيصال الدفع للموظف نفسه؟ الأمثلة كثيرة وكلها تشهد بفساد وتراخي وعدم وجود الإرادة لدى الحكومة لإيجاد حلول حقيقية، بل وجود إرادة قوية بإشغال المواطن واستنزاف طاقته؛ حتى لا يفكر في أي شيء غير إشباع حاجاته الحيوانية من أكل وشرب.

وهنا، لا مناص من أن نذكر أن جزءاً كبيراً من المشكلة يكمن في سياسة الاحتكار التي ما زالت موجودة في مصر؟ فما الذي يجبر أو يغري شركات الكهرباء الحكومية على تحسين خدماتها أو الاعتناء بعملائها إذا كان هؤلاء مضطرين إليها لأنه لا يوجد بديل؟ ومن الذي يستطيع أن يجبر البنك الأهلي المصري أو بنك مصر- بنكا الدولة- على تطوير خدماتهما وهما يحتكران مرتبات العاملين في الدولة؟ هذه المؤسسات ليست بحاجة لإرضاء عملائها ولا يهمها أن ينتظر أحدهم ست ساعات ليدفع مبلغاً لا يتعدى 100 جنيه، كما حدث معي في أحد فروع بنك مصر منذ شهرين تقريباً.

هذه – بالطبع – بعض أسباب التأخر الذي نراه في مصر والإرهاق الذي نراه في عيون المصريين والحزن القابع على وجوههم، ولا أدري إلى متى!

 

شاهد أيضاً

مصرية إسكندرانية.. من هي مينوش شفيق رئيسة جامعة كولومبيا التي تدعم إسرائيل وتقمع التظاهرات؟

“إذا باركتم إسرائيل سيبارككم الله”، لم تحتاج نعمت شفيق أو “مينوش شفيق” رئيسة جامعة كولومبيا، …